بعد استشهاد قائدها.. خيارات حماس لترتيب مشهدها القيادي

ثاني رئيس للمكتب السياسي لحركة حماس يستشهد خلال “طوفان الأقصى”، فبعد ما يقارب أربعة أشهر في رئاسة الحركة، يرتقي يحيى السنوار شهيدًا في اشتباك مباشر مع قوات الاحتلال غربي رفح جنوبي قطاع غزة.

منذ اليوم الأول لـ”طوفان الأقصى”، حددت حكومة الاحتلال قيادة حركة حماس في كل أماكن وجودها هدفًا رئيسيًا للملاحقة والاغتيال والتصفية، بكل الأدوات، العلنية والسرية، مطلقةً العنان لأجهزة الأمن والاستخبارات لتسخير كل قدراتها في سبيل تحقيق هذا الهدف، الذي مسحت أمام النجاح فيه كل الخطوط الحمراء التي كانت تعقد حسابات “إسرائيل” في الماضي.

أدت الاغتيالات التي طالت أبرز الأسماء وأوزنها في تشكيلة القيادة في حماس إلى فتح الباب واسعًا أمام العديد من التساؤلات عن قدرتها على تجاوز أثر هذه الضربات على الهرم القيادي، وعلى منظومة القيادة والسيطرة، وعبرها على معادلات عديدة مرتبطة بمواقف الحركة واستراتيجيتها في مواجهة حرب الإبادة التي تكمن في جوهر أهدافها تصفية وجود الحركة والقضاء عليها.

ما بين الردع والمواجهة

لم يخف رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، إطلاقه العنان لكل أذرع “إسرائيل” لملاحقة وقتل كل قيادة حركة حماس، في كل مكان في العالم، إذ ذكر بصريح العبارة خلال كلمته في 22 نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي: “أصدرت تعليماتي للموساد بالعمل ضد قادة حماس أينما كانوا”.

وورد الجوهر ذاته في التسجيل الذي بثته هيئة البث العامة الإسرائيلية “كان” في ديسمبر/كانون الأول 2023 لرئيس جهاز الأمن الداخلي “الشاباك”، رونين بار، يقول فيه إن “إسرائيل” ستلاحق حركة حماس في قطر وتركيا ولبنان “حتى لو استغرق الأمر سنوات”، على حد قوله.

وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية كشفت في تقرير عن خطة إسرائيلية لاغتيال قادة حركة حماس، ناقلة عن مسؤولين إسرائيليين أن نتنياهو أمر وكالات الاستخبارات بوضع خطط لاغتيال كبار قادة الحركة الذين يعيشون خارج غزة “في أي مكان بالعالم”.

في الواقع، لم يكن الأمر يحتاج إلى متابعة التصريحات، أو ما تكشفه صحف عالمية أو عبرية حول نوايا “إسرائيل” العداونية، فالتاريخ حافل بالإدمان الإسرائيلي على الاغتيال بوصفه وسيلة للردع والانتقام، وكدلالة حية ودائمة على قدرة “إسرائيل” على استهداف كل أعدائها بالقتل “في أي مكان بالعالم”.

من أجل تحقيق هدفها بملاحقة وتصفية قيادة حماس، كانت “إسرائيل” مستعدة للمضي إلى آخر مستويات التصعيد والمخاطرة بالعديد من المعادلات، إذ كانت أولى عمليات الاغتيال الناجحة لنائب رئيس المكتب السياسي للحركة وقائدها في الضفة الغربية، الشيخ صالح العاروري، الذي ارتقى بهجوم صاروخي استهدف مكتبًا لحماس في الضاحية الجنوبية بالعاصمة اللبنانية بيروت في يناير/كانون الثاني 2024، في الوقت الذي كانت قواعد الاشتباك مع “حزب الله” ما زالت تراوح حدود الاشتباك جنوبي لبنان وشمالي فلسطين المحتلة، وبذلك عد استهداف الضاحية الجنوبية تصعيدًا غير مسبوق.

الأمر سواء في استهداف رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، الذي ارتقى في عملية اغتيال حملت الطابع الأمني، استهدفت مقر إقامته في العاصمة الإيرانية طهران، في نهاية يوليو/تموز 2024، على هامش مشاركته في احتفالات تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، في ضربة عدتها إيران تعديًا كبيرًا لا يمكن تمريره دون رد واضح وصريح.

