في سلم أولويات حماس اليوم تصعيد جبهة الضفة الغربية بكافة الوسائل وقد اتخذت قراراً بهذا الأمر مع أن عديد من قيادات التنظيم في الخارج تعتقد أن العمل المسلح في الضفة الغربية أصبح مكلفاً على جميع النواحي ومؤثراً وقد تسبب لهم خلال الفترات الماضية بأزمة وجود داخل عملهم حتى المؤسساتي والمدني هناك، ويعلم كلا الطرفان حماس من ناحية والاحتلال الإسرائيلي من ناحية ثانية أن الضفة الغربية هي أخطر الجبهات الثلاث -غزة جنوباً ولبنان شمالاً- لاعتبارات كثيرة أهمها قدرة الانغماس والاشتباك المباشر مع جنود الاحتلال ومستوطنيه على الحواجز والطرق المؤدية للمستوطنات، وقد كانت الضفة الجبهة الأكثر سخونة، حيث قتل فيها خلال عام ٢٠١٨ لوحده ١٣ جندياً ومستوطناً من الاحتلال الإسرائيلي.
ووفق صحيفة ”اسرائيل اليوم“ أرسل رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتيناهو رسالة شديدة اللهجة لقادة حماس في غزة خصوصاً لاعتقاد المستوى الأمني الإسرائيلي أن عمليات اطلاق النار في الضفة الغربية يتم التنسيق لها من قطاع غزة، قائلاَ: ”أنه لن يكون وقف إطلاق نار بغزة، بالتوازي مع تنفيذ العمليات بالضفة الغربية“.
الشكل البدائي الذي اتبعه المقاتلون الجدد لا يحتاج للوقت الكبير لتشكيل خلايا منظمة بسيطة، ليست عالية التسلح والتدريب، ولا يحتاج في كثير من الأحيان لخلايا بل عمليات فردية
وكان الجهد الأمني والاستخباراتي الأكبر الذي بدله جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال عام من ملاحقة منفذي العمليات وقد طالت مدة العثور عليهم في قضية الشهيد أحمد جرار من جنين أكثر من شهر بعد تنفيذه عملية حفات جلعاد ليفتتح باكورة عمليات اطلاق النار في يناير ٢٠١٨، والتي لم تختتم حتى هذه اللحظة فبعد اعلان الاحتلال عن اغتيال الشهيد صالح البرغوثي من قرية كوبر قرب رام الله منفذ عملية اطلاق النار على مجموعة من المستوطنين والجنود في قرب مستوطنة عوفرا، والشهيد أشرف نعالوة منفذ عملية بركان قرب نابلس والذي قارب الستين يوماً في المطاردة مباشرة تم تنفيذ عملية بطولية جديدة قرب مستوطنة جفعات يوسف في رام الله، يمكن القول أن الاحتلال الإسرائيلي ظل في حالة انشغال تام للبحث عن منفذي عمليات اطلاق النار في مناطق متفرقة من الضفة الغربية، وكذلك الرصد والتوقع لمنع عمليات مشابهة، فقد ظلت حملات الاعتقال مستمرة.
كيف تتشكل الخلايا القتالية في الضفة الغربية؟
الشكل البدائي الذي اتبعه المقاتلون الجدد لا يحتاج للوقت الكبير لتشكيل خلايا منظمة بسيطة، ليست عالية التسلح والتدريب، ولا يحتاج في كثير من الأحيان لخلايا بل عمليات فردية، بحيث لا يمكن الوصول لحجم عالي من التوقع لزمان ومكون حدوث عملياتها، كما أن الحصول على السلاح في الضفة الغربية بات أمراً أكثر سهولة في الفترة الأخيرة بعد تكديسه من قبل تجار السلاح في الداخل والضفة الغربية وعبر قيادات في الأجهزة الأمنية الفلسطينية لضمان الفوز في سباق خلافة الرئيس عباس.
طالبت حركة فتح عبر صفحتها بتحييد كافة كاميرات المراقبة عبر الشوارع والمحلات التجارية واعادة ضبطها وفق مقتضيات الحالة المدنية وليس الأمنية، ومن المعروف تماماً أن أنظمة عمل كاميرات المراقبة تشكل عائقاً كبيراً أمام العمليات وسرعة اكتشافها.
لكن المقاتلون الجدد الذين لا يريدهم الاحتلال الإسرائيلي هم ”مقاتلو النزعة“ أو ملاك السلاح، وهنا اشارة للأجهزة الأمنية الفلسطينية، وأعتقد أن اقتحام مدينة رام الله مركز القرار السياسي للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية قد جاء بتنسيق معين مع الأجهزة الأمنية، وسخط من المستوى السياسي الرسمي للسلطة الفلسطينية وهو ما عبر عنه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس طاقم المفاوضات السابق صائب عريقات بالجريمة بنبرة أكثر حدة قائلاً: ”إما أن يقف إلى جانبنا لوقف هذه الهجمة -اقتحام مدينة رام الله وعلى مقربة من بيت الرئيس عباس- أو سنتخذ إجراءات تعيد تحديد العلاقات الأمنية مع الاحتلال الإسرائيلي، لأن سلطات الاحتلال باقتحامها مدينة رام الله تخالف الاتفاقيات الموقعة مع السلطة التي تحرم عليها دخول مناطق السلطة“.
