يقول السياسي والقاضي الألماني يورجن تودينهوفر في كتابه “الصورة العدائية عن الإسلام”: “ليس هناك ما يدعم الإرهاب أكثر من الحرب التي يشنها الغرب، فهي برنامج تفريخ للإرهابيين”.
أصبح العراق بعد 2003 بلدًا مستباحًا بلا سيادة، وساحةً لصراع المصالح والإرادات للدول الأخرى التي ساهمت في خلق الفتنة والتمزق بين المكونات، كما أن المؤشرات بعد الانسحاب المزعوم للاحتلال الأمريكي تشير إلى أن المخطط الدولي لتمزيق العراق والهيمنة عليه لم ينتهِ بما وصلنا إليه بعد.
ولم يكتف المخططون بإراقة أنهار الدماء من العراقيين ونهب ثرواته وتسليم أجزاء كبيرة منه لتنظيم داعش، بل المتوقع هو المزيد من الانهيار الأمني والاقتصادي والاجتماعي لضمان عدم عودة البلد إلى وضعه الطبيعي السابق وتماشيًا مع المخطط المرسوم للشرق الأوسط، والذي يساعد على تحقيق هذا المخطط المشؤوم انشغال القوى السياسية بالصراع على مصالحها وتقاسم المغانم، حتى ولو كانت على حساب ضياع البلد وإغفال مصلحة الشعب، أعوام من النزوح كانت كلها من مخلفات الاحتلال الأمريكي الذي لم يجلب سوى الموت والدمار والتفرقة والضياع.
نحن نكذب على أنفسنا ونقول “لا توجد طائفية”
منذ دخول الاحتلال إلى العراق ونحن ما زلنا نخوض حربًا طائفية يستخدمها السياسيون من أجل البقاء في مناصبهم والحفاظ على نفوذهم ومكاسبهم، ولم يزرعوا لنا سوى القتل والتفرقة، وما زلنا نعيش مخلفات الاحتلال الأمريكي وما خلفه لنا وزرعه من التفرقة والطائفية وفرق الموت والإرهاب وما إلى ذلك.
ما زلنا نحمّل الوﻻيات المتحدة كل ما يحصل من مجازر وعمليات تهجير يتعرض لها العراقيون منذ دخول قوات الاحتلال الأمريكي للعراق وإلى الآن
فلا بد من إصلاح النظام السياسي، وحظر جميع الأحزاب التي أتت مع المحتل، كونها السبب الرئيسي فيما جرى في البلاد من قتل وتهجير واضطهاد واستغلال ثروات الشعب.
ما زلنا نحمّل الوﻻيات المتحدة كل ما يحصل من مجازر وعمليات تهجير يتعرض لها العراقيون منذ دخول قوات الاحتلال الأمريكي للعراق وإلى الآن، إذ إن العراقيين كانوا يدًا واحدة وﻻ وجود للتفرقة والطائفية قبل احتلال العراق، وزرعت أمريكا كل تلك المشكلات من أجل إضعاف نسيج المجتمع العراقي وإشغاله بالطائفية، وجلب لصوص وفاسدين ووضعتهم على سدة الحكم.
وما إن انطلق الغزو ووطأت أقدام المحتلين أرض العراق، لم تعرف البلاد أي معنى للاستقرار، لا على المستوى الأمني ولا السياسي ولا الاقتصادي ولا الاجتماعي ولا الثقافي، إلخ، ذلك الاحتلال الذي أدخل العراق في آتون النزاعات والحروب المدمرة، وبعد 80 شهرًا من هذا الاحتلال المشؤوم، يبدو العراق وقد مزقته النزاعات ودمرته الحروب وأفلسه الفساد وأنهكهُ الفاسدون، ومحطة للإرهاب وقاعدةً لهم، كما كان متوقعًا، سواء كان بغطاء قانوني أم بدعمٍ دولي كما هو حال الخطين المتوازيين (الميليشيات وداعش).
نشر مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية في أحد تقاريره الدورية أن أحد المحللين الإستراتيجيين الأمريكيين في واشنطن عام 2006، فسر أن الصراع العراقي أصبح “قضية جذب” للجهاديين؛ حيث خلف هذا الجذب استياءً عميقًا من تورط الولايات المتحدة في العالم المسلم وشكل استثمارًا للحركة الجهادية العالمية، بحسب قوله.
منذ الغزو عام 2003، تدهورت أوضاع الرعاية الصحية في العراق، حيث قُصفت المستشفيات والعيادات الطبية وتعرّضت إمدادات الأدوية والكهرباء للخطر، وفر آلاف الأطباء وعمال وموظفي الرعاية الصحية من البلاد
كما أوضح المركز أن المخابرات الأمريكية والبريطانية كانتا قد تنبأتا في الأشهر التي سبقت الغزو، بأن هجوم بوش المزمع سوف يؤدي إلى تنشيط تنظيم القاعدة، وستجد المجموعة فرصة لتسريع إيقاعها العملياتي وزيادة الهجمات الإرهابية، وخاصة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، كما حذرت التقديرات، وهو المسار المناسب لخوض “الحرب على الإرهاب”.
