كشفت الجهات الأمنية في تونس، عن تفاصيل جديدة في عملية اغتيال المهندس الطيار التونسي محمد الزواري، بما فيها الأسماء الحقيقية لمنفذي عملية الاغتيال التي تمت قبل سنتين في مدينة صفاقس التونسية (جنوب)، مؤكدة توجيه إنابات قضائية لثماني دول لتسليم المتهمين في العملية.
تفاصيل العملية
إدارة الوحدة الوطنية للبحث في الجرائم الإرهابية، أكدت نجاحها في تفكيك حادثة اغتيال الشهيد محمد الزواري وكشف كل تفاصيلها، وقال مدير الوحدة نزار القماطي في ندوة صحفية عقدت أمس الثلاثاء في الغرض: “أحد المنفذين نمساوي يدعى كريستوفر، وقدم نفسه على أنه مهتم باختراعاته (الزواري) خاصة التحكم بالغواصة عن بعد، بالإضافة إلى شخصين آخرين يحملان الجنسية البوسنية هما ألفير ساراك وآلان كانزيتش”.
وأوضح المتحدث أن الجناة البوسنيين دخلا التراب التونسي عبر ميناء حلق الوادي يوم 8 من ديسمبر/كانون الأول 2016، وأضاف أنهما تحولا لمدينة المنستير وأقاما في نزل في الجهة يوم 9 من ديسمبر وتعرفا على تونسي يدعى “عبد القادر” قصد التنقل لزيارة مصانع بهدف الاستثمار، وبالأبحاث تبين أنهما حاولا التغطية على وجودهما في تونس عبر الادعاء بالاستثمار.
وتابع أنه يوم 10 من ديسمبر/كانون الأول تحولا في جولة سياحية في الجنوب، ويوم 11 وجدا في تطاوين، صحبة دليل سياحي، ثم عادا للمنستير يوم 12 من ديسمبر واستعملا تطبيق “GPS” في تنقلاتهما، ويوم 13 من ديسمبر/كانون الأول، تولى شخص يدعى سليم بوزيد تكليف امرأة اسمها مهى بن حمودة (صحفية)، بتوفير سيارتين والإبقاء عليهما جانب مقهى في صفاقس.
اغتيل الزواري، في 15 من ديسمبر 2016 داخل سياراته أمام منزله في صفاقس
في اليوم الموالي، تم رصد سيارة من نوع “ميتسوبيشي” على مستوى القصاب في مدينة صفاقس، نزل منها أحد البوسنيين وتوجه للمأوى المحاذي، وتلقيا مكالمات هاتفية متواترة من رقم أجنبي، وقبل يوم من الاغتيال، تعقبا سيارة الشهيد، بمعنى أن يوم 14 من ديسمبر كان بمثابة العملية البيضاء لمعرفة المسالك والتعقب.
وكانت قناة الجزيرة، أكدت في تحقيق بثته العام الماضي، أن شخصًا يدعى يوهان (لم يتم كشف جنسيته) تمكن من استقطاب الصحافية مها بن حمودة، والشابين التونسيين سالم السعداوي وسامي المليان، للعمل معه في شركتين منفصلتين أدارهما بنفسه باسمين وهميين، أعلن عنهما على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث استخدمهما لاحقًا بشكل غير مباشر في عملية اغتيال محمد الزواري.
وأكد مدير الوحدة الوطنية للبحث في الجرائم الإرهابية أنهما استعملا السيارتين اللتين وفرتهما المرأة التونسية في تحركاتهما، وقبل يوم من عملية الاغتيال غادرا للقيروان ثم يوم 15 من ديسمبر تحولا لمدينة عقارب التابعة لمحافظة صفاقس بتعلة شراء زيت الزيتون.
وأكد المتحدث، أن سيارتين توجهتا بعد ذلك إلى منزل الشهيد وتم ركن سيارة من نوع “بيكانتو” قرب منزله، فيما تم امتطاء سيارة ثانية من نوع “رونو ترافيك” (تم حجز وسيلة الجريمة داخلها) من الشخصين، وفي حدود الواحدة ظهرًا غادر الشهيد مقر إقامته إلى مركز تحاليل طبية ولا وجود لتعقب ميداني في أثناء تحرك الشهيد، لأنهما لمحا مروره وواصلا بقاءهما في المقهى، ليغادراه قبل مرور سيارة الشهيد وهي عائدة قبل دقيقتين.
