استغرق الكثير من الكتّاب الصوماليين (وأنا منهم) في مناقشة الشكل الأمثل لحكم الصومال، هل المركزية خيار مثالي، أو اللا مركزية؟ ولماذا اعتمدنا الفيدرالية؟ وهل نعرف ما هي الفيدرالية أصلاً؟ أي شكل من أشكال الفيدرالية هو الأنسب للصومال؟
ويبدو أننا نسهو عن واقع تمرد الفرد الصومالي على القانون والدستور أياً كان، فالصوماليون رغم كونهم مسلمين لم يحكموا شرع الله بينهم، بل اعتمدوا منظومة قانونية تقليدية غير ثابتة اسمها “حير”! وتختلف تطبيقاته بين القبائل، بل من سنة لأخرى، ومن حدث لغيره، مثلاً: قتل فلان الفلاني من قبيلتي شخصاً من قبيلة فلان، كيف يصدر الحكم على القاتل؟ عادة لا يختار أولياء الدّم إعدام أو قتل القاتل، بل يطالبون بالدّية، وقد يعفو بعضهم عن المعتدي، وحين تحدث جريمة قتل بحق فرد من قبيلة القاتل على يد فرد من قبيلة المقتول، تضطر لفعل الأمر نفسه، فإن كان خيارهم الدية طالبوا بدية مماثلة، وإن كان العفو، فلا عبرة لما يريده أهل المقتول، ويختارون العفو! أما السّرقات، فأمرها غريب، ففي أدب وتراث الصومال نجد مثلا أن سرقة الإبل لا تعتبر عملا مستهجناً، ولا تستوجب العقاب، رغم أن الإبل هو أغلى ما يملكون.
وحين انتقلت نسبة من الشعب من حالة البدواة للتمدّن، نقلت معها تراثها غير المؤمن بقانون يحدّ الأفراد، ويفصل بينهم، إذ بقي الـ”حير” يحكم بينهم، بدل المحاكم المدنية الحديثة، وما زال كثيرون يعقدون زواجاتهم دون توثيقها، ولا يوثقون موتاهم ومواليدهم، لا يهمّ أبداً أن يكون لديك سجل مدني يثبت وجودك. كثيرون منا لا يملكون بطاقة تعريف بالهوية، ومن يملكون جوازات سفر، يملكونها اضطراراً لحاجة السفر!
أرهقنا أنفسنا بمناقشة الدستور ومواده وبنوده، ونسينا أن الدستور ليس سوى وثيقة شكلية، لا يهمّ تطبيقها أبداً، ولا توجد مؤسسات تطبق عليها القوانين، والنظام القضائي غير موجود، والمحاكم التي نراها تفصل في قضايا الأراضي المغصوبة لا يعتدّ بقراراتها فالجهات التنفيذية لا تملك سلطة تمكنها من تنفيذ قرار المحكمة، ما يعني العودة لمحادثات تقليدية مع أسرة غاصب الأرض وعشيرته، إن قبلوا فالمالك محظوظ، وإن قتلوه، فالموت حق على الجميع!
لماذا علينا أن نناقش في الدستور وأهمية إقامة دولة القانون والمؤسسات، إذا كان وزير العدل وشئون الدستور يقول أن الدستور ينص على تأسيس المحكمة الدستور في غضون ستين يوماً من تشكيل الحكومة، وهذا مستحيل، لأن قرار تشكيل محكمة دستورية صدر في الستينات ولم تتمكن أي حكومة من تأسيسها، رغم الفرص الجيدة التي أتيحت لهم، فكيف يمكننا ونحن في هذه الظروف أن ننشئها؟!
عذر أقبح من ذنب! هذه أول فكرة تخطر لمن يسمعه يتذرع بالظروف الصعبة التي تمر بالصومال! ما جاء هذا الوزير ولا هذه الحكومة إلا من أجل تأسيس الدولة الصومالية من جديد، وإقامة مؤسساتها، وبما أنه يقر بالعجز فليترك مكانه لمن لديه الإرادة والقدرة.
سيادة القانون في الصومال أشبه بمعجزة، فلا أحد من المسئولين يظهر رغبة حقيقية في تأسيس سلطة قضائية، حتى أن الجدول الزمني الذي عرضته الحكومة الجليلة لأعمالها من 2014-2016 لا يشمل أبداً تأسيس محكمة دستورية، وبناء مؤسسات القضاء. إذاً .. أليس من العبث الاستمرار في جدلية الدستور أو التفلسف حول أي شكل إداري يجب أن تتخذه دولة الصومال؟ أليس من الأجدر عدم الثرثرة حول لماذا تفشل الحكومات والحركات الصومالية؟ إنّها عدم الرغبة في الخضوع للقانون، والاستمرار في حالة الفوضى التي استمرأها الصوماليون منذ عقود.