في يونيو/حزيران عام 2014، اقتحمت الشرطة الفرنسية منزل زعيم جماعات المرتزقة الفرنسي باريل بعد اشتباه في وجود أسلحة في بيته، انتهى الحدث، ولم يُعرف بعدها إلى ماذا انتهت التحقيقات أو ماذا حدث لبول باريل شخصيًا.
وبعد هذه الحادثة، غاب باريل – البالغ 72 عامًا والمصاب بسرطان الغدة الدرقية ومرض باركنسون – عن الساحة فترة طويلة، ليعيد برنامج “ما خفي أعظم” زعيم المرتزقة إلى الأضواء مجددًا، ليتحدث لأول مرة عن خطة غزو عسكري لقطر، أشرف على قيادتها مع فريق كبير من المرتزقة بدعم مباشر من الإمارات والسعودية والبحرين بعد فشل محاولة الانقلاب على نظام الحكم في فبراير/شباط 1996.
اسم يلمع في عالم المرتزقة
في مارس/آذار عام 2018، وخلال العمل على تحقيق “قطر 96″، ضمن برنامج “ما خفي أعظم”، فُتح ملف محاولة الانقلاب الفاشلة في قطر، حينها ظهر بشكل بارز اسم شخصية فرنسية متورطة في التحضير لعملية الانقلاب وفي ملفات أمنية أخرى بالغة الخطورة حول العالم.
استضافت الإمارات باريل وفريقه، ووفرت لهم غطاءً سياسيًا، حيث تم منحهم جوازات سفر إماراتية بصلاحية 5 سنوات للتنقل بين بلدان الخليج العربي
أبرز تلك الملفات كانت قيادته للعملية الخاصة للقضاء على جماعة جهيمان التي تمردت داخل الحرم المكي عام 1979، إضافة إلى اقتران اسم الرجل بعمليات عدة في إفريقيا، أثارت الكثير من الجدل والاتهامات، من بينها روندا وجزر القمر وغيرها.
تقاطعت روايات الشهود الواردة في تحقيق الجزيرة عن الدور البارز الذي اضطلع به بول بارير لتنفيذ لمحاولة انقلاب ثانية ومفاجئة بعد فشل المحاولة الأولى مطلع عام 1996، بتكليف من الدول التي دعمت الانقلاب في المرة الأولى، اعتمادًا على تاريخ الرجل وخبرته في تنفيذ المهمات الأمنية الخاصة مع فريقه حول العالم.
باريل، الرجل السبعيني، من مؤسسي الوحدة الأمنية الخاصة “GIGN” التي أنشاتها الرئاسة الفرنسية في سبعينيات القرن الماضي، ذاع صيتها بعدما أُوكلت لها مهمات عدة داخل الحدود الفرنسية وخارجها.
بول باريل الذي قاد محاولة الغزو العسكري لقطر
أثار الرجل الجدل في أوروبا بعد تورطه في بعض العمليات التي حامت حولها شبهات أمنية، ترك على إثرها باريل “GIGN“، ثم شكل مع عسكريين ورجال أمن سابقين شركة أمنية خاصة تتقاضى الأموال الطائلة مقابل تنفيذ مهمات سرية ودقيقة في مناطق مختلفة في العالم.
وفي تحقيق سابق لقناة “الجزيرة”، تم كشف تفاصيل الخطة التي حاكتها الدول الجارة لقطر في تدبير انقلاب على حكم الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني آنذاك، وتوزعت أدوار كل من السعودية والبحرين والإمارات ومصر بين تمويل وتسليح وتجهيز غرق عمليات، وحشد مقاتلين قبليين ومرتزقة، فضلاً عن تجنيد ضباط وجنود وقطريين لمحاولة اقتحام قطر عسكريًا بحجة إعادة خليفة بن حمد إلى سدة الحكم.
باءت المحاولة الأولى بالفشل، بعدما أعد لتنفيذها في 14 من فبراير/شباط عام 1996، لكنه فشل لم يثن الدول الأربعة عن التخطيط لمحاولة ثانية مباشرة بعد فشل الأولى تهدف إلى السيطرة على قطر عسكريًا.