تتهم حركة حماس الموساد الإسرائيلي باغتيال الزواري
رجح مدير الوحدة الوطنية للبحث في الجرائم الإرهابية اختراق هاتف الزواري ومنه تمت عملية مراقبته، لأن آلان كانزيتش كان يتحرك دائمًا قبل الشهيد، مؤكدًا أن الشهيد الزواري جلب معه من تركيا هاتفًا يمكن اختراقه والتحكم فيه بسهولة، ويعزز هذه الفرضية – بحسب المتحدث – إتلاف القتلة هاتفه بعد اغتياله.
وبعد تنفيذ عملية الاغتيال تنقل الشخصان عبر سيارة “رونو ترافيك” ثم ركناها ليصعدا سيارة من نوع “كيا”، ثم توجها إلى سيارة “الميتشي بيتشي” التي حاول الجانيان عدم ظهورها في مسرح الجريمة، وأضاف أنه تم حجز هواتف جوالة في السيارة الـ”كيا”.
وأكد مدير الوحدة نزار القماطي، أن منفذا الجريمة على درجة عالية من الحرفية لأنهما تركا أدلة لتوجيه الوحدات الأمنية في عمليات البحث نحو فرضية أخرى غير صحيحة، حيث تم توجيه الأمن في اتجاه الوسط والجنوب في حين أنهما كانا في تونس العاصمة لإضاعة الوقت وتأمين انسحابهما.
مذكرات قضائية لثماني دول
الناطق الرسمي باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب سفيان السلطي، أفاد خلال نفس الندوة، بأنه تم إصدار بطاقات جلب في حق المنفذين ألفير ساراك وآلان كانزيتش، إلا أن السلطات البوسنية رفضت تسليمهما، وأكد السليطي رفع مذكرات قضائية دولية سنة 2017 لكل من البوسنة وكرواتيا والسويد وبلجيكا وتركيا وكوبا ولبنان ومصر، لتسليم المتهمين في عملية الاغتيال.
وبداية شهر مايو/أيار الماضي، كشف الناطق الرسمي باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب في تونس، أنه في 13 من مارس/آذار الماضي تم القبض على أحد منفذي عملية اغتيال الشهيد محمد الزواري في كرواتيا وهو يحمل الجنسية البوسنية، بموجب مذكرة قبض صادرة عن الإنتربول، في أثناء توجهه للسفر إلى فيينا، إلا أنه لم يتم تسليمه إلى تونس بعد.
وقبل ذلك كانت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” قد ذكرت أن الذين اغتالوا الزواري في تونس يحملون جوازات سفر بوسنية، وبحسب ما قاله محمد نزال الناطق باسم الجناح السياسي لحماس، فإن الزواري كان تحت المتابعة الدائمة اليومية لمدة أربعة أشهر قبل مقتله، واتهمت حماس جهاز المخابرات الإسرائيلية الخارجي “الموساد” بالوقوف وراء العملية، مؤكدة أن الزواري عضو في ذراعها العسكرية “كتائب عز الدين القسام” وأحد المسؤولين عن تطوير برنامجها للطائرات المسيرة عن بُعد.
وتم التخطيط لعملية الاغتيال، وفق وزارة الداخلية التونسية، في العديد من الدول منها دول في أوروبا الشرقية وإيطاليا ونيويورك، وقد تعاونت الإدارة العامة للبحث في الجرائم الإرهابية في هذا الملف مع الإنتربول والبنك المركزي التونسي ووزارة الشؤون الخارجية التونسية.
واعتمدت فرق التحقيق على كاميرات المراقبة في الطرقات ومناطق عدة بجهة صفاقس التي شهدت حادثة الاغتيال، في كشف المسارات والسيارات التي استخدمها فريق الاغتيال بجانب عمليات تعقب محمد الزواري في حادثة القتل والانسحاب.
وبيّن نزار القماطي، أن الوحدات المختصة أجرت مسحًا شاملاً للعملية على امتداد 4620 كيلومترًا وشارك في ذلك 20 فريق عمل من أجل جمع المعطيات، بالإضافة إلى جرد 131 ألف مسافر في الفترة التي وقع فيها اغتيال الزواري.
وجاء في المؤتمر الصحفي أنه جرى إنفاق أموال طائلة لتصفية الزواري في مخطط شارك فيه تونسيون تبين لاحقًا أنهم لم يكونوا على دراية بالجريمة وتم الإعداد لها مسبقًا خارج البلاد، وبحسب المتحدثين، فإن المؤتمر الصحفي اكتفى بعرض ما نسبته 15% من المعلومات التي تتوفر عليها أجهزة الأمن التونسية حفاظًا على سرية التحقيق.
