ابتداءًا من قرارك ما الذي سترتديه اليوم مرورًا بماذا يجب عليك أنْ تأكله من طعام، إلى أيّ قرارٍ أو خطوةٍ أخرى عليك أخذها في مختلف مسارات حياتك، يخضع دماغك لعددٍ كبيرٍ من العوائق المتستّرة والمضمرة التي يمكن لها أنْ تؤثّر على سلوكيّاتك وتصرّفاتك وقراراتك، بحيث تعطّل مسارك أو تمنعك من اتخاذ القرار الأفضل لمصلحتك على الرغم من أيّ شيءٍ آخر يحيط بك.
فعلى الرغم من أنّنا نعتقد أنّ القرارات التي نقوم باتخاذها تكون بالعادة مبنيةً على المنطق والعقلانية، إلا أنّها غالبًا ما تكون عرضةً لجملة كبيرة من الأخطاء المعرفية والتحيّزات الفكرية التي تخضع لها عقولنا بشكلٍ لا واعٍ ولا إراديّ، وهو ما يُعرف في علم النفس بمصطلح التحيّز المعرفي “Cognitive Bias” أو الإدراكي، وهو عيبٌ في التفكير يحدث لأسباب عديدة فيقودنا لاتخاذ قرارات مغلوطة أو غير صحيحة.
وحين يتعلّق الأمر بخياراتنا الغذائية والصحية، يقع دماغنا أيضًا ضحيةً لعددٍ من تلك التحيّزات أو الانحيازات التي نعتادها على المدى الطويل فتصبح جزءًا لا يتجزأ من أنماط حياتنا وسلوكيّاتنا وتصرّفاتنا دون أنْ نعلم أنّها قد تؤذينا لاحقًا، أو دون علمنا حتّى بقدرتنا على تغييرها والتعامل معها بشكلٍ أفضل بمجرّد وعينا وإدراكنا لها ولكيفية حدوثها.
الانحياز التأكيدي: لماذا يصعب علينا تغيير خياراتنا الغذائية؟
يُخبرنا الانحياز التأكيدي “confirmation bias” أنّنا نميل بشكلٍ طبيعيّ للبحث عن المعلومات والأفكار التي تؤكّد لنا أنّ ما نعتقد أو نقوم به هو صحيحٌ بالفعل، أي تلك المعلومات التي تدعم أفكارنا المتواجدة لدينا من قبل. كما أنّنا في الوقت نفسه نميل إلى تجاهل المعلومات التي تتحدى وتعارض معتقداتنا وأفكارنا القائمة.
نميل أحيانًا إلى التركيز على الأخبار أو التقارير البحثية التي تؤكد لنا خياراتنا الحالية المتعلّقة بالصحة أو الطعام أو أسلوب الطعام، مع تجاهل أيّ معلوماتٍ أو بيانات مفيدة وذات صلة فقط لأنها تتعارض مع سلوكيّاتنا الحالية
هذا هو السبب الذي يجعلنا نعطي في كثير من الأحيان مصداقية أكبر للقصص الإخبارية التي تدعم الأشياء التي نؤمن بها بينما نستخفّ أو ندحض القصص والأخبار التي تتعارض مع آرائنا حول العالم. وبمجرد تشكيلنا لوجهة نظر معيّنة، فإنّنا نحتفظ بالمعلومات التي تدعم وتؤكّد تلك الوجهة مع تجاهل أو رفض أي معلومات أخرى قد تشكّك فيها. إذن كيف يؤثر هذا التحيز على صحتك وخياراتك الغذائية؟
وفقًا للانحياز التأكيدي، قد تعتقد أنّ سلوكياتنا الغذائية هي سلوكيات صحية على الرغم من أنّ الكثير من المعلومات تنفي ذلك
نميل أحيانًا إلى التركيز على الأخبار أو التقارير البحثية التي تؤكد لنا خياراتنا الحالية المتعلّقة بالصحة أو الطعام أو أسلوب الطعام، مع تجاهل أيّ معلوماتٍ أو بيانات مفيدة وذات صلة فقط لأنها تتعارض مع سلوكيّاتنا الحالية وقراراتنا التي اتخذناها مسبقًا. فعلى سبيل، يؤمن الكثيرون بأنّ زيت الزيتون هو زيتٌ صحّيٌ لا ضررَ فيه أبدًا أو أنه لا يسبّب زيادة الوزن. لكنّ الكثير من الأبحاث تُشير لنا أنّه قد يكون أكثر صحّيةً من غيره من أنواع الزيتون، لكنّ هذا لا ينفي أنّ الدهون المتواجدة فيه قد تسبّب الضرر أو السمنة.
التفاؤل غير الواقعي: سلوكيّاتي غير الصحيّة لن تضرّني!
العديد من الأشخاص يميلون إلى أنْ يكونوا أكثر تفاؤلًا بشأن صحّتهم وخياراتهم المرتبطة بها، وهي ظاهرة يُشار إليها في علم النفس بمصطلح الانحياز للتفاؤل أو التفاؤل غير الواقعي “Optimism bias“، و هو انحياز يجعل الشخص يعتقد أنه أقل عرضة من الآخرين لمواجهة حدث سلبي أو ضارّ كالمرض أو التعب أو الوهن.
واحد من أمثلة التفاؤل غير الواقعي هو إيمانك فعليًّا بأنّ الأطعمة السريعة والجاهزة غير صحّية، لكنّك في الوقت ذاته تقلّل من احتمالية أنْ تسبّب لك أيّ نتائج سيّئة أو سلبية كالأمراض أو السُمنة أو غيرها
فإذا طلبت ممّن حولك تقدير مدى احتمالية تعرّضهم لحادث سلبيّ من قبيل حادث أو مرض خطير أو فقدان وظيفة أو انفصال أو موت قريب، فمن المحتمل أنْ يقلّلوا من الاحتمال الحقيقيّ لحدوث أيٍّ منها أو تأثيره على حياتهم. وبما أنّنا نميل إلى المبالغة في تقدير حدوث الأشياء الجيدة، فإنّنا بناءً على ذلك نميل أكثر إلى الاعتقاد بأنّ انخراطنا في سلوكيّاتٍ غذائية غير صحّية لن يكون له أيّ تأثير سلبيٍّ على صحّتنا وحياتنا، لا في الوقت الحالي ولا على المدى البعيد.
يحدث الانحياز للتفاؤل في العديد من المواقف، فالمدخّنون على سبيل المثال يعتقدون أنّهم أقل عرضةً للإصابة بسرطان الرئة. ومن ناحية أخرى، قد تؤمن فعليًّا بأنّ الأطعمة السريعة والجاهزة غير صحّية، لكنّك في الوقت ذاته تقلّل من احتمالية أنْ تسبّب لك أيّ نتائج سيّئة أو سلبية كالأمراض أو السُمنة أو غيرها. وقد تكون على علمٍ أيضًا بأنّ قلة الحركة والنشاط ليست بالسلوك المرغوب به، لكنّك في نفس الآن لا تتوقّع أنّ انعدام نشاطك الحرَكي أو البدَني قد يؤدي إلى المرض أو الوهَن أو التعب، وهكذا.
واحدة من الاستراتيجيات التي قد تنجح في مساعدتك على التغلّب على هذه التحيّزات هي البحث والتروّي قبل اتخاذ القرار والأحكام
وبالتالي، يمكن للقرارات التي تتخذها كل يوم أن يكون لها تأثير ثانوي وكبير على صحتك العامة ورفاهيتك. وفي حين أنّ بعض الخيارات ستكون جيدة إلا أنّ الكثير منها قد يكون غير منطقيّ البتة أو قد يؤدّي إلى نتائج سلبية وكارثية ربّما. الخطوة الأولى في الحلّ تكمن في إدراكنا ووعينا لمثل هذه التحيّزات التي تلعب دورًا في القرارات التي نتخذها.
كما أنّ واحدة من الاستراتيجيات التي قد تنجح في مساعدتك على التغلّب على هذه التحيّزات هي البحث والتروّي قبل اتخاذ القرار والأحكام، أو النظر لمن حولك من الأفراد الذين مرّوا بتجارب قد تفيدك، كأنْ تقارن نفسك بمن التزم بالرياضة والنشاط البدني والطريقة التي أصبحت عليه صحته الجسدية والنفسية أفضل من قبل، أو بمن يلتزم بقواعد الأكل الصحية وأثر ذلك على حياته بشكلٍ عام.