“يولد جميع الناس أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق في معظم دول العالم إلا في عالمنا العربي، حيث الناس جميعها في خدمة الأنظمة ومن يفكر في التغريد خارج السرب لا يلومن إلا نفسه، فمصيره واحد من اثنين، إما الاعتقال والتعذيب أو الموت” بهذه الكلمات علق المحامي والحقوقي عامر سعد الدين، مستشار مركز الحرية لحقوق الإنسان في مصر على هامش الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان الذي يوافق الـ10 من ديسمبر/كانون الأول.
الاحتفال هذا العام يتمتع بخصوصية مقارنة بالأعوام السابقة، كونه يصادف الذكرى الـ70 لاعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، هذا الإعلان الذي جاء بمثابة وثيقة تاريخية أقرت حقوقًا غير قابلة للتصرف، يحق لكل شخص أن يتمتع بها كإنسان، بغض النظر عن العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو اللغة أو الرأي السياسي أو غيره أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر.
ورغم كون هذه الوثيقة هي الأكثر ترجمة في العالم، إذ إنها متاحة بأكثر من 500 لغة، لكن شتان بين ما بها من حقوق وما يعيشه المواطن العربي من واقع، بعدما تحول إلى ترس في عجلة النظام، كل دوره في الحياة أن يعبد الطريق أمام الحكام لترسيخ أماكنهم وتثبيت كراسيهم، أما حقوق المواطن فلا محل لها من الإعراب إلا بنودًا باهتة في دساتير نظرية أو نصوصًا غير مطبقة في مواثيق داخلية.
العدل والمساواة والكرامة الإنسانية
“لنقف جميعًا من أجل المساواة والعدالة والكرامة الإنسانية” هذا هو الشعار الذي اختارته الأمم المتحدة للاحتفال بهذا اليوم في الذكرى الـ70 لإقرار الإعلان العالمي، في محاولة للتذكرة بأهمية العدل والمساواة والحفاظ على كرامة جميع البشر دون النظر إلى التفرقة الأخرى التي باتت منهجًا في بعض الدول.
إحياء هذا اليوم رغم الواقع المزري لحقوق الإنسان في مختلف دول العالم هو في حقيقته إعلان للمقاومة وإقرار مستمر للتحدي، حسبما أشار كينيث روث، المدير التنفيذي لـهيومن رايتس ووتش بقوله: “إنها مرحلة عصيبة بالنسبة لحقوق الإنسان، ورغم استحواذ المستبدّين ومنتهكي الحقوق على عناوين الأخبار، فإنّهم يواجهون مقاومة قوية، نحن فخورون بلعب دور قيادي في هذا الدفاع المتجدد عن الحقوق، وعن مبادئ الحقيقة والكرامة والعدالة التي تدعمها”.
وفي إطار فعاليات الاحتفال أشارت المنظمة الحقوقية إلى أن نحو 30 مَعْلمًا حول العالم ستُضاء باللون الأزرق، من نيويورك إلى بيروت، ومن سنتياغو إلى سيدني، تلك الأضواء العالمية ستحتفل بالمبادئ الأساسية للكرامة الإنسانية التي كرّسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي يجب أن يدافع عنها الجميع.
ميشيل باتشيليت المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان تقول معلقة على الاحتفال بهذا اليوم: “تم وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كخريطة مفصلة لتوجيه شعوب العالم بعيدًا عن الصراع والمعاناة، وضمان أن العلاقات داخل المجتمعات وبين الدول، يمكن أن تكون مستدامة وسلمية”، متابعة: “لقد ألهم الإعلان العالمي حركات التحرر وأدى إلى تحسين الوصول إلى العدالة والحماية الاجتماعية والفرص الاقتصادية والمشاركة السياسية”.
الذكرى السبعين لإعلان حقوق الإنسان
هكذا يحيي العرب هذا اليوم
كعادة الدول العربية السباقة دومًا في العزف على وتر الانسجام مع القاطرة الدولية، بصرف النظر عن موقعها من عربات تلك القاطرة، دشنت معظم العواصم العربية فعاليات متنوعة احتفالاً باليوم العالمي لحقوق الإنسان، وتلخصت مظاهر الاحتفال بهذا اليوم في تلك الفعاليات التي تباينت بين بيانات عنترية تؤكد حرص الدولة على المواثيق الدولية الحقوقية وإقامة الندوات والمؤتمرات التي تستعرض جهود الحفاظ على منظومة الحقوق وحرص القيادة السياسية على المضي قدمًا في هذا المضمار.
