في 25 من أكتوبر/تشرين الأول 2017، أعلنت ميرال أكشينار ـ المفصولة من حزب الحركة القومية التركية بسبب موقفها المُعارض لسياسات الحزب ـ تأسيس حزبٍ جديدٍ في تركيا باسم “الحزب الجيد”.
وعلى الرغم من نسج الحزب تحالف سياسي مع حزب الشعب الجمهوري ـ الحزب المعارض الأكبر في تركيا ـ فإن مرشحته للرئاسة أكشينار، لم تحصل سوى على نسبة 7.29% في الانتخابات الرئاسية والتشريعية المُنعقدة في 24 من يونيو/حزيران المنصرم، بينما حصل حزبها في الانتخابات التشريعية على ما نسبته 9.96%، وقد تخطى العتبة البرلمانية المرصودة بنسبة 10%، من خلال الأصوات التي حصل عليها نتيجة انضمامه “لتحالف الأمة”.
الأسباب الأساسية لفشل الحزب في الحصول على نسبة جيدة في الانتخابات الرئاسية والتشريعية
حصول الحزب الجيد على نتيجة مُنخفضة نسبيًا، رغم الضجة الإعلامية التي أحدثها تأسيسه، دفع البعض للتساؤل عن الأسباب الأساسية وراء ذلك.
ـ تطويع حزب العدالة والتنمية انتصارات الدولة لصالحه:
“لقد برع زعيم حزب العدالة والتنمية، رجب طيب أردوغان، في تطويع حالة العاطفة الوطنية القومية الجياشة التي ظهرت للسطح بفعل العمليات العسكرية الجارية في سوريا والعراق: عمليتا “غصن الزيتون” و”شمال العراق”، للظفر بدورة ثانية على التوالي في رئاسة الدولة”، يقول المُختص في الشأن التركي نشأت الشوامرة، مبينًا أن هذه العمليات العسكرية كانت “من أجل المصالح القومية الوجودية لتركيا”.
وبظهور الرئيس أردوغان كقائدٍ عام لهذه العملية مرتديًا بزته العسكرية في الولايات الحدودية، سطرت وسائل إعلام حزب العدالة والتنمية الرئيس أردوغان على أنه القائد الحقيقي الحامي لمصالح الجمهورية التركية المصيرية.
يوضح الكاتب الصحفي التركي ماليح أسعد أتشيل، أن “الحزب الجيد” لم يُقدم إلى الآن هوية ثابتة لمساره، فبينما يُقدم نفسه على أنه مركزي مُعتدل يحتضن الجميع، يسير في حملاته الانتخابية بشعارات تُحاكي التوجه القومي العاطفي للمواطن التركي
ويُضيف الشوامرة أن تحالف العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية زاد من الشعور القومي لدى عدد من المواطنين الأتراك الذين اصطفوا إلى جانب هذا التحالف “تحالف الشعب”، ضد تحالف أحزاب المعارضة “تحالف الأمة”، بصفة أن تحالف أحزاب المعارضة ضد مصالح البلاد.
ـ انعدام الوجود الإعلامي المؤثر لأكشينار على العكس من المُرشحين الآخرين:
“الإعلام رئة الشعب التي يتنفس بها”، ولكن قُطع الإعلام عن مهرجات “الحزب الجيد” خلال الحملة الانتخابية، حيث تُشير صحيفة “إيفرنسال” التركية إلى أن أردوغان حاز خلال الحملة الانتخابية 90 ساعة و11 دقيقة على أهم القنوات العامة والخاصة، أما مُرشح الحزب الجمهوري محرم إنجيه، فقد حصل على 24 ساعة و21 دقيقة، إلا أن أكشينار لم يكن لها حظًا جيدًا في مُخاطبة الجمهور، حيث لم تُمنح سوى 24 دقيقة متواصلة، ما أظهرها وحزبها بحالة ضعف أمام الشعب.
ـ التشتت الهوياتي:
من جانبه، يوضح الكاتب الصحفي التركي ماليح أسعد أتشيل، أن “الحزب الجيد” لم يُقدم إلى الآن هوية ثابتة لمساره، فبينما يُقدم نفسه على أنه مركزي مُعتدل يحتضن الجميع، يسير في حملاته الانتخابية بشعارات تُحاكي التوجه القومي العاطفي للمواطن التركي، من خلال الميل لتصوير اللاجئ السوري على أنه خطر كبير على الأمن القومي والاقتصادي لتركيا، وأنه هو الحزب “المُخلص” للمواطن والوطن من هذا الخطر، متساءلًا أي تناقض هذا بين تبني المركزية ومن ثم المناداة بشعارات قومية “ديموغاجية” تصنع الأوهام للمواطن، وتُنفر المواطن التركي ذا التوجه الفكري المُعتدل.
