ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد أشهر من سجن السلطات السعودية لبعض أبرز ناشطاتها، أشارت تقارير جديدة إلى أن هؤلاء النسوة تعرضن للتعذيب والاعتداء الجنسي أثناء الاحتجاز. وذكرت مصادر متعددة أن طرق التعذيب تشمل الصعق بالكهرباء والجلد والتقبيل القسري واللمس على أيدي محققين ملثمين. وإذا كانت هذه الادعاءات صحيحة، فهي ستندرج ضمن انتهاك صارخ للقانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية مناهضة التعذيب التي وقّعت عليها المملكة العربية السعودية.
كانت مصادر مقربة من النساء المحتجزات قد أشارت إلى أن سعود القحطاني، المستشار السابق لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، والمتورط في قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي، هو من يقف وراء المعاملة السيئة التي تتلقاها المحتجزات في السجون السعودية. مع ذلك، لم تجد هذه الادعاءات المروعة آذانا صاغية، سوى رد متواضع من المجتمع الدولي الذي رفض احتجاز النساء السعوديات.
بدأت معاناة هؤلاء النسوة منذ عدة أشهر، إذ تم سجن العديد منهن منذ أيار/ مايو، بعد توجيه اتهامات لهن ملفقة بالخيانة العظمى. وحتى في الوقت التي حذرت فيه منظمات حقوق الإنسان من غياب العدالة في المملكة، فضلت معظم وسائل الإعلام المعروفة التركيز على “النهضة السعودية” التي منح فيها حاكم شاب ومعتدل حق قيادة السيارة للمرأة السعودية.
كشفت حملة الاعتقالات، التي طالت بعض الناشطات قبل مقتل خاشقجي بفترة طويلة، النقاب عن السياسة القاسية التي كان ينتهجها محمد بن سلمان كخطوة استباقية لقمع منتقديه المحتملين ومعارضيه النشطين
منحت المملكة الحق للسعوديات بقيادة السيارة في نهاية حزيران/يونيو الماضي، لكن المفارقة التي تجاهلها كثيرون حينها تمثلت في أن العديد من الناشطات اللاتي أمضين سنوات أو عقود في الدفاع عن حقوق المرأة لا زلن قيد الاحتجاز. وبعيداً عن الاحتفالات التي كانت تنظمها المملكة، بقيت هؤلاء النسوة بمثابة طيور الكناري التي تركها العالم تقبع في منجم فحم ولي العهد السعودي. وقد أوضحت لنا جريمة خاشقجي توجهات ولي العهد السعودي، إذ لم تكن هذه الجريمة الوحشية سوى امتداد لسلوك القمع الوحشي الذي يتبعه محمد بن سلمان.
في الأثناء، كان مستقبل ولي العهد على المحك لفترة وجيزة، في ظل مواجهته لمجموعة متزايدة من الأدلة وتقرير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الذي أشار إلى تورطه في الجريمة. لكن، لم تواجه المملكة أي عواقب وخيمة، سوى القليل من العقوبات الجزئية وبعض التصريحات شديدة اللهجة من بعض السياسيين ومنظمات حقوق الإنسان. وبقي محمد بن سلمان زعيما عالميا. كما أشاد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في العديد من المناسبات به، وأعاد التأكيد على ولاء الولايات المتحدة للمملكة العربية السعودية.
كشفت حملة الاعتقالات، التي طالت بعض الناشطات قبل مقتل خاشقجي بفترة طويلة، النقاب عن السياسة القاسية التي كان ينتهجها محمد بن سلمان كخطوة استباقية لقمع منتقديه المحتملين ومعارضيه النشطين، إذ أن معظم الناشطات تراجعن عن العمل السياسي إثر اعتقالهن. وقد تلقت العديد منهن، بما في ذلك الناشطة لجين الهذلول، تحذيرات من الديوان الملكي لوقف نشاطها.
في المقابل، لم يحتمل ولي العهد على ما يبدو حتى فكرة مواصلة نشاطهن في المستقبل. وقد قوبل إذعانهن بسحبهن من منازلهن ليُصبحن تحت وطأة نظام العقوبات في المملكة العربية السعودية. (في بعض الحالات، تعرضت النساء لحظر سفر في وقت سابق أو العودة القسرية لأرض الوطن، وهو ما يوحي بوجود نقاط تشابه مع عملية نفي جمال خاشقجي).
