ترجمة وتحرير حفصة جودة
اختارت فاطمة حسن الرميحي الرئيس التنفيذي لمؤسسة أفلام الدوحة أن توجه مهرجانها للشباب والأسرة، ففي عامه السادس لم يكن المهرجان مناسبًا لمحبي الشهرة والتبذير، تقول رميحي: “المهرجان كله عن الشباب، إنه يتعلق بصناع الأفلام والأفلام ذاتها، هذه المسارح الممتلئة والمشاركة الشبابية توضح الهدف من المهرجان وما يمكن أن يقدمه للأطفال”.
في نسخة المهرجان هذ العام الذي بدأ يوم 28 من نوفمبر وانتهى 3 من ديسمبر، عُرض 81 فيلمًا من 36 دولة بينهم 24 فيلمًا من العالم العربي و44 فيلمًا لصانعات أفلام سيدات، ضم المهرجان عدة أفلام من مهرجان كان مثل “كفر ناحوم” للمخرجة اللبنانية نادين لبكي، وفيلم “ولدي” للتونسي محمد بن عطية، وفيلم “3 وجوه” للمخرج الإيراني جعفر بناهي.
لكن قصة لبكي المؤلمة عن أطفال الشوارع وقصة بناهي عن دور المرأة في الفن ليس من نوعية الأفلام التي تتوقعها في مهرجان عائلي، لقد غامر مهرجان أجيال بإعادة تعريف معنى السينما العائلية.
لقطة جماعية لمجموعة من صانعي الأفلام القطرية
تقول رميحي: “لا نخجل من تقديم موضوعات ناضجة، فنحن دائمًا نبخس عقول الشباب وقدرتهم على تقبل الأمور، يجب أن نخلق بيئة ليست فقط لعرض الأفلام، بل لإثارة الأسئلة في عقول المشاهدين وهكذا نحقق أقصى استفادة من تلك الأفلام”.
من بين الأفلام الأخرى التي لا تبدو عائلية الفيلم الوثائقي “الرجل الذي سرق بانكسي” وهو يتحدث عن العلاقة بين الفن والسياسة من خلال قصة رجلين يسرقان رسوم فنان الجرافيتي بانكسي في بيت لحم.
أما فيلم “على طريق السعادة” للمخرجة التايوانية هسن ين سونغ فهو يحكي عن التغييرات التي طرأت على تايوان في الثلاثة عقود الأخيرة من وجهة نظر امرأة ثلاثينية، ويحكي فيلم الافتتاح “ملاعب الحرية” للمخرجة نزيهة عريبي عن ليبيا ما بعد الثورة من خلال منتخب كرة القدم الوطني للنساء.
تعد النسوية إحدى الموضوعات المهيمنة على المهرجان
يقدم المهرجان أيضًا مجموعة متنوعة من الأنشطة الجانبية مثل الأداء الصامت لمسرح الدمى العربية الذي يتحدث عن الهجرة والمنفى.
أفلام قطرية
من أبرز المجموعات في المهرجان كانت المعرض الجماعي “رد فعل” الذي يضم أعمال 12 صانع أفلام وفنان قطري ويتناولون موضوعات مهمة مثل كأس العالم وحرية التعبير والصحفي السعودي جمال خاشقجي.
يتملك المجموعة إحساس بالتحدي والمرونة، فهم لا يخجلون من الحديث في الأمور الداخلية بالمنطقة لكنهم لا يمتنعون أيضًا عن النظر إلى الداخل والنقد الذاتي الكامل.
من أشهر برامج المهرجان كان “صنع في قطر” وهو برنامج شعبي يضم نحو 16 فيلمًا قصيرًا لصانعي أفلام قطريين واعدين، وتتنوع الأفلام بين رسوم متحركة وخيال ووثائقي وأفلام تجريبية.
لكن هذه الأفلام القصيرة تفتقر للجمالية، فهي تبدو وكأنها مقاطع فيديو للشركات وليس للسينما، وهي لا تفتقر فقط للتجربة المرئية بل الكفاءة الموضوعية، وتتسم بالاستخدام المفرط للموسيقي والمبالغة والانفعالية.