ثمنت حركة حماس جهود السلطات التونسية في متابعة ملف اغتيال المهندس محمد الزواري
بدأت الأعمال التحضيرية لعملية الاغتيال منذ عام 2015 وكانت كلها خارج تونس في أوروبا الشرقية ونيويورك، بحسب ما جاء في المؤتمر الصحفي، ومن خلال التحريات، تم التعرف على جميع الأماكن التي توجه إليها منفذو عملية الاغتيال الذين قاموا بمخططهم “بسرية” وذهبوا إلى مدن مختلفة قبل الجريمة للتمويه.
وفي بداية مايو/أيار الماضي، قال المتحدث باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب في تونس سفيان السليطي إنه تم التعرف على هوية العناصر الذين اغتالوا المهندس التونسي بمدينة صفاقس جنوبي البلاد يوم 15 من ديسمبر/كانون الأول 2016.
وأوضح السليطي في مؤتمر صحفي بالعاصمة التونسية حينها أن متهمين يحملان الجنسية البوسنية، وأحدهما تم توقيفه بمطار كرواتيا يوم 13 من مارس/آذار الماضي، غير أن السلطات البوسنية رفضت تسليمه.
واغتيل الزواري، 15 من ديسمبر 2016 داخل سياراته أمام منزله في صفاقس، بطلقات نارية استقرت في رأسه وصدره، وأعلنت بعد ذلك “كتائب القسام” الجناح العسكري لحركة حماس الإسلامية، أن الزواري “أحد القادة الذين أشرفوا على مشروع طائرات الأبابيل من دون طيار التي اخترقت الأجواء الإسرائيلية في أثناء العدوان على قطاع غزة في 2014، واتهمت “الكيان الإسرائيلي” بالوقوف وراء العملية، وأكدت أن دم المهندس التونسي لن يذهب هدرًا.
حقائق أخرى.. مدير العملية وتواطؤ تونسي
من جهة أخرى، كشف مدون تونسي يدعى راشد الخياري، أن إسرائيلية تدعى إيليس كوهين أدارت عملية اغتيال الزواري من تل أبيب، مشيرًا إلى أنه أجرى تحقيقًا استقصائيًا على مدى العامين الماضيين، مستندًا إلى وثائق حصل عليها من محاضر التحقيق مع عناصر الشبكة التونسية الـ13 المتورطين في عملية اغتيال الزواري.
وأشار الخياري في لقاء بثته قناة “التاسعة” الخاصة، إلى أن مديرة فريق الاغتيال تُدعى إيليس كوهين، وهي إسرائيلية من أصول نمساوية، متزوجة من تونسي يقيم معها في مدينة تل أبيب، وقد أدارت عملية الاغتيال من “إسرائيل” بالتنسيق مع 13 عنصرًا تونسيًا.
وقال الخياري إن كوهين زارت تونس مرات عدة في وقت سابق، حيث “التقت في 2014 وزيرة السياحة آمال كربول وباتت ليلة في نزل الهناء في تونس وآخر في مدينة الحمامات”، وأشار إلى أنه يمتلك صورًا لها وهي ترقص مع سفير دولة كبرى، لم يكشف هويته، لكنه قال إنه معروف جدًا في تونس (يرجح أنه السفير الفرنسي)، فضلاً عن صورة أخرى لها مع وزير تونسي في أحد الملاهي، وأخرى خلال مشاركتها في تظاهرة في شارع الحبيب بورقيبة، وقال إنها تشرف على إدخال أي إسرائيلي إلى تونس “بطرقها الخاصة”.
https://www.youtube.com/watch?v=23lo6IpqTE0
وعن دخول مراسل القناة الإسرائيلية العاشرة، موآف فاردي، إلى تونس، قال الخياري: “فاردي في الأصل ضابط استخبارات في وزارة الدفاع الإسرائيلية، حين دخل إلى تونس اتصلت إيليس كوهين بشخص عبر الفايبر (عن طريق وسيط) وطلبت منه استئجار سيارة لصالح موآف واصطحاب أحد أفراد عائلته معه، وخاصة امرأة، كي لا يثيروا شكوك عناصر الأمن، وقد دفع الصحافي الإسرائيلي 1800 دينار (نحو 650 دولارًا) مقابل استئجار سيارة ليوم واحد”.
وأضاف “وفي الطريق أعطاهم موآف صورة لسيارة محمد الزواري فحاولوا التملص من العملية، لكنه عرض عليهم نقودًا أكثر فوافقوا على الأمر، وبعدما بث تقريرًا مباشرًا من أمام منزل الزواري في صفاقس بهاتفه المتطور جدًا لصالح القناة الإسرائيلية، عاد إلى العاصمة حيث بث تقريرًا من شارع الحبيب بورقيبة”.