وبينت تقارير صحفية تقديرات تكاليف الحرب في معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة بجامعة براون، فإن الحرب على كل من أفغانستان والعراق كلفت الولايات المتحدة مبلغًا هائلًا يصل إلى 5.6 تريليون دولار منذ عام 2001 عندما غزت الولايات المتحدة أفغانستان، وهذا الرقم لا يشمل فقط صندوق الحرب في البنتاغون، بل يشمل أيضًا الالتزامات المستقبلية مثل الخدمات الاجتماعية لعدد متزايد من المحاربين القدامى بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001، ومن الصعب على معظمنا حتى البدء في فهم هذا الرقم الهائل.
وأضافت التقارير أن الأمريكيين ينفقون 32 مليون دولار في الساعة، بحسب ما ورد في مشروع الأولويات الوطنية في معهد الدراسات السياسية، أي أنه منذ عام 2001، أنفق كل دافع ضرائب أمريكي ما يقارب 24000 دولار على الحروب، ومثل هذه الأرقام التي تصدم، فإن تكاليف الموازنة ضعيفة بالمقارنة مع الخسائر البشرية.
وأوضحت التقارير أنه اعتبارًا من عام 2015، عندما قام مشروع تكاليف الحرب بأحدث إحصاءاته، لقي 165 ألف مدني عراقي حتفهم كنتيجة مباشرة لحرب الولايات المتحدة، إضافة إلى نحو 8000 جندي أمريكي ومقاول عسكري في العراق، وتابعت التقارير أن هذه الأرقام استمرت في الارتفاع فقط، فقد لقي ما يصل إلى 6000 مدني مصرعهم بسبب الضربات التي قادتها الولايات المتحدة في العراق وسوريا عام 2017، أي أن عدد المدنيين أكثر من أي عام سابق، وفقًا لتقارير للمجموعة الحربية الجوية للمراقبة.
مع الانسحاب الأمريكي المزعوم من العراق اعترف قادة الاحتلال أنفسهم أن العراق يعيش حالة من الديمقراطية الهشة وهي نتاج الاحتلال البغيض
وأردفت التقارير أنه وبالإضافة إلى تلك الوفيات المباشرة، فقد مات الكثير من الأشخاص في العراق نتيجة الآثار الجانبية للحرب مثل سوء التغذية وتدهور البيئة وتدهور البنية التحتية.
فمنذ الغزو عام 2003، تدهورت أوضاع الرعاية الصحية في العراق حيث قُصفت المستشفيات والعيادات الطبية، وتعرّضت إمدادات الأدوية والكهرباء للخطر، وفر آلاف الأطباء وعمال وموظفي الرعاية الصحية من البلاد.
وأكملت التقارير “في هذه الأثناء، تستمر الحرب في الانتشار، ولم تعد مقتصرة على أفغانستان أو العراق أو سوريا، كما يعتقد الكثيرون، في الواقع، يقوم الجيش الأمريكي بتصعيد شبكة غامضة من العمليات بحجة مكافحة الإرهاب في جميع أنحاء العالم فيما لا يقل عن 76 دولة، أو 40% من البلدان على هذا الكوكب كانت انطلاقتها من أفغانستان والعراق، وأكدت التقارير أنه لم يؤد النشاط الأمريكي في العراق والشرق الأوسط إلا إلى زيادة الاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار.
ومع النسحاب الأمريكي المزعوم من العراق اعترف قادة الاحتلال أنفسهم أن العراق يعيش حالة من الديمقراطية الهشة، وهي نتاج الاحتلال البغيض، التي تتباهى بها الأحزاب التي جاءت مع الاحتلال والطبقة السياسية الحاكمة!
وفي ظل كل تلك الأزمات ظهر المالكي إبّان حكمه ليقول إن العراق نال استقلاله بانتهاء العمليات القتالية الأمريكية، وقوات العراق الأمنية ستتعامل الآن مع كل التهديدات سواء الداخلية أم الخارجية، والعراق اليوم ذو سيادة ومستقل، والقوات الأمنية العراقية ستقوم بالدور الرئيسي في إرساء الأمن وتأمين البلاد، والقضاء على كل التهديدات التي ستواجهها سواءً داخليًا أم خارجيًا.
كشف التقرير السنوي لمؤشر الإرهاب العالمي أيضًا، أن التأثير الاقتصادي للإرهاب العالمي قد انخفض بنسبة 42% بسبب انخفاض الهجمات وانخفاض قدرة الجماعات الإرهابية على إحداث دمار كبير
إلا أن الحقيقة التي لا يمكن نكرانها بأي حال من الأحوال، أن المالكي وشركاءه كانوا يخططون لما هو أكثر خطورة من الاحتلال الأمريكي، وهو أن تكون السيطرة والنفوذ للاحتلال الإيراني الذي أصبح المتحكم في جميع المفاصل، عن طريق أذرعه الداخلية، المتمثلة بالأحزاب والمليشيات التي هددت ولا تزال تهدد الأمن الداخلي للبلاد، ولا يمكن لأي جهاز أمني أن يفرض سلطته أو يطبق أي بند قانوني بحق هذه المليشيات.