وضع الاغتيالان حماس أمام ممر إجباري يقضي بأن تتداعى الحركة لاختيار رئيس جديد لمكتبها السياسي يتولى القيادة في هذا التوقيت الحساس، وهو ما تكلل بعملية اختيار سريعة وسرية ضمن مجلس الشورى العام للحركة، أجمعت فيه على اختيار رئيسها في قطاع غزة، يحيى السنوار، خلفًا لهنية في قيادة المكتب السياسي ورئاسة الحركة.

لم يكن اختيار السنوار، الرجل الأقوى في حماس في حينه، ومهندس “طوفان الأقصى” وقائده، والمطلوب الأول لـ”إسرائيل”، ولكل حلفائها من الدول الغربية، اختيارًا عبثيًا أو مرتبطًا بمعادلات القوة الداخلية فحسب، بل ارتبط أيضًا ارتباطًا وثيقًا بتوجه الحركة والإعلان الواضح عن الوحدة الداخلية خلف خيار هجوم السابع من أكتوبر، وخيار المواجهة مع الاحتلال، وتجند الحركة بكل أذرعها وأقاليمها خلف قائد الطوفان.

كانت حركة حماس تعي تمامًا أن احتمالات ارتقاء يحيى السنوار شهيدًا الاحتمالات الغالبة، وأن “إسرائيل” لن تتوقف ولن تتوانى عن قلب غزة حجرًا حجرًا بحثًا عن قائد “طوفان الأقصى” الذي وجه إليها الضربة الأكبر في تاريخها. وعلى الرغم من ذلك، اختارت الحركة أن ترسل رسالتها ردًا على اغتيال هنية والعاروري بوضوح وتحدٍ بتحويل الردع المفترض إسرائيليًا إلى المزيد من الإباء والتمسك بالمواجهة، وهو ما كُثِف في اختيار السنوار رئيسًا جديدًا للمكتب السياسي.

أفشل اختيار السنوار محاولات الهندسة الإسرائيلية لقيادة حركة حماس، كما أفشل محاولات ردعها أو خلق تيار داخل الحركة يبحث عن سبيل الخلاص بأي ثمن طمعًا في النجاة من نار “الغضب الإسرائيلي”، وكان الجواب واضحًا بإجماع الحركة على خيارها.

من جانبه، كان السنوار يعي أيضًا حجم المسؤولية التي ألقتها الحركة على كاهله، وهو الذي لم يتردد في اتخاذ قرار الهجوم الأكبر في تاريخ المقاومة الفلسطينية، ولم يتردد أيضًا في حمل المسؤولية، وترجمة القيادة فعلًا في الميدان، وأن يضع في الحسبان أهمية ألا تُمنح “إسرائيل” الصورة التي تريدها، وكان كما هو دائمًا، في مقدمة الصفوف، حتى ارتقى مشتبكًا حاملًا سلاحه وجعبته، عاكسًا كل أثر وإنجاز وصورة بحث عنها بنيامين نتنياهو، كما نسف بدمائه وإقدامه جهودًا مضنيةً بذلتها منظومة “الهسباراه” الإسرائيلية في التحريض عليه وتأليب المجتمع في قطاع غزة ضده وضد المقاومة.

الشورى صاحب القرار.. وتعقيدات في الطريق

كما كانت الآلية حينما استشهد إسماعيل هنية ستكون الآلية أيضًا بعد استشهاد يحيى السنوار، فالأمر أولًا وأخيرًا لمجلس الشورى العام في الحركة، ولطالما يمكن للمجلس الالتئام فإن مؤسسات الحركة وأنظمتها قد رتبت بقية التفاصيل نظاميًا.

تلتزم حركة حماس بديمقراطيتها الخاصة في اختيار قادتها عبر نظام “الشورى” المعمول به داخليًا، والذي يشمل عرفًا رئيسيًا مرتبطًا بألا يتقدم أي مرشح للمنافسة على الموقع الشاغر، على قاعدة أن ” طالب الْولاية لا يولى”، بل يختار مجلس الشورى من بين أعضائه من يراه مناسبًا، أو يخضع من يرشحهم أعضاء الشورى لعملية انتخابية.

تجري العملية بتصويت مجلس الشورى بأعضائه الـ51 على الأسماء المرشحة، بحيث ينجح صاحب أعلى الأصوات، وفي حالة التعادل يصار إلى إعادة الجولة الانتخابية حتى حصول أحد المرشحين على أعلى الأصوات، ويسمى رئيسًا للمكتب السياسي، الذي يسمي بدوره نائبه في رئاسة الحركة.