وأشار الخياري إلى أن الصحافي الإسرائيلي بات ليلة واحدة في فندق أفريقيا في قلب العاصمة التونسية، حيث لاحظ موظف الاستقبال وجود كلمة تل أبيب على جواز سفره الألماني فحاول الحديث معه باللغة الألمانية، لكنه أخبره أنه لا يتحدث إلا اللغة الإنجليزية، وهو ما دعاه للشك به، فاستدعى عناصر الأمن وتم التحقيق معه، ولكن جاءت تعليمات لإطلاق سراحه من جهة سياسية عليا (لم يحددها)”.
وأضاف “ثمة بعض الأطراف في الدولة التونسية متورطة في عملية اغتيال الزواري، فمن غير المعقول إطلاق سراح جميع التونسيين المتورطين في العملية، رغم أن بعضهم أقر بعلاقته مع إيليس كوهين، والغريب أنه لم يتم إصدار بطاقة جلب بحق إيليس، بينما تم إصدار بطاقة جلب بحق موآف بعدما تأكدوا أنه خرج ولن يعود”.
حماس تثمن
في أول تعليق لها، ثمنت حركة حماس جهود السلطات التونسية في متابعة ملف اغتيال المهندس محمد الزواري، وقال المتحدث باسم الحركة فوزي برهوم في تغريدة له عبر موقع “تويتر” تعقيبًا على مؤتمر وزارة الداخلية التونسية الذي كشفت فيه تفاصيل عملية الاغتيال: “نثمن جهود السلطات التونسية في متابعة ملف اغتيال المهندس الزواري وكشفهم عن المجرمين المتورطين في هذه الجريمة”.
وأضاف برهوم: “المطلوب ضرورة ملاحقة هؤلاء المجرمين ومحاكمتهم وتقديمهم للعدالة، والعمل على فضح الاحتلال الإسرائيلي المسؤول الرئيس عن هذه الجريمة”، والشهيد محمد الزواري هو مهندس طيران تونسي من مواليد 1967، عمل على مشروع تطوير طائرات دون طيار وتصنيعها.
https://twitter.com/FawzyBarhoom/status/1072520630363414528
انضم الزواري لـ”كتائب القسام” الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” في فلسطين، عام 2006 بعد انتقاله للعيش في سوريا، وكان رائدًا لمشروع إنتاج طائرات دون طيار التي استخدمتها الحركة في حربها ضد إسرائيل في قطاع غزة عام 2014.
وسبق أن أشارت قناة الجزيرة الاخبارية في تقرير لها إلى تحول الزواري لقطاع غزة من أجل تدريب الفريق الخاص بمشروع الطائرات المسيرة (دون طيار) في القطاع، لمساعدة الفريق العامل فيه لإتمام عمله، بعد أن واجهتهم بعض التحديات التي تطلبت وجود الزواري في غزة.
وشكل انضمام الزواري لصفوف “القسام” نقلة نوعية في تطوير نواة القوة الجوية التابعة لها، وقبيل اغتياله كان المهندس التونسي قد بدأ أبحاثه لصناعة غواصة مُسيرة عن بعد كجزء من ترسانة القوة البحرية الخاصة بـ”القسام”، وذلك من مهامه على رأس “وحدة المشاريع” التابعة لـ”قسم التصنيع” في الكتائب.
هل يمكن جلب المتهمين للمحاكمة؟
أعاد كشف الهوية الكاملة للمتهمين في عملية اغتيال الشهيد الزواري، السؤال عن إمكانية جلب المتهمين للمحاكمة في تونس، خاصة وقد سبق أن تدخلت السلطات البوسنية على الخط وطلبها من كرواتيا عدم تسليم مواطنها إلى تونس.
ويمنع الدستور البوسني تسليم الرعايا للمحاكمة في الخارج، مما يضع جدارًا من العراقيل أمام السلطات التونسية في كشف ملابسات قضية الاغتيال، يذكر أنه لا توجد سفارة تونسية في البوسنة، ولا البوسنة لديها سفارة في تونس، كما أنه لا توجد أي اتفاقيات قضائية مشتركة بين البلدين، ما يعقد بعض الإجراءات.
ويعتبر التمسك الكبير بمفهوم السيادة الوطنية للدول، أحد أبرز العراقيل أمام الجهات القضائية في تونس، وهو ما يمكن أن يكون سببًا في عدم قدرة تونس على جلب المتهمين للمحاكمة فوق أراضيهم، ما يساعد على الإفلات من العقاب.
ويزيد تورط جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) في تصفية الشهيد محمد الزواري في تعقيد الوضع، ذلك أن الإسرائيليين لا يكترثون للقانون الدولي، ودائمًا ما يحمي الكيان الصهيوني جرائم الاغتيال.