حاولت المرأة العربية لسنواتٍ طويلة التخلص من الصور النمطية والصفات السطحية التي التصقت بها ونجحت -إلى حد ما- في فرض وجودها في مختلف المجالات الأكاديمية والمهنية، ما ساعدها على تغيير النظرة الاجتماعية لإمكاناتها ودورها الفعال في القضايا العامة، فلم تعد تُستخدم فقط كأداة في المواد الترويجية والتسويقية الإعلامية أو تُحصر في المهام المنزلية والتربوية التقليدية، بل أصبحت لاعبًا رئيسيًا ومنافسًا للرجل في دوائر الحكم والمراكز الرفيعة على الصعيد السياسي والاجتماعي.
انتقلت عدوى التغيير والنجاح إلى شرائح واسعة من النساء اللواتي عانين من التضييق والتحجيم إرضاءً للأحكام الاجتماعية وخوفًا من العواقب، ولكن لا شك أن الحال لم يعد ذاته في بعض المناطق، وللإشادة والاعتراف بدور المرأة أعلنت مبادرة “بي بي سي” قائمة لعام 2018 تضم 100 امرأة الأكثر تأثيرًا وإلهامًا من كل أنحاء العالم، ومن بينهم مجموعة من الشخصيات العربية والمسلمة اللاتي أبدعن في حقول مختلفة بالرغم من المصاعب والضغوط التي اصطدموا بها في بداية مشوارهم، ومنهن:
الناشطة الحقوقية ينار محمد من العراق
ولدت ينار في العاصمة بغداد وتخرجت من قسم الهندسة في عام 1984 وأكملت مشوارها التعليمي في عام 1993 حين حصلت على درجة الماجستير من جامعة بغداد، وبعدها قررت عائلتها الهجرة إلى كندا وعند عودتها من الغربة أسست ينار منظمة “حرية المرأة” في العراق عام 2003، تهدف إلى توعية المرأة بحقوقها من جهة ومن جهة أخرى تساعد في توفير مأوى ومسكن لضحايا الحروب والصراعات المسلحة داخل البلاد، فلا داعي للذكر أن تاريخ العراق الطويل في الحروب والمعارك شجع الاعتداءات الجنسية وكان دور المنظمة في هذا الجانب توعية المرأة وحمايتها من التبعيات.
ساعدت ينار حوالي 800 امرأة في التخلص من العنف الذي كن يتعرضن له ومنعت 30 جريمة شرف، وتسعى باستمرار إلى إعادة المكانة الاجتماعية للمرأة العراقية إيمانًا منها بأن “المرأة العراقية كانت تشكل 40% من عاملي القطاع العام وكانت تتميز عن أقرانها من البلدان العربية بأنها الأكثر ثقافةً وحصولًا على مستويات عالية في الدراسة”، ولكن الحروب المتتالية والنكسات الاقتصادية خلفت نصف مليون امرأة منهارة بسبب فقدانها لزوجها أو ابنها، ما ساعد لاحقًا على انتشار شبكات للاتجار بالنساء والفتيات.
ساعدت ينار حوالي 800 امرأة في التخلص من العنف الذي كن يتعرضن له ومنعت 30 جريمة شرف، وتسعى باستمرار إلى إعادة المكانة الاجتماعية للمرأة العراقية
إذ تقول ينار في إحدى اللقاءات الصحفية “في بلد زاد فيه عدد الأرامل عن مليوني أرملة ويقابله أيضاً ما يزيد عن مليوني يتيمة حرب، وجدت هذه الملايين من الإناث نفسها تتحول إلى بضاعة يتم المتاجرة بها لإمتاع طبقة مستغلة جديدة نشأت مع الحرب من رؤوس وأفراد الميليشيات، وتجار المشهد الديمقراطي الأمريكي الجديد”، وكانت المنظمة من أوائل المؤسسات التي تثير هذه القضية وكانت النتيجة أن توقع الدولة على قانون “مكافحة الاتجار بالبشر” رقم 28 لسنة 2012، الذي جرم بموجبه -لأول مرة في العراق- هذا الفعل، بحسب قولها.
كما ترى ينار أن الدستور يعترض طريق المرأة إلى الحرية والاستقلالية ويجعلها خاضعة للرجل السلطوي والعنف العشائري الذكوري، وتقديرًا لجهودها حصلت على جائزة مؤسسة “غروبر” في عام 2008، وجائزة “رافتو” النرويجية لحقوق الإنسان في عام 2016 لعملها بالنيابة عن السيدات والأقليات في العراق.
