تستمر أنقرة بتهديد مليشيا الوحدات التي تسيطر على شرق الفرات، حفاظًا منها على أمنها القومي الذي تهدده الوحدات الكردية على طول الشريط الحدودي داخل سوريا من شرق الفرات في قرية زور مغار وصولاً إلى الحدود العراقية في منطقة المالكية في أقصى الشمال الشرقي لسوريا، بينما لا تزال واشنطن تقدم دعمها للوحدات التي تشن معركة على أوكار تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، في وقت تستمر فيه المباحثات التركية والأمريكية بشأن شن عملية عسكرية على منبج، حيث تؤكد أنقرة اقتراب شن عملية عسكرية شرق الفرات ثم تليها مراحل أخرى للسيطرة على مدينة منبج شمالي شرق محافظة حلب.
تهديدات تركية للوحدات الكردية واستنكار أمريكي
أنقرة تهدد الوحدات وواشنطن تستنكر
أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء 12 من ديسمبر/كانون الأول، عزم تركيا شن عملية عسكرية خلال الأيام القادمة بهدف السيطرة على منطقة شرق الفرات وطرد الوحدات الكردية منها، خلال كلمة ألقاها في قمة الصناعات الدفاعية في المجمع الرئاسي بالعاصمة التركية أنقرة.
ونقلت وكالة الأناضول عن الرئيس التركي قوله: “ترون اليوم حدودنا الجنوبية شمالي سوريا، إنهم يسعون لإنشاء ممر إرهابي هناك، وعندما نقول إن (هؤلاء إرهابيون) يقول حلفاؤنا الإستراتيجيون وفي مقدمتهم أمريكا إن (هؤلاء ليسوا إرهابيين)”.
وأضاف: “هدفنا ليس الجنود الأمريكيين على الإطلاق وإنما عناصر التنظيم الإرهابي الذين ينشطون بالمنطقة”، وأكد أن تركيا ستتخذ إجراءاتها بنفسها وبإمكاناتها الخاصة، فهي تملك جيشًا قويًا والجميع يقر بذلك، وأوضح قائلاً: “الولايات المتحدة غير قادرة على إخراج الإرهابيين من هناك، إذن نحن سنخرجهم فقد بلغ السيل الزبى”.
قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) روبرتسون، الأربعاء 12 من ديسمبر/كانون الأول: “إقدام أي طرف على عمل عسكري من جانب واحد في شمال شرق سوريا، وبالأخص في منطقة يحتمل وجود طواقم أمريكية فيها، أمر مقلق للغاية، ولا يمكن قبوله”
ومن جانب آخر أعرب الرئيس التركي عن أسفه حيال إرسال أكثر من 20 ألف شاحنة أسلحة إلى الإرهابيين شمالي سوريا، في إشارة إلى الدعم الأمريكي للوحدات الكردية، وأكّد أنه تم اتباع تكتيك مماطلة لا يمكن إنكاره في منبج من جانب الولايات المتحدة، وما زال متبعًا في الوقت الراهن، وعلى الرغم أن 80-85% من سكان منبج من العرب، فإن المدينة واقعة الآن تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية التي تتصرف بغطرسة هناك.
بينما قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) روبرتسون، الأربعاء 12 من ديسمبر/كانون الأول: “إقدام أي طرف على عمل عسكري من جانب واحد في شمال شرق سوريا، وبالأخص في منطقة يحتمل وجود طواقم أمريكية فيها، أمر مقلق للغاية، ولا يمكن قبوله”، وجاء بيان البنتاغون تعليقًا على تصريحات أنقرة بخصوص عملية عسكرية شرق الفرات.
وأوضح أن العمليات العسكرية غير المنسقة ستقوض المصالح المشتركة، في إشارة إلى المصالح الأمريكية التركية، بينما أكد المتحدث أن قوات التحالف تعمل عن كثب مع قوات سوريا الديمقراطية التي تعتبر جزءًا من الحرب ضد داعش في وادي نهر الفرات الأوسط.
