تتابع “منى هاشم” البالغة من العمر 39 عاماً والمقيمة في قطاع غزة أخبار المصالحة الفلسطينية باهتمام، فسبعة أعوام هي عمر الانقسام الفلسطيني، كانت كفيلة بتغيير حياة الزوجة الغزيّة من ألفها إلى يائها، حسب وصفها.
فما اعتادت عليه منى من طقوس يومية، اختفت بعد أن بات زوجها واحداً من آلاف الموظفين الذين امتنعوا عن الذهاب لأماكن عملهم في الوزارات والمؤسسات الحكومية، والأمنيّة بأوامر من السلطة الفلسطينية عقب سيطرة حركة حماس على غزة في صيف يونيو 2007.
وتعرب “هاشم” عن أملها في أن تشهد الأيام القليلة القادمة، تطبيقا سريعا لاتفاق المصالحة، لكي يتمّكن زوجها من العودة إلى وظيفته بأسرع وقت.
وتتابع: “هذه العودة ستمنحني راحة افتقدتها سبع سنوات، فما أن جلس زوجي في المنزل، خوفا من انقطاع راتبه، حتى تبدلت تفاصيل حياتي، إذ لم يعد يبرح مكانه، ويقف على كل صغيرة، وكبيرة، وازدادت حدة المناكفات بيننا، وفي كل يوم أدعو الله أن ينتهي الانقسام بين حركتي فتح وحماس ليعود زوجي إلى عمله”.
وكان وفدا حركة حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية قد وقعا اتفاقاً للمصالحة في قطاع غزة الأربعاء الماضي يقضي بإنهاء الانقسام الفلسطيني، وتشكيل حكومة توافقية في غضون 5 أسابيع.
كما نص الاتفاق على التأكيد على حل كافة الملفات والقضايا العالقة، ومن بينها ملف الموظفين سواء الجالسين في بيوتهم بعد الانقسام والتابعين لحكومة رام الله، أو الجدد الذين عينّتهم حكومة غزة.
ومن الجدير ذكره بأن السلطة الفلسطينية لا تزال تدفع مرتبات موظفيها في قطاع غزة والبالغ عددهم نحو 55 ألف موظف، يمتنع أكثرهم عن الذهاب لأماكن عملهم بأوامر من السلطة عقب سيطرة حركة حماس على غزة، وتوليها الحكم في القطاع في صيف يونيو 2007 بعد الاقتتال الداخلي مع حركة فتح.
وأعقب ذلك الاقتتال، تشكيل حكومتين فلسطينيتين، الأولى تشرف عليها حماس في غزة، والثانية في الضفة الغربية وتشرف عليها السلطة الوطنية الفلسطينية التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، رئيس حركة فتح.
ولا توجد أرقام رسمية من قبل السلطة حول أعداد الذين امتنعوا عن الذهاب عن عملهم، بعد الانقسام إذ عاد كثير منهم إلى وظائفهم بعد سنوات قليلة، من الجلوس في المنازل.
غير أن مسئولين رسميين في حكومة رام الله يقدرون أعداد الممتنعين عن الذهاب لوظائفهم بـ”15″ ألف موظف، أغلبهم ينتمي إلى الأجهزة الأمنية العسكرية، إلى جانب مئات المدرسين والأطباء وغيرهم من الموظفين في الوزارات والمؤسسات الحكومية المختلفة.
أما ” سمية ناصر” البالغة من العمر 29 عاما لا تتخيل كيف مرت الأسابيع الأولى من جلوس زوجها الموظف في البيت، لتتحول إلى أشهر ثم لسنوات.
وتقول ربة المنزل والأم لأربعة أطفال إنّها تنتظر على أحرّ من الجمر تطبيق وتنفيذ بنود المصالحة، لكي تعود حياتها إلى سابق عهدها قبل “سبع سنوات”.
وتتابع:” زوجات الموظفين الذين امتنعوا عن الذهاب لوظائفهم، من أكثر الفئات في الشعب الفلسطيني تضررا من تداعيات الانقسام بين حركتي فتح وحماس، لقد بتنا نشعر بالملل، والرتابة”.
