ترجمة وتحرير نون بوست
في مقال كتبه مؤخرًا عضو الكونجرس الأمريكي “مارك ميدوز” أوضح الأسباب التي دعته لاقتراح قانون “منع التمويل الدولي لحزب الله” في الكونغرس، والذي من شأنه أن يستهدف الشبكات المالية التي يُعرفها هو باسم “كعب أخيل حزب الله”.
الممثل الجمهوري عن ولاية كارولينا الشمالية وعضو لجنة الشؤون الخارجية بالكونجرس الأمريكي، قدم مشروع القانون بالتعاون مع ثلاثة آخرين من بينهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية “إد رويس”.
وقبل الخوض في مشروع القانون المقترح في مقالته، يعرض ميدوز رواية أخرى للتاريخ:
“حزب الله مسؤول عن أكبر عدد من الوفيات الأمريكية في الخارج بعد القاعدة، وقد وصلت عملياته إلى كل العالم، في تفجير أهداف أمريكية في لبنان خلال الثمانينيات، وأهداف إسرائيلية ويهودية في الأرجنتين في التسعينات، وهجمات أخرى في أوروبا وجنوب شرق آسيا”.
هذا الكلام عن الوفيات الأمريكية في لبنان عادة ما يستخدم من قِبل السياسيين والنقاد الراغبين في تخويف الناس دون أي اعتبار للسياقات. بداية، كان هجوم أكتوبر 1983 على ثكنات مشاة البحرية الأمريكية في بيروت ردًا على قرار واشنطن إدراج نفسها في الحرب الأهلية اللبنانية كطرف فيها! قُتل في العملية 241 جنديًا وتبنته منظمة الجهاد الإسلامي، التي انحدر حزب الله منها لاحقًا.
لقد كتب “تيموثي جيراغتي” الكولونيل المتقاعد في البحرية الأمريكية يقول إن “هجوم السفن الحربية الأمريكية على قرية جبلية لبنانية في سبتمبر 1983 أزال أي شكوك بأن الأمريكيين على الحياد، وقلت للعاملين معي حينها إننا سندفع ثمن ذلك الهجوم من دمائنا”.
ليست لبنان فقط، لكن اتهام ميدوز بعملية الأرجنتين هو أمر إشكالي آخر، في الواقع إن جميع الأصابع تشير بعيدًا عن حزب الله وإيران في هجوم 1994 الذي قتل 86 شخصًا في جمعية التبادل الإسرائيلي الأرجنتيني في بيونيس آيريس.
وفي أعقاب التفجير، أصرت الولايات المتحدة وإسرائيل أن المؤامرة نُفذت وخطط لها بواسطة إرهابيين إسلاميين في منطقة الحدود الثلاثية بين الأرجنتين والبرازيل وباراغواي، وأُنشئت وحدة خاصة في باراغواي للتحقيق في هذه الادعاءات. قال “جوسيه آلمادا” وهو ضابط في هذه الوحدة إنه لا يوجد أي دليل على أن إسلاميين نفذوا العملية، عدا التشجيع المعتاد.
أما ميدوز، فإن جهوده لإلقاء اللوم على حزب الله في الهجمات في أوروبا وشرق آسيا ليست إلا مثالاً على إمكانية خلق حقائق على الأرض من خلال التكرار فقط! خاصة إذا كان المستمعون له مبرمجون على تجنب التفكير النقدي بأي ثمن!
الجهاد بالمخدرات، وجمعيات الإرهاب الخيرية
منتقلاً إلى مكونات “كعب أخيل” لحزب الله، أي الشبكة المالية التي يزعم أنها تدعم الحزب اللبناني، يؤكد ميدوز أن جزءًا كبيرًا من أرباح حزب الله يكتسبه من خلال تهريب المخدرات في أمريكا اللاتينية وعبر العالم.
هذا لا يعني بالطبع أن أي من أرباح التجارة الدولية للمخدرات سينتهي بها المطاف في خزائن حزب الله، الحزب يحصل على دعم مالي من الناس في جميع أنحاء العالم، ومهربو المخدرات من الناس كذلك، لكن ما يقوله ميدوز إن “باراك أوباما يجب عليه أن يعرف حزب الله كأحد أباطرة تجارة المخدرات” ليس إلا طلبًا مثيرًا للسخرية.
كما أن الأمر ينطوي على قدر كبير من النفاق، فقد كانت واشنطن في تعاون مستمر ووثيق مع كبار تجار المخدرات في أمريكا اللاتينية قبل ولادة حزب الله، والآثار المدمرة لتلك الشراكة بدأت تتضح معالمها في الثمانينيات عندما مولت الولايات المتحدة القوات العسكرية اليمينية في نيكاراغوا عن طريق تجارة المخدرات، لم تتضرر نيكاراغوا فقط، لكن المجتمعات الأمريكية الأفريقية في لوس آنجلوس مزقها الكوكايين، وقبل أشهر، كشفت صحيفة اليونيفيرسال المكسيكية أن الحكومة الأمريكية تتعاون مع العصابات سيئة السمعة في البلاد.