هذه المرة استعانت الدول الجارة بالشركة الأمنية التي التي أسسها بول باريل، وعرفته عن كثب كل من الإمارات والسعودية منذ عقود، ففي عام 1977 وصل الرجل إلى أبو ظبي لتشكيل مجموعة خاصة، بعد أن عرف أبو ظبي جيدًا وعرف السعودية أكثر بعد تنفيذه “مهمة مكة” أو ما أطلق عليه “حصار مكة“، ودرَّب المخابرات السعودية.
خطة باريل لغزو قطر
اختار باريل 40 من نخبة العسكريين الفرنسيين العاملين معه، من مظليين وقناصة وجنود مدربين على العمليات الخاصة لتنفيذ خطة الهجوم على قطر، كما احتاج باريل وجنوده إلى قاعدة في الخليج للتمركز والتحضير للعملية، فاستضافتهم الإمارات بعد أن وصلوها على متن طائرة خاصة بعتادهم العسكري.
تم اختيار البحرين محطة إنشاء غرفة عمليات لإدارة منظومة الاتصالات والرصد نظرًا لقربها الجغرافي من قطر
وكما يقول باريل، اختار فندق “إنتركونتينتال” في العاصمة الإماراتية مقرًا عسكريًا للتخطيط للعملية، وذلك لعدم إثارة الشبهات عن حقيقة دور هذه المجموعة في أبو ظبي، فقد تظاهر هؤلاء في الفندق بأنهم فريق رياضي جاء للتدريب في أبو ظبي، لكن أحدًا لم يعلم أن في الطابق العلوي مخزن يحوي أطنانًا من الأسلحة، ويجري التحضير لعملية عسكرية.
نجح باريل في تنفيذ عملية استطلاع سرية داخل قطر للتحضير لعمليته في بدايات عام 1996، بعد أن تسلل عبر البحر، وتمكن من الوصول إلى عمق الدوحة، وكانت هذه المهمة أولى الخطوات العملية في خطة الهجوم.
قام باريل من خلال عمليات الاستطلاع البري والبحري برصد النقاط المهمة من دوريات وفرق مسلحة كانت تحمي القصر الأميري والميناء وغير ذلك، فلم تكن الدوحة تشهد حظر تجول، كما صور بعض المواقع العسكرية للتخلص من بعض الشخصيات الموجودة في هذه المواقع.
استضافت الإمارات باريل وفريقه، ووفرت أبو ظبي لهم غطاءً سياسيًا، حيث تم منحهم جوازات سفر إماراتية بصلاحية 5 سنوات للتنقل بين بلدان الخليج العربي، وتسهيل مهامتهم في نقل الأسلحة وجلب المقاتلين، لكن إحدى المشاكل التي واجهها باريل في أثناء تحضيره للعملية تمثلت في حاجته إلى منظمة اتصالات سرية وفعالة مع عملائه.
تم اختيار البحرين محطة إنشاء غرفة عمليات لإدارة منظومة الاتصالات والرصد نظرًا لقربها الجغرافي من قطر، والدعم الكبير الذي وفرته المنامة لخطة الهجوم على الدوحة، إضافة إلى منحها باريل وبعض أعضاء فريقه جوازات سفر بحرينية.
وفي منتصف عام 1996، وبينما كان بول باريل يرسم مع فريقه خطة الهجوم في غرفتي العمليات في أبو ظبي والمنامة، كانت الأجواء السياسية الدولية بشأن ما جرى في قطر حذرة، وشكَّل موقف واشنطن موضع قلق بالغ للدول المتورطة في التحضير لمحاولة الانقلاب.