موضوعات نسوية
تعد النسوية إحدى الموضوعات المهيمنة على المهرجان وتتحدث 3 أفلام عن هذا الموضوع بشكل مباشر، ففيلم مهدي على “المسرح” يتحدث عن فتاة شابة تتمرد على والدتها بعد مجموعة من النزهات العائلية سيئة الحظ، أما فيلم “شهاب” للمخرجة أمل المفتاح فهو عن فتاة ذات 8 سنوات تتجاهل عرض صديقها لمرافقتها في البحث عن النجمة الساقطة، ويدور فيلم “جوبجوب” لنوف السليطي عن فتاة تحاول التفوق على أخيها في صيد السلطعون بعد سخرية والدها من صيدها المتواضع.
يتحدث فيلم المسافر عن شاب قطري يسافر حول العالم على دراجة بخارية
هذه الأفلام الثلاث في جوهرها تتحدث عن رغبة الفتيات في الاستقلال عن نظرائهن من الرجال وجميعهن يرفضن السيطرة الأبوية ولا يرغبن فقط في المساواة بهم بل يرغبن في التصرف كما يحلو لهن.
الحرية والامتياز
يتحدث فيلم خليفة المري “المسافر” عن رحالة قطري في الـ30 من عمره يذهب حول العالم على دراجة نارية، لكنها قصة عقيمة لمواطن غني يفخر بوطنيته ويهدي إنجازه لأمير قطر تميم بن حمد، حيث يأتي سعيه عن الحرية من موقع امتياز وليس معاناة حقيقية.
الأكثر أصالة كان فيلم المصرية السودانية إيمان ميرغني “متلازمة التبييض” الذي يتحدث عن الممارسات العنصرية ضد النساء السودانيات بسبب لونهن، لكن ميرغني لم تتطرق للموضوع بعمق ولم تتساءل عن موقعها كامرأة مختلطة العرق في المجتمع القطري، ورغم أن العرض لم يكن فنيًا بما فيه الكفاية، ينبغي الإشادة بميرغني لفتحها الباب أمام الحديث عن العنصرية ومعايير الجمال التقليدية في العالم العربي.
الحنين والحيرة
الأكثر اكتمالاً كان الفيلم المصري الصامت “السبب” لهدير عمر وتجمع لقطاته بين مصر وقطر والحيرة والارتباك بشأن البلد الأم والبلد الذي تعيش فيه الآن، وبنفس الجودة كان فيلم الصحفية اليمنية الروسية مريم الذبحاني “مجرد ذكرى” وهو يحكي عما بعد حرب اليمن والخسارة والنزوح والمأساة التي تتضاعف بسبب تجاهل العالم لها.
ما زال الطريق طويلاً أمام حصول العمالة الأجنبية على حقوقها كاملة وحريتها
ولأن قطر دولة محافظة فهناك أمور لم يتم التطرق إليها قط، تقول رميحي: “نحاول أن نقدم أفلامًا تنزع الغطاء عن الأمور وتعلم المشاهدين شيئًا عن الإنسانية والعالم، ويجب أن تضع في اعتبارك مَن جمهورك وإلا سوف تخسره ولن تستعيد ثقته أبدًا”.
ما زالت قطر دولة محافظة ولا يمكن انتقاد العائلة الحاكمة، وما زال الطريق طويلاً أمام حصول العمالة الأجنبية على حقوقها كاملة وحريتها، لكن يجب الاعتراف بأن قطر قطعت شوطًا كبيرًا في بناء مجتمع صحي وعادل.
غياب الجيران
غاب عن المهرجان صانعو الأفلام من دول الحصار، وتؤكد رميحي أنها دعت عدد من صانعي الأفلام من تلك الدول لكنهم رفضوا الدعوة باحترام، حيث تقول: “لقد عملنا مع العديد من صانعي الأفلام في مصر والإمارات والسعودية وسوف ندعوهم دائمًا للمهرجان، نحن نتفهم موقفهم تمامًا ونأمل أن نعمل معهم عندما يصبح هذا الوضع أمرًا من الماضي”.
المصدر: ميدل إيست آي