أكاديميًا تندرج البرامج السياسية تحت بند البرامج الثقافية، حيث يكون الهدف الأسمى للبرنامج السياسي زيادة الوعي بما يجري في البلد أو عن الحقوق والواجبات التي تنص عليها الدساتير والقوانين وتوجيه المواطنين للقيام بواجباتهم والمطالبة بحقوقهم، إضافة للكثير من المحاور المهمة التي من المفترض أن تزيد من ثقافة المواطن.
بعض القنوات الفضائية، العربية عمومًا والعراقية خصوصًا، وما عرضته في الفترة السابقة من برامج سياسية كان لها وقع الأثر في نفس المواطن، من خلال تسليط الضوء على معاناته وقضاياه المصيرية، ومحاولة إيصال رسائل للعالم أجمع بجدية تلك القضايا، لتتحول تلك البرامج بعد فترة وجيزة إلى برامج لبث الفضائح والتسقيط السياسي والأخلاقي، من خلال انتقال المقدم “الببغاء أو المهرج” من مهنيته الصحفية، إلى طرح كلمات زائفة بعيدة عن جوهر الحديث، ليعتقد أنه بذلك يحقق انتصارًا على ضيفة، لحصد حفنة من الإعجابات والثناء من هذا وذاك، مستغلاً أن أغلب المتابعين لا يفقهون سوى التصفيق.
في السنوات الأخيرة وخاصة بعد ثورات الربيع العربي، تطور الأمر ليكون أكثر سخونة، بعد أن ازدادت برامج الشو (show) التي تنتهج السخرية في انتقاد السياسيين والحكومات وتترصد أخطائهم وتجعلها مثارًا للضحك والاستهزاء
ربما يقول البعض إن عدد المتابعين للبرامج السياسية في تراجع وما يتم طرحه ومناقشته ليس بالضرورة ذا أثر على مجريات الأمور، لكن ما فعلته “قناة الجزيرة” على سبيل المثال في قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي وإصرارها وإلحاحها المستمر، دفع بالمجتمع الدولي للتعامل مع تلك القضية، بعد وضعها تحت مجهر الرأي العام، وكشف الحقيقة وإعلان مرتكبيها، بل إن الخبر الذي كان سيمر عابرًا أصبح بفضل العديد من البرامج السياسية أيقونة وسببًا في تشريعات وقرارات دولية، كما زادت من وعي المواطن العربي بحقوقه كمواطن وصحفي.
في السنوات الأخيرة وخاصة بعد ثورات الربيع العربي، تطور الأمر ليكون أكثر سخونة، بعد أن ازدادت برامج الشو (show) التي تنتهج السخرية في انتقاد السياسيين والحكومات وتترصد أخطائهم وتجعلها مثارًا للضحك والاستهزاء، لتتحول العديد من البرامج السياسية الهادفة والجادة، إلى مسرح لهذا المهرج، من خلال استخدامه لغة شعبية سوقية، تتجاوز الذوق العام، يحاول من خلالها القفز على كل القيم والعادات والتقاليد والأعراف، ليس من أجل المواطن كما يدعي، بل من أجل السيد مارك وصفحاته الاجتماعية، وعدد المعجبين الوهميين في أغلب الأحيان، والضحك على المواطن، بعد أن ارتبطت تلك الظاهرة بحالة الإحباط العامة للكثير من المواطنين الذين أصبحوا معولاً للانتقاد دون الحلول.
يبقى عنوان “الإعلام الهادف” هو ما تنشده المجتمعات المتطلعة نحو الاستقرار والتطور
ورغم أنّ الفائدة المرجوة من هكذا برامج غير مقدرة، فإنّ لبعضها مردودًا سيئًا، بل ربما لجأ المواطن المطحون للضحك على ظروفه الصعبة بدل السعي لتغييرها، وهذا مما يزيد الإحباط وعدم القدرة على تغيير الواقع، بعد مزج السخرية بالأمور الجاده، ليتحول العمل الإعلامي للتهريج، ومسرح يفتح صالته لاستعراض المهرج، وبمباركة من أصحاب تلك القنوات، أو بدفع خارجي متعمد لتجهيل المجتمع، من خلال تسفيه الوضع الذي تمر به تلك البلدان، وقضاياها المصيرية، والإبقاء على الفساد والانجرار خلف النزوات.
ومع هذا يبقى عنوان “الإعلام الهادف” هو ما تنشده المجتمعات المتطلعة نحو الاستقرار والتطور، فمراجعة بسيطة لسياسة تلك البرامج وجعلها حيادية في الطرح والآراء يجعلنا نخرج بنتائج إيجابية لمستقبل جيل يتقبل الرأي الآخر دون المساس بجوهره وتشويه سمعته، وكل ذلك يقع على عاتق الإعلاميين المتصدرين للبرامج السياسية.