ـ انعدام المشاريع النفعية العقلانية:
ويتابع أتشيل مشيرًا إلى انعدام المشاريع النفعية العقلانية لدى “الحزب الجيد”، مبينًا أن على سبيل المثال، أعلن الحزب الجيد، في برنامجه الانتخابي، أن مرشحته للرئاسة ستعمل على إعداد “دستور تصالحي”، وستُعزز من رواتب المتقاعدين، وغيرها، وفي الحقيقة، هذه الوعود مبالغ فيها، ولم يستطع أي حزب أغلبية لحد الآن تحقيقها، لما يشوبها من عوائق واقعية وبيروقراطية واقتصادية.
عقب لقاء زعيمة “الحزب الجيد” ميرال أكشينار، مع زعيم الحزب الجمهوري كمال كيليجدار أوغلو، أشارت بعض وسائل الإعلام التركية إلى أن الحزبين ما زالا يُجريان تشاورات بخصوص تقاسم مقاعد البلديات الكُبرى
31 من مارس/آذار 2019، هو التاريخ المُحدد لعقد انتخابات البلديات، وفي هذا الإطار يتساءل كثير من المتابعين عن دوافع “أنثى الذئب” وحزبها للفوز في انتخابات البلديات.
ـ دوافع الحزب الجيد في الفوز بالانتخابات:
عندما أعلن الحزب الجيد انطلاقه، تصوّر عدد من الخبراء المحليين والدوليين انتهاء صفحة حكم الأغلبية لحزب العدالة، وفتح صفحة جديدة مبنية على حكم ائتلافي يُنهي حُلم أردوغان بالانتقال إلى الحكم الرئاسي، انطلاقًا من عدة دوافع أهمها: وسطية فكر الحزب، وحالة الجمود التي يشهدها المشهد السياسي في تركيا، إضافة إلى حالة التدهور الاقتصادي التي أنهت “أسطورة تحقيق حزب العدالة والتنمية لتنمية نوعية”، وغيرها من العوامل الأخرى، غير أن الحزب الجيد لم يحقق المرجو.
وعقب لقاء زعيمة “الحزب الجيد” ميرال أكشينار، مع زعيم الحزب الجمهوري كمال كيليجدار أوغلو، أشارت بعض وسائل الإعلام التركية إلى أن الحزبين ما زالا يُجريان تشاورات بخصوص تقاسم مقاعد البلديات الكُبرى، فبينما يقترح حزب الشعب الجمهوري تنازل الحزب الجيد عن الترشح لبلدية أنقرة وإسطنبول وأنطاليا ومرسين (المدن الكبرى في تركيا)، يشددّ على أنه في المقابل سيدعم مرشح الحزب الجيد في مانيسا وقيصري وكوجا إيلي ودانيزلي وإسبارطا.
غير أن الحزب الجيد يصر على تسليمه 3 من المدن الكُبرى، وفي حال توصل الطرفان لتوافق، فإن الحزب الجيد قد يحظى ببعض البلديات التي يُمنحه إياها حزب الشعب الجمهوري.
لقاء زعيمة “الحزب الجيد” ميرال أكشينار، مع زعيم الحزب الجمهوري كمال كيليجدار أوغلو
وعن دوافع الحزب في الفوز، يبيّن مدير تحرير موقع ترك برس، عبد الرحمن السراج، أن عدة إحصاءات، لا سيما إحصائية مركز أفراسيا لأبحاث الرأي العام، أشارت إلى أن أصوات حزب العدالة والتنمية انخفضت في أكثر من مدينة، مقابل ارتفاعها لصالح حزب الحركة القومية، وعليه يبدو أن إظهار الحزب الجيد مسار عقلاني يستغل حالة التجيش القومي لدى المواطنين الأتراك، قد يصوب نسبيًا في صالح أصوات الحزب، مستدركًا أن الحزب الجيد يجب أن يوازن خطابه الشعبي، وأن يستخدم الخطاب القومي في الولايات التي ترغبه، كولايات داخل الأناضول.
