ترجمة وتحرير: نون بوست
في 5 تشرين الأول/ أكتوبر، في قرية دير الأسد الفلسطينية في شمال إسرائيل، جلبت الصواريخ التي أطلقها حزب الله من لبنان الدمار والموت في قرية دير الأسد الفلسطينية في شمال إسرائيل.
وقال الأطباء في مستشفى الجليل الغربي في نهاريا، المدينة الساحلية الواقعة في أقصى شمال إسرائيل، إنهم استقبلوا 49 مصابًا.
مع استمرار الحرب بين إسرائيل والحركة لبنانية دون أي علامات على التوقف، ومع تبادل إيران وإسرائيل لإطلاق الصواريخ بشكل دوري، تظهر الفجوة الكبيرة بين المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل واليهود الإسرائيليين في عدم وجود ملاجئ وأماكن آمنة داخل المدن الفلسطينية مقارنةً بالمدن الإسرائيلية اليهودية.
مراد عماش هو رئيس المجلس المحلي في قرية جسر الزرقاء، وهي بلدة فلسطينية تقع على السهل الساحلي الشمالي للبحر المتوسط في إسرائيل.
وقال لميدل إيست آي: “بشكل عام، منذ تأسيس دولة إسرائيل، كان هناك إهمال في جميع مجالات الحياة – التخطيط والبناء، والاقتصاد والبنية التحتية، كما لو كانت البلدات العربية خارج المشهد”.
قال: “ربما فقط قبل 10 سنوات بدأوا يتحدثون عن المجتمع العربي. ففي جسر الزرقاء، يعيش اليوم 16,000 مواطن في البلدة على مساحة 1,400 دنم (345 فدان). تشمل هذه المساحة الشوارع والمدارس والمرافق والمؤسسات وأماكن السكن. بالمقابل، يعيش حوالي 900 مواطن في بيت حانون المجاورة على مساحة تقدر بـ 3,000 دنم (740 فدان)”.
وقال عماش إنه في سنة 2006، بدأ سكان جسر الزرقاء يطلبون توسيع المنطقة. وأضاف: “استغرق بناء الخارطة الهيكلية 11 سنة مع وزارة التخطيط، بسبب المعارضة الشديدة”.
وتابع عماش: “قدّم أكثر من 64 جارًا يهوديًا اعتراضات، بينما يستغرق بناء خارطة هيكلية لبلدة يهودية عامين فقط. لا أرى أي أمل في توسع قريتنا لأن إسرائيل بنت الطريق السريع 2، الذي يربط حيفا بتل أبيب، مما قيّد تطوير القرية من الجهة الشرقية”.
وتحدث عن الوضع في الحرب الحالية، قائلاً: “نواجه العديد من المخاطر. فالقرية محاطة بأماكن إستراتيجية، أحدها محطة الوقود، ومن الجهة الجنوبية توجد محطة كهرباء مهمة”.
ما هو الملجأ؟
وقال المحامي أمير بشارات، المدير التنفيذي للجنة الوطنية لرؤساء السلطات المحلية العربية في إسرائيل، وهي منظمة تمثل المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، لميدل إيست آي: “عند الحديث عن توفير الملاجئ أو الأماكن الآمنة، نتحدث تحديدًا عن ثلاثة أنواع من الأماكن”.
وقال: “الأول هو ملجأ داخل المنزل، والثاني هو ملجأ داخل مؤسسة تابعة للسلطة المحلية – مثل المدارس أو المراكز المجتمعية – والثالث هو ما يُعرف بالملجأ المتنقل. وضمن كل نوع من الأنواع الثلاثة، هناك فجوات واسعة بين البلدات العربية واليهودية”.
تاريخيًّا، لم تفرض إسرائيل أي التزام قانوني على مواطنيها لبناء ملجأ داخل المنازل الخاصة، ناهيك عن أن منازل معظم المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل كانت موجودة قبل النكبة وتأسيس إسرائيل.
وقال بشارات عن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، الذين يشكلون حوالي 21 بالمائة من سكان البلاد: “في الواقع، كنا جميعًا هنا قبل إسرائيل”.
وفي سنة 1991، بعد انتهاء حرب الخليج ونتيجة لحملة صواريخ سكود العراقية على إسرائيل، والتي ركزت على تل أبيب وحيفا، تم تحديث لوائح الدفاع المدني، حيث تم إلزام كل شقة جديدة تُبنى بأن تكون مرتبطة بمنطقة سكنية محمية.