هل تنخرط حركة فتح في حالة الاشتباك المباشر؟
اعتذرت الصفحة الرسمية لحركة فتح وحذفت خبراً نشرته حول إصدار رئيس السلطة محمود عباس قراراً بالتصدي للمستوطنين الذين يهاجمون السكان الفلسطينيين واطلاق النار عليهم حال تطلب الأمر ذلك، وقالت أنه تم اختراقها ونشر الخبر، ثم عادت وحذفت الاعتذار كذلك واستبدلته بمنشور : ”أقاليم حركة فتح في الضفة الغربية: صلاة الجمعة غدًا في ميادين المدن، وتصعيد على كافة مواقع التماس“.
ومن خلال المنشور السابق يظهر موقف الحركة التي قادت النضال الفلسطيني لسنوات طويلة أنه تصعيد للمواجهات السلمية بالحجارة على نقاط التماس وليس للعمل المسلح، لكن الحركة المتواجدة في الضفة الغربية باتت أكثر رغبة في التصعيد من الهدوء المجاني، في حال توقف جميع مسارات التسوية وتدهور الحالة الاقتصادية مع ارتفاع كبير في بناء المستوطنات ونسب الاستيطان، وفي حال فلتت الأمور ميدانياً قد نشهد حراكاً فردياً من قبل عناصر في الأجهزة الأمنية نحو عمليات مسلحة، لكن الأمر مضبوط وفق جهد استخباري للاحتلال الإسرائيلي مهول جداً على مدار سنوات ما بعد عملية السور الواقي ٢٠٠٢، ومراقبة لجميع المناطق في الضفة الغربية من الجو وعلى الأرض بالكاميرات والدوريات والتعاون المشترك والعملاء بما يضمن حالة عدم الانفجار المفاجئ كما حدث في انتفاضة الأقصى عام ٢٠٠٠.
وقد طالبت حركة فتح عبر صفحتها بتحييد كافة كاميرات المراقبة عبر الشوارع والمحلات التجارية واعادة ضبطها وفق مقتضيات الحالة المدنية وليس الأمنية، ومن المعروف تماماً أن أنظمة عمل كاميرات المراقبة تشكل عائقاً كبيراً أمام العمليات وسرعة اكتشافها.
هنا تبقى حاجة فتح للتصعيد في إطارين الأول نزع مكاسب سياسية جديدة واعادة تدفق المال مع تسهيلات على الأرض عبر الحواجز، والثاني سيطرتها على حالة الغضب المشتعلة في الضفة الغربية منذ أشهر.
ما حاجة حماس للتصعيد في الضفة الغربية ؟
لا يتوقف الأمر عند حماس من تصعيد حالة الضفة تخفيفاً للضغط في غزة وإن كان جزء من خيارات التصعيد، لكن وفق أيديولوجية حماس القتالية فهي مع تصعيد المواجهة على كافة الجبهات، ويبدو الهدف الأكبر لحماس هذه المرة إعادة تواجدها في الضفة الغربية عبر تصعيد المقاومة وتراخي الحالة الأمنية ويرى البعض من قياداتها أنها الطريق الأسرع لإعادة الوحدة بين غزة والضفة.
قد يرفع حالة المقاومة هناك لكن في ظل غياب قيادة تستطيع انتزاع مكاسب سياسية على الأرض تبدو مجازفة خطيرة، ففي كل الأمور حالة الحرب أو التصعيد أو الانتفاضات المسلحة يجب أن يتحقق انفراجاً سياسياً على الأرض وليس فقط التصعيد من أجل التصعيد.
ويظهر أن تسخين حالة الضفة واستمرار اشتعالها بهذه الطريقة قد يفجر الأمور نحو انهيار السلطة وتشكيل مجالس أمنية يترأسها عدد من قادة السلطة الأمنيين تعمل مع الاحتلال الإسرائيلي تحت اطار الأمن مقابل تحسين الوضع الاقتصادي، وهو ما يرفع تكلفة انهيار الأوضاع هناك في ظل غياب بنى تحتية للمقاومة أو قيادة فصائلية، وفي ظل غياب السلطة الفلسطينية أيضاً، ما يعني أن الأمر يبدو مجازفة خطيرة، قد يؤدي لانهيار السلطة والتعجيل في حالة المجالس الأمنية التي تضبطها اسرائيل بجهد أمني واستخباراتي كبير، ويوصف الاحتلال الإسرائيلي بسرعة تعاطيه مع المستجدات السياسية على الأرض.
السيناريو الآخر اعادة احتلال الضفة بالكامل من قبل الاحتلال الإسرائيلي وهنا تنقل المواجهة تماماً للمخيمات الفلسطينية التي تعاني من حالة أمنية هشة محفوظة ضمن اطار العائلات والأجهزة الأمنية، وفي حال تراخي عمل الأجهزة الأمنية ستنفجر المخيمات بما تحمله من أزمات وكذلك القرى المحيطة بالمستوطنات بما تحمله من مؤشرات مرتفعة للبطالة وسوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية وصعوبة الحركة التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي عبر زيادة الحواجز التي تقطع أوصال الضفة والاستيطان وكذلك اعتداءات المستوطنين، في نهاية الأمر قد يرفع حالة المقاومة هناك لكن في ظل غياب قيادة تستطيع انتزاع مكاسب سياسية على الأرض تبدو مجازفة خطيرة، ففي كل الأمور حالة الحرب أو التصعيد أو الانتفاضات المسلحة يجب أن يتحقق انفراجاً سياسياً على الأرض وليس فقط التصعيد من أجل التصعيد.