قبل خمسة أيام دعا رئيس تحالف “الإصلاح والإعمار” في العراق عمار الحكيم، إلى تشكيل مجلس أعلى لمكافحة الفساد، وتنسيق الجهود لتحقيق هذه “المهمة الكبيرة”.
وقال الحكيم في بيان صحفي: “في اليوم العالمي لمكافحة الفساد الذي يوصف بأنه الآفة الخطيرة والوجه الآخر للإرهاب، ندعو لاستثمار كل الآليات المتاحة لمعالجة الفساد، وتشكيل مجلس أعلى لمكافحته، وكذلك تنسيق الجهود لتحقيق هذا المهمة، فالفساد تسبب بعرقلة المسارين التنموي والاستثماري، وتسبب بهدر المال العام والوقت وأدى إلى مزيد من التدهور الاقتصادي والانتفاع الشخصي على حساب مصلحة الشعب العليا”.
كنا نتمنى أن تكون دعوة الحكيم متفقة مع الأداء الخاص والعام في مجمل مرافق الدولة العراقية، ولذلك سنحاول نقل بعض الاتهامات ضد تيار الحكيم بالتحديد (صاحب دعوة مكافحة الفساد)، ولن نتطرق إلى غيره من الفاسدين حتى نثبت أنّ القضية مجرد خدعة إعلامية لا علاقة لها بالحقيقة.
سبق لمصادر غير رسمية تأكيدها أن أعداد حماية رئيس المجلس الأعلى – قبل أن يشكل تحالف الإصلاح والإعمار – السيد عمار الحكيم تبلغ 1596 عنصرًا، وجميعهم من أفواج حماية المنطقة الرئاسية وموزعين بين النجف وبغداد، ويشغلون مساحات واسعة من منطقة الجادرية في العاصمة وحي السعد في النجف”.
الكثير من العراقيين يعرفون حكايات استيلاء الحكيم ومن معه على أملاك خاصة بالمواطنين من عوائل المسؤولين السابقين في الدولة العراقية، وهذه حقيقة ثابتة يعرفها كل من يعرف مناطق الكرادة والجادرية ببغداد
وأشارت تلك المصادر إلى أنّ تكلفة هذه الحمايات تبلغ (034. 2.360.989) شهريًا، بالإضافة إلى الآليات والعجلات والأسلحة والمصروفات الأخرى، وجميع هؤلاء منتسبون لوزارة الدفاع ويتقاضون رواتبهم منها، وفي بداية العام 2016، وتعليقًا على بيع أملاك الدولة لمعالجة الأزمة المالية التي عصفت بالبلد، قال الحكيم: “نتخوف من أن يطال الفساد فكرة بيع أملاك الدولة، فإن تم البيع يجب أن يكون البيع عبر لجان مختصة وأن تتمتع العملية بالشفافية التامة أمام الجميع وأولهم المواطن”.
مقابل هذا “الحرص الإعلامي” على ثروات العراق، كشف تقرير أمريكي سرب لوسائل الإعلام، بداية العام الحاليّ، قائمة تتضمن أغنى 17 شخصية سياسية عراقية، وذكر من بينهم عمار الحكيم، برصيد 33 مليار دولار، وأرصدة واستثمارات في شركات نفطية وعقارات في إيران وبيروت ولندن والكويت وغيرها، وهذا يعني أن السيد عمار الحكيم الذي يدعو لمكافحة الفساد يمتلك 33 مليار دولار فقط.
في نهاية العام 2017، بعث لفيف من المواطنين رسالة إلى رئيس الوزراء حيدر العبادي، يشكون فيها من حالات الظلم والابتزاز، بل والسرقة العلنية الإجبارية التي يعاني منها المواطن العراقي المسافر عبر مطار بغداد، على يد شركة تابعة للسيد عمار الحكيم شخصيًا
والكثير من العراقيين يعرفون حكايات استيلاء الحكيم ومن معه على أملاك خاصة بالمواطنين من عوائل المسؤولين السابقين في الدولة العراقية، وهذه حقيقة ثابتة يعرفها كل من يعرف مناطق الكرادة والجادرية ببغداد، وقد سبق لزياد طارق عزيز نجل وزير الخارجية العراقي في مرحلة ما قبل الاحتلال الأمريكي أن قال إن منزل والده في بغداد تمت مصادرته من زعيم تيار “الحكمة الوطني” عمار الحكيم، الذي اتخذه مقرًا له.
