أقرت الدول المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة الأول عن الهجرة، المنعقد في مدينة مراكش المغربية، صباح اليوم الإثنين، ميثاق الأمم المتحدة بشأن الهجرة، اتفاق عالمي للهجرة، تراه بعض الدول ضروري للتعامل بصورة أفضل مع تدفقات المهاجرين ووقف مآسي الهجرة، فيما تراه دول أخرى مطية لزيادة أعداد المهاجرين ومسًا بسيادتها الوطنية.
أهداف الميثاق
إقرار الـ159 دولة المشاركة في المؤتمر لهذا الاتفاق الذي أطلق عليه “من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية”، جاء بعد أن وضع جميع أعضاء الأمم المتحدة البالغ عددهم 193 عضوًا باستثناء الولايات المتحدة اللمسات الأخيرة عليه في يوليو/تموز بهدف التعامل مع الهجرة بشكل أفضل.
وبحسب التعريف الرسمي على موقعها الرسمي”لاجئون ومهاجرون” تقول الأمم المتحدة: “هو أول اتفاق يتم التفاوض عليه بين الحكومات، وتم إعداده تحت رعاية الأمم المتحدة، لتغطية جميع أبعاد الهجرة الدولية بطريقة شاملة”، ويحدد المستند المكون من 34 صفحة “إطارًا للتعاون” في مقاربة الهجرة العالمية، إذ يحد من الضغوطات على البلدان التي تستقبل الكثير من المهاجرين ويعزز فكرة الاعتماد على الذات للوافدين الجدد.
https://twitter.com/UN/status/1072043015567564801
ويضع الميثاق الأممي 23 هدفًا، وبموجبها يهدف إلى إدارة مسألة الهجرة بشكل أفضل محليًا ووطنيًا وإقليميًا وعالميًا، وتحسين السياسة الدولية المتعلقة بالهجرة من أجل التصدي للهجرة غير الشرعية وغير المنظمة ومن أجل جعل الهجرة أكثر أمانًا للإنسان.
جاءت فكرة هذا الاتفاق، عقب تعثر الأوروبيين في مجاراة أزمة الهجرة عام 2015
يقدم الجزء الأول من الميثاق لمحة عامة عن الشراكة الدولية لإدارة عمليات الهجرة، ويشير إلى أنه لا يمكن لأي دولة أن تدعي تسوية هذه القضية وحدها، وهكذا ينص على أن تنظيم الهجرة يتم بشكل آمن ومنظم وشرعي للحد من الهجرة غير الشرعية، مع السعي إلى معالجة أسباب الهجرة من المصدر ذاته (بلدان المنشأ)، بالإضافة إلى جعل المهاجرين مصدر ازدهار البلدان التي لجؤوا إليها.
وجاء في نص الميثاق “الهجرة جزء من التجربة الإنسانية عبر التاريخ، ونقر بأنها مصدر للازدهار والابتكار والتنمية المستدامة في عالم يتسم بالعولمة، ويمكن تعزيز تلك الآثار الإيجابية من خلال تحسين إدارة الهجرة”.
ويحدد الاتفاق الدولي التفاهمات والمسؤوليات المنوطة بكل دولة من الدول المتعاهدة عليه، على أن تكون الهجرة فرصة لتوحيد الجهود الدولية لا التفريق وبث الخلافات بين الدول، وهو بذلك يقر بالحاجة إلى نهج تعاوني لتحسين الفوائد العامة للهجرة.
أما الجزء الثاني من الميثاق والمتعلق بالأهداف، فقد فصل في الإجراءات والطرق التي يجب اتباعها لتجنب عملية الهجرة القسرية أو غير المنتظمة من خلال تحديد إطار لها، وركز ضمن هذا الشأن على ضرورة الاهتمام بالأوضاع التي تدفع المهاجرين إلى المغادرة، من خلال تبادل المعطيات والمعلومات، ومكافحة الهجرة غير النظامية عن طريق تعزيز الأمن على الحدود، والإشارة إلى عناصر الهجرة الآمنة والمُنظمة وتجهيز تدابير للاندماج وسياسات للتنمية في بلدان المنشأ ودول اللجوء.
ويهدف الاتفاق العالمي وهو تكملة للميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي يوافق إعلانه الـ10 من ديسمبر/كانون الأول 1948، إلى تخفيف العوامل التي تمنع الناس من البناء والحفاظ على سبل العيش في بلدانهم الأصلية، والحد من المخاطر ومواطن الضعف التي يواجهها المهاجرون في مراحل مختلفة من الهجرة.
كما يهدف الاتفاق أيضًا، إلى معالجة اهتمامات الدول والمجتمعات، والإحاطة الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تشهدها المجتمعات، فضلاً عن تهيئة الظروف التي تمكن جميع المهاجرين من إثراء المجتمعات من خلال قدراتهم البشرية والاقتصادية والاجتماعية، وتيسير مساهماتهم في التنمية على المستويات المحلية والوطنية والإقليمية والعالمية.
وجاءت فكرة هذا الاتفاق، عقب تعثر الأوروبيين في مجاراة أزمة الهجرة عام 2015، لتعد حينها الأمم المتحدة اجتماعًا لمناقشة الردود، وفي السنة التالية، وقعت 193 دولة عضوًا على إعلان نيويورك الذي يدعو إلى اعتماد اتفاق للهجرة بحلول نهاية عام 2018، وانبثق عنه الاتفاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والشرعية.
معارضة يمينية
هذا الاتفاق وجد معارضة من عديد من الدول، خاصة داخل الاتحاد الأوروبي، حيث هاجم ساسة أوروبيون نص الاتفاق منذ صياغته، وقالوا إنه قد يؤدي إلى زيادة الهجرة عوض الحد منها، ورفضت ثماني دول على الأقل من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الاتفاق.
