لا تزال قوات النظام والميليشيات الموالية له، تجدد خرقها لاتفاق سوتشي الذي تضمن إنشاء منطقة منزوعة السلاح تفصل بين مناطق المعارضة المسلحة من جهة وقوات النظام من جهة أخرى، في وقت باتت روسيا تتجاهل الخروقات التي يتسبب بها النظام والميليشيات الإيرانية في مناطق التماس، بينما تحاول المعارضة عدم الرد على قوات النظام، نظرًا للتعهدات المقدمة للضامن التركي.
قوات النظام ومليشياته تعزز وجودها في محيط إدلب
كيف يمهد النظام ومليشياته للسيطرة على المنطقة العازلة في إدلب؟
استمر قصف المليشيات الإيرانية لمدينة جرجناز وخان شيخون بريف إدلب الجنوبي بالإضافة إلى بلدات التمانعة وسكيك والخوين وحيش وجزرايا والعثمانية وزمار جنوبي شرق إدلب، مما أدى لوقوع أكثر من 33 شهيدًا في صفوف المدنيين منذ التوصل لاتفاق سوتشي، فيما ذكر ناشطون استقدام الميليشيات الإيرانية مدافع صاروخية متوسطة المدى شديدة الانفجار.
وعلى الرغم من تعهد روسيا بعدم خرق النظام ومليشياته للاتفاق، فإنها تبدو راضية دون أي شك في ذلك، لأن منذ تدخلها عام 2015، كانت ولا تزال غير معترفة بوجود المعارضة، وتتعامل مع المعارضة السورية دون قوانين دولية، وتؤكد وجوب عودة الأراضي كافة لسيطرة نظام الأسد، بأي ثمن كان، ولو على حساب المدنيين.
ولعل التطورات التي شهدها عام 2018، كثيرةً جدًا وخسرت فيها المعارضة المسلحة معظم مناطق نفوذها في كل من حمص ودمشق ودرعا، فيما كان الراعي الحقيقي لتهجير المعارضة هو حليف النظام الروسي الذي يسعى إلى ترسيخ وجود النظام في الأراضي السورية كافة، وتحقيق ذلك بشتى الوسائل، دون العودة إلى بنود الاتفاق في المراحل المتقدمة، كما يجري تمامًا في المناطق المهجرة مؤخرًا.
حاولت روسيا عبر اتفاق سوتشي إجبار المعارضة على سحب سلاحها الثقيل من المنطقة المعزولة التي يصل طولها نحو 200 كيلومتر
وباتت استعدادات النظام ومليشياته إلى جانب الدعم الروسي للسيطرة على إدلب، أكثر جديةٍ، قبل انعقاد قمة سوتشي 7 من سبتمبر/أيلول، التي لعبت دورًا بارزًا في تهدئة الصراع على الأرض ليصبح في مرمى السياسة الروسية التركية، بينما بات الحديث عن معقل المعارضة الأخير، أصبحت فيه فصائل المعارضة تمتلك زمام المبادرة من خلال سيطرتها على الطرق الدولية التي تتمسك بها قوات النظام لإعادة تفعيلها، التي تصل حلب ـ دمشق وحلب ـ اللاذقية، لأهميتها التجارية على الصعيد الدولي.
وتمهيدًا لذلك حاولت روسيا عبر اتفاق سوتشي إجبار المعارضة على سحب سلاحها الثقيل من المنطقة المعزولة التي يصل طولها نحو 200 كيلومتر، من أرياف حلب شمالًا وصولًا إلى أرياف اللاذقية، وتبدو المعارضة ملتزمة بتنفيذ الاتفاق، لكن خرق النظام وتماديه والتجاهل الروسي جعلها في محطة إنقاذ عام خلال تعرض مناطقها للقصف دون الرد على مصادره، وعلى الرغم من قصف مواقع وجود عناصرها ومقتل أكثر من ثلاثة في صفوفهم، فإنها ما زالت صامتة حيال هذا الخرق، فيما اقتصر ردها على تسلل المليشيات إلى مواقعها.
