“السترات الحمراء”، اسم اختاره مجموعة من الشباب التونسي لحملة احتجاجية جديدة في البلاد، جاءت بالتزامن مع احتجاجات “السترات الصفراء” في فرنسا، حملة بدأت في المجال الافتراضي ويسعى أصحابها أن تتحوّل إلى احتجاجات ميدانية، رغم ما رافق إعلانها من جدل، لإنقاذ تونس وفق قولهم.
أهداف الحملة
الحملة، أعلنت السبت الماضي رسميًا، الانطلاق في تركيز التنسيقيات الجهوية والمحلية لها، “خاصة بعد التفاعل والمساندة الكبيرة للحملة من فئات واسعة من الشعب التونسي”، وفق نصّ بيان صادر عن المكتب الإعلامي لها في ذات اليوم.
ويعرّف ذات البيان حملة السترات الحمراء بأنها “حملة وطنية شبابية خالصة مفتوحة للعموم ومنفتحة على الجميع وهي استمرارية لنضال الشعب التونسي وخطوة لاستعادة التونسيين لكرامتهم وحقهم في العيش الكريم الذي سلب منهم”.
وتقول الحملة إن تأسيسها جاء بعد مرور نحو ثماني سنوات كاملة على حراك 17 من ديسمبر/كانون الأول 2010 – 14 من يناير/كانون الثاني 2011، وفي ظل منظومة لم يجد التونسيون فيها سوى الفشل والفساد وغلاء المعيشة والبطالة وسوء الإدارة والهيمنة على مفاصل الدولة واستمرار سياسات التفقير الممنهج وما رافق ذلك من إرهاب غادر وتصفية للخصوم وضرب واضح لمكسبنا الوحيد في حرية التعبير.
وتؤكّد الحملة في البيان “فشل المنظومة الحاكمة في الارتقاء بالحد الأدنى من مستوى طموحات الشعب في الحياة الكريمة وطموحات شبابه في التشغيل”، لذلك فإنها تهدف إلى “إنقاذ تونس في ظل غياب المصداقية والتصور وضبابية الرؤية لدى الطبقة السياسية الحاليّة، وتعمق الهوة بينها وبين الشعب التونسي”.
نشاط افتراضي
هذه الحملة الاحتجاجية، بدأت نشاطها في المجال الافتراضي، حيث دشّن مؤسسوها حملات لحث التونسيين على النزول إلى الشارع والمطالبة بإسقاط الحكومة، وأسّسوا صفحة على موقع “فيسبوك” باسم “السترات الحمراء (Gilets rouges)”، رافعةً شعار “تونس غاضبة”، وحظيت بمتابعة قرابة خمسة آلاف تونسي حتى الآن.
وبيّن المشرفون على الصفحة دوافع تحركاتهم الاحتجاجية القادمة، ومبررات الدعوة لارتداء السترات الحمراء، من خلال نشر صور وأرقام تُظهر ارتفاع نسب الفقر والبطالة، وتدنّي سعر الصرف وارتفاع العجز التجاري والمديونية ونسبة التضخم في 2018.
ويرى القائمون على الحملة أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد، فشل في إصلاح أوضاع البلاد منذ تسلّمه مفاتيح قصر الحكومة بالقصبة في شهر أغسطس/آب 2016، لذلك وجب الخروج إلى الشوارع في مختلف المحافظات والتظاهر ضد سياساته وضد الفساد الحكومي، للنهوض بالبلاد، وفق قولهم.
يعتمد المشرفون على الحملة لدفع التونسيين للخروج إلى الشارع، على تنامي ظاهرة الفساد في البلاد
يتزامن إعلان هذه الحملة، مع مظاهرات “السترات الصفراء” التي عمّت مدنًا مختلفة في فرنسا، منذ 17 من نوفمبر الماضي، احتجاجًا على رفع أسعار الوقود وارتفاع تكاليف المعيشة، تخلّلتها أعمال عنف، حيث استخدمت الشرطة القوة ضد المحتجين، لكن المحتجّين نجحوا في دفع الحكومة إلى إلغاء الضرائب المفروضة على الوقود لعام 2019، وإعلان الرئيس ماكرون رفع الحد الأدنى للأجور.