لقد تركت عقود من التمييز في سياسات الأراضي والإسكان معظم المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل يعيشون في مدن وقرى مكتظة بالسكان، مما أدى إلى ما تعتبره إسرائيل بناءً غير قانوني. وهذا يعني أن أعمال البناء لا تفي بالمعايير المطلوبة ولا تتضمن الملاجئ. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى هدم المنازل بدلاً من إجراء تغييرات في السياسات.
ووفقًا للمركز العربي للتخطيط البديل، وهي منظمة غير ربحية مقرها في الجليل، فإن حوالي 30,000 مبنى معرضة لخطر الهدم ويعيش فيها حوالي 130,000 مواطن فلسطيني في إسرائيل.
وفقًا لمركز عدالة، وهو المركز القانوني الذي يديره الفلسطينيون في إسرائيل، فإن أزمة الأراضي والإسكان ليست نتيجة لقصور محدد أو إهمال غير مقصود. بل هي “نتاج سياسة منهجية ومتعمّدة تنفذها الدولة منذ سنة 1948، التي نظرت إلى المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل كأعداء وغرباء، بينما تسعى الدولة إلى تنفيذ أجندتها لـ ‘تهويد’ جميع أنحاء البلاد”.
وفي تقرير آخر، أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش أن سياسة الأراضي في إسرائيل “تميّز ضد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل لصالح المواطنين اليهود، مما يقيد بشكل حاد من وصول الفلسطينيين إلى الأراضي للسكن لاستيعاب النمو السكاني الطبيعي”.
وفي سنة 2017، وافق الكنيست، البرلمان الإسرائيلي، على “قانون كامينيتس”، الذي، وفقًا لمركز عدالة ومنظمات حقوقية أخرى، كان مصممًا لزيادة “فرض العقوبات على مخالفات التخطيط والبناء”.
ولا يأخذ القانون في الحسبان عقودًا من التمييز المنهجي في تخطيط أراضي الدولة وتخصيصها، الأمر الذي أدى إلى أزمة سكن حادة في البلدات والقرى الفلسطينية في جميع أنحاء إسرائيل.
ومنذ قيام إسرائيل، لم تقم الدولة ببناء بلدة واحدة للمواطنين الفلسطينيين.
الفجوة الطارئة
ووفقًا لاستطلاع أجراه مركز إنجاز للحكم المحلي العربي المهني (إنجاز) شمل 33 بلدة عربية في الجليل ووسط إسرائيل والنقب، فإن المناطق التي يعيش فيها المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل ليست مجهزة للتعامل مع حالات الطوارئ.
وجاء في تقرير إنجاز: “تفتقر بعض البلدات العربية إلى ملاجئ عامة، بينما في بلدات أخرى توجد الملاجئ العامة الوحيدة داخل المؤسسات التعليمية مثل المدارس ورياض الأطفال”.
وتابع التقرير: “بالإضافة إلى ذلك، في بعض المجتمعات، لا توجد ملاجئ داخل المؤسسات التعليمية، وفي بعض الحالات، تم تحويل الغرف المخصصة كملاجئ إلى فصول دراسية أو مختبرات بسبب النقص الكبير في الفصول الدراسية في المجتمع العربي.”
وهناك أيضًا تفاوت كبير في توافر الملاجئ المتنقلة بين المناطق اليهودية والفلسطينية في إسرائيل. ففي البلدات الشمالية، حيث يكون لدى السكان 30 ثانية أو أقل للوصول إلى منطقة محمية بعد سماع صفارة الإنذار للصواريخ، يكون الفارق واضحًا.
ففي كرمئيل، وهي مدينة يهودية يبلغ عدد سكانها حوالي 55,000 نسمة، يوجد 126 ملجأ. أما في دير الأسد، حيث يعيش حوالي 14,000 مواطن فلسطيني في إسرائيل، فلا يوجد سوى ملجأ واحد فقط، وفي قرية ناحيف، وهي قرية أكبر بقليل من دير الأسد، لا توجد ملاجئ على الإطلاق.
وقال ناهض خازم، رئيس بلدية مدينة شفا عمرو في المنطقة الشمالية لإسرائيل، لموقع “ميدل إيست آي” إنه مع بداية الحرب طلبوا 18 ملجأً متنقلاً.
