ترجمة وتحرير: نون بوست
ستكون مصر من أكبر المستفيدين من أي حرب تجارية مستقبلية بين الولايات المتحدة والصين. وكان من المفترض أن تنخفض حدة التوترات بين واشنطن وبكين، إثر إعلان هدنة بين البلدين لمدة ثلاثة أشهر، خلال قمة مجموعة العشرين التي عقدت في بوينس آيرس في مطلع الشهر الجاري. لكن، يبدو أن هذه الهدنة انتهت باكرا، إذ وقع إلقاء القبض على مسؤول تنفيذي صيني كبير، تابع لشركة هواوي، في كندا بناء على مذكرة اعتقال أمريكية تتعلق بالعقوبات الأمريكية الجديدة على إيران. وقد أدى هذا الإجراء إلى صعود موجة جديدة من الاتهامات.
في الوقت التي تشير فيه المعطيات الحالية إلى استمرار الأزمة بين البلدين، إلى جانب ارتفاع أجور العمالة في شرق آسيا، وإمكانية التصدير إلى السوق الأمريكية دون ضرائب في حال استعمال مواد إسرائيلية لتصنيع المنتجات، بدأت أنظار أصحاب شركات النسيج والملابس الجاهزة الأسيويين، فضلا عن المشترين الغربيين، تتجه صوب مصر. وقد شاركت وفود وممثلون عن شركات صينية وأمريكية في المعرض الدولي “الوجهة أفريقيا” لبحث الفرص الاستثمارية وتعزيز التجارة.
في هذا الصدد، قال مدير شركة نسيج مصرية، الذي تحدث لموقع “ميدل إيست آي” شريطة عدم الكشف عن هويته خوفا من مواجهته لمشاكل بسبب التحدث إلى الصحفيين: “لدينا معلومات تفيد بأن الصين تعتزم إنتاج 20 بالمائة من احتياجاتها في مصر وأماكن أخرى، وستقوم بذلك إما من خلال الاندماج أو الاستحواذ الكامل على الشركات المحلية. ويعود هذا الاهتمام الصيني بمصر إلى انخفاض أجرة العمالة والقدرة على التصدير إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا في وقت قياسي”.
شهدت أجور العاملين في مصانع الملابس الصينية ارتفاعا.
ارتفعت أجور العاملين في هذا القطاع في الصين وأغلب مراكز التصنيع الآسيوية الأخرى، إذ وصلت إلى 600 دولار شهريا في الصين، وبلغت 275 دولارا في فيتنام، و130 دولارا في بنغلاديش. في المقابل، لم تتجاوز الأجور في مصر 100 دولار شهريا. وتهدف الصين إلى تنويع مصادر الملابس التي تُصنّعها، نظرا لامتلاكها سوقا محلية مزدهرة التي يجب تلبية احتياجاتها. وتتوقع مؤسسة “يورومونيتور” أن تصل قيمة هذه السوق إلى 341 مليار دولار بحلول سنة 2020. كما تُعد قيمة هذه السوق الأعلى مقارنة بنظيراتها في الاتحاد الأوروبي، التي تبلغ قيمتها 303 مليار دولار، والولايات المتحدة التي تقدر قيمتها بحوالي 289 مليار دولار.
في هذا السياق، قال تشانغ جيان، مدير المشاريع الدولية في المجلس الوطني الصيني للملابس والمنسوجات، في معرض “الوجهة أفريقيا”: “ستبدأ الصين استثماراتها في هذا المجال خارج البلاد، وستزداد هذه الاستثمارات بسرعة كبيرة”. مع ذلك، قد تؤثر الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية على هذا الاستثمار، وهو ما يدفع الشركات الصينية إلى البحث عن سبل جديدة لتجنب قرار الولايات المتحدة بارتفاع التعريفة الجمركية على السلع الصينية بنسبة 25 بالمائة.
تهتم العديد من الشركات بفرص الاستثمار في مصر بسبب اتفاقية الكويز، التي تسمح للمصنعين المصريين بتصدير الملابس إلى الولايات المتحدة مع الإعفاء من الرسوم الجمركية في حال كانت 10.5 بالمائة على الأقل من المواد المستخدمة في صناعة هذه المنتجات إسرائيلية
في الأثناء، توقّع 67 بالمائة من المشترين، الذين تم استطلاع آرائهم من قبل الجمعية الأمريكية لصناعة الأزياء، أن تتدنى نسبة اقتنائهم لهذه المنتجات من الصين في المستقبل القريب. وقال كريستيان شندلر، المدير العام للاتحاد الدولي لمصنعي النسيج، خلال المعرض: “تندرج السياسة الحمائية ضمن جدول أعمال الجميع، كما أنها تؤثر على قراراتهم التجارية. لذلك، فهي تعتبر مصدر قلق للمنتجين”.