كانت مهمة باريل في تشاد تجنيد 3 آلاف من المرتزقة للمشاركة في عملية اقتحام الدوحة، مقابل 20 مليون دولار
وبانتظار ساعة الصفر للعمل العسكري، فعَّلت الدول المخططة حراكها السياسي لجمع دول حليفة إضافية، فنشطت القاهرة في تنفيذ غطاء عسكري وسياسي في تنفيذ العملية، حيث استقبلت القاهرة برئاسة حسني مبارك آنذاك بشكل رسمي الشيخ خليفة بن حمد وظهر في المشهد بول باريل مرافقًا له.
وعن خطة العمل، أوضح باريل أن الأسلحة الثقيلة تم جلبها من مصر، ووصلت الأسلحة من القاهرة إلى أبو ظبي، حيث كثف بول باريل هناك تدريب العناصر التي أُعدت للمشاركة، وكان قوامها من الجنود والضباط القطريين الهاربين من الدوحة بالتنسيق مع القوات الإماراتية المشاركة في العملية، التي تراوحت بين 400 إلى 500 رجل، بالإضافة إلى نحو 1500 رجل من السعودية.
في أوج التحضيرات للعملية، توجه باريل إلى العاصمة التشادية، ومعه دان (اسم مستعار لابن أخ الشيخ خليفة)، وهو الشيخ حمد بن جاسم بن حمد، وكانت مهمة باريل في تشاد تجنيد 3 آلاف من المرتزقة للمشاركة في عملية اقتحام الدوحة، مقابل 20 مليون دولار، وكانت مهمتهمم المفترضة الهبوط بطائرة على طريق الشمال في قطر.
باريل عندما كان شابًا
الخطة التي باءت بالفشل
بحسب بول باريل، فإن خطة الهجوم التي وضعها كانت ستبدأ من طريق الشمال في قطر، عبر إنزال جوي مفاجئ لطائرات تحمل مرتزقة مسلحين يتبعها دخول بحري للقوارب المشاركة التي سترسو على الميناء، وقوات الدفع الرباعي المحملة بالسعوديين.
الأمر الذي حسم قرار تنفيذ العملية من عدمه هو قرار الشيخ خليفة الانسحاب من المشهد بعدما أدرك فداحة ما سوف تسفر عنه عملية باريل
ووفق الخطة، ستتقاطع جميع القوات المهاجمة عند منزل الأمير حمد وعند مبني التليفزيون والمراكز العسكرية، وكان كل شيء يحب أن يتم في غضون ساعة، وكان سيتم الاستيلاء على قطر في غضون ربع ساعة، وستقع مجزرة حقيقة، لأنه لا يمكن لأي قوة مقاومة هجوم مفاجئ لثلاثة آلاف مقاتل مدعومين برًا وبحرًا وجوًا.
أما الفريق الفرنسي الذي جنده بول باريل أُنيطت له مهمتان رئيستان: الأولى، تأمين الشيخ خليفة في الدوحة، أما الثانية، فكانت السيطرة على قصر الأمير حمد بن خليفة آل ثاني، والبحث عن حمد بن جاسم بن جبر، الذراع الأيمن للشيخ حمد والتخلص منه.
وفي خصم الاستعدادات النهائية للهجوم، يأتي اتصال مفاجئ من باريس، لم يكن متوقعًا بالنسبة إلى بول باريل الذي تلقى اتصالاً من الرئيس الفرنسي جاك شيراك حينها لإبلاغه بضرورة وقف أي “حماقة”، وهو ما أثار غضب الدول الداعمة للانقلاب، التي كانت تضغط بشكل يومي لضرورة الإسراع في التنفيذ.
كشف وزير الخارجية الألماني السابق زيغمار غابرييل، منذ يومين، أن قطر كانت على وشك أن تتعرض لغزو عسكري عام 2017
لكن الأمر الذي حسم قرار تنفيذ العملية من عدمه هو قرار الشيخ خليفة الانسحاب من المشهد بعدما أدرك فداحة ما سوف تسفر عنه عملية باريل، فضلاً عن بعض العمليات التخريبية التي وقعت داخل قطر وأثارت غضب الشيخ خليفة.
