منذ اللحظة الأولى لإعلان دولة الاحتلال الإسرائيلي، عمليتها العسكرية المفاجئة والغامضة على الحدود الشمالية، التي أطلقت عليها عملية “درع الشمال”، وبدأت رياح التصعيد المُحملة بالتهديد تهب من كل مكان، وسط حالة ترقب لما تحمله الساعات المقبلة من مفاجآت جديدة.
عملية “درع الشمال” التي بدأت بتدمير ما تُسميه “إسرائيل” امتدادات أنفاق حزب الله اللبناني تحت الأرض، يبدو أنها لن تتوقف عند هذا الهدف الصغير، فالمؤشرات السياسية والعسكرية كافة تؤكد أن ما يجري قرب الحدود اللبنانية الإسرائيلية، ما هو إلا مقدمة وشرارة لحرب طاحنة كبيرة.
الجميع بات ينتظر ساعة الصفر التي ستزيل كل الغبار الذي خلفته الآليات العسكرية التي تجوب الحدود منذ الثلاثاء الماضي 4 من ديسمبر، وأعادت طبول الحرب لتدق من جديد، في تكرار لسيناريو حرب 12 من يوليو 2006 الماضية، التي بدأت باستفزاز الجيش الإسرائيلي، وفي ظل الحديث الذي يخرج من ألسنة المسؤولين الإسرائيليين بأن “طبيعة العملية قد تتغير في الفترة المقبلة“.
يقول عمير ربابورت الخبير العسكري الإسرائيلي: “درع الشمال ليست عملية بالمعنى العسكري للكلمة”
هذه العملية المفاجئة ومعقدة الحسابات على المديين القريب والبعيد، رافقتها 6 أسئلة جوهرية وحساسة، تبحث عن إجابات من الواقع وورق السياسيين والعسكريين معًا، بحسب ما تحدثت به صحف عبرية، التي تراقب كل تفاصيل العملية عن كثب وخطوة خلف خطوة.
ما الأسئلة الـ6 الصعبة؟
عمير ربابورت الخبير العسكري الإسرائيلي بمجلة “يسرائيل ديفينس” للعلوم العسكرية، طرح أهم 6 أسئلة حساسة عن عملية “درع الشمال” التي ينفذها الجيش الإسرائيلي ضد أنفاق حزب الله على حدود لبنان.
السؤال الأول: هل نحن أمام عملية عسكرية؟
يقول ربابورت: “درع الشمال ليست عملية بالمعنى العسكري للكلمة، وحسب التوصيفات العملياتية البرية فإن هناك خطة عمل وفرز قوات، بجانب سيناريوهات غير قليلة من التورط مأخوذة بعين الاعتبار، لكن حتى الآن نحن أمام عملية هندسية يتم تنفيذها داخل الحدود الإسرائيلية دون نيران أو مناورات، ولذلك فإن عنوان العملية قابل للانفجار في أي لحظة“.
جندي إسرائيلي على الحدود اللبنانية
السؤال الثاني: ما تكنولوجيا الجيش الإسرائيلي في أنفاق حماس؟ وهل هي مفيدة ضد أنفاق حزب الله؟
يجيب ربابورت “الاختراق الحقيقي الذي مكن الجيش من اكتشاف الأنفاق على حدود غزة لم يحصل بضربة واحدة، وإنما من خلال إشراك جملة من الوسائل التكنولوجية وبعض الابتكارات التي أنتجتها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، كلها أدت إلى جملة نتائج مذهلة في تاريخ حرب الجيوش ضد الأنفاق التحت – الأرضية التي بدأت في أيام الرومان، وربما قبل ذلك“.
السؤال الثالث: هل عملية درع الشمال اضطرارية حتمية؟
أكد ربابورت أن “الإجابة هي لا، فمن خلال النقاشات داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية خرجت أصوات غير قليلة تقول إنه من الأفضل عدم الذهاب لعملية تدمير الأنفاق بهذا التوقيت بالذات، وكان يجب منح حزب الله المزيد من الوقت للإنفاق على الأنفاق، ووضع فيها المزيد من مقدراته، بحيث يعرفها الجيش جيدًا“.
يشير ربابورت أن اعتبارات غير عملياتية ربما دفعت للخروج في هذا الوقت بالذات لتنفيذ العملية
السؤال الرابع: تم الإعلان رسميًا أن عملية درع الشمال صادق الكابينت عليها يوم 7 من نوفمبر/تشرين الثاني، أي قبل اندلاع موجة التصعيد الأخيرة مع حماس في غزة، وفي أعقابها استقال وزير الحرب أفيغدور ليبرمان، فلماذا خرجت العملية في هذه الأيام؟
يشير ربابورت أن “اعتبارات غير عملياتية ربما دفعت للخروج في هذا الوقت بالذات لتنفيذ العملية، فآيزنكوت الذي أعلن أن تهديد أنفاق حماس ينتهي أواخر 2018، أراد استكمال مشروعه ضد أنفاق حزب الله قبيل مغادرته الوشيكة بعد أسابيع“.