حافز التصدير دون ضرائب
تهتم العديد من الشركات بفرص الاستثمار في مصر بسبب اتفاقية الكويز، التي تسمح للمصنعين المصريين بتصدير الملابس إلى الولايات المتحدة مع الإعفاء من الرسوم الجمركية في حال كانت 10.5 بالمائة على الأقل من المواد المستخدمة في صناعة هذه المنتجات إسرائيلية. وقد وقع إبرام هذه الاتفاقية من قبل الكونجرس الأمريكي في سنة 1996، من أجل تطبيع العلاقات بين مصر وإسرائيل. وأفاد المجلس التصديري للملابس الجاهزة في مصر أن قيمة صادرات هذه المنتجات تجاوزت 8.6 مليار دولار منذ سنة 2004. لكن، أثار هذا الاتفاق مخاوف المصريين، الذين يرفضون تطبيع العلاقات مع إسرائيل، والذين قاموا باحتجاجات مناهضة له خلال ثورة 25 كانون الثاني/ يناير.
في الأثناء، بلغت قيمة الصادرات من المناطق الصناعية المؤهلة، في السنة الماضية، 752.7 مليون دولار. كما نمت نسبة الصادرات إلى الولايات المتحدة، في النصف الأول من سنة 2017، بحوالي 25 بالمائة، وهو أعلى معدل نمو بين أكبر الدول الموردة إلى الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، تمثل صادرات المناطق الصناعية المؤهلة 46.7 بالمائة من إجمالي الصادرات المصرية نحو الولايات المتحدة الأمريكية.
من جانبه، قال إيهاب الزاهر، وهو عضو في المجلس التصديري للملابس الجاهزة في مصر ومدير التصدير في الشركة المصرية لإنتاج الملابس “سويت غيرل”، إنه في الوقت الذي تهدد فيه الإدارة الأمريكية باتباع سياسة حمائية برفع التعريفات الجمركية على الواردات، “تعتبر الكويز ملاذا آمنا بما أنها اتفاقية ثلاثية الأطراف، ولن يسعى أحد للعبث بها”.
اليوم، تسعى القاهرة إلى أن تصل قيمة صادراتها من الملابس والمنسوجات إلى 10 مليار دولار بحلول سنة 2025، علما وأن قيمة صادراتها، التي تنقسم بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، لا تتجاوز حاليا 2.4 مليار دولار. وفي حال تمكنت مصر من تحقيق هذا الرقم، فسيكون نصيب الولايات المتحدة منه خمس مليارات أو أكثر، مما يزيد بشكل كبير من صافي المبلغ الذي ستحصل عليه إسرائيل في إطار اتفاقية الكويز. فضلا عن ذلك، ستستفيد الشركات الصينية من هذه الاتفاقية، وهو ما سيعمل على تعزيز الصادرات الإسرائيلية بشكل مباشر.
في سياق متصل، يتوقع الخبراء أن تتمكن الشركات المصرية من بلوغ هذه القيمة في صادراتها نظرا للمسار التاريخي للشركات الأخرى التي تعمل في مجال صناعة الملابس، حيث تمكنت من تحقيق أكثر من خمسة مليارات دولار من الصادرات سنويا. وفي إطار فعاليات المعرض الدولي “الوجهة أفريقيا” في مصر، كشف نافديب سودهي، وهو شريك في “منظمة غريزي للنسيج” التي تتخذ من سويسرا مقرا لها أن “الأمر في بنغلاديش استغرق ثماني سنوات، وفيتنام سبع سنوات، أما في كمبوديا فخمس سنوات. لذلك، قد يستغرق الأمر ما بين خمس و10 سنوات للانتقال من أول مليار دولار إلى عتبة 5 مليارات دولار”.
يعتبر الاستثمار الصيني المفتاح لتوسيع نطاق الصادرات المصرية
تجدر الإشارة إلى أن بنغلاديش، التي حققت نجاحا باهرا في مجال تصدير الملابس، تبلغ قيمة صادراتها السنوية في الوقت الراهن 29 مليار دولار، بينما تبلغ هذه القيمة بالنسبة لفيتنام، 27 مليار دولار.
المليارات من الصين
يعتبر الاستثمار الصيني المفتاح لتوسيع نطاق الصادرات المصرية. وفي هذا الإطار، قالت المديرة التنفيذية للمجلس التصديري للملابس الجاهزة، شيرين حسني، إن “الولايات المتحدة تعتبر أن مشاريعها في مصر قد تكون بديلا للاستثمار الصيني، ولكن الصينيين أبدوا اهتمامهم الكبير للاستثمار في مصر”.
في المقابل، يبدو أن أعضاء الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة في مصر لم يتمكنوا من تزويد المستثمرين الصينيين المشاركين في معرض “الوجهة أفريقيا” بأرقام دقيقة حول تكاليف البنية التحتية. وقد دفع ذلك أحد مصنّعي المنسوجات المصريين الذين حضروا الاجتماع المغلق إلى محاكاة عملية إطلاق النار على رأسه عندما روى الواقعة لموقع “ميدل إيست آي”.
مع ذلك، ارتفع إجمالي الاستثمارات الصينية في مصر ارتفاعا حادا، حيث ناهزت قيمتها ستة مليارات دولار خلال السنوات الأربع الماضية، في حين تم توقيع عدد من الصفقات الثنائية بين مصر وشركات صينية بقيمة 18 مليار دولار خلال زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لبكين في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي. وقد شملت هذه الصفقات مشاريع تتعلق بالسكك الحديدية والعقارات ومشاريع في مجال الطاقة.
الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وفقا لما صرح به رجل أعمال صيني من شركة بارزة يقع مقرها في شنغهاي وتصدّر ملابس لكامل أنحاء العالم، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، فإن مصر ستكون مركزا رئيسيا يزود الشركات الصينية بالمواد الخام، حيث يتوقع أن يتركز ما يقارب من 50 بالمائة من الإنتاج الصيني في مصر. وأضاف رجل الأعمال قائلا: “أعتقد أن الكثير من الشركات ستتمركز خارج الصين، وستستفيد مصر من هذا الأمر في إطار اتفاقية التجارة الحرة. ونظرا للحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، فإن ذلك سيدفع الشركات إلى الاستثمار في مصر”.
ردا على السؤال الموجه له حول رغبة الشركات الصينية في استيراد المواد الخام من إسرائيل بهدف الالتزام بمتطلبات اتفاقية الكويز، أجاب رجل الأعمال أن “هذه الأمور هي شكلية بالأساس، إذ يرتكز الأمر على تجهيز الأوراق المناسبة، وهو أمر يمكن إنجازه، ولست مضطرا إلى استيراد ما هو منصوص عليه في الاتفاقية بحذافيره (10.5 بالمائة من المواد من إسرائيل). إن اتفاقية التجارة الحرة هي الأمر الذي يهمنا”.
من جهة أخرى، أنشأت مصر مدينة صناعية جديدة في مدينة السويس الجديدة بهدف استقطاب الاستثمارات الأجنبية. ومن المقرر أن يتم افتتاحها في موفى السنة الحالية، كما تم تخصيص 1.2 مليون متر مربع من الأراضي في المنطقة الصناعية بالمنيا الواقعة في صعيد مصر. ويمكن للشركات الأجنبية أن توظف حوالي 25 بالمائة من قوتها العاملة من غير المصريين.
صُنع في إثيوبيا؟
تسعى شركة “لي أند فونغ”، التي تتخذ من هونغ كونغ مقراً لها، إلى توسيع نطاق نشاطها. ويمكن أن يكون ذلك حافزا لزيادة نمو الصادرات المصرية في قطاع الملابس والمنسوجات. والجدير بالذكر أن هذه الشركة هي رائدة في مجال حلول سلاسل التوريد التي تربط بين المشترين وتجار التجزئة والموردين للعلامات التجارية للمستهلكين وتجار التجزئة في البلاد.
قال جيسون كرا، رئيس قسم الموارد الأجنبية في شركة “لي أند فونغ” على هامش معرض “الوجهة أفريقيا” إن “تركيزنا على المدى القصير مُنصبّ على كيفية التوسع في مصر في الوقت الحاضر، ثم سنتوسّع بعد ذلك نحو بلدان أفريقية أخرى”
خلال السنة الماضية، استوردت شركة “لي أند فونغ” خمسة مليارات قطعة من الملابس بقيمة إجمالية بلغت 16 مليار دولار من جميع أنحاء العالم، ولكن لم يتجاوز نصيب مصر منها 30 مليون دولار، أي 1.62 مليون قطعة فقط. وبحلول السنة القادمة، تريد الشركة مضاعفة هذا الرقم. أما بحلول عام 2022، فتهدف إلى استيراد ما تصل قيمته الجملية إلى 90 مليون دولار من مصر.
في هذا الصدد، قال جيسون كرا، رئيس قسم الموارد الأجنبية في شركة “لي أند فونغ” على هامش معرض “الوجهة أفريقيا” إن “تركيزنا على المدى القصير مُنصبّ على كيفية التوسع في مصر في الوقت الحاضر، ثم سنتوسّع بعد ذلك نحو بلدان أفريقية أخرى”. وفي حين تقدم مصر شروط استثمار مناسبة للشركات الأجنبية، حيث تم بالفعل إنشاء شركات تركية وشركات من كوريا الجنوبية في إطار اتفاقية الكويز، قد تشعر الشركات الصينية بالضغط، وتدرس فكرة الانتقال من مصر والتوجه نحو الجنوب.
في هذا الإطار، قال مدير الإنتاج في شركة نسيج تديرها عائلة مصرية، فضّل عدم ذكر اسمه، لأنه يخشى من تداعيات التحدث إلى الصحفيين، إن “إثيوبيا توفر لنا خيارات كثيرة”، مضيفا أنه “في غضون سنتين أو ثلاث سنوات، ستكتسح الشركات الصينية الأسواق المصرية، وقد تمنحها الحكومة إعفاءً من الضرائب، في حين أن الشركات المصرية لا تحظى بهذا الامتياز. وستنتقل الشركات الأجنبية إلى إثيوبيا لأن أسعار الكهرباء منخفضة هناك، كما أن أجور اليد العاملة زهيدة، حيث تصل إلى 30 دولارا فقط في الشهر، كما أن الأرض متوفرة مجانا (في المناطق الصناعية). علاوة على ذلك، تجمع أثيوبيا علاقات تعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في إطار اتفاقية التجارة الحرة”.
المصدر: ميدل إيست آي