يتحدث ميدوز أيضًا عن أن “كعب أخيل حزب الله” يشمل المؤسسات الخيرية مثل جمعية المبرة الخيرية، وكما توضح المحللة السياسية “سارة ماروسيك” في مقال نُشر العام الماضي في ميدل إيست مونيتور، فإن مكاتب جمعية “المبرة” كانت قد تمت مداهمتها في 2007 كجزء من الجهود القانونية بعد 11 سبتمبر لتجريم التعاطف مع أعداء الولايات المتحدة، لكن من بين المؤسسات التي تمت مداهمة مكاتبها تم فتح مكاتب جمعية المبرة مرة أخرى لعدم ثبوت أي اتهامات ضدها.
جمعية المبرة الخيرية، تم تأسيسها من قبل رجل الدين الشيعي الراحل “محمد حسين فضل الله” الذي أصرت الولايات المتحدة بشكل خاطئ على اعتباره ممثلاً لحزب الله، وتعرض لمحاولة اغتيال عن طريق سيارة مفخخة نفذتها عناصر مدربة من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية عام 1985، فضل الله نجا من الانفجار الذي قتل أكثر من 80 مدنيًا معظمهم من النساء والأطفال، لذلك فعلى السيد ميدوز إذا أراد الحديث عن “الإرهاب” أن يبدأ بالبحث في تلك الحادثة.
في مقاله أيضًا يقول ميدوز إن “القوانين الأمريكية الحالية تقنن سياسة الولايات المتحدة لمنع الخدمات اللوجستية وشبكات التمويل العالمية من العمل بهدف تحجيم حزب الله”. يقول الرجل “يجب أن نرسل رسالة إلى الأفراد في تلك الشبكات (تجار المخدرات) أن تجارتهم مع حزب الله ستؤدي بهم لأن يُلاموا كذلك على الهجمات ضد المدنيين الأبرياء التي يقوم بها حزب الله”.
وبعد ثلاث فقرات في مقالته، يؤكد ميدوز على التهديد الذي يشكله حزب الله على إسرائيل (دولة الاحتلال التي ترتبط بذبح المدنيين) وما زالت الولايات المتحدة تدعمها بأكثر من 3 مليار دولار سنويًا، وهو ما يديم جرائم الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يلقي باللائمة على الولايات المتحدة، كما يحاول ميدوز أن يقنعنا في الفقرات السابقة بالنسبة للمتعاونين مع حزب الله.
من المهم ذكر أن علة وجود حزب الله بالأساس كانت هي الاجتياح الإسرائيلي للبنان، حين قتلت إسرائيل أكثر من 20000 لبناني وفلسطيني خلال ثلاثة أيام في سبتمبر 1982. آلاف اللاجئين الفلسطينيين كانوا يُذبحون في هجمات مدبرة من قبل إسرائيل على مخيمات صبرا وشاتيلا في بيروت.
ومنذ ذلك الحين، كانت كل بعثات إسرائيل للبنان تتضمن اعتداءات كارثية، مثل الهجوم على لبنان في 2006 والذي أودى بحياة حوالي 1200 شخص. هذه الحرب تحديدًا شهدت وصول شحنات من القنابل الأمريكية إلى الجيش الإسرائيلي، لذلك ومرة أخرى، إذا كان ميدوز يريد أن يتحدث عن التواطؤ في هجمات ضد المدنيين الأبرياء، فإن هذه حادثة أخرى لينطلق منها.
في مقال نُشر في أغسطس 2006، تساءل الشاعر والكاتب الإسرائيلي “إسحاق لاور” كم من الفظائع يجب على الشخص أن يحتفظ بها في ذهنه؟! كم هو مقدار العجز الذي نستطيع الاعتراف به؟! كم مجزرة نستطيع أن نخبر أولادنا عنها؟! كم خائفًا هرب من إحراق بيته؟! كيف يمكننا فعل ذلك بدون أن نصبح عبيدًا لذاكرتنا؟!
بعض الناس، من ناحية أخرى، لا يدينون بالفضل لا إلى الذاكرة ولا إلى الحقائق. ميدوز يلخص مقاله بالقول “لقد حان الوقت لإتخاذ موقف بخصوص تهديد حزب الله للولايات المتحدة ولحلفائها، بقطع شرايين الحياة عن حزب الله يمكننا أن نكسر دورة العنف في جميع أنحاء العالم”.
لكن الحقيقة أنه حتى لو اختفى حزب الله بطريقة أو بأخرى، فإن دائرة العنف ستستمر، لأن الولايات المتحدة وحلفائها سيتكفلون بذلك.