انسحاب الشيخ خليفة أفقد العملية غطاءً كانت تتخذه الدول الداعمة والمحرضة كذريعة أساسية للهجوم على قطر، وبدت المواقف حينها أكثر تعقيدًا بالنسبة إلى قيادات هذه الدول التي انقلبت على باريل وحاولوا استهدافه أكثر من مرة، كما تبرأوا منه ومن الشيخ خليفة.
الغزو المبيَّت لقطر
بعد عقدين من “واقعة 96” يتكرر الحديث عن غزو قطر إبان الأزمة الخليجية، ورغم أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن اتجاه دول الحصار لغزو قطر، فإن الجديد هنا هو خطاب مباشر من مسؤول غربي ووزير كان منذ عهد قريب من بين صانعي القرار في أوروبا وفي بلاده ألمانيا.
وفي آخر تجليات الأزمة الخليجية، كشف وزير الخارجية الألماني السابق زيغمار غابرييل، منذ يومين، أن قطر كانت على وشك أن تتعرض لغزو عسكري عام 2017 عقب الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين أوائل يونيو/حزيران من العام نفسه، لكن وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون كان له جهد واضح في منع غزو قطر.
ليس هذا بالكشف الجديد، ولكن حديث وزير الخارجية الألماني السابق – الذي كان أول مسؤول دولي استنكر حصار قطر – عن غزو عسكري وشيك كان يتهدد قطر في العام الماضي يعيد إلى واجهة الأحداث ما سبق أن أعلنه أمير الكويت، في أغسطس/آب 2017، في عقر دار عاصمة القرار الأمريكي وبحضور رئيسها، وذلك خلال أول زيارة لواشنطن بعد اندلاع الأزمة، إذ كشف نجاح الوساطة في وقف تدخل عسكري عقب اندلاع الأزمة الخليجية.
حديث غابريل أعاد إلى الأذهان أيضًا ما تناقلته وسائل إعلام غربية عن جوانب مما خطط له المتنفذون في الرياض وأبو ظبي في المقام الأول لشن حرب ضد قطر، ممهدة لذلك بالذرائع التي اتخذتها لافتعال الأزمة الخليجية من خلال قرصنة وكالة الأنباء القطرية كمتكأ للقفز إلى قلب الأزمة.
إفشال العملية العسكرية كان السبب وراء إقالة ترامب وزير خارجيته السابق ريكس تيلرسون
وفي أغسطس/آب الماضي، وبحسب موقع “إنترسبت” الأمريكي، فإن وليي عهد السعودية وأبو ظبي هما من وضعا الخطة لعملية عسكرية في قطر الصيف الماضي، وقد شملت عبور قوات برية سعودية إلى حدود قطر ثم التقدم 70 ميلاً تجاه الدوحة بدعم عسكري من الإمارات، وبعد الالتفاف حول القاعدة الأمريكية في العديد” تسيطر القوات السعودية على العاصمة.
تفاصيل أكثر، يرويها موقع “إنترسبت“، كأحد وسائل الإعلام الأمريكية التي تناولت القضية، وكشف أيضًا أن إفشال العملية العسكرية كان السبب وراء إقالة ترامب وزير خارجيته السابق ريكس تيلرسون، وقال الموقع إن موقف تيلرسون من الأزمة الخليجية أغضب كل من الأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد.
وفي حديث سابق لمجلة ““ABC الإسبانية قال نائب وزير الخارجية القطري السابق عبد الله بن حمد العطية إن أبو ظبي درَّبت آلافًا من شركة “بلاك وتر” الأمريكية التي نقلت إلى الإمارات وسمت نفسها باسم “أكاديمي”، وذلك بهدف غزو قطر، غير أن البيت الأبيض لم يوافق على مشاركتها، فتمت تنحيتها جانبًا.
وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية إن سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة علم بإقالة تيلرسون قبل 3 أشهر من وقوعها، وقبل بضعة أيام من زيارة ولي العهد السعودي إلى واشنطن في خضم حملة ترويج كبرى، آنذاك كشف فيها ترامب مزهوًا صفقة يشتري بموجبها ابن سلمان أسلحة أمريكية.