كيف يكافح الحكيم الفساد وهو يغتصب أموال الآخرين؟
في نهاية العام 2017، بعث لفيف من المواطنين رسالة إلى رئيس الوزراء حيدر العبادي، يشكون فيها من حالات الظلم، والابتزاز، بل والسرقة العلنية الإجبارية التي يعاني منها المواطن العراقي المسافر عبر مطار بغداد، على يد شركة تابعة للسيد عمار الحكيم شخصيًا، ومن بين تفاصيل هذه الشركة (الحكيمية) خدمات “تاكسي بغداد”، والدليل على ذلك أن وزير النقل باقر جبر أجاب على طلب لذات المواطنين يشكون فيه هذه الشركة، ويطالبون بإلغاء “تاكسي بغداد”، نصًا: “إلغاء تاكسي بغداد خارج صلاحياتي”.
فكيف يقع الأمر خارج صلاحيات وزير النقل، ومطار بغداد تابع للوزارة، والعقد تم توقيعه بزمن باقر جبر لمدة 18 عامًا أو أكثر؟ وكيف يمكن لتيار الحكيم أن يفسر للعراقيين هذه السيطرة التامة على تاكسي المطار في بغداد؟
ما ذكرناه جزءًا من حقيقة الفساد المستشري لدى الغالبية العظمى من المسؤولين في الدولة العراقية وأتباعهم، ولهذا من يريد أن يقضي على الفساد عليه أن يسعى لتنفيذ الآتي:
– دعوة المسؤولين الحاليّين والسابقين لكشف ذممهم المالية للجنة متخصصة تتشكل لهذا الغرض وتشمل أعمالها النواب والوزراء وكل المسؤولين السابقين والحاليّين في الدولة وجميع القيادات الحزبية والشعبية والدينية المتنفذة، وكل الدرجات الوظيفية الخاصة في الدولة، من المدنيين والعسكريين.
المستحيل هو أن يرضى هؤلاء بأن يكشفوا ذممهم المالية، وتقديم أنفسهم أو أتباعهم إلى محاكم عادلة، ولهذا تبقى هذه الدوامة مستمرة في إرهاق موازنة البلاد وسرقة قوت المواطنين
– تشكيل لجنة وطنية من رئاسة الحكومة ووزارات العدل والداخلية والدوائر ذات العلاقة لتدقيق أملاك المسؤولين التي ظهرت عبر كشف ذممهم المالية في الفقرة السابقة، وتشخيص الذين لم يكشفوا ذممهم المالية، وترفع تقريرها للجنة تدقيق تنفيذية ثانية تضم مختصين من الدوائر القضائية والأمنية لمحاسبة حيتان الفساد وأتباعهم كافة، وتقديمهم لمحاكم خاصة لا يكون فيها سلطان لأي طرف سوى القضاء العراقي الحرّ.
– إعادة الأموال المسروقة إلى ميزانية الدولة، وتعويض الأطراف المتضررة من هذا التغول غير القانوني في أموال الآخرين.
– معاقبة المقصرين في تنفيذ المشاريع العامة المحالة لهم وفقًا للمعايير الهندسية والصناعية العالمية من الشركات والمقاولين، وتقديمهم للمحاكم المختصة.
– سن قوانين رادعة لكل من يسعى لنشر الفساد عبر الرشاوى والهبات وغير ذلك من سبل الالتفاف على القانون في العقود الحكومية.
– نشر تقارير لجان مكافحة الفساد في وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية ليطلع عليها الشعب العراقي.
هذه الحلول ليست مستحيلة، لكن المستحيل أن يرضى هؤلاء بأن يكشفوا ذممهم المالية، وتقديم أنفسهم أو أتباعهم إلى محاكم عادلة، ولهذا تبقى هذه الدوامة مستمرة في إرهاق موازنة البلاد وسرقة قوت المواطنين، ولا يمكن أن تنتهي هذه الكارثة الاقتصادية والأخلاقية إلا بتقديم مصلحة الوطن والمواطن على المصالح الحزبية والشخصية والعائلية!
فهل يمتلك هؤلاء الشجاعة الكافية لتطبيق هذه الإجراءات، أم أنّ البلاد ستبقى رهينة لدوامة الفساد المالي والإداري؟