ويُردف السراج حديثه بالإشارة إلى أنه في حال عمل الحزب الجيد على تقديم برامج انتخابية عقلانية تُخاطب المنفعة اليومية والخدمات المباشرة للمواطن، مع إيقاف حالة الخلاف الداخلي على مقعد قيادة الحزب، قد يحظى بنسبة جيدة من الأصوات.
من جانبه، يُشير الصحفي المُختص في الشأن التركي طه عودة، إلى أن الحزب الجيد بحاجة لظهور إعلامي قوي، وفي ظل تراجع أصوات حزب العدالة والتنمية، يمكن أن يحصل على عدد من المقاعد، موضحًا أن الحزب الجيد بحاجة ماسة للتحالف مع حزب الشعب الجمهوري الذي يضمن له عددًا من المقاعد، نظرًا لاحتكام الشعب الجمهوري لقاعدة شعبية تدعمه وسياساته على نحوٍ مُستقر.
شخصة أكشينار خرجت عن الإطار المألوف لدى اللاوعي الجمعي السيكولوجي للمجتمع التركي في أكثر من مناسبة، حيث هاجمت زوجها أمام وسائل الإعلام، فضلًا عن مشوارها كوزيرة للداخلية في حقبة التسعينيات التي اتسمت بتحالف الدولة مع المافيا
ويتابع عودة مشددًا على أن الحزب الجيد بحاجة لنوافذ إعلامية فاعلة تُبيّن لعنة الحزب لجماعة غولن وكل من يحاول المساس بمؤسسات الدولة، وعن مدى إمكان الحزب الجيد الحصول على أصوات جيدة، يوضح أن أصوات الحزب الجيد قد تقتصر على نسبٍ قليلة كتلك التي حصل عليها في الانتخابات الرئاسية والتشريعية، مُرجعًا ذلك للعوامل التالي:
ـ انعدام تجربة الحزب في الخدمات البلدية.
ـ حالة الخلاف الدائرة داخل الحزب بشأن مقعد القيادة، التي لا يحصرها الحزب في كواليسه الخلفية.
ـ حالة الاستقطاب الهوياتي الفاعلة في المجتمع التركي، التي توفر دعمًا أوفر لحزبي الحركة القومية والعدالة والتنمية على حساب الأحزاب الأخرى التي تُتهم بخروجها عن الإطار الوطني.
وتوافق الصحفية التركية إبيك ياووز، الرأي أعلاه، موضحةً أن النقاط أدناه، تجعل حظوظ الحزب الجيد في الفوز بمقاعد البلديات مُنخفضة نسبيًا:
ـ شخصة أكشينار التي خرجت عن الإطار المألوف لدى اللاوعي الجمعي السيكولوجي للمجتمع التركي في أكثر من مناسبة، حيث هاجمت زوجها أمام وسائل الإعلام، فضلًا عن مشوارها كوزيرة للداخلية في حقبة التسعينيات التي اتسمت بتحالف الدولة مع المافيا.
ـ انعدام النافذة الإعلامية التي يُدير حزب العدالة والتنمية نسبة 95% منها، التي اتهمت الحزب الجيد “بسليل جماعة غولن السياسي”.
ومن جانبه، يُشير الدكتور سعيد الحاج، المُختص في الشأن التركي، إلى ضرورة مقاربة التوقعات المُتعلقة بانتخابات البلديات التركية المُقبلة بحذر، لعدة عوامل:
ـ الانتخابات البلدية الأولى بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي أسست للنظام الرئاسي في تركيا.
ـ شركات استطلاع الرأي غير دقيقة، خاصة في تركيا.
ـ الحزب الجيد حزب جديد، ولأول مرة يدخل انتخابات من هذا النوع.
ويتفق الحاج مع رؤية عدم إمكان تحقيق الحزب الجيد نتيجة جيدة في الانتخابات المُقبلة، ركونًا لعدة أسباب:
ـ الحزب جديد يكاد يكون غير مُقنع للمواطن التركي الذي يولي أهمية كبيرة لخبرات الأحزاب السابقة في مسألة الإدارات المحلية.
ـ انعدام الأسماء الواهجة ذات السيّر الذاتية القوية داخل الحزب، لا سيما في ظل إيلاء المواطن في هذا الاستحقاق أهمية كبيرة لخبرة المُرشح.