تعزيزات تركية تصل الحدود مع سوريا
ولا تزال الولايات المتحدة متمسكة بدعمها للوحدات الكردية، في ظل قلق تركيا بإنشاء ممر إرهابي على حدودها، فيما جاءت تصريحات البنتاغون بعد نشرها نقاط مراقبة عسكرية على الحدود السورية التركية داخل مناطق سيطرة الوحدات الكردية، فيما تواصل القوات التركية إرسال تعزيزات لها على الحدود المحاذية مع سوريا، حيث ضمت مركبات بينها ناقلات جنود مدرعة، لتعزيز وجودها الأمني في الحدود إضافة إلى الحرس الحدودي مع سوريا، فيما قالت مصادر مطلعة أن القوات التركية باشرت بإزالة الجدار الإسمنتي الفاصل بين سوريا وتركيا.
قوات الجيش الوطني السوري في معركة غصن الزيتون
هل ستشارك قوات درع الفرات في المعركة؟
تعتبر قوات المعارضة المسلحة في منطقة درع الفرات من أبرز المكونات العسكرية التي تدعمها تركيا في الشمال السوري، والمتمثلة بالجيش الوطني السوري المعارض الذي تم تشكيله بعد مشاركة الفصائل المنضوية تحته بمعركة درع الفرات التي قادتها تركيا ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” شمالي حلب، بينما لعبت قوات الجيش الوطني دورًا بارزًا في عملية غصن الزيتون التي استهدفت مناطق سيطرة الوحدات في مدينة عفرين شمال غربي سوريا، مطلع العام الحاليّ.
يقدر عدد العناصر المشاركة في العملية 14 ألف مقاتل مجهزين بالكامل، بحسب صحيفة يني شفق التركية الخميس
وسيشارك الجيش الوطني في المعركة المرتقبة شرق الفرات بحسب الناطق الرسمي للجيش الرائد يوسف الحمود الذي أكد لموقع عنب بلدي مشاركة 14 ألف مقاتل من الجيش في العملية التركية شرق الفرات، ونقل ناشطون عن قيادة الجيش الوطني أن العملية العسكرية التركية ستستهدف منطقة منبج في ريف حلب ورأس العين بالحسكة وتل أبيض في الرقة، كما ستشمل أكثر من 150 مدينة وبلدة في حلب والرقة والحسكة أيضًا، وستكون مشاركة الجيش الوطني على الأرض (عناصر مشاة).
وطلبت تركيا من قيادة الجيش الوطني في وقت سابق تحسين أداء عناصرها عسكريًا، وذلك بعد انتهاء عملية غصن الزيتون، حيث بدأت بإنشاء معسكرات تدريبية للتحضير للمعركة التي ستستهدف مناطق شرقي الفرات، ويقدر عدد العناصر المشاركة في العملية 14 ألف مقاتل مجهزين بالكامل، بحسب صحيفة يني شفق التركية الخميس.
الوحدات الكردية ترد على التهديدات التركية
كيف ردت الوحدات الكردية على تهديدات أنقرة؟
بعد تهديدات الرئيس التركي، استهدفت الوحدات الكردية منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون بسلسلة من التفجيرات طالت الأسواق والتجمعات السكنية وذلك للضغط على القوات التركية في المنطقة وتهديد آلاف السوريين المقيمين فيها.
واستهدفت سيارة مفخخة الأربعاء 12 من ديسمبر/كانون الأول تجمعًا يحتوي على مراكز صحية وسط مدينة إعزاز، مما أدى لمقتل طفلة في العاشرة من عمرها وإصابة نحو عشرين آخرين، بينما أسفر التفجير عن دمار واسع في المراكز الصحية والمنازل والمحال التجارية في المدينة، كما استهدفت مدينة الباب بدراجة نارية مفخخة، قرب الجامع الكبير، مما أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين وإصابة آخرين بجروح، فيما انفجرت دراجة نارية أخرى في سوق شعبي وسط مدينة الراعي، مما أدى إلى وقوع عدد من الجرحى.
وفي ذات السياق انفجرت دراجة نارية مفخخة الخميس 13 من ديسمبر/كانون الأول في طريق راجو وسط مدينة عفرين، بريف حلب الشمالي، مما أدى لمقتل ثلاثة مدنيين وإصابة 6 آخرين بينهم حالتين خطيرتين.