سعت الحكومة السعودية إلى التشهير بالناشطات المعارضات عبر نشر صورهن، وهو ما يُعتبر بمثابة خطوة صادمة بالنسبة لمجتمع لا يزال يُنظر له على أنه مجتمع محافظ
من جهة أخرى، تكشف معاملة هؤلاء الناشطات بعد اعتقالهن الكثير عن هذه السياسة القاسية، إذ في حين جرت العادة أن يتم التعامل مع المعتقلات في سجون المملكة بهدوء، إلا أن الناشطات تعرّضن لحملة غير مسبوقة لتشويه سمعتهن بشكل علني. وقد كشفت تقارير فظيعة كانت قد أصدرتها الحكومة السعودية أنهن متهمات بالتجسس لصالح أطراف أجنبية والمشاركة في مؤامرات حاكتها قطر، فضلا عن أنهن متهمات بإهانة سمعة السعودية.
بالإضافة إلى ذلك، سعت الحكومة إلى التشهير بالناشطات المعارضات عبر نشر صورهن، وهو ما يُعتبر بمثابة خطوة صادمة بالنسبة لمجتمع لا يزال يُنظر له على أنه مجتمع محافظ. وفي هذا السياق، صرح لي أحد الخبراء العاملين في مجال حقوق الإنسان في المنطقة قائلا: “لم نشهد أبدا نشر صور تكشف وجوه النساء على الصفحات الأولى في وسائل الإعلام بهذه الطريقة. إنه اعتداء على شرفهن، وشرف أُسرهن. يمكن أن يشكل هذا الأمر خطراً على حياتهن جميعاً”. (وتجدر الإشارة إلى أن السعوديين الثمانية عشر المتورطين في قضية مقتل خاشقجي، والذين اعتقلتهم الدولة، لم يتم الكشف عن أسمائهم بشكل علني).
كشفت هذه الحالات أن ولي العهد قد تجاوز كل المعايير التقليدية التي تسيّر الدولة ولم تمنعه أسسها الثقافية من التقيد بالعادات التي تسيّر المجتمع السعودي. وقد أدى عدم التمكن من الإقرار بحملة الاعتقالات الوحشية غير المسبوقة في حق السجينات، من إضاعة المجتمع الدولي للعديد من الفرص الهامة لمعاقبة ولي العهد. وهو عقاب كان من المقرر أن يُسلط عليه قبل أشهر من وفاة الصحفي جمال خاشقجي. في المقابل، ساهم فشل إثبات سوء معاملة هؤلاء الناشطات في إعطاء الضوء الأخضر للأمير محمد للمضي قدماً في مسيرته نحو حكم أحاديّ الجانب والجمع بين القوة الصارمة والناعمة في المملكة.
في الواقع، دفعت هذه المهمة، التي كان محمد بن سلمان العقل المدبر فيها، إلى تشديد الرقابة على الصحافة السعودية على الرغم من أنه كان ينفق الملايين للتسويق لصورته والظهور في صورة المصلح الليبرالي للمملكة. وتعد هذه الرقابة الصارمة هي التي دفعت بجمال خاشقجي للفرار من المملكة، وانتقاد العائلة المالكة بشكل علني، على الرغم من أنه كان داعما لها في السابق. لقد رأى خاشقجي كل المؤشرات، ولكنه دفع ثمناً باهظاً لقراره بالكشف عنها وإخراجها إلى العلن.
لقد ولى زمن التشكيك في طبيعة حكم ولي العهد. فتقارير التعذيب المروعة لا زالت تذكرنا بأن الكثيرين لا يزالون يدفعون ثمناً باهظاً لسذاجتنا التي لم تكن في محلها. وبينما لن يتمكن معظمنا من الكشف عمّا يجري داخل السجون السعودية، يشكل وجود بن سلمان، الذي لم يُعرب أبدا عن ندمه، خطرا عالميا. وفي حال ظل ولي العهد مقتنعاً بأنه لن يواجه أية عواقب مقابل أفعاله الوحشية، سيجعلنا ذلك نتوقع إهدار المزيد من الدماء في المملكة العربية السعودية وفي اليمن وفي أماكن أخرى من العالم.
المصدر: واشنطن بوست