قال خازم: “كان هذا بعد جولة قمنا بها مع مهندس قيادة الجبهة الداخلية، لكنهم أرسلوا لنا ثلاثة ملاجئ فقط. وتتكون المدينة التاريخية شفا عمرو من مبانٍ قديمة. نحن بحاجة إلى 18 ملجأ على الأقل. لقد قالوا إن هذه دفعة أولى وأنه في المستقبل سيتم تزويدنا بملاجئ إضافية، لكننا لا نحتاج إليها بعد الحرب”.
وأضاف: “إن العامل النفسي لوجود هذه الملاجئ المتنقلة له تأثير كبير على المناعة النفسية، لكننا سنواصل الضغط عليهم حتى يتم توفير ملاجئ أخرى”.
وفي بعض الأحيان، عندما يتم توفير الملاجئ، لا يوجد مكان لاستيعابهم.
وقال عماش لـ”ميدل إيست آي” إن جسر الزرقاء تحتاج إلى 10 ملاجئ على الأقل، وما لا يقل عن 60 بالمائة من منازلها بلا ملاجئ لأنها منازل قديمة (تأسست القرية سنة 1800).
وقال: “حتى لو أردنا إحضار مأوى متنقل، فلا يوجد سنتيمتر واحد من المساحة لوضعها”.
قال: “قبل سنتين، تمكنا من الحصول على ملجئين متنقلين من وزارة الإسكان، وكان ذلك مهمة شبه مستحيلة. ووضعنا أحدهما في ساحة مشتركة لثلاث مدارس، مما أثر على رفاهية الطلاب، والثاني في ساحة قاعة رياضية، على حساب مساحة يمكن أن تكون مخصصة للدراجات. إننا نتنازل عن خدمات مقابل خدمات أخرى”.
الفلسطينيون البدو المكشوفون في الجنوب
أما في صحراء النقب، فالوضع أكثر وضوحًا؛ حيث يعيش اليوم هناك أكثر من 300,000 فلسطيني بدوي من مواطني إسرائيل، منهم حوالي 80,000 يعيشون في حوالي 35 قرية غير معترف بها، وفقًا لمركز عدالة.
وفي هذه القرى، لا يقتصر الأمر على عدم وجود ملاجئ، بل إن الدفاعات الجوية الإسرائيلية تعرّف الأرض على أنها “منطقة مفتوحة” لأن وجودها غير معترف به، ويعتبر هذا المجال الجوي بالنسبة للجيش الإسرائيلي مكانًا مثاليًا لاعتراض الصواريخ.
وفي يوم الهجوم الذي قادته حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، قُتل ستة أطفال في النقب جراء سقوط قذائف على قراهم دون أن تدوي صفارات الإنذار. ويعيش الناس في هذه البلدات في مبانٍ مصنوعة من ألواح الصفيح؛ حيث لا توجد مبانٍ إسمنتية، ويركض الأطفال إلى الخارج أثناء القصف ويختبئون خلف أكوام من الرمال.
وقالت هدى أبو عبيد، وهي مدافعة فلسطينية عن حقوق الإنسان من منتدى التعايش السلمي في النقب للمساواة المدنية، لموقع “ميدل إيست آي” إن هناك جهودًا تبذل لتوفير الحماية، بفضل بعض منظمات المجتمع المدني، لكنها بعيدة كل البعد عن أن تكون كافية.
ووفقًا للمنتدى، هناك عدد من المشاكل الرئيسية التي تمنع سكان القرى المجهولة من حماية أنفسهم وعائلاتهم.
وتتمثل المشكلة الأولى هي تكلفة البناء، حيث إن السكان من أفقر الناس في إسرائيل بأكملها وغير قادرين على تحمل التكلفة المقدرة للمأوى المنزلي، والتي تبلغ 37,000 دولار.
والثاني هو عدم وجود تصريح، فالدولة الإسرائيلية لا تعترف بوجود هذه القرى، وبالتالي لا توجد مخططات هيكلية معتمدة ولا يمكن للسكان بناء ملاجئ، حتى لو كان لديهم المال.
وخلال حرب لبنان سنة 2006، كان 18 من أصل 43 مواطنًا إسرائيليًا قُتلوا من الفلسطينيين. واليوم، ومع توقعات أن يكون عدد القتلى أعلى بكثير، يبدو الوضع كما هو عليه.
المصدر: ميدل إيست آي