وتحاول الوحدات الكردية شن عمليات تسلل على نقاط المعارضة شمالي حلب، حيث صدت قوات الجيش الوطني محاولة تسلل الخميس، على جبهة الباب بعد اشتباكات عنيفة دارت بين الطرفين، فيما جرت اشتباكات الأربعاء 12 من ديسمبر/كانون الأول جنوبي شرق مدينة جرابلس بين قوات الجيش الوطني والوحدات الكردية، بينما شهد الأسبوع الماضي، العديد من عمليات التسلل على نقاط المعارضة قرب مدينة مارع، بحسب مصادر عسكرية من المدينة.
دعت الوحدات الحكومة السورية بأن تتخذ الموقف الرسمي ضد هذا التهديد، لأن أردوغان يريد أن يحتل جزءًا من سوريا وهذا يعني اعتداءً على السيادة السورية
من جانب آخر دعت الوحدات الكردية إلى النفير العام، خلال بيان لها الخميس، 13 من ديسمبر/كانون الأول ونقل موقع ANHA، عن الوحدات استنكارها لتهديدات الرئيس التركي أردوغان، كما طالبت قوات النظام اتخاذ موقف حيال التهديدات التركية للشمال السوري الواقع تحت سيطرتها، في خطوة منها لكسب تأييد سياسي لها.
وجاء في البيان “باسم المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ندين ونستنكر تصريحات وتهديدات أردوغان العدائية ضد مناطقنا”، وأضاف البيان: “هدف أردوغان ليس شمال وشرق سوريا وإنما وحدة التراب السوري، ففي الوقت الذي تلفظ داعش أنفاسها الأخيرة في دير الزُّور يحاول أردوغان عبر تهديداته باجتياح سوريا أن يخفف عنها ويطيل من حياتها”.
وزعمت أن “هدف الدولة التركية هو ضرب النسيج الاجتماعي السوري وحالة التعايش المشترك والتآخي بين مكونات الشعب السوري في شمال وشرق سوريا لأنه يعتبر ذلك تهديدًا لمصالحه وطموحاته التوسعية”، وناشدت الوحدات المجتمع الدولي وعلى رأسه الأمم المتحدة والتحالف الدولي ضد داعش بأن يتخذ موقفًا ضد مخططات أردوغان العدوانية هذه، لأنها خرق للقانون الدولي وحالة احتلال وهو ضرب بالمواثيق الدولية عرض الحائط”.
كما دعت الوحدات الحكومة السورية بأن تتخذ الموقف الرسمي ضد هذا التهديد، لأن أردوغان يريد أن يحتل جزءًا من سوريا وهذا يعني اعتداءً على السيادة السورية، بينما أعلنت من خلال بيانها النفير العام ودعوة كل السوريين الشرفاء للوقوف صفًا واحدًا ضد السياسات الاستعمارية للدولة التركية.
وتبلغ المساحة التي تسيطر عليها الوحدات الكردية 45 ألف كيلومتر مربع، وتمتد من منبج السورية وصولاً إلى الحدود العراقية، وتعد هذه المنطقة من أبرز وأغنى المناطق السورية التي تمدها بالطاقة والبترول، ولذلك أصبحت هدفًا لكل التنظيمات ومن بنيها تنظيم الدولة الإسلامية والوحدات الكردية، التي وفرت لهم دعمًا ماليًا واسعًا جدًا.
وعلى الرغم من إعلان تركيا اقتراب بدء الحملة العسكرية التي ستستهدف شرق الفرات، لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية متمسكة بمليشيا سوريا الديموقراطية، ولكن المصالح التي تربط أنقرة بواشنطن أوسع من ذلك النطاق، فأنقرة من خلال تهديداتها تحاول كسب التأييد الدولي لشن عملية عسكرية، وعلى رأسه واشنطن التي تعد لاعبًا أساسيًا في الصفقة، وهذا يعني أن موضوع تخلي واشنطن عن الوحدات ليس غريبًا، فقد سبق وتخلت عنهم في عفرين شمال غربي سوريا، فهل ستكون الأيام القادمة نهاية للوحدات الكردية شرق الفرات أم أن واشنطن ستكرر سيناريو منبج في المماطلة؟