تعتري هذه العملية حاليًا مجموعة من التعقيدات مرتبطة بدرجة أساسية بالإجراءات الأمنية المعقدة التي اتخذتها الحركة في أماكن وجودها، بما يشمل إجراءات تقييد التنقل والسفر، وإجراءات أكثر خصوصية في ساحات الاشتباك والاستهداف المباشر، خاصةً في لبنان الذي يحتضن جزءًا أساسيًا من قيادة الحركة.

من جانب آخر، فإن مجلس الشورى العام يضمن ممثلين عن أقاليم الحركة، بما فيها أقاليم غزة والضفة والسجون، وكلها أقاليم تعاني وضعًا خاصًا جدًا في ظل الهجمة الإسرائيلية، ما يفرض صعوبة كبيرة في مشاركتهم الفاعلة ضمن أعمال أي دورة قادمة لمجلس الشورى، على الأقل في المنظور القريب، خصوصًا أن عضوية المجلس تجمع بين طياته قادة عسكريين وسياسيين ودعويين.

جزء آخر من التعقيدات مرتبط باستشهاد/مجهولية المصير لعدد من أعضاء مجلس الشورى العام من قطاع غزة، الذين تعرضوا لمحاولات اغتيال وبقي مصيرهم غير محسوم، وهو ما يجعل مقاعدهم شبه شاغرة، وغير محسومة، وهو ما يخل أصلًا بالنظام الانتخابي وأوزان الأقاليم ضمن مجلس الشورى العام لحركة حماس.

كانت كل هذه التعقيدات بالطبع حاضرةً بعد اغتيال إسماعيل هنية، واستطاعت الحركة تجاوز غالبيتها بالذهاب لخيار الإجماع، والذي أعفى كل أقاليم حماس من خوض نقاشات نظامية تفصيلية في هذه المرحلة الحرجة، وكان يحيى السنوار خيارًا طبيعيًا وتعبيرًا مكثفًا عن توجه حركة حماس بالمضي في درب “طوفان الأقصى”.

مروحة واسعة من الشخصيات القيادية

تعرضت الصفوف القيادية في حركة حماس لاستهدافات واسعة، شملت عمليات/محاولات اغتيال متعددة لجزء أساسي من أعضاء المكتب السياسي للحركة في قطاع غزة، وأعضاء اللجنة التنفيذية للمكتب السياسي (المكتب السياسي المركزي لحركة حماس).

يحتوي المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة على 18 عضوًا معلن عنهم في آخر دورة انتخابية للحركة التي جدد فيها يحيى السنوار رئيسًا للحركة، ونعت حماس منهم منذ بداية “طوفان الأقصى” ثلاثة شهداء قضوا باغتيالات إسرائيلية: زكريا معمر، وجواد أبو شمالة، وجميلة الشنطي، إضافةً إلى رئيس مجلس الشورى في قطاع غزة أسامة المزيني.

فيما ادعت “إسرائيل” في إعلانات متعددة اغتيال كل من روحي مشتهى، وسامح السراج، ومروان عيسى، وعصام الدعاليس، بما يشمل الإعلان أكثر من مرة عن عملية اغتيال للشخصية ذاتها في أزمنة وأماكن متعددة، خاصةً كل من روحي مشتهى وسامح السراج.

لم تكشف حركة حماس عن مصير أي من الأسماء التي أعلن الاحتلال اغتيالهم، وبقي مصيرهم مجهولًا، إلا أنه بخلاف الإعلان المتكرر عن استهداف الشخصيات ذاته، فإن أحدث تجربة تثبت مدى قصور المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية بشأن مصير من يعلن اغتيالهم تتمثل بإعلان الاحتلال رسميًا تصفية قائد كتيبة تل السلطان في كتائب القسام، محمود حمدان، مرفقًا ذلك بتوثيق مصور لعملية استهدافه، ليتبين بعد أسابيع أنه كان على قيد الحياة ويرافق رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار، واستشهد معه في خلال الاشتباك.

فيما يتواجد 7 من أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس بقطاع غزة خارج القطاع بالوقت الحالي، جزء منهم كان قد خرج من قبل لمهام أخرى في اللجنة التنفيذية للمكتب السياسي، مثل نائب رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية، الذي يتولى مسؤولية ملف العلاقات العربية والإسلامية، وأمين سر اللجنة التنفيذية نزار عوض الله، إضافةً إلى عضو اللجنة التنفيذية للحركة فتحي حماد أيضًا، فيما خرج آخرون ارتباطًا بمهام عمل وتنسيق، مثل غازي حمد وسهيل الهندي.