ويسعى المشرفون على الحملة إلى حشد أكبر عدد من الأنصار للخروج إلى الشارع، وعلى الرغم من نجاح الانتقال الديمقراطي الذي حققته تونس منذ ثورة 2011 فإن ذلك لم يترافق مع نجاح اقتصادي واجتماعي في ظل تفشي البطالة في صفوف الشباب وارتفاع كلفة المعيشة وتعثر الإصلاحات والحرب على الفساد.
ويعتمد هؤلاء الناشطون في حملتهم، على تدهور القدرة الشرائية للتونسيين، وغلاء أسعار العديد من السلع والمنتجات، من ذلك ارتفاع أسعار اللحوم التي زادت بنسبة 11.7%، وأسعار مشتقات الحليب والبيض التي زادت بنحو 10.8%، كما شهدت أسعار الأسماك زيادة بنسبة 7.2%، وعرفت أسعار الغلال زيادة بنحو 6.4%، فضلاً عن تنامي ظاهرة الاحتكار في البلاد، وارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية، حيث وصلت النسبة إلى 7.4% خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
تمثّل نسب البطالة المرتفعة، أحد أعمدة الحملة، حيث يبلغ معدل البطالة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة، 33.2%، ويتوزع هذا المعدل حسب الجنس إلى 32.1% لدى الذكور و35.7% لدى الإناث في الثلاثي الثاني من عام 2018 وذلك وفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء، فيما بلغت نسبة البطالة عمومًا في الثلاثي الثالث 15.5% وكانت في الثلاثي الثاني في حدود 15.4%.
إلى جانب ذلك، يعتمد المشرفون على الحملة لدفع التونسيين للخروج إلى الشارع، على تنامي ظاهرة الفساد في البلاد، وتقول هيئة مكافحة الفساد المستقلة – التي تأسست في 24 من نوفمبر 2011 خلفًا للجنة تقصي الحقائق عن الفساد والرشوة التي أنشئت مباشرة بعد الثورة التونسية في 2011 – إن الفساد لا يزال مستشريًا على نطاق واسع في كل قطاعات الدولة، بما في ذلك الأمن والصفقات العمومية والصحة والجمارك.
ويرى هؤلاء أيضًا، أن الأزمة السياسية القائمة في البلاد، التي ازدادت حدّتها الأشهر الأخيرة، نتيجة اختلاف وجهات النظر بين رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ورئيس الوزراء يوسف الشاهد، ستكون أحد الأسباب التي تدفع التونسيين للمطالبة بإسقاط الحكومة.
وينتظر أن تبدأ الاحتجاجات الميدانية في الأيام القليلة القادمة، تزامنًا مع الذكرى الثامنة للثورة التونسية، وغالبًا ما تعرف تونس، بداية كل سنة تحركات شعبية، احتجاجًا على الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه المواطن التونسي تزامنًا مع بداية العمل مع قانون المالية الجديد.
وضع لا يحتمل الاحتجاجات العنيفة؟
المؤشرات التي اعتمدها القائمون على الحملة من أجل دفع التونسيين للخروج إلى الشارع، يرى العديد من المتابعين للوضع العام في البلاد، إنها نفسها المؤشرات التي تحتّم العمل وعدم الإصغاء لـ”دعاة الفوضى والتخريب”.
ويرى بعض الخبراء، أن واقع البلاد يحتّم على التونسيين العمل أكثر حتى لا يزداد الوضع سوءًا، خاصة أن الاحتجاجات التي تعرفها البلاد مطلع كلّ سنة تتسم بالتخريب والعنف والمسّ بالمنشآت الخاصة والعامة، ما يجعل السياحة والاستثمار والأمن في خطر.
تتفاقم الضغوط الاجتماعية في الفترة الأخيرة على الحكومة التونسية بشكل تدريجي
عرفت العديد من القطاعات في البلاد تراجعًا كبيرًا، نتيجة الإضرابات المتواصلة والاحتجاجات التي ينفذها عاطلون عن العمل للمطالبة بعمل أو موظفين في القطاع الخاص أو العام للمطالبة بتحسين وضعيتهم المهنية والاستجابة لمطالبهم المادية.