ففي البحرين غرد صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، منوهًا بحرص بلاده وملكها على ترسيخ المبادئ التشريعية والقانونية التي تصون وتحفظ حقوق الإنسان وتعزز من قيم التآخي والتسامح والتعايش في المجتمع، إيمانًا بما تشكله من دعامة أساسية للنهضة والتحضر، على حد قوله.
أما في الإمارات فتنوعت أشكال الاحتفال بين ندوات وفعاليات فنية وثقافية، سعت إلى التأكيد أن البلاد ومنذ تأسيسها عام 1971 دأبت على إنشاء مجتمع يسوده التسامح وتتعدد فيه الثقافات وتصان الحقوق، انطلاقًا من إيمانها الراسخ بأن النهضة التنموية لا تتحقق إلاّ على يد الإنسان الحر المتمتع بحقوقه كافة.
وفي مصر، أقام المجلس القومي لحقوق الإنسان احتفالية كبرى بالتعاون مع مفوضية الاتحاد الأوروبي ووكالة التعاون الإنمائي الألمانية بالقاهرة، عزفت على وتر التزام القاهرة بمواثيق حقوق الإنسان الدولية، والدور الذي تبذله الحكومة المصرية في هذا الشأن.
وضع العاهل السعودي وكالة الاستخبارات الداخلية وسلطات مكافحة الإرهاب خارج سلطة وزارة الداخلية ودمجهما في “رئاسة أمن الدولة” المُنشأة حديثًا، تخضع إداريًا للقصر، ومن ثم أحكم قبضته على كل المنشآت والكيانات الأمنية في المملكة
الاحتفالية أشارت كذلك إلى التطور التي شهدته وزارة الداخلية المصرية فيما يتعلق بمنظومة حقوق الإنسان لديها، حيث استحدثت العديد من الإدارات المعنية بحقوق المسجونين والمعتقلين، وتوفير البيئة المناسبة لهم وفق ما تقره الأمم المتحدة ومواثيق القانون الدولي.
بينما في السعودية، فكما جاء على لسان رئيس هيئة حقوق الإنسان، بندر بن محمد العيبان، أن المملكة بقيادة الملك سلمان حققت قفزات حضارية وإصلاحات نوعية، لا ينكرها عادل، لافتًا إلى أن الهيئة وهي المعنية بحقوق الإنسان في البلاد تميزت بالشفافية والاستقلال وهو ما أهلها لكسب ثقة القيادة السياسية.
السعودية لم تكتف بمظاهر الاحتفال داخليًا فقط، بل دشنت بعض الحملات الخارجية أيضًا التي تركز على إنجازات المملكة الحقوقية، كتلك التي نظمتها سفارة السعودية في القاهرة، عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، واستمرت قرابة أسبوع كامل، وجاءت تحت عنوان حملة “هنا حقوق الإنسان في المملكة“، وهاشتاغ تحت نفس العنوان.
الأكاديمي المعتقل في سجون الإمارات ناصر بن غيث
وهذا هو الواقع
إذ أردت أن تتعرف على واقع حقوق الإنسان في العالم العربي فعليك أولاً أن تنظر إلى ما حققه العرب في مجال التنمية المستدامة، فحقوق الإنسان من صميم تلك الأهداف وغياب الكرامة الإنسانية يعوق وبشكل كبير التقدم في هذا المجال التنموي، ومن ثم فنظرة واحدة على ما أنجزته الدول العربية خلال السنوات الأخيرة يكشف النقاب عن موقع الحقوق من الإعراب لدى أنظمة الحكم العربية.
وبعيدًا عن الاحتفالات المعلنة والبيانات الصاخبة والندوات الساخنة التي تعزف الألحان ليل نهار على أوتار الجهود المحققة من أجل ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان في الدول العربية، فإن الواقع يفضح وبشكل فجً حالة الشيزوفرينيا التي يحياها المجتمع العربي، حتى فقدت هذه الكلمة (حقوق الإنسان) قيمتها بصورة كبيرة جراء تمزيق محتواها فوق منصات القضاء وعلى جدران السجون والمعتقلات.