كما ظهرت التنظيمات الإرهابية الأخرى بمسميات جديدة وأشهرها تنظيم داعش الذي سيطر على أكثر من ثلثي مساحة العراق، لتزيد عقدة الأمن المفقود ويتدهور الوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، إلخ، ولم تزل تبعات الاحتلال ومخلفاته قابعة بعدما ألصقت تأثيراتها التي يصعب محوها أو يستحيل تناسيها.
العراق ثاني أكثر البلدان تضررًا بالاقتصاد بسبب العنف
ذكر تقرير مؤشر الإرهاب السنوي لهذا العام 2018، بأن العراق يمثل ثاني أكثر الدول تضررًا من ناحية التأثير الاقتصادي المرتبط بالعمليات الإرهابية بعد أفغانستان، ونقلت صحيفة “التلغراف البريطانية” عن تقرير مؤشر الإرهاب السنوي، أن “افغانستان احتلت المرتبة الأولى في أكثر البلدان تضررًا نتيجة التأثيرات الاقتصادية للإرهاب قياسًا على نسبته من الناتج الاجمالي المحلي، إذ بلغت نسبة التكاليف نحو 12.8% من الناتج الإجمالي المحلي، حيث شهدت البلاد زيادة ثابتة في مستوى العنف والإرهاب واستمرار الصراع خلال السنوات الثلاثة الماضية”.
وأضاف المؤشر: “العراق حل بالمرتبة الثانية لأن التكاليف الاقتصادية للإرهاب، بلغت 10% من ناتجه المحلي الاقتصادي في حين وصلت نسبته 10.8% من الناتج المحلي الإجمالي”، وأورد التقرير أن انخفاض مؤشر الهجمات الإرهابية عام 2017 أدى إلى تحسن موقع 94 بلدًا في مؤشر الإرهاب لكن 46 دولة بما فيها بريطانيا تدهور موقعها في المؤشر، فيما ظلت دول أفغانستان والعراق وسوريا والصومال وجنوب اليمن تحتل المراتب الخمسة الأولى على التوالي في المؤشر.
وكشف التقرير السنوي لمؤشر الإرهاب العالمي أيضًا، أن التأثير الاقتصادي للإرهاب العالمي قد انخفض بنسبة 42% بسبب انخفاض الهجمات وانخفاض قدرة الجماعات الإرهابية على إحداث دمار كبير.
تسبب الاحتلال في إضعاف الزراعة والصناعة في العراق، حيث فقدت عبارة “صنع في العراق” منذ عام 2003، على الرغم من أن الصناعة العراقية كانت تشكل نسبة 14% من حجم الدخل القومي
وأكد التقرير أن تكلفة الإرهاب العالمي بلغت 51.6 مليار دولار حتى نهاية عام 2017 وهو ما يمثل انخفاضًا بنسبة 42% عن الرقم المسجل عام 2016 الذي بلغ 88.6 مليار دولار، وأقل بنسبة النصف عن ذروة الإرهاب عام 2014 التي بلغت تكلفتها العالمية 107.5 مليار دولار.
وبحسب التقرير فإن الانخفاض يعود إلى تضاؤل قدرة الجماعات الإرهابية على شن هجمات واسعة النطاق، حيث نجحت واحدة فقط من بين خمس عمليات إرهابية عام 2017.
فقد العراق عبارة “صنع في العراق”
تسبب الاحتلال في إضعاف الزراعة والصناعة في العراق، حيث فقدت عبارة “صنع في العراق” منذ عام 2003، على الرغم من أن الصناعة العراقية كانت تشكل نسبة 14% من حجم الدخل القومي، وكانت الأفضل مقارنة مع دول الجوار، إلا أنها شهدت انتكاسة كبيرة بعد الغزو جراء عمليات السلب والنهب التي خلقها الاحتلال مستهدفةً المصانع والمعامل، فضلًا عن تدمير ممنهج للبنية التحتية الصناعية، وعدم تشريع قوانين تراعي المنتج المحلي؛ مما أدى إلى إغراق السوق المحلية ببضائع رديئة ومن شتى بقاع العالم مع غياب شبه تام لدور الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية.
إذ كانت الصناعة المحلية تدعم الناتج الوطني بنسبة تصل إلى 16% قبل الغزو، بينما وصلت عام 2014 إلى 1.3% مع إغلاق عشرات المعامل الحكومية والخاصة أبوابها، وحوَّل الإحتلال بلاد الرافدين إلى بلد مستورد ومستهلك فقط، حتى للفواكه والخضراوات، ووصل به الحال إلى استيراد أكثر من 58 ألف طن من الفواكه والخضراوات في شهر واحد.