كذلك “أمل ناجي” البالغة 26 عاماً لا تصدق أن عمر طفلها الأول صار “سبعة أعوام”، هي ذات عمر الانقساما لفلسطيني، مضيفة : “وضعت طفلي الأول في بداية الانقسام عام 2007، والآن لا أكاد أصدّق أن كل هذه السنوات مرّت، وأن عمر ابني بات سبعة أعوام، أذكر جيدا أنني كنت سعيدة عندما جلس زوجي في البيت في أول شهر، حيث كان يساعدني في الاعتناء بطفلي البِكْر، ولكن حياتي بعد ذلك انقلبت رأسا على عقب، فالأشهر امتدت لسنوات، وصار البيت وثلاثة أطفال، وظيفة زوجي”.
وتقول “تهاني حسين” – 34 عاماً – بأنها ستوزع الحلوى فور أن يعود زوجها إلى العمل، وستحتفل بتوديع أيام ما وصفته بالمسلسل الكئيب.
وأضافت ربة البيت والأم لسبعة أبناء: “بات زوجي عصبيا، يقضي وقت فراغه بالتدخل في كل الأمور، وبات حساسًا لدرجة لا تُطاق .. يفتعل المشاكل.. ما كان عاديًّا بالنسبة له ومهملا صار مهما وذا شأن”.
أما “سهاد البحري” -42 عاما- فتريد أن يعود زوجها إلى العمل ليتوقف عن مناكفتها وجدالها اليومي الدائم، على حد قولها.
وتابعت: “الانقسام لم يُخلف مأساة سياسية، وحسب، بل ترك جراحا اجتماعية كبيرة، في النهار لا يتوقف صراخ زوجي، يقف على كل صغيرة، وكبيرة، يسأل عن وقت الغذاء.. ولماذا تأخر الأولاد في المجيء من مدارسهم!”.
وما كانت تحلم به في أوقات سابقة تحول إلى “كابوس” كما تقول “رندة ياسين” مضيفة :” كنت أحلم لو يُعيرنا زوجي بعضا من وقته، ويا ليت حُلمي ظل خيالا؛ فزوجي الجالس في البيت لسبع سنوات صار (أبو الاهتمام).. أثاث المنزل والديكور.. درجات الأولاد ومعدلات ذكائهم… نومهم وساعات استيقاظهم.. ملح الطعام.. إزعاج الجيران.. كل شاردة وواردة” متمنية أي يعود زوجها إلى عمله في أقرب وقت وأن ينتهي ما أسمته بـالصُداع الطويل.
ويرى “معين رجب” أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة، أن الأرقام الكارثية التي خلّفها الانقسام الفلسطيني، لم تضر بالاقتصاد وحسب، بل امتدت لتنال كافة تفاصيل الحياة.
وأضاف: “نحن نتحدث عن آلاف من الموظفين الذين تركوا وظائفهم، وجلسوا في البيت، وهذا الأمر سبب أضرارا اقتصادية، واجتماعية، إذ تغيّرت كل منظومة الحياة اليومية”، مشيراً إلى أن عودة الموظفين التابعين لحكومة رام الله إلى عملهم في قطاع غزة، تحتاج إلى حل سريع، وتدريجي فهناك غيرهم من آلاف الموظفين الذين عينّتهم حركة حماس كبديل عنهم.
ولا يرى رجب أن حل هذه المشكلة سيكون سريعا وسهلا، فهذا الملف يحتاج إلى وقت طويل لكي يتم عودة الآلاف من موظفي السلطة الذين تركوا العمل بعد الانقسام، وخاصة “العسكريين ودمجهم في القطاعات الأمنية بغزة”.
ويقدر عدد موظفي حكومة غزة المقالة التي تديرها حركة حماس بـنحو ” 50 ألف” موظف، يعملون في الأجهزة الأمنية، والوزارات والمؤسسات الحكومية، جرى توظيفهم بعد الانقسام.
ويؤكد مصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية، وعضو وفد المنظمة للمصالحة الفلسطينية، أن هناك لجنة خاصة ستضع كل التصورات والحلول لعودة موظفي السلطة إلى مواقع عملهم في جميع المجالات.
وأوضح أن حكومة التوافق الوطني القادمة، ستتولى حل مشكلة الموظفين سواء التابعين لحكومة غزة، أو رام الله، وسيتم دمجهم وفق اعتبارات تحددها اللجان المختصة.
المصدر : وكالة الأناضول