وتقود هذه الدول، حكومات يمينية شعبوية تنتهج سياسات ضد المهاجرين، ومعظمها من دول أوروبا الشرقية، وهي النمسا وبلغاريا وكرواتيا والتشيك وإستونيا والمجر وبولندا، فضلاً عن إيطاليا، ولا تقتصر الدول الرافضة لهذا المقترح على الدول السابق ذكرها، فنجد أيضًا الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أستراليا والكيان الإسرائيلي.
يوجد نحو 258 مليون شخص مهاجر حول العالم
في أحدث اضطراب سياسي بشأن الاتفاق، أعاد رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشيل تشكيل حكومته أمس الأحد كحكومة أقلية بعدما انسحب ثلاثة وزراء منتمين لحزب الوطني الفلمنكي المحافظ (أكبر حزب في تحالفه)، بسبب قرار رئيس الوزراء شارل ميشيل المصادقة على ميثاق أممي بشأن الهجرة.
وقد هز الخلاف عن الاتفاق الأممي بشأن الهجرة أيضًا حكومات أوروبية أخرى، فقد قدم وزير الخارجية السلوفاكي ميروسلاف لايتشاك استقالته بعد أن رفضت بلاده الاتفاق، إلى جانب ذلك قال رودريغو أوبيلا وكيل وزارة الداخلية في تشيلي لصحيفة محلية يوم الأحد إن ممثلي بلاده لن يحضروا توقيع الاتفاق، وأضاف “لقد قلنا إن الهجرة ليست من حقوق الإنسان، وللدول الحق في تحديد متطلبات دخول المواطنين الأجانب”.
وداخل البلدان التي أعلنت موافقتها عليه، تعرَض الميثاق لهجوم من الأوساط الشعبوية والأحزاب القومية التي ترى فيه تقويضًا لاستقلال دولها، رغم أن الميثاق لا يفرض التزامات جديدة على الدول، ويمثل هذا الميثاق ذروة المشاورات والمناقشات الموضوعية بين الدول الأعضاء والجهات الفاعلة كالمسؤولين المحليين وممثلي المجتمع المدني والمهاجرين أنفسهم.
السيادة الوطنية؟
من الأسباب التي تقدمها هذه الدول لرفضها هذا الاتفاق، أنه يمس سيادتها الوطنية، الأمر الذي تنفيه الأمم المتحدة، وتؤكد المنظمة الأممية أن الميثاق العالمي للهجرة لا يمس سيادة الدول الموقعة عليه، ولا حقها في رسم سياستها المستقلة بشأن الهجرة، إنما هدفه تنظيم الهجرة بما يراعي القانون الدولي لحقوق الإنسان.
ونفى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن يكون الاتفاق العالمي بشأن الهجرة، الذي توصلت إليه الدول الأعضاء بالمنظمة في يوليو/تموز الماضي، يتضمن فرض أي سياسات من جانب الأمم المتحدة على أي دولة بما يمس سيادتها.
وقال غوتيريش في كلمته أمام مؤتمر الهجرة الآمنة بمدينة مراكش المغربية، اليوم الإثنين: “الاتفاق ليس ملزمًا من الناحية القانونية، وهو ليس معاهدة”، موضحًا أن الاتفاق بمثابة “إطار للتعاون الدولي، ومتأصل ضمن عملية تفاوض مشتركة بين الحكومات تتم بحسن نية وتؤكد بشكل خاص على مبدأ سيادة الدول، بما في ذلك الحق السيادي للدولة في تقرير سياستها الوطنية حيال الهجرة، وحقها في إدارة الهجرة ضمن نظامها القضائي بما يتسق مع القانون الدولي“.
وتحرص الأمم المتحدة على إبراز أن الميثاق يولي أهمية خاصة بالهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة، كونها تفيد الجميع عندما تتم بشكل مستنير ومخطط له وبرضى الأطراف المعنية، وجاء في الميثاق العالمي أنه “يجب ألا تكون الهجرة أبدًا عملاً ناجمًا عن اليأس، وإذا حدث ذلك، فيجب أن نتعاون للاستجابة لاحتياجات المهاجرين في الأوضاع الصعبة ومعالجة التحديات، يجب أن نعمل معًا لتهيئة الظروف التي تسمح للمجتمعات والأفراد بالعيش بسلام وكرامة في بلدانهم”.
الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش
يضيف الميثاق المنتظر أن يتم قبل المصادقة عليه في تصويت في نيويورك في 19 من ديسمبر الحاليّ في الجمعية العامة للأمم المتحدة، “يتعين أن ننقذ الأرواح ونبعد المهاجرين عن الخطر، وأن نمكنهم من أن يصبحوا أفرادًا كاملي العضوية في مجتمعاتنا، وأن نسلط الضوء على مساهماتهم الإيجابية وتعزيز شمولهم في المجتمع والتناغم الاجتماعي”.
ويتضمن النص غير الملزم مبادئ تتعلق بالدفاع عن حقوق الإنسان والأطفال والاعتراف بالسيادة الوطنية للدول، ويقترح إجراءات لمساعدة البلدان التي تواجه موجات هجرة مثل تبادل المعلومات والخبرات ودمج المهاجرين، كما ينص على منع الاعتقالات العشوائية في صفوف المهاجرين وعدم اللجوء إلى إيقافهم سوى كخيار أخير.
ويوجد نحو 258 مليون شخص مهاجر حول العالم، ما يمثل 3.4% من مجموع سكان العالم، وتمثل تحويلاتهم المالية نحو 450 مليار دولار، أي قرابة 9% من الناتج الخام العالمي، بحسب أرقام الأمم المتحدة.