ففي سوريا، وخلال نحو 93 شهرًا، قُتل نحو 560 ألف شخص، معظمهم من المدنيين والأطفال، إضافة إلى 5 ملايين طالب لجوء، وأكثر من 6 ملايين نازح، هذا بخلاف ما يقرب من نصف مليون سوري يعيشون في مناطق محاصرة، وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
العديد من سكان الإمارات الذين تحدثوا عن قضايا حقوق الإنسان تعرضوا لخطر التعرض للاحتجاز التعسفي والسجن والتعذيب، يقضي العديد منهم فترات سجن طويلة أو غادروا البلاد تحت الضغط
التقارير الأممية الحقوقية تؤكد استمرار حكومة بشار الأسد في شن هجمات متعددة بالأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في مناطق سيطرة المعارضة، كما شنت، بدعم من روسيا وإيران، هجمات متعمدة وعشوائية ضد المدنيين والبنية التحتية المدنية، ومنعت المساعدات الإنسانية، واستخدمت التجويع كتكتيك حرب، هذا بخلاف الاحتجاز التعسفي وسوء المعاملة والتعذيب والاختفاء القسري المتفشي، إذ وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أكثر من 4.252 حالة اعتقال تعسفي، معظمها على يد القوات الحكومية.
وفي مصر حدث ولا حرج، حيث الصوت الواحد، لا صوت يعلو فوق صوت النظام الحاكم، ولا مجال للمعارضة أيًا كانت مظاهرها، وتفننت الحكومة في تشريع حزمة من القوانين القمعية، لا سيما قانون الجمعيات الأهلية الذي قد يقضي على المنظمات المستقلة، وأعادت حالة الطوارئ في ظل استمرار شبه مطلق للإفلات من العقاب على انتهاكات قوات الأمن، بدعوى مكافحة “الإرهاب”.
ووضعت السلطات مئات الأفراد على قوائم الإرهاب، وصادرت أموالهم على خلفية صلات مزعومة بالإرهاب، دون مراعاة سلامة الإجراءات القانونية، وتشير التقديرات إلى أنه بين أكتوبر/تشرين الأول 2014 وسبتمبر/أيلول 2017، أرسلت السلطات ما لا يقل عن 15.500 مدني إلى محاكم عسكرية، بينهم أكثر من 150 طفلاً.
هذا بخلاف الحريات الإعلامية التي تلفظ أنفاسها الأخيرة، سواء عن طريق قوانين القمع والكبت كقانون الصحافة الجديدة ولائحة الجزاءات المقترحة، أو عن طريق الممارسات الميدانية غير المبررة، كحجب ما يقرب من 500 موقع، ووضع بعض الصحف على قوائم الإرهاب كصحيفتي “البورصة” و”دايلي نيوز إيجبت” المستقلّتين وموقعي “مصر العربية” و”كايرو بورتال” الإخباريين المستقلين، وتجميد أموال المنافذ المذكورة وإخضاعها لإدارة بعض الصحف القومية.
الإعلامي السعودي جمال خاشقجي
وفي السعودية فقد رصد تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” عدة انتهاكات لحقوق الإنسان خلال الآونة الأخيرة لم يسبق لها مثيل، حيث تحولت “هيئة التحقيق والادعاء العام” السيئة السمعة إلى هيئة مستقلة عن وزارة الداخلية تقدم تقاريرها مباشرة إلى القصر الملكي.
علاوة على ذلك فقد وضع العاهل السعودي وكالة الاستخبارات الداخلية وسلطات مكافحة الإرهاب خارج سلطة وزارة الداخلية ودمجهما في “رئاسة أمن الدولة” المُنشأة حديثًا، تخضع إداريًا للقصر، ومن ثم أحكم قبضته على كافة المنشآت والكيانات الأمنية في المملكة.
هذا بخلاف مئات المعتقلين من الشيوخ والمدونيين وناشطي المجتمع المدني، فضلاً عن 9 ملايين عامل مهاجر يقومون بأعمال يدوية ومكتبية وخدمية، يشكلون أكثر من نصف قوة العمل، يعاني بعضهم من الانتهاكات والاستغلال، الذي يرقى أحيانًا إلى مصاف ظروف العمل الجبري.
أغلقت السلطات البحرينية الصحيفة المستقلة الوحيدة في البلاد “الوسط”، وحلّت أبرز جمعية سياسية يسارية علمانية، بخلاف عشرات الحقوقيين المعتقلين على خلفية تعبيرهم عن رأيهم
كذلك تسببت السعودية ومعها قوات التحالف في إسقاط عشرات الآلاف من القتلى في اليمن، فضلاً عن تعريض الأطفال هناك لواحدة من أبشع الكوارث الإنسانية في العصر الحديث، وذلك منذ الهجمات التي شنتها تلك القوات المكونة من 9 دول منتصف 2015.