المصورة بشرى المتوكل من اليمن
“لا تنتظر أن يختفي الخوف من حياتك لأن ذلك لن يحدث، عليك أن تعتاد عليه، افعل ما يخفيك، لأنك لن تعرف أبدًا إلى أين سيقودك هذا الشعور”. هذه كانت كلمات الفنانة الفوتوغرافية اليمنية بشرى المتوكل في نهاية حديثها في المنصة الشهيرة “تيدكس” صنعاء ما قبل الخراب، عام 2013.
لفتت المتوكل اهتمام وسائل الإعلام بعد أن انتشرت صور من أعمالها على منصات التواصل الاجتماعي، ولاقت ردة فعل صاخبة بسبب اختيارها لموضوع ديني بحت مثل الحجاب والنقاب وعرضه في أعمالها الفوتوغرافية بطريقة جريئة، ولم يكن اختيار هذا الموضوع بالذات هو نقطة الخلاف، بل عكس المتوكل للأدوار بين المرأة التي تكشف عن وجهها وشعرها، والرجل الذي يظهر مرتديًا النقاب، ما جعل المتوكل وأعمالها محطًا للانتقادات والتساؤلات التي تقول ما المقصود من هذه الفكرة غير المألوفة؟
ولدت بشرى المتوكل في صنعاء عام 1969، ودرست في الولايات المتحدة واليمن، وحصلت على البكالوريس في علوم الإدارة من الجامعة الأمريكية في واشنطن، ومن ثم بدأت بالاهتمام بالتصوير حتى عملت كمصورة صحفية في جامعتها. وعندما عادت إلى اليمن عام 1994 عملت كمستشارة تعليم، لكنها استمرت في ممارسة التصوير عبر المشاركة بالعديد من المعارض المحلية، كما أنها انضمت إلى مؤسسة “الحلقة” في صنعاء وهي جماعة فنية سمحت لها بالتعرف على فنانين عالميين.
ركزت على قضايا المرأة حتى نجحت في توظيف التصوير للتعبير عن مواقف ورسائل المرأة العربية بشكل عام واليمنية بشكل خصوصي.
أما في عام 1998، عملت المتوكل كمصورة بشكل أساسي وبدوام كامل مع العديد من المنظمات الدولية مثل منظمة كير وسفارة مملكة هولندا والقنصلية البريطانية، وبعد عام من التعامل مع مختلف المؤسسات، كرم مركز دراسات المرأة في جامعة صنعاء المتوكل كأول مصورة يمينية.
لم تكتف المتوكل بهذه الأعمال، فتوجهت إلى مدينة أتلاتنا في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن حصلت على منحة لدراسة الدبلوم في التصوير الإعلامي في مركز “بورتفيليو”، وبعد أن أكملت دراستها فازت بالمركز الأول لجائزة “ماك” كطالبة تصوير من بين العديد من المشتركين، ونشرت أعمالها في العديد من المجالات العالمية مثل “سي إم واي كيه” و”غرافيس” للمواهب الجديدة في التصميم و”يمن تايمز” و”يمن أوبزرفر” و”فوتو”، إضافة إلى العديد من المدونات المهتمة بالتصوير مثل “500 مصور”.
ومن أبرز إنجازاتها المهنية هو عملها كمستشارة في الشؤون الثقافية للسفارة اليمنية في واشنطن لمدة عامين، ومنذ عام 2005 عملت في وزارة حقوق الإنسان في صنعاء، وخلال عملها في هذا المركز بدأت بالتركيز على قضايا المرأة حتى نجحت في توظيف التصوير للتعبير عن مواقف ورسائل المرأة العربية بشكل عام واليمنية بشكل خصوصي.
الناشطة النسوية نيمكو علي من الصومال
ودلت في عام 1982 في الصومال واضطرت في سن الرابعة إلى الانتقال مع عائلتها إلى مانشستر في إنجلترا هربًا من الحرب وهناك بدأت حياتها الأكاديمية والمهنية، فقد عملت كناشطة في مجال حقوق المرأة ومستشارة تدريب مستقلة. في 2010 أسست منظمة “بنات حواء” لتوعية الفتيات حول أهمية التعليم وعملية ختان الإناث التي خضعت لها نيمكو في سن السابعة حين كانت في إجازة مع أسرتها في جيبوتي، والتي عانت بسببها من مضاعفات صحية وتشوهات ما دفعها إلى إجراء عملية جراحية ترميمية.