بينما تحاول قوات النظام والمليشيات الإيرانية حشد قواتها على خطوط التماس المواجهة للمنطقة المنزوعة السلاح، من خلال نقل عدد كبير من هذه القوات من منطقة القلمون والرقة وديرالزور وحمص، باتجاه حماة وإعادة توزيع هذه القوات في مناطق وجودها، في كل من منطقة خطاب واللواء 47، والزلاقيات ومنطقة أبودالي وإعجاز وأبو الظهور وريف حلب الجنوبي، وذلك بهدف السيطرة عليها، حيث بدأت بعملها من خلال قصفها للمدن والبلدات الواقعة داخل هذه المنطقة، من أجل إفراغها من سكانها بشكل كامل، لتسهل وتعزز سيطرة النظام على المنطقة في وقت لاحق، وللسيطرة على الطرق الدولية التي سيطرت عليها المعارضة المسلحة منذ عام 2012.
أكثر من 20 ألف مدني ينزحون من المنطقة المنزوعة السلاح في إدلب
هربًا من الموت.. آلاف العائلات تتجه نحو الحدود السورية التركية
أكثر ما يؤرق السوريون النزوح الذي بات يرافقهم في كل حين، فهربًا من الموت تحاول العائلات المقيمة في المناطق التي تتعرض للقصف، النزوح إلى البلدات في شمال إدلب البعيدة عن مواقع سيطرة النظام ومليشياته، بسبب استمرار قصف الأخيرة للمنطقة التي أصبحت منزوعة السلاح بحسب اتفاق سوتشي، لكنها على العكس تمامًا، لأنها لا ما زالت تشهد قصفًا متتاليًا من المليشيات الإيرانية التي تبرز وجودها العسكري في المنطقة.
وتحاول العائلات البحث عن مكان أكثر أمانًا يؤويهم خلال الشتاء، لحماية أنفسهم من المجازر التي يرتكبها النظام في حقهم، بينما أصبحت المنطقة تواجه تضخمًا سكانيًا واسعًا خلال حملات التهجير الأخيرة منتصف 2018، مما جعل الحدود السورية التركية الملاذ الوحيد لهم، في وقت باتوا فيه مرهونين للاتفاق التركي الروسي.
من جانبه المجلس المحلي في مدينة معرة النعمان جنوبي إدلب، أصدر بيان استغاثة للمنظمات الإنسانية، وجاء في البيان: “يواصل نظام الأسد ومليشياته حملتهم الممنهجة على ريف معرة النعمان الشرقي مستهدفًا بمدفعيته المدنيين الآمنين في منازلهم”، وأضاف البيان: “يوجه المجلس نداء استغاثة إلى المنظمات الإنسانية كافة ويدق ناقوس الخطر لتفاقم الأوضاع الإنسانية وازدياد تدفق الأهالي المهجرين نتيجة هذا القصف”.
وثقت الأمم المتحدة نزوح أكثر من 20 ألف مدني بينهم نساء وأطفال، من ريف إدلب الجنوبي إلى مركز محافظة إدلب والقرى المحيطة، في الأيام الماضية
وأكد أنه تم تسجيل أكثر من 1000 عائلة في النزوح الأخير ناهيك عن وجود أكثر من 4000 عائلة تعاني من شح كبير في قلة مواد التدفئة ومواد الإغاثة والبيوت الصالحة للسكن، ودعا المنظمات الإنسانية إلى الإسراع في تقديم ما يحتاجه الأهالي من تجهيزات ومساعدات للتخفيف عنهم وإيوائهم في فصل الشتاء.
وقد وثقت الأمم المتحدة نزوح أكثر من 20 ألف مدني بينهم نساء وأطفال، من ريف إدلب الجنوبي إلى مركز محافظة إدلب والقرى المحيطة، في الأيام الماضية، وجاء ذلك على لسان المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق، خلال مؤتمر صحفي عقده الثلاثاء 4 من ديسمبر/كانون الأول في المقر الدائم للمنظمة الدولية في نيويورك.
وقال فرحان حق: “العديد من العائلات النازحة حديثًا تقيم في العراء بسبب الافتقار إلى المأوى وهم في حاجة ماسة للمساعدة الإنسانية”، وأضاف “تشير تقديراتنا إلى أن أكثر من 20 ألف امرأة وطفل ورجل نزحوا من جنوبي إدلب إلى القرى المجاورة منذ 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عقب ما ورد من قصف على بلدات أسفرت عن سقوط ضحايا من المدنيين”، وأوضح “نواصل دعوة جميع الأطراف وأولئك الذين لديهم نفوذ عليهم إلى ضمان حماية المدنيين، والبنى التحتية المدنية بما يتماشى مع التزاماتهم بموجب القانون الإنساني الدولي”، وتتزامن تصريحات الأمم المتحدة في وقت لا تزال قوات النظام تقصف فيه مناطق المعارضة والمراكز الحيوية فيها.