Google it”” أو “جوجلها” باللغة العامية، هذا ما تقوله لمن يسألك عن معلومة أو عن معنى كلمة مثلاً، وبمجرد أن تفعل ذلك ستظهر لك ملايين النتائج، وغالبًا ما تختار الأولى منها، فكيف يفعل ذلك المحرك العملاق؟
في جوجل، تكتب الكلمة فتظهر لك الصور الأكثر ارتباطًا بها، لكن كيف؟ هذا السؤال طُرح رسميًا في الولايات المتحدة، لأنك عندما تكتب كلمة “أحمق” (Idiot) في قسم الصور، فإن صورة أو معظم الصور التي ستظهر لك ستكون للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ابحث عن “أحمق” يظهر لك ترامب
تسبب الربط بين جوجل و”الأحمق” في مثول الرئيس التنفيذي للشركة ساندر بيتشاي أمام اللجنة القضائية لمجلس النواب الأمريكي، ووجه أعضاء بالمجلس العديد من الاتهامات لشركة جوجل، وتتمثل في الانحياز السياسي للشركة العالمية ضد المحافظين، الخلفية السياسية التي ينتمي لها الرئيس الأمريكي.
وأملاً في العثور على إجابة مُباشرة لثغرة جوجل الموجودة منذ أكثر من عقد من الزمن، وجهت العضوة زوي لوفجرن سؤالاً عن سبب ظهور صورة ترامب في قسم الصور بموقع جوجل عند البحث عن كلمة “أحمق”، كيف يحصل ذلك؟ وما آلية البحث التي تؤدي إلى ذلك؟ لتعيد بسؤالها هذا مشكلة تقنية إلى السطح بعد أشهر من اكتشافها لأول مرة.
ردًا على السؤال، يقول بيتشاي: “النتائج تستند إلى مليارات الكلمات المصنفة وفقًا لأكثر من 200 مؤشر من بينها المقارنة والحداثة والشهرة، وبناءً عى تطابق الكلمات مع المؤشرات يتم تصنيف الكلمة والحصول على أفضل نتائج البحث”.
يقول الجمهوريون إن الديمقراطيين الذين يعملون في جوجل يوجهون نتائج البحث نحو مواقع ليبرالية منتقدة للرئيس ترامب
بمعنى آخر، يقارن جوجل كلماته المفتاحية في البحث مع الفهرس، وإذا كان هناك صفحة ما مُشار إليها في صفحات أخرى، فإنها تظهر في مقدمة الصفحات وفي أعلى كلمات البحث، وكذلك الحال بالنسبة للصفحات المشابهة التي يُشار إليها بكثرة في صفحات أخرى، وتستخدم آلية البحث معلومات المكان إما من عبارات بحثك أو موقع جهازك الذي تستخدمه، وتدقق في التحديث الأخير للصفحة وتاريخ بحثك السابق.
وخلال جلسة الاستماع، يؤكد رئيس جوجل أن الأمر لا يقف خلفه أشخاص، فكل نتائج البحث التي نراها هي آلية تجلبها الخوارزميات، لذا فإن الحل يتطلّب إدخال تعديلات على تلك الخوارزميات، الأمر الذي لا يُمكن أن يتم بين ليلة وضحاها، وهو شيء بالمناسبة قامت به الشركة عام 2007 بعد أشهر طويلة من التعديلات والاختبارات.
لكن تلك الجهود لم تفِ بالغرض، وتمكن المخترقون مرة جديدة من التلاعب بالخوارزميات لأن آلية عملها متوفرة بالتفصيل المُمل، وهذا لمساعدة أصحاب المواقع والتطبيقات على تحسين ظهورهم ضمن نتائج البحث، إلا أن سوء استخدام تلك التعليمات موجود، ونتج عنه ربط خاطئ بين الشخص والصورة أولاً، وانتشار الأخبار الكاذبة ثانيًا.
كيف تلاعب النشطاء بصور جوجل؟
أصبح الانحياز اليساري المتصور لشركات التكنولوجيا الكبرى نقطة حوار رئيسية للمحافظين، ويقول الجمهوريون إن الديمقراطيين الذين يعملون في جوجل يوجهون نتائج البحث نحو مواقع ليبرالية منتقدة للرئيس ترامب.
Google search results for “Trump News” shows only the viewing/reporting of Fake News Media. In other words, they have it RIGGED, for me & others, so that almost all stories & news is BAD. Fake CNN is prominent. Republican/Conservative & Fair Media is shut out. Illegal? 96% of….
