أيام قليلة تفصلنا عن تنفيذ الرئيس الفلسطيني محمود عباس، تهديده المثير للجدل والمخالف للقانون الداخلي، بحل أكبر وأهم مؤسسات الدولة المستقلة، ليُدخل بيديه على الساحة الداخلية فصلاً جديدًا من فصول الانقسام والانفصال التي أرهقت الفلسطينيين وفاقمت أزماتهم طوال الـ12عامًا.
المجلس التشريعي، بات اليوم أداة مساومة وضغط من الرئيس عباس للقضاء على خصومه السياسيين والمحتملين خلال فترة وجوده على كرسي الرئاسة، أو حتى بعد رحيله، لتزيد من الوضع الفلسطيني الداخلي تعقيدًا وتأزمًا، ويطلق بها رصاصة الرحمة على كل خطوات تحقيق الوحدة والمصالحة.
قرار الرئيس عباس، بحل المجلس التشريعي، لم يكن مفاجئًا، ولكنه في ذات الوقت وضع حدًا لهذا الملف الذي تقاذفته رياح تأويلات وتحليلات السياسيين والمراقبين، الذين أكدوا أن هذه الخطوة ستكون لها نتائج كارثية على الوضع الفلسطيني وستقوده نحو المجهول.
ومساء السبت 8 من ديسمبر قال الرئيس عباس، في المؤتمر الدولي لتعزيز “دور القطاع الخاص في جهود الحكومة ومكافحة الفساد”، برام الله بالضفة الغربية المحتلة: “نحن بالطريقة القانونية سنحل المجلس التشريعي، وهذا سيأتي قريبًا”، مضيفًا “بالنسبة لحماس فإنه يوجد قضايا كثيرة بيننا سنقوم بمتابعتها بما يضمن مصالح الشعب الفلسطيني، فإما أن نتحمل كل شيء في غزة أو تتحمل حركة حماس كل شيء“.
رسائل سياسية
النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي حسن خريشة، وصف إعلان الرئيس عباس بـ”الممجوج والمخيب لآمال الفلسطينيين”، لا سيما أنه جاء بعد موقف إيجابي من السلطة ووقوف الكل الفلسطيني ضد مشروع القرار الأمريكي الذي يدين المقاومة بالأمم المتحدة.
أشار حسن خريشة إلى أن إعلان “حل التشريعي” بمثابة رسالة سياسية ضد المؤسسات الفلسطينية كافّة، وليس ضد حركة حماس
وقال خريشة: “الشعب الفلسطيني كان ينتظر من الرئيس أن نمضي قدمًا نحو إتمام المصالحة، لا أن يتم اتخاذ قرارات وإجراءات تعمّق الانقسام، بل تذهب بنا نحو الانفصال”، وتساءل: “على أيّ قانون يتحدث الرئيس ويقول إن خطوة حل التشريعي ستكون قانونية؟“.
وأضاف: “إذا كان عباس يقصد القانون الأساسي فإن بنوده واضحة، وهي أن التشريعي سيّد نفسه ولا يملك أحد الحقّ بحلّه، وولايته تبقى ممتدة إلى حين تسلّم مجلس تشريعي آخر”، متابعًا “كان الأولى لرئيس السلطة الدعوة لإجراء الانتخابات، لكن يبدو أن هناك محاولات لزيادة التفرّد تحت شعارات ومسميات عديدة“.
وأشار إلى أن إعلان “حل التشريعي” بمثابة رسالة سياسية ضد المؤسسات الفلسطينية كافّة، وليس ضد حركة حماس، مؤكدًا أن كل المحاولات الرامية لاستبدال أو نقل صلاحيات مجلس منتخب (التشريعي) بأجسام ومجالس أخرى لا قيمة لها “أمر مرفوض“.
وبحسب خريشة “الحسنة الوحيدة لاتفاق أوسلو أننا قلنا للعالم لدينا شرعية مستمدة من الانتخابات”، مشددًا على أنه وفي حال أقدم عباس على تنفيذ إعلانه بحل المجلس فإنه “لن يعود يحمل صفة رئيس للسلطة الفلسطينية“.
وجدد التأكيد على موقف “التشريعي” والغالبية العُظمى من نوابه الرافض لأي خطوات تمسّ بعمل المجلس، داعيًا في الوقت ذاته الكتل البرلمانية إلى عدم اتّخاذ إجراءات مضادة، وإبقاء الباب مفتوحًا لتوافق وطني، يمكّن من مواجهة كل التحديات والمؤامرات التي تُحاك ضد قضيتنا الفلسطينية.
بدوره يقول عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية قيس عبد الكريم: “لا يحق لأحد أن يتخذ قرارًا بحل المجلس التشريعي“، ويؤكد أن المجلس التشريعي مؤسسة منتخبة من الشعب ومكلفة بشؤونه وممارسة السلطة التشريعية، مشيرًا إلى أنه “ليس هناك في القانون الأساسي أو وثائق منظمة التحرير ما يشير إلى إمكانية حل التشريعي من أي شخص أو أي جهة أخرى“.