أسست منظمة “بنات حواء” لتوعية الفتيات حول أهمية التعليم وعملية ختان الإناث التي خضعت لها نيمكو في سن السابعة
بالجانب إلى التجربة الشخصية، رأت نيمكو أن تعرض حوالي 98% من النساء في الصومال للختان بين عمري 4 و11 عامًا أمرًا لا يمكن تجاهله والمرور عنه، ما شجعها لاحقًا على الدفاع عن حقوق الفتيات في هذه المسألة واستئصال هذه العادة من المجتمع الصومالي، ولذلك عادت نيمكو إلى الصومال مجددًا وضغطت على الأحزاب السياسية لإنهاء هذا الإجراء وتجريمه قانونيًا، وعلى الرغم من حالة الخجل والخوف التي عمت الأجواء في البداية إلا أن نيمكو حققت مرادها وأنقذت آلاف الفتيات من القسوة الاجتماعية.
واستجابة لهذه المطالبات التي نادت بها جمعيات ونشطاء آخرين، أصدرت السلطات في جمهورية الصومال في عام 2012 مرسومًا يحظر ختان الإناث ويجرمه، كما وعدت السلطات بتقديم تعويضات للفتيات التي خضن هذه المعاناة. بالمحصلة، حصدت نيمكو عدة جوائز ومراكز رمزية تكريمًا لنشاطاتها في هذا المجال.
نوجين مصطفى من سوريا
لم تحصل نوجين المقعدة وصاحبة ال 19 عامًا على شهادات ولم تقم بأعمال توعوية أو تطوعية ولكنها اكتسبت شهرتها عندما أظهرت للعالم شجاعتها حين اضطرت للبحث عن ملاذ آمن بعيدًا عن النار والرصاص في حلب، فقد كانت تتخوف دومًا من أن تكون سببًا في منع أسرتها من الهرب بسبب كرسيها المتحرك، ولكن عندما لم يبقى خيار لهم، قررت نوجين اتخاذ هذه الخطوة بمساعدة شقيقتها نسرين وبالفعل استطاعت الوصول إلى ألمانيا في عام 2016.
حولت هذه التجربة لوجين إلى بطلة ملهمة، فهي لم تستطع في سوريا أن تذهب إلى المدرسة وتنتقل بسهولة كما تشاء، بل بقت حبيسة المنزل ولذلك كان التلفاز والإنترنت مصدرها المعرفي ومنبع معلوماتها ومن خلالها استطاعت أن تثقف نفسها ذاتيًا وتتقن اللغة الإنجليزية، إذ تقول لوجين:
” نظراً إلى وضعي، عاملني الناس دائماً بلطف، كانوا يُفسحون لي المكان الأول في الطابور عندما كنا نصطفّ لاستلام الطعام أو إجراء المعاملات القانونية لدى السلطات. وكنت سعيدة جداً لأنني تمكنت من استعمال لغتي الإنكليزية للمرة الأولى، وشعرت حينئذ أنني أستطيع أن أكون مفيدة لنفسي وللآخرين”، وتضيف: ” كنت أفصل نفسي عن أصوات الأسلحة والانفجارات التي كانت تحدث على بعد بضع أميال فقط من منزلنا، عن طريق رفع صوت التلفاز ومشاهدة البرامج المفضلة لدي”.
وثقت نوجين هذه الأحداث في كتاب ترجم إلى 13 لغة عالمية ووقفت أمام العديد من الكاميرات والبرامج لتروي قصتها في زمن الحرب واللجوء وبذلك أصبحت قادرة على مساعدة الناس ذوي الاحتياجات الخاصة
وتسرد المزيد من تفاصيل رحلتها على القارب المطاطي الذي نقلها إلى جزيرة ليزيوس اليونانية وكيف كانت تخاف من فكرة أن يقوم أحدهم برمي كرسيها المتحرك من القارب إلى البحر للتخفيف من عبء وزنه، إضافة إلى تعرضه للإهانات من قبل المهربين وهي في طريقها إلى التشرد والمجهول، وأضافت “لقد كان بعض أفراد قافلة اللاجئين الذين كانوا معي في رحلتي يتبادلون الأدوار لحملي مع كرسيي المتحرك وكأنهم من أفراد عائلتي”.
وثقت نوجين هذه الأحداث في كتاب ترجم إلى 13 لغة عالمية بمساعدة الكاتبة البريطانية كريستينا لامب ووقفت أمام العديد من الكاميرات والبرامج لتروي قصتها في زمن الحرب واللجوء وبذلك أصبحت قادرة على مساعدة الناس ذوي الاحتياجات الخاصة، فهي لم تكن سلبية تجاه إعاقتها وطمحت دائمًا أن تكون شخصًا مفيدًا ويفعل شيء لمن حوله وتحقق أمنيتها هذه في ألمانيا، بحسب قولها.