ومركزيًا بدرجة أكبر، فإن اللجنة التنفيذية للمكتب السياسي لحركة حماس تضم في عضويتها 19 عضوًا معلن عنهم، إضافةً إلى الأعضاء السريين من ممثلي الضفة الغربية والسجون وأقاليم أخرى، ارتقى منهم 3 شهداء: رئيس المكتب ونائبه ورئيس إقليم غزة، وتبقى الباقون على قيد الحياة على رأس عملهم.

تشمل اللجنة التنفيذية في عضويتها 6 أعضاء من قطاع غزة، ارتقى منهم الشهيد يحيى السنوار، ومصير من هم موجودون داخل القطاع ما زال مجهولًا، فيما يوجد منهم 3 خارج القطاع الآن.

تحمل كل الأسماء في عضوية المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة، وفي اللجنة التنفيذية، تجربة واسعة من العمل السياسي والتنظيمي في صفوف الحركة، وهم في غالبهم مخضرمون خاضوا تجارب واسعة ضمن صفوف الحركة في مهام متعددة عسكرية وأمنية وسياسية، وعمل غالبهم مباشرةً مع قادة الحركة منذ التأسيس.

تعطي هذه التشكيلة مؤشرًا واضحًا حول قدرة الهيئات القيادية لحركة حماس على تجاوز الشواغر الحالية في المراكز القيادية بأريحية، مع الأخذ في الحسبان طبعًا أهمية الأفراد وتوجهاتهم وقدرتهم على التأثير.

الخطوات المتوقعة

يتمثل الإجراء الطبيعي بأن يتداعى مجلس الشورى للانعقاد بعد أن أعلنت حماس رسميًا استشهاد رئيس مكتبها السياسي، يحيى السنوار، لكن ليس من المرجح أن ما جرى بعد اغتيال إسماعيل هنية سيجري أيضًا بعد استشهاد يحيى السنوار، فعلى الرغم من تشابه الحدث والموقع، يبقى السياق والاستخلاص مختلفين، ويضمان تفاصيل عديدة من المهم أخذها في الحسبان عند تقدير خطوات الحركة القادمة وترتيباتها المستقبلية.

في حالة إسماعيل هنية، فإن نائب الرئيس، صالح العاروري، تعرض لاغتيال قبل اغتيال رئيس المكتب السياسي، وبالتالي فإن موقع نائب الرئيس كان قد شغر قبل شغور موقع رئيس الحركة، وهو ما ترك المكتب السياسي للحركة “بلا رأس”، وأمام إدراك حركة حماس الهدف الرئيسي من عملية الاغتيال بهذا التسلسل -وهو الفراغ القيادي ومحاولة هندسة القيادة القادمة للحركة- فقد تداعت إلى ملء شاغر الرئاسة رسميًا وبانتخاب كامل وسريع.

أما في الوضع الحالي، فإنه ووفق النظام، يتولى الرئيس المنتخب تسمية نائبه في المكتب السياسي، وهو ما لم يعلن رسميًا بعد انتخاب يحيى السنوار رئيسًا للحركة، إلا أن المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي، طاهر النونو، كان قد كشف في مقابلة إعلامية أن الحركة اختارت خليل الحية نائبًا لرئيس المكتب السياسي، وسرعان ما سحب التصريح وطلب من وسائل الإعلام حذفه، وهو ما يعني أنه إما أن الحركة قد قررت إبقاء هذا الموقع سريًا دون إعلان، أو أن الأمر كان قد اختلط على النونو لأن الحية كان نائب السنوار في قيادة الحركة في قطاع غزة.

أيًا كان الأمر، فالدور المركزي لخليل الحية واضح وبارز من خلال دوره بصفته مسؤولًا عن ملف التفاوض حول صفقة تبادل الأسرى، وعد ناقل الرسائل الرئيسي عن السنوار ومصدر ثقته، وهو ما لا يدع مجالًا للشك في كونه أحد أهم المرشحين لموقع رئيس الحركة، خصوصًا مع امتلاكه تجربة واسعة في قيادة الحركة، وشرعية نضالية وتاريخية، إضافةً إلى أنه قدم عددًا كبيرًا من أفراد عائلته شهداء في استهدافات الاحتلال المتكررة لمنازل العائلة.