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) August 28, 2018
صعَّد الرئيس ترامب من هذا الخطاب، في أغسطس/آب الماضي، متهمًا شركة جوجل بتزوير نتائج البحث عن عبارة “أخبار ترامب” على محركها، وإعطاء أولوية للأخبار السلبية، وهو ما رفضته الشركة العملاقة، وردت بأن محرك البحث الخاص بها لا يخضع لأجندة سياسية وليس متحيزًا لأي فكر سياسي، ولا تتعمد مطلقًا ترتيب نتائج البحث للتلاعب بالمشاعر السياسية.
لكن ما حدث مع ترامب يعود جزئيًا إلى استغلال المخترقين لآلية عمل خوارزميات جوجل، لإظهار صور للرئيس الأمريكي دونالد ترامب عندما يبحث الأشخاص عن كلمة “أحمق”، وبحسب تقرير نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية، بدأت هذه الحالة خلال زيارة ترامب الأخيرة للمملكة المتحدة، حيث استخدم ناشطون بريطانيون أغنية “الأحمق الأمريكي”، (American Idiot) لفرقة “غرين داي” (Green Day)، وهي أغنية صدرت عام 2004؛ للتعبير عن سخطهم من تلك الزيارة.
هنا تناقلت وسائل الإعلام التي غطت الزيارة الحديث عن استخدام هذه الأغنية من المحتجين، وبناء على ذلك، ربطت خوارزميات جوجل كلمة “أحمق” بصورة ترامب، لتتصدر صورته نتائج البحث عن كلمة “أحمق” حتى وقتنا الراهن.
رفع أعضاء فريق حملة ترامب الانتخابية صورة لشعار الشبكة داخل “ريديت مع استخدام عنوان يحتوي على عبارات تشير إلى “الأخبار الكاذبة”
لم تكن الأغنية العامل الوحيد الذي ربط الصورة بالكلمة، فلموقع ريديت (Reddit) دور أكثر أهمية في هذه العملية، وذلك من خلال التصويت الجماعي لصورة ترامب وكلمة “أحمق” على موقع “ريديت”، الذي يزوره شهريًا أكثر من مليار ونصف المليار مُستخدم، الذي يمتلك بدوره تصنيفًا عاليًا عند جوجل.
استغل كارهو ترامب استخدام معارضيه لأغنية “الأحمق الأمريكي” وأنشأوا مشاركات داخل “ريديت” فيها صورة ترامب مع عبارات تدل على الحماقة بشكل أو بآخر، وبتهافت الملايين للتصويت على تلك المُشاركات خرجت للصفحة الرئيسية، ومنها إلى أعلى المراتب داخل جوجل، لترتبط الكلمة الآن ارتباطًا وثيقًا بالصورة..
حدث ذلك أيضًا عام 2016، مع شبكة “سي إن إن” الأمريكية، حيث رفع أعضاء فريق حملة ترامب الانتخابية صورة لشعار الشبكة داخل “ريديت” مع استخدام عنوان يحتوي على عبارات تشير إلى “الأخبار الكاذبة”، ما أدَّى إلى أرشفة الصورة وربطها فورًا بالكلمات المفتاحية المستخدمة، وبالتالي وعند البحث عن الأخبار الكاذبة “Fake News” في جوجل، سيظهر شعار الشبكة فورًا.
من “بلحة” إلى “أبو منشار”
في العالم العربي حدث ذات الشيء مع فارق بسيط هو عدم التوجه لجوجل من أجل الاستفسار عن السبب وراء ظهور صورة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عند البحث عن كلمة “بلحة” عبر محرك البحث جوجل.
وإذا قسنا تبرير جوجل الأول على قضية ترامب، فإن هذا يفسر ظهور صورة السيسي كنتيجة أولية لعملية البحث عن كلمة “بلحة”، وذلك بسبب استخدام نشطاء وخلال فترة طويلة وبشكل مكثف لكلمة “بلحة” للدلالة على السيسي، ما جعلها تحظى بالخيار الأول تقنيًا عند إدخالها في محرك البحث الخاص بموقع جوجل.
وينشر الناشطون المقالات التي تربط كلمة “بلحة” مع السيسي، مع مشاركة المقالات الأخرى التي تفعل نفس الأمر، فيصبح التأثير الصافي لذلك هو أن الارتباط داخل خوارزمية جوجل أقوى، ممَّا يؤدي إلى ظهور صور السيسي عندما يدخل الناس مصطلح “بلحة”.