جلسة للمجلس التشريعي في غزة
وشدد عضو المكتب السياسي للجبهة، على أن تهديد عباس بحل المجلس تجاوز للقانون الأساسي الفلسطيني وتطاول عليه واختراق لمبادئ الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان، لافتًا إلى أن حل التشريعي سيؤثر سلبًا في مسيرة المصالحة “لأنه يشكل نقضًا لعنصر رئيس من عناصر الاتفاقيات التي تمت بهذا الشأن، التي أشارت جميعها لضرورة الحفاظ على التشريعي وتفعيله“.
“الإقدام على حل المجلس التشريعي خطوة متسرعة في ظروف حساسة ودقيقة”، الحديث هنا لعضو المكتب السياسي لحزب الشعب وليد العوض، مضيفًا “حل التشريعي سيساعد في تسريع الانتقال من مربع الانقسام إلى مربع الانفصال، وهو أمر خطير“.
وذكر أن خطورة حل المجلس ليست مجرد خطوة قانونية إنما خطوة سياسية لها انعكاساتها، الأمر الذي يتطلب التفاهم سياسيَّا بين الجميع، والتعامل من باب الذهاب إلى مخرجات جديدة عبر الانتقال من مرحلة السلطة ومؤسساتها المحكومة باتفاق أوسلو وسقفه المنخفض إلى مرحلة بناء الدولة ومؤسساتها المستندة إلى رغبة شعبنا ومدعومة بقرارات الشرعية الدولية.
وقال: “يحتاج الأمر إلى مزيد من الدراسة والتبصر في سياق إستراتيجية واضحة تقود للخروج من اتفاق أوسلو والتزاماته وفي سياق الانتقال من مرحلة السلطة لمرحلة الدولة“.
وجدد العوض التأكيد على ضرورة تشكيل مجلس تأسيسي لدولة فلسطين يضم المجلس التشريعي والمجلس المركزي كبرلمان لدولة فلسطين مؤقت إلى حين إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية لدولة فلسطين.
الجدير ذكره أن حركة حماس التي أعلنت أكثر من مرّة رفضها لخطوة حلّ المجلس التشريعي، استحوذت على غالبية مقاعده، في آخر انتخابات برلمانية جرت عام 2006، بحصولها على 76 مقعدًا من أصل 132 من مقاعد المجلس، بيد أن المجلس تعطل وأحيلت صلاحياته إلى الرئيس عباس عقب سيطرة الحركة على قطاع غزة عام 2007.
الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا، رأى أن عباس لديه معلومات عن تحركات باتجاه إيجاد خليفة له خلال المرحلة القادمة، يكون في محورها المجلس التشريعي
ومنذ تلك الأحداث لم تشارك حركة فتح في أي من جلسات المجلس، ولم تعترف بأي من القرارات الصادرة عنه، في حين استمرت حماس في عقدها.
مخطط الإطاحة بعباس
الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا، رأى أن عباس لديه معلومات عن تحركات باتجاه إيجاد خليفة له خلال المرحلة القادمة، يكون في محورها المجلس التشريعي، وهي مرتبطة بحماس والكتل البرلمانية والتيار الديمقراطي لحركة فتح.
واعتقد القرا، أن عباس يريد بهذه الخطوة إغلاق الباب على أي محاولات يمكن أن تذهب باتجاه إيجاد بديل له في الساحة الفلسطينية، مؤكدًا أن عباس يسير على الخطوات السابقة نفسها فيما يتعلق بحل المجلس التشريعي والتهديد بخطوات تجاه غزة، وهو أنه لا يريد السير فيما يتعلق بالمصالحة الفلسطينية.
وأوضح أن هذه الخطوة ستكون إغلاقًا لكل مسارات المصالحة في الجهد المصري الحاليّ، مشيرًا إلى أن هذا يعكس أن اللقاءات التي يعقدها عباس مع المصريين والرئيس السيسي غير مجدية، وأضاف: “من الواضح أن عباس لا يعطي بالاً للمقترحات المصرية، ولم يتم التأثير عليه من الرئيس المصري، وهو رافض لكل الخطوات المرتبطة بالتحرك المصري والقطري والأمم المتحدة“.
وعن الأبعاد القانونية وخسائر خطوة الرئيس، يقول المحلل السياسي جهاد حرب: “الكلام عن حل التشريعي يحمل في السياسة أمرين، الأول إحداث حالة إرباك لدى حركة حماس والضغط عليها باعتباره أحد الإجراءات التي تتخذها القيادة الفلسطينية للتضييق على الحركة، أما الأمر الثاني، أن تكون النوايا جدية في حل التشريعي وهو في ظني يحتاج إلى عناية واهتمام أصحاب القرار؛ خاصة أنه لم تتم دراسة معمقة للأمر أو تقدير موقف يناقش المسألة المطروحة وتنظر المكاسب والخسائر الناجمة عن حل المجلس“.