في سيناريو آخر، فإن تكليف رئيس مجلس شورى الحركة، محمد درويش، بتسيير أعمال رئاسة المكتب السياسي لحركة حماس إلى حين تهيؤ الأوضاع لانعقاد مجلس الشورى العام بكامل عضويته وإتمام عملية انتخاب طبيعية ومكتملة الشروط القانونية، يعد سيناريو واردًا جدًا، خصوصًا أن حركة حماس قدمته إلى الإعلام علنًا في أغسطس/آب الماضي بخبر رسمي حول استقباله للأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، زياد النخالة، في لقاء قيادي بالعاصمة القطرية الدوحة، وهو ما يعني وجود توجه لتوسيع حضوره العلني والسياسي.

إلى جانب الاسمين المذكورين، يبقى اسم خالد مشعل حاضرًا دائمًا كخيار، إذ إن له من الخبرة الباع الكبير نظرًا إلى رئاسته المكتب السياسي لحركة حماس المدة الأطول في تاريخ الحركة (منذ 1996 حتى 2017)، والذي يرأس الآن إقليم الخارج، ما يجعل موقعه التنظيمي يوازي موقع نائب رئيس الحركة، إلا أنه ستترتب على توليه موقع رئاسة الحركة مخاطرة حركة حماس بالعديد من المعادلات، خصوصًا مع حلفائها في محور المقاومة، نظرًا إلى العلاقة الفاترة بين مشعل و”حزب الله” وإيران.

يبقى اسم زاهر جبارين، رئيس إقليم حركة حماس في الضفة الغربية، الذي تولى هذه المهمة بعد استشهاد رئيس الإقليم السابق، صالح العاروري، اسمًا حاضرًا ولو بأسهم أقل نسبيًا من المذكورين سلفًا لعدة اعتبارات، أهمها أهمية التركيز على ملف الضفة وتطوير العمل فيه، والذي قطع جبارين شوطًا مهمًا ملموسًا فيه راكم عليه على ما حققه سلفه العاروري من قفزات، ما جعل ماكنة التحريض الإسرائيلية توليه اهتمامًا واسعًا في التغطية والمتابعة.

ويحظى جبارين بعلاقة مميزة مع حلفاء حركة حماس، وقد ظهر في عدة مرات في وفود الحركة إلى طهران وبيروت، ويتصاعد حضوره بشكل لافت في الأشهر الأخيرة، إلا أن فرصه تبقى متواضعة حاليًا في خوض السباق على رئاسة الحركة.

في كل الأحوال، فإن الإبقاء على من شغل موقع نائب الرئيس بعد اختيار السنوار رئيسًا يعكس مؤشرًا أوليًا حول توجه حركة حماس بإبقاء المواقع القيادية الجديدة سريةً إلى حين وضع الحرب أوزارها، وذلك على غرار ما فعلته الحركة في الامتناع عن الإعلان بشأن مسؤولية قطاع غزة بعد اغتيال الشيخ أحمد ياسين، وخلفه الدكتور عبد العزيز الرنتيسي على التوالي في العام 2004.

سيحرم الإبقاء على خيار رئيس المكتب السياسي القادم سريًا “إسرائيل” من إمكانية تحقيق إنجاز جديد باستهداف الرئيس الجديد واغتياله، خصوصًا أن معركة “طوفان الأقصى” ما زالت مستمرة، ولا تظهر في الأفق القريب أي بوادر لوضعها أثقالها، ومن المنطقي جدًا أن توسع حماس من سرية عملها ليشمل سرية ملئها شواغرها القيادية، خصوصًا في موقعي رئاسة المكتب السياسي، ورئاسة الحركة في قطاع غزة، وترك الأمر ليكون عنوانًا جديدًا من عناوين إشغال منظومات الأمن الإسرائيلية.

استراتيجيًا، فإن البناء المؤسسي لحركة حماس بناءٌ صُلب عبر سنوات من الاستهداف المستمر للحركة وقيادتها، وبالتالي فإن قدرته على تجاوز الضربات التي تطال رأس الحركة كبيرة جدًا، وهو بناء يؤمن أيضًا سلامة الاستراتيجيات والتوجهات التي تعبر عن توجه المؤسسة القيادية لا عن توجه فردي لمن يقود الحركة، وبالتالي فمن غير المتوقع أن تشهد مواقف الحركة تغييراتٍ نوعية، لا في ملف التفاوض ولا في التمسك بمسار “طوفان الأقصى” والاستراتيجية السياسة والكفاحية لحركة حماس.