عند البحث على موقع جوجل عن كلمة “أبو منشار” تظهر صور لمحمد بن سلمان وتنتشر على نطاق واسع في الإشارة إلى ولي العهد السعودي
وقد تتضمن التكتيكات نشر مقالات تحتوي على كلمة “بلحة” في العنوان الرئيسي إلى جانب صورة السيسي، وكتابة المقالات التي تحتوى على كلمتي “السيسي” و”بلحة” قريبتين إحداهما من الأخرى، أو ربط كلمات رئيسية معينة بشكل متكرر بصفحة ويب أو صورة، وتؤدي مثل تلك المُمارسات لخروج المُشاركة من الأقسام الفرعية إلى الصفحة الرئيسية التي تؤرشف المحتوى.
ويطلق المصريون لقب “بلحة” على من لا يفقه شيئًا ويفتقر للخبرة والمعرفة، وتعود خلفية اللقب عند المصريين إلى شخصية من الفيلم السينمائي “الدنيا على جناح يمامة”، كان صاحبها يعاني من اضطرابات نفسية، ويُطلق عليه نفس اللقب.
وبعد أن توجهت أصابع الاتهام في أكثر من سيناريو إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كونه وراء جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، فقد بدأت تطارد ولي العهد ألقاب لها علاقة ببشاعة الجريمة بحسب ما أوردت تفاصيلها بعض الروايات.
وعند البحث على موقع جوجل عن كلمة “أبو منشار” تظهر صور لمحمد بن سلمان وتنتشر على نطاق واسع في الإشارة إلى ولي العهد السعودي الذي يقال إنه أعطى الأوامر بقتل خاشقجي وتقطيعه في القنصلية السعودية بإسطنبول وتقطيعه قبل أن يتم نقله إلى خارجها.
منطقيًا، فإن مجموعة من وسائل الإعلام نشرت لولي العهد مع عناوين تحمل كلمة “منشار” أو شيء يُشبهها، مع كتابة خبر فيه كلمات مفتاحيّة بنفس المعنى، ومع ازدياد الضغط على تلك الروابط، يتوقع محرك البحث أن إجاباته صحيحة، وتتعزّز بالتالي تلك الروابط.
أخطاء جوجل
ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها التلاعب واستخدام خوارزميات جوجل، فما حدث مع ترامب هو نفسه ما حدث مع جورج بوش وهيلاري كلينتون وميشيل أوباما، زوجة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، فبعض المُخترقين نجحوا في ربط صور تلك الشخصيات بعبارات عنصرية كنوع من تغيير الرأي العام أو التعبير عن سخطهم على الحكومة فقط لا غير.
فبعد أعوام قليلة فقط من ظهور مُحرّك بحث جوجل، تفاجأ البعض بظهور صور للرئيس الأمريكي جورج بوش الابن عند البحث عن عبارة “فشل ذريع” (miserable failure) على جوجل، إلا أن المشهد السياسي في ذلك الوقت كان يحتمل الربط بين العبارة والرئيس الأمريكي الذي دخل في حرب كلّفت بلاده مليارات الدولارات دون وجود مُبرّر مُقنع بالنسبة للشعب الأمريكي على الأقل.
وفي العام 2009 أظهر البحث عن ميشيل أوباما بجوجل صورة لها، لكن مع تعديل ملامحها لتشبه القرود، وقد كانت الصورة الأولى التي تظهر بمحرك البحث عند البحث عن زوجة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في عدد من الدول، وقبل الانتخابات الأمريكية الأخيرة عام 2016، وخلال البحث عن كلمة “مغتصب”، كانت تظهر على الأقل 5 صور لبيل كلينتون في قائمة العشرة الأوائل.
وفي حادثة أخرى، وضع خطأ في تطبيق الصور الخاص بجوجل الشركة في وضع محرك، إذ كان يظهر صور للغوريلا عند البحث عن أصحاب البشرة السوداء، وهو الأمر الذي وصفه البعض بالعنصرية، واعتذرت جوجل وقتها عن هذا الخطأ الفادح، وقالت إن خطأ فنيًا بالتطبيق تسبب في هذا الأمر، وأكدت حل المشكلة فيما بعد.
وأعلنت جوجل وقتها حذف الصور وقالت إنها تابعة لموقع ينشر برمجيات خبيثة، لكن سرعان ما ظهرت الصورة بشكل أكبر فيما بعد، واعتذرت الشركة عما حدث أيضًا، وهي المشكلة التي تسعى جوجل، رفقة فيسبوك وبقية الشركات التقنية، إلى حلها بأكثر من طريقة.
المفارقة أنه على الرغم من عدم وجود صلة يمكن إثباتها بين المفاهيم، فإن مقالة في موقع “نون بوست” تظهر صورة دونالد ترامب وكلمة “أحمق” أو صورة السيسي وكلمة “بلحة” لن تؤدي إلا إلى تعزيز النتائج أكثر.