المجلس التشريعي بالضفة معطل بقرار من عباس
وأضاف “في سياق ذلك لا ينبغي إدراك المسألة القانونية فقط بل أيضًا الآثار اللاحقة “المكاسب والخسائر”، وحساب ردة فعل الأطراف الأخرى الداخلية والخارجية وسلوكها تجاه مثل هكذا قرار، فالمجلس التشريعي منشأ بحكم اتفاق “أوسلو” وهو جزء منه إن لم يكن الأساس فيه في المرحلة الانتقالية، وما قرار المجلس المركزي عام 1993 بإنشاء السلطة الفلسطينية إلا قرارًا كاشفًا، وبالمطلق القرار الكاشف غير قادر على إلغاء القرار المنشأ وفي كلاهما فقه واجب، خاصة أنه لا توجد مؤشرات على أن المجلس المركزي أو الوطني أو القيادة الفلسطينية ذاهبون لحلول ثورية أو جوهرية في العلاقة مع حكومة الاحتلال كحل السلطة الفلسطينية وإلغاء الاتفاقيات الموقعة سابقًا“.
وتابع “حل المجلس التشريعي يعني إنهاء وشطب وإزالة رئاسة السلطة المقرون وضعها بوضع المجلس التشريعي بالتزامن سواء في اتفاق أوسلو أو في القانون الفلسطيني؛ ففي اللحظة التي تنتهي فيه ولاية المجلس التشريعي تنتهي ولاية رئيس السلطة، والحل هنا إنهاء للولاية بالمعنيين الضيق والواسع للنص“.
وأكد أنه في حال تم حل التشريعي فإن حركة فتح تحديدًا ستفقد ساحة مركزية أو عنوانًا رئيسيًا في النظام السياسي، وفي مخاطبة المجتمع الدولي سواء من خلال الاتحاد البرلماني الدولي والبرلمان الأوروبي أم الشراكة مع مجلس أوروبا لإسماع الصوت الفلسطيني في هذه المنابر التمثيلية على المستوى العالمي، وهي بحد ذاتها إحدى المعارك الرئيسية في مواجهة الاحتلال.
وأشار إلى أنه في المقابل فإن حركة حماس و”آخرين” سيستمرون في عقد جلسات في قطاع غزة؛ حيث لا سيطرة للسلطة الفلسطينية بأجهزتها المختلفة عليه، فالغاية المبتغاة من حل المجلس هنا تسقط أمام أول جلسة لكتلة حماس وربما انضمام بعض النواب الرافضين لمثل هكذا قرار.
من الناحية القانونية أكد حرب أنه لم يذكر في القانون الأساسي الفلسطينيي إمكانية حل المجلس التشريعي
وقال “في ظني أن الفائدة المتحققة من هكذا قرار هي توفير مالي ضئيل على الخزينة العامة يتعلق بتخفيض بعض نفقات المجلس التشريعي التشغيلية وتخفيض بسيط على رواتب نواب حركة فتح ومكافآتهم، في المقابل الخسائر السياسية ستكون واسعة، فالمفاضلة هنا بين المزايا والعيوب واجبة عند النظر للقرارات العامة والخاصة أيضًا“.
ومن الناحية القانونية أكد حرب أنه لم يذكر في القانون الأساسي الفلسطينيي إمكانية حل المجلس التشريعي، مشيرًا إلى أن قانون الانتخابات لعام 2005 وفي المادة 111 منه نصت على أن ولاية الرئيس تنتهي بانتهاء ولاية المجلس التشريعي، منوهًا إلى أن الخسائر أعلى بكثير من الفوائد التي سيجنيها النظام السياسي من هكذا قرار.
وبحسب القانون الفلسطيني، فإن المادة الـ47 من القانون الأساسي المعدل تنص على أن ولاية المجلس التشريعي القائم تنتهي عند أداء أعضاء المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستورية، كما تنص الفقرة الثانية من المادة الـ37 على تولي رئيس المجلس التشريعي مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتًا، لمدة لا تزيد على ستين يومًا، تُجرى خلالها انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقًا لقانون الانتخابات الفلسطيني.
ووفقًا لذلك، فإن رئيس المجلس التشريعي الحاليّ النائب عن حركة حماس، عزيز دويك، يتولى مهام رئاسة السلطة في حال غياب رئيس السلطة عن المشهد، تطبيقًا لحادثة سابقة حينما تولى روحي فتوح، رئيس المجلس التشريعي عام 2004، رئاسة السلطة بعد وفاة ياسر عرفات.