وقد جسدت حادثة مقتل الصحفي جمال خاشقجي في مقر قنصلية بلاده بإسطنبول وما بها من تفاصيل مرعبة، الواقع المزري لحقوق الإنسان في المملكة، بعيدًا عن تلك الشعارات المرفوعة هنا وهناك التي تهدف إلى غسل سمعة السعودية وتحسين صورتها خارجيًا في ظل حملة الإدانات الدولية جراء تلك العملية الأخيرة.
أما الإمارات، فلا مجال مطلقًا للتسامح مع منتقديها بحسب التقارير الحقوقية، إذ استمر احتجاز الحقوقي الإماراتي البارز أحمد منصور بسبب ممارسة حقه في حرية التعبير، كما تعتقل الحكومة تعسفيًا منتقدي الدولة وتخفيهم قسرًا، وحتى الآن تواصل أبو ظبي منع ممثلي المنظمات الحقوقية الدولية من زيارتها.
العديد من سكان الإمارات الذين تحدثوا عن قضايا حقوق الإنسان تعرضوا لخطر التعرض للاحتجاز التعسفي والسجن والتعذيب، ويقضي العديد منهم فترات سجن طويلة أو غادروا البلاد تحت الضغط، هذا بخلاف التهديد الذي يلاحق الكثير منهم عبر طرق عدة تتضمن انتهاك واضح لأدميتهم.
عشرات الأطفال في اليمن ضحايا هجمات التحالف بقيادة السعودية والإمارات
وبجانب الكوارث الناجمة عن مشاركة الإمارات في هجمات التحالف في اليمن، فإنها كذلك تدير ما لا يقل عن مركزين غير رسميين للاعتقال هناك، ويبدو أن مسؤوليهما أمروا باستمرار احتجاز الأشخاص رغم أوامر بالإفراج عنهم، أخفوا البعض قسرًا، ونقلوا معتقلين رفيعي المستوى خارج البلاد، بحسب ما أفادت تقارير.
بحرينيًا، لا تزال حقوق الإنسان تواصل وضعها المتدهور، إذ أغلقت السلطات الصحيفة المستقلة الوحيدة في البلاد “الوسط”، وحلّت أبرز جمعية سياسية يسارية علمانية، بخلاف عشرات الحقوقيين المعتقلين على خلفية تعبيرهم عن رأيهم، كما أعدمت الحكومة 3 أشخاص في يناير/كانون الثاني رغم ادعائهم أنهم تعرضوا للتعذيب وأن اعترافاتهم انتُزعت منهم بالإكراه.
الحكومة البحرينية تراجعت عن بعض التوصيات التي أقرتها “اللجنة البحرينية المستقلة لتقصّي الحقائق”، حيث أعادت السلطات وضع سلطة الاعتقال والتحقيق بيد “جهاز الأمن الوطني”، رغم سجلّه في التعذيب والانتهاكات، وفي أبريل/نيسان، وقّع عاهل المملكة قانونًا يجيز محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية.
التقرير الذي يشمل 197 دولة، صنف 34 دولة على أن مخاطر انتهاكات حقوق الإنسان فيها تصل إلى درجة جسيمة، ومن بين تلك الدول جاءت سوريا ومصر وليبيا ومالي
ورغم فشل تونس في إنشاء المؤسسات الأساسية التي كفلها الدستور مهمة حماية حقوق الإنسان مثل المحكمة الدستورية، واعتماد بعض القوانين التي تهدد الانتقال الديمقراطي فإنها تعد من أبرز الدول العربية التي حققت خطوات مهمة لتعزيز حقوق المرأة والمحتجزين.
جدير بالذكر أن سجل انتهاك حقوق الإنسان في العالم العربي طويل، ففي 2014 كشف تقرير “أطلس مخاطر حقوق الإنسان” التابع لمؤسسة التحليلات والأبحاث مابليكروفت أن الدول التي تتزايد فيها مخاطر حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان تزايدت بشكل درامي خلال السنوات الأخيرة، فالتقرير الذي يشمل 197 دولة، صنف 34 دولة على أن مخاطر انتهاكات حقوق الإنسان فيها تصل إلى درجة جسيمة، ومن بين تلك الدول جاءت سوريا ومصر وليبيا ومالي.
وفي المجمل، وبعيدًا عن الشعارات التي ترفعها الأنظمة العربية لدعم مبادئ حقوق الإنسان فإن الواقع ينافي ذلك بصورة كبيرة، إذ لا يزال هذا المفهوم (حقوق الإنسان) سيء السمعة لدى الكثير من الأنظمة التي باتت تلاحق كل من ينتسب له من قريب أو بعيد، حتى باتت تهمة يؤخذ صاحبها بالنواصي والأقدام.