جانب من عملية درع الشمال للبحث عن الأنفاق
السؤال الخامس: إلى أي مستوى يبدو خطر اندلاع حرب من هذه العملية في الشمال؟
يؤكد ربابورت أن “الخطر قائم بلا شك، لكنه ليس كبيرًا إلى هذا الحد، فالطرفان ليسا معنيين بالحرب، لكن حزب الله أثبت في الماضي أنه حريص على السيادة اللبنانية، وفي حال اخترق الجيش الإسرائيلي الحدود اللبنانية، ولو بطريق الخطأ، فإنه سيرد، سواء أعلن مسؤوليته عن ذلك أم لا“.
وأشار إلى أنه “في الصورة الشاملة، فإن الجبهة الشمالية ستبقى في عين العاصفة، طالما أن “إسرائيل” تتصدى للمشروع النووي الإيراني، وبقي حزب الله في الأراضي السورية”.
السؤال السادس: من يردع من.. إسرائيل أم حزب الله؟
يختم ربابورت أسئلته وإجاباته بالقول: “ليس جميلًا الاعتراف بذلك، لكن الردع قائم بين الجانبين، وبالمستوى نفسه“.
وما زاد الغموض أكثر بشأن أهداف العملية الحقيقية، التصريحات التي صدرت عن رئيس الحكومة الإسرائيلية بينيامين نتنياهو حين قال: “إنّنا نعمل بحزم ومسؤولية على جميع الجبهات في وقت واحد، وسنستمر في المزيد من الإجراءات العلنية والسرية لضمان أمن إسرائيل”، مضيفًا بحسب موقع “واللا نيوز” العبري، أن الجيش أطلق عملية درع الشمال لكشف وتحييد أنفاق “الإرهابيين” من لبنان.
هددت “إسرائيل” بتوسيع فيما أسمتها “عملية درع الشمال” إلى الداخل اللبناني، معلنة أنه “إذا رأت حاجة للعمل على الجانب الآخر بهدف هدم الأنفاق فسوف تعمل على ذلك”
وأكد قائلًا: “أي شخص يحاول أن يلحق الضرر بدولة “إسرائيل” سيدفع ثمنًا باهظًا، علينا أن نعمل بحزم ومسؤولية على جميع الجبهات في وقت واحد“.
كما هددت “إسرائيل” بتوسيع فيما أسمتها “عملية درع الشمال” إلى الداخل اللبناني، معلنة أنه “إذا رأت حاجة للعمل على الجانب الآخر بهدف هدم الأنفاق فسوف تعمل على ذلك”، وفق تعبير وزير الاستخبارات الإسرائيلي إسرائيل كاتس، وقال في تصريحات إذاعية الجمعة: “إسرائيل قد تتوسع في عملية استهداف أنفاق تابعة لحزب الله وتمدها إلى لبنان إذا اقتضى الأمر“.
وأعلن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي صباح الثلاثاء 4 من ديسمبر، البدء بحملة عسكرية واسعة النطاق أطلق عليها اسم “درع الشمال”، على الحدود مع لبنان، بحجة الكشف عن أنفاق بناها حزب الله واخترقت الأراضي الإسرائيلية.
وفي أول تعقيب من حزب الله على العملية الإسرائيلية، قال عضو المجلس السياسي للحزب حسن حب الله: “المقاومة في حالة تأهب ويقظة دائمة، وفي حالة مراقبة شديدة لكل تحركات العدو في جميع الجبهات“.
وأضاف في تصريح صحفي نشر له الثلاثاء: “إسرائيل تعلم أن العصر الذي كانت تضرب فيه وأن بيدها المبادرة والهجوم قد ولى، والمقاومة اليوم تستطيع أن تصد أي عدوان وأن توقع به خسائر، وتستطيع أن توجه ضربة للعدو كما حصل في العدوان الأخير على غزة منتصف نوفمبر وحرب تموز وقبلها“.
يقول الخبير في الشؤون العسكرية اللواء واصف عريقات: “إسرائيل قد تتجه لقصف عدة مواقع داخل لبنان وسوريا، ما سيقود إلى مواجهة شاملة”
وشدد حزبّ الله على أن “المقاومة سلسلة متكاملة ولا يمكن الفصل بين مقاومة غزة ولبنان، فالعدو واحد والمقاومة واحدة وإن كانت في جبهات متعددة”، مؤكدًا أن حزبه “لا يمكن أن يسمح للاحتلال بالاستفراد بأي جبهة من جبهات المقاومة، والأمر تحدده القيادة الميدانية“.
إلى أين ستصل العملية؟
على ضوء التطورات الحاصلة على الحدود الشمالية ورائحة الحرب التي تفوح من المكان، يقول الخبير في الشؤون العسكرية اللواء واصف عريقات: “إسرائيل قد تتجه لقصف عدة مواقع داخل لبنان وسوريا، ما سيقود إلى مواجهة شاملة”، مضيفًا “هذه الجولة من التصعيد ستكون بشكل متدحرج بضربات متبادلة بين حزب الله و”إسرائيل” قد تقود في نهاية المطاف إلى تلك المواجهة الشاملة“.
ورأى عريقات أن السبب الرئيس في هذه المواجهة هو امتلاك حزب الله لأسلحة المتطورة وليس السبب الأساسي هو الأنفاق، مضيفًا “حزب الله سيفاجئ “إسرائيل” في هذه الحرب بقصف العمق الإسرائيلي، كما أكد أن دولة الاحتلال تستطيع بدء هذه الجولة لكنها لا تستطيع التحكم في نهايتها، وأشار عريقات إلى احتمالية التدخل السوري والإيراني في هذه المواجهة إما من خلال المواجهة المباشرة أو عبر تزويد حزب الله بالأسلحة.
“إسرائيل” تمارس ضغوطًا دولية كبيرة على لبنان من خلال تقديم أدلة للمجتمع الدولي على انتهاكه القرار 1701 المبرم عقب انتهاء حرب 2006 بين حزب الله و”إسرائيل“
بدوره رأى الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات، أن ما يجري على الحدود الشمالية من حالة توتر بين القوات الإسرائيلية وحزب الله ستتطور، خلال ساعات قليلة، إلى حرب وموجة تصعيد جديدة، بعد 12 عامًا من انتهاء حرب 2006 بين الجانبين.
ويوضح أن رئيس الحكومة نتنياهو على وجه الخصوص يريد أن يهرب من الأزمات الداخلية الطاحنة التي تحيط به من كل جانب وتهم الفساد التي تلاحقه، بفتح جبهة تصعيد متدحرجة مع حزب الله، في محاولة منه لإلهاء الوسط الإسرائيلي وإعادة تصدره للمشهد من خلال التصعيد العسكري.
“نتنياهو يريد أن يضبط من جديد الساعة السياسية، وهو يرى أن استفزاز قوات حزب الله وإشعال جبهة الشمال بالتصعيد والحرب ولغة القصف والنار، سيكون كافيًا لإعادة ترتيب أوراق حكومته من جديد وإبعاد تهم الفساد والفضائح التي تلاحقه”، يضيف المحلل السياسي عبيدات.
ويزيد: “نتنياهو يحاول أن يستفيد من عملية درع الشمال، وسيحقق هدفين مهمين جدًا بالنسبة له: أولهما رفع الضغوطات الكبيرة التي يعاني منها داخل “إسرائيل”، والهدف الثاني محاولة استعادة قوة الردع المتآكلة لدولة الاحتلال، خاصة بعد وصول معلومات قوية بأن القوة العسكرية لحزب الله تتطور، وباتت تشكل خطرًا إستراتيجيًا وعسكريًا، وامتلاكه شبكة أنفاق وكذلك منظومة صاروخية متطورة تصل إلى العمق الإسرائيلي“.
ويلفت إلى أن قبول “إسرائيل” بالضربة القوية التي وجهتها لها المقاومة في غزة قبل أسابيع، وبدء التجهيز الإعلامي والعسكري والسياسي على الحدود الشمالية، يؤكد أن الكرة ستتدحرج وتصل لحرب طاحنة لن توقفها الخطوات السياسية ولا حتى الوساطات الخارجية.
الجدير ذكره أن “إسرائيل” تمارس ضغوطًا دولية كبيرة على لبنان من خلال تقديم أدلة للمجتمع الدولي على انتهاكه القرار 1701 المبرم عقب انتهاء حرب 2006 بين حزب الله و”إسرائيل“، وتشترط دولة الاحتلال بأن تتعامل الحكومة اللبنانية مع الأنفاق من خلال اكتشافها وتدميرها بنفسها قبل أن يتدخل جيشها للقيام بذلك.
وشهد 12 من يوليو 2006، حربًا إسرائيلية عنيفة على جنوب لبنان، بعد اختطاف حزب الله اثنين من جنودها خلال عملية عسكرية، ولا تزال “إسرائيل” تحتل منطقة مزارع شبعا الحدودية، فيما تحمل الساعات المقبلة في خباياها الكثير من المفاجآت التي تحوم بين الحرب واللاحرب، فما السيناريو الأقرب؟