ولتفادي الاحتجاجات، أقرّ البرلمان التونسي ليلة أمس الإثنين، قانونًا للموازنة العامة لا يتضمّن أي ضرائب جديدة على الأفراد السنة المقبلة، مع تخفيف الضرائب المفروضة على شركات بعض القطاعات على غرار الصناعة والتكنولوجيا والاتصال، رغم كون ذلك يتناقض مع توصيات صندوق النقد الدولي والمؤسسات المقرضة.
خشية من الفوضى
لئن وجدت هذه الحملة في بدايتها، دعمًا من عدد لا بأس به من التونسيين، فقد عرفت معارضة كبيرة من طيف واسع منهم، منتقدين دوافعها ومشكّكين فيمن يقف وراءها، خاصة أن الوضع في تونس لا يحتمل احتجاجات جديدة.
وتتفاقم الضغوط الاجتماعية في الفترة الأخيرة على الحكومة التونسية بشكل تدريجي، فبعد احتجاجات متفرقة قادها شباب في بعض المناطق الداخلية، إلى الإضراب العام الذي قام به الاتحاد العام التونسي للشغل الشهر الماضي، وصولاً إلى مقاطعة الأساتذة لامتحانات الثلاثي الأول لهذه السنة الدراسية بالنسبة إلى المرحلة الإعدادية والثانوية بمختلف المؤسسات التربوية.
وحذر النائب عن كتلة الائتلاف الوطني الصحبي بن فرج من سيناريو الدم والفوضى والمخدرات خلال شهر يناير/كانون الثاني القادم حيث يعمل من يراهنون على إسقاط الحكومة منذ ثمانية أشهر، أي مع بداية الصراع بين يوسف الشاهد ونجل الرئيس والمدير التنفيذي لنداء تونس حافظ قائد السبسي.
وأكد الصحبي بن فرج في تدوينة على حسابه الخاص في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن كل المعطيات على الأرض تشير إلى قرب التحرك من التسخين الإعلامي والشحن السياسي وتوالي الأزمات المفتعلة، ومن بين النقاط التي أثارها النائب الصحبي بن فرج السترات الحمراء “بلون الدم”، التي استلهم مبتدعوها من التحركات الاحتجاجية في فرنسا فنقلوا فكرة السترات الصفراء من الشوارع الفرنسية لتنزل تونس لتصبح حمراء بلون الدم.
بدورها كتبت الناشطة الحقوقية عائدة بن عبد الكريم تدوينة جاء فيها “حكاية السترات الحمراء… مؤشّر على ارتهان العقل السياسي التونسي للآخر وتبعية الفعل وغياب الإبداع حتى في أشكال التعبير.. انتشار فكرة السترات الحمراء تؤكد مقولة “حين تُمطر في فرنسا تُفتح المطريات في تونس” حتى وإن كان الجو ربيعي ومُشمس”.
واعتبرت بن عبد الكريم في تدوينتها، أن كلّ واحد يحكي عن السترات الحمراء، هو مُنخرط أو مُجنّد، فمعركة البناء أكثر صعوبة من معركة التفكيك، لذلك وجب وفق قولها متابعة الشباب وتنبيهه فقط، فمعركة البناء معركته هو.
بدوره، حذر الأمين العام لحركة “مشروع تونس” محسن مرزوق، أول أمس الأحد خلال اجتماع عام، من “خطورة المخططات التي تستهدف تونس وترمي بعض الأطراف من خلالها إلى الزج بالبلاد في بوتقة الفوضى والعنف”، وفق تعبيره.
وقال مرزوق إن أطرافًا معلومة تدعو في كل مرة إلى النزول للشارع وحملات لما يسمى بـ”السترات الحمراء” تعمل على نشر الفوضى والعنف في البلاد خلال شهر أو شهرين حتى تتمكن من الحكم، وفق تعبيره، مضيفًا: “سنرى قريبًا العنف في الشوارع والفوضى إن لم نوقف هذا التيار”.
ويخشى عدد كبير من التونسيين من تدهور الوضع الأمني في بلادهم، الأمر الذي ستكون له تداعيات كبيرة على الوضع الاقتصادي الذي يعرف بدوره هزات كبرى نتيجة عدم التوصل إلى الآن لمنوال تنمية يقطع مع المنوال القديم الذي أثبت فشله.