يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أعلنت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا“، عن مقتل سبعة أشخاص بينهم أطفال ونساء، وإصابة 11 آخرين، جراء “عدوان إسرائيلي استهدف مبنى سكنيًا في منطقة المزة بدمشق”، مع “إلحاق أضرار مادية كبيرة في الممتلكات الخاصة بالمنطقة المحيطة”.
وفي الوقت الذي لم تفدّم فيه الوكالة أيّ تفاصيل حول المبنى المُستهدف بالغارة، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز“، أن الغارة استهدفت مبنى سكنيًا يقع بالقرب من السفارة الإيرانية بحيّ المزة، في محاولة لاغتيال مسؤول كبير في “حزب الله” متورّط في تهريب الأسلحة، فيما نفت وكالة “إرنا” الإيرانية (شبه رسمية) ما سمّتها “الشائعات القائلة” بأن الغارة استهدفت مستشارين بالحرس الثوري الإيراني.
وكانت غارة إسرائيلية استهدفت جزءًا من مجمع السفارة الإيرانية في حي المزة نفسه، بغارة في أبريل/نيسان الماضي، أسفرت عن مقتل ثلاثة من كبار القادة وأربعة ضباط على الأقلّ يشرفون على العمليات السرية لإيران في الشرق الأوسط، وفق نيويورك تايمز.
انعطافة نوعية بالغارات
ومنذ بدء عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023، استهدفت غارات إسرائيلية مرارًا، مواقع سكنية في قلب العاصمة السورية دمشق، ولا سيما في حيي المزة وكفرسوسة، اللذين يحويان مقرّات لقيادات من الحرس الثوري الإيراني، ما شكّل انعطافة نوعية في طبيعة الغارات التي كانت تستهدف في السابق مراكز عسكرية أو قوافل أسلحة تابعة للحرس الثوري الإيراني بمحيط دمشق.
وفي مارس/آذار الماضي، أدّت سلسلة غارات جوّية شنتها طائرات أمريكية بمحافظة دير الزور، إلى مقتل 15 شخصًا، غالبيّتهم من الحرس الثوري الإيراني، أبرزهم مستشار إيراني برتبة عقيد.
وكان من بين القتلى في تلك الغارات مهندس مدني من دير الزور يُدعى “عماد شهاب”، الذي استهدف القصف فيلا عمّه الواقعة بحيّ الفيلات جنوب مدينة دير الزور، وأُصيب آخرون بينهم أطفال ونساء.
وقالت صفحات محلّية حينها، إن المهندس “عماد شهاب” يسكن في فيلا عمّه الطبيب “عبد المنعم شهاب”، حيث كانت ميليشيات الحرس الثوري تستخدم الجزء الأرضي من الفيلا كمقرّ اتصالات، بعد استئجارها من أصحابها.
ورغم أن الاستهدافات الأمريكية أو الإسرائيلية لمواقع أذرع الحرس الثوري الإيراني في سوريا ليست بالجديدة وتعود لسنوات، إلا أن وتيرة القصف أخذت طابعًا جديدًا بعد اندلاع الحرب في جبهة لبنان، وإدراج مواقع “حزب الله” اللبناني ضمن بنك أهداف الغارات الإسرائيلية، بالإضافة إلى استهداف قيادات تابعة للحرس الثوري الإيراني.
وخلال الأشهر الماضية، طال القصف الأمريكي أو الإسرائيلي عدّة مواقع داخل مدينة دير الزور، أبرزها شارع بورسعيد، الذي يضمّ عدة مقرات تابعة للحرس الثوري، ومنطقة “الفيلات”، القريبة من المراكز الأمنية التابعة لنظام الأسد.
ومنذ ذلك الحين، جرى تداول منشورات لصفحات محلّية تُحذّر السوريين من تأجير البيوت للفصائل الإيرانية، وتجنّب السكن عمومًا بجانب مقارّ هذه الفصائل، حفاظًا على سلامتهم.
وقالت مواقع محلية مختصة بتغطية أخبار شرق سوريا، إن الفصائل التابعة لإيران حرصت منذ طرد تنظيم داعش من دير الزور عام 2017، على شراء واستملاك واستئجار عقارات تقع بمناطق حيويّة في المدينة، عن طريق وسطاء محلّيين، وكشفت مصادر محلية لشبكة “عين الفرات” المختصّة بتغطية أخبار الشرق السوري، أن عناصر الفصائل الإيرانية زادوا من انتشارهم بين منازل المدنيين، بهدف الاختباء والتمويه وتجنّب استهداف مقراتها، مؤكدًا أن الحرس الثوري الإيراني قام بإخفاء عدد من الآليات بين منازل المدنيين في حيّ فيلات البلدية بمدينة دير الزور.
وتحرص الفصائل العراقية التابعة للحرس الثوري الإيراني على استخدام عقارات مدنية كمراكز اتصالات أو مقارّ اجتماعات، بغرض التمويه على الطائرات الحربية والمسيّرة، وأصبحت تفضّل تغيير مواقعها بين الحين والآخر، بحسب ما كشفته مصادر محلية بمدينة دير الزور لموقع “نون بوست”.
إغراءات مالية
وقالت تلك المصادر إن العديد من سكان مدينة دير الزور، باتوا مؤخّرًا يرفضون تأجير منازلهم للفصائل الإيرانية، بالرغم من تقديم تلك الأخيرة إغراءات ماليّة كبيرة تصل إلى ثلاثة أضعاف سعر الإيجار المُتعارَف عليه في المنطقة.
وكانت الأحياء القريبة من منطقة المربّع الأمني هي الخيار المُفضّل للاستئجار بالنسبة لفصائل إيران، وذلك بسبب التشديد الأمني فيها، غير أنها مؤخرًا باتت تختار منازل ومواقع في الأحياء المدمّرة مثل حيّي الحميدية والجبيلة، وفقًا للمصادر نفسها.
وفي تعليل هذه الخطوة، تقول المصادر إن السبب يعود لرغبة الميليشيات في اتخاذ المزيد من احتياطات التمويه، عبر اختيار قليلة السكان من جهة، وبعيدة عن المربع الأمني من جهة ثانية.
وتتنوع الضغوطات التي تلجأ إليها فصائل الحرس الثوري لإقناع أهالي مدينة دير الزور بتأجير عقاراتهم، بين الترغيب والترهيب، فمن جهة تدفع هذه الميليشيات مبالغ طائلة للأشخاص المُستهدفين، وبحسب مصادر “نون بوست”، فإنها تتحرّى عقاراتٍ أهلها مهجّرون أو يسكنون في محافظات ثانية، لتكون المهمّة أسهل.
وفي هذا الصدد، يقول أحمد. ن من سكان حي القصور في مدينة دير الزور لموقع “نون بوست”، إن وسطاء تابعين للمليشيات الإيرانية قدّموا إغراءات مالية له في مقابل استئجار منزله الواقع ضمن منطقة سكنية طابقية في الحي، لم تتعرض من قبل لأي استهداف من قبل إسرائيل أو التحالف الدولي.
وأضاف أحمد، الذي طلب حجب اسم العائلة، أن الوسطاء أبلغوه برغبتهم في استئجار منزله مقابل مبلغ مالي يصل إلى نحو مليوني ليرة، أي ما يعادل نحو 3 أضعاف قيمة الإيجارات المتعارف عليها في المنطقة، مشيرًا إلى أن الوسطاء التابعين للفصائل الإيرانية باتوا معروفين في الحي نظرًا لنشاطهم الواسع مؤخّرًا، في محاولة منهم لتحصيل منازل للإيجار ضمن مناطق مُعيّنة بالمدينة.
ومن جهة ثانية، تلجأ الميليشيات لتخويف الأهالي من أنّ عدم تأجير منازلهم يعني عدم تعاونهم “في محاربة الإرهاب”، وبالتالي تعريضهم للمساءلة الأمنيّة.
في هذا السياق، أشار زياد. ي من سكان الأحياء المتضررة في مدينة دير الزور إلى أن هناك نشاطًا ملحوظًا للوسطاء المقرّبين من الإيرانيين في دير الزور في حيي الحميدية والجبيلة اللذين شهدا عمليات عسكرية واسعة بين عامي 2012 و2017.
ضغوطات وترهيب
وأوضح زياد أن الفصائل الإيرانية باتت ترغب في تحصيل شقق سكنية غير مُدمّرة ضمن الحيّين، ويلجأ الوسطاء لأسلوب الترهيب ضد المعترضين، مشيرًا إلى أنه تعرّض للتهديد بالمساءلة من قبل أفرع الأمن فيما لو يوافق على التأجير، الأمر الذي دفعه للتنازل والموافقة -على مضض- بتأجير منزله.
وفي تعليقه على هذا الموضوع، قال الناشط المنحدر من دير الزور، عهد صليبي، إن الأهالي في مدينة دير الزور ليس لديهم القدرة على رفض تأجير المنازل عندما تضع الفصائل الإيرانية أو الوسطاء التابعون لها عينها عليها.
وأضاف في حديث لموقع “نون بوست”، أن الإيرانيين يستأجرون المنازل بالقوة وأحيانًا لا يدفعون الإيجار لأصحاب المنازل، مشيرًا إلى أن أغلب المنازل التي تحت سيطرتهم ليست مستأجَرة، بل يتم الاستيلاء عليها، خاصة إن كان صاحبها معارضًا أو يسكن خارج المنطقة.
وتابع “صليبي”، أن الضربة التي قُتل فيها المهندس عماد شهاب بقصف على حي القصور بدير الزور في مارس/آذار الماضي، أثارت حالة من الغضب بين الأهالي ودفعتهم إلى رفع مطالبات للجنة الأمنