أعلنت المملكة العربية السعودية عن اتفاق بين الدول المطلة على ساحل البحر الأحمر والقرن الإفريقي، لتأسيس كيان البحر الأحمر وخليج عدن، على هامش الاجتماع الذي عقد بالرياض أمس الأربعاء، وحضره العاهل السعودي ووزراء خارجية مصر وجيبوتي والصومال والسودان، ونائب وزير الخارجية اليمني، والأمين العام لوزارة الخارجية الأردني.
الكيان الذي جاء بمبادرة من الملك سلمان بن عبد العزيز، استكمالاً لما أفرزه الاجتماع الذي عقد بالقاهرة في 11 و12 من ديسمبر 2017، يضم كلاً من السعودية ومصر والسودان وجيبوتي واليمن والصومال والأردن، يهدف وفق وزارة خارجية الرياض إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
العديد من التساؤلات فرضت نفسها مع الإعلان عن هذا الكيان خاصة أنه شهد غياب دولتين مؤثرتين في أمن البحر الأحمر والقرن الإفريقي، وهما إريتريا المطلة مباشرة على البحر الأحمر، وإثيوبيا صاحبة التأثير الأكبر في منطقة القرن الإفريقي، فما الدوافع الحقيقية وراء هذا التشكيل الجديد؟ وهل يصبح بديلاً للناتو العربي؟
تعزيز الأمن والاستقرار
يأتي هذا الكيان “تعبيرًا عن الرغبة المشتركة لتعزيز سبل التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية بين الدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، والسعي لتحقيق مصالحها المشتركة وتعزيز الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي” بحسب البيان الصادر عن الخارجية السعودية.
البيان تطرق كذلك إلى الأهمية التي يمثلها خليج عدن كونه ممرًا مائيًا للدول العربية والإفريقية المشاطئة، كذلك للملاحة والتجارة الدولية، ومن ثم تم الاتفاق على أهمية إنشاء كيان يضم الدول العربية والإفريقية التي تقع على البحر الأحمر وخليج عدن يستهدف التنسيق والتعاون بينها ودراسة السبل الكفيلة بتحقيق ذلك في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والبيئية والأمنية.
المشاركون في الاجتماع أكدوا بدورهم أهمية هذه الخطوة، فعلى لسان وزير الخارجية السعودية عادل الجبير، أكد أن إنشاء هذا الكيان “سيساهم في تعزيز الأمن والاستقرار بالمنطقة كما أنه سيساهم في تعزيز التجارة والاستثمار في المنطقة ويربط اقتصادنا مع بعض”.
تتخذ السعودية في المقام الأول من هذا الكيان الجديد رأس حربة لتقويض نفوذ إيران في منطقة القرن الإفريقي
فيما أوضح الأمين العام لوزارة الخارجية وشؤون المغتربين في الأردن السفير زيد مفلح اللوزي، أن “المبادرة السعودية لتأسيس كيان للدول العربية والإفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن مهمة” وأن الدول المشاركة يمكنها بحث سبل التعاون في الشوون الأمنية والاقتصادية التي تهم المنطقة والبحر الأحمر بشكل خاص”.
وفي السياق ذاته أكد نائب وزير الخارجية اليمني السفير محمد بن عبد الله الحضرمي، أن هذا الكيان “سيسهم في أمن المنطقة ويحقق تطلعات الشعوب في المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية”، بينما ثمن وزير الخارجية والتعاون الدولي بالصومال أحمد عيسى عوض، ما أسماه الدور القيادي المهم للعاهل السعودي في تأسيس الكيان لإيجاد الاستقرار في الممرين البحر الأحمر وخليج عدن، مبينًا أن الصومال يرغب في أن تكون العاصمة السعودية الرياض مقرًا لهذا الكيان.
7 دول عربية أعلنت مشاركتها في الكيان الجديد
إرهاصات مبكرة
لم يكن الإعلان عن هذه الخطوة من قبيل المفاجأة لدى الكثير من المراقبين، إذ سبقتها بعض الإرهاصات التي ذهبت في هذا الاتجاه منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، وبالتحديد منذ بدء العمليات العسكرية لقوات التحالف بقيادة المملكة باليمن في مارس 2015.
فالتدريبات العسكرية التي أجرتها القوات المسلحة المصرية مع عدد من الدول في المنطقة على رأسها الأردن تحت عنوان “مناورات العقبة” ومع السعودية تحت مسمى “النجم الساطع“، ومع الإمارات “زايد” تأتي في إطار هذا التحرك الذي يهدف إلى تدشين كيان موحد من الدول (مصر- السعودية – الإمارات – الأردن) ذات الخط السياسي المتقارب في المنطقة التي تقود بدورها ما أطلق عليه “صفقة القرن”.
علاوة على ذلك فإن مساعي الإصلاح بين إثيوبيا وإريتريا التي تمت بوساطة سعودية إماراتية عبر موجة من المفاوضات بحضور الأمين العام للأمم المتحدة ومفوض الاتحاد الإفريقي، لتحقيق عدد من الأهداف السياسية على رأسها إنهاء الخلاف بين البلدين، جاءت كذلك في هذا الاتجاه فيما يتعلق بتعميق الحضور داخل إفريقيا.
هناك رغبة مصرية في المشاركة في تحالف إقليمي يحظى بدعم أمريكي وليس موجهًا ضد إيران بشكل مباشر
تقويض النفوذ الإيراني
تتخذ السعودية في المقام الأول من هذا الكيان الجديد رأس حربة لتقويض نفوذ إيران في منطقة القرن الإفريقي، فباستقطابها لدول لها مصالح قوية مع طهران مثل الصومال وجيبوتي والسودان عبر العديد من وسائل الضغط والابتزاز كالمساعدات والدعم لاشك وأنه سيلقي بظلاله على مستقبل علاقات تلك الدول بالدولة الإيرانية.
كذلك تأمين الممرات المائية كمضيق باب المندب ومداخل قناة السويس من التهديدات الإيرانية، وهي التي هددت قبل ذلك بالتدخل العسكري لمنع تصدير النفط لباقي دول المنطقة حال منع أمريكا تصدير نفطها، هذا بخلاف استهدافها لبعض السفن والشاحنات المحملة بالنفط التي على إثرها أوقفت الرياض مرور شاحناتها لفترة محددة ثم تراجعت عنها.
الصحفي السعودي تركي الفهيد في مقال له بصحيفة “عاجل” السعودية الإلكترونية، وصف هذا الكيان الجديد بـ”الضربة الثانية من المملكة لإيران” بعد الضربة الأولى عبر استهداف حلفائها في اليمن، وأنها صفعة مؤلمة للإيرانيين الساعين منذ سنوات إلى إحكام السيطرة على البحر الأحمر، على حد قوله.
الصحفي السعودي أوضح أن فرض السيطرة على ممرات البحر الأحمر كانت بمثابة خيالات قادت حكام إيران للكذب على أنصارهم بأنهم يملكون سلطة حقيقية فيه، وهو ما قاله علنًا نائب الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي مخاطبًا حشدًا من قوات التعبئة: “أنتم ترون كيف توسعت حدودنا وتخطت الحدود الإيرانية لتصل إلى البحر الأحمر وشرق البحر الأبيض المتوسط”، ملمحًا إلى سيطرة إيرانية على اليمن ووجود في جيبوتي وإريترتيا ومحاولات وجود في السودان.
سفن إيرانية في الخليج العربي
بديل للناتو العربي
قبل فترة كثر الحديث عن تدشين ما أطلق عليه “الناتو العربي” وهو الكيان العسكري المفترض تكوينه من عدد من الدول الخليجية والعربية بدعم أمريكي إسرائيلي لمواجهة النفوذ الإيراني، غير أنه لظروف ما لم يكتمل تدشينه بعد، ومن ثم يرى البعض أن كيان البحر الأحمر الجديد ربما يكون البديل.
السيد الربوة، الكاتب المتخصص في الشأن العربي ورئيس التحرير التنفيذي لصحيفة “البيان” المصرية، أشار إلى أن الكيان الجديد ربما يزيل الحرج المصري والأردني بشأن المشاركة في ناتو يهدف إلى حماية أمن الخليج في المقام الأول في مواجهة إيران، كما أن مشاركة تل أبيب ولو استخباراتيًا كان موضع حرج للقيادة السياسية في القاهرة وعمان.
الربوة في حديثه لـ”نون بوست” كشف أن هناك رغبة مصرية في المشاركة في تحالف إقليمي يحظى بدعم أمريكي وليس موجهًا ضد إيران بشكل مباشر، كما يتعلق بحماية الأمن القومي المصري وليس الخليجي وفقط، ومن ثم ربما يكون هذا الكيان هو البديل المناسب للقاهرة خاصة أنه يتماشى مع الأهداف السعودية والإماراتية اللتين تعتبران ساحل القرن الإفريقي امتدادًا لأمنهما القومي، وتعملان بكل جهد لعدم وجود سيطرة بديلة لهما في هذه المنطقة المهمة.
إيران وتركيا ستعملان على اختراق تلك الآلية وإجهاضها من خلال علاقاتهما الجيدة مع بعض الدول، عن طريق تقديم مساعدات مالية وعسكرية
مناهضة النفوذ التركي القطري
التحرك نحو تأمين منطقة البحر الأحمر لصالح السعودية والإمارات ومعهما مصر لم يكن الأول من نوعه، فقد سبقته محاولات كثيرة لم يكتب لها النجاح، هذا ما جاء على لسان الدكتورة أماني الطويل، مديرة البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، التي كشفت أن “الفترة الماضية شهدت طرح أكثر من مشروع في هذا السياق من جامعة الدول العربية، الاتحاد الأوروبي، وزارة الخارجية المصرية، أحد مراكز البحوث الكبرى في الإمارات، ولكن لم تتبلور تلك المقترحات ليتم تنفيذها”.
الطويل في تصريحات لها قالت: “عدم وجود منظومة لضمان أمن البحر الأحمر وباب المندب، أسفر هذا الفراغ عن تدخل أطراف دولية حاولت توجيه تلك المنطقة لمصالحها مثل تركيا وإيران، مما سبب مشاكل ضخمة للدول المشاطئة على البحر الأحمر” على حد قولها.
غير أن “إيران وتركيا ستعملان على اختراق تلك الآلية وإجهاضها من خلال علاقاتهما الجيدة مع بعض الدول، عن طريق تقديم مساعدات مالية وعسكرية، ولكن الفيصل في حسم ذلك هو إرادة تلك الدول لضمان أمن مستقر في منطقة البحر الأحمر وباب المندب”، هكذا اختتمت مديرة البرنامج الإفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية حديثها.
وفي المجمل وبعيدًا عن الدوافع المعلنة والخفية وراء تدشين هذا الكيان فإنه يحمل في طياته تخوفات بنشوب أزمة يمكن أن تضع المنطقة كلها فوق صفيح ساخن، إذ شهد الاتفاق غياب إريتريا التي تمتلك ساحل يمتد لمسافة 1150 كيلومترًا على البحر الأحمر، بخلاف عدد من الجزر الملاصقة للشاطئ، وإثيوبيا صاحبة التأثير الأكبر في منطقة القرن الإفريقي التي توترت علاقاتها مع الرياض بصورة كبيرة خلال الفترة الأخيرة، وعليه فإن أي تحرك من الكيان الجديد قد يستفز هاتين الدولتين ويحول مياه الممرات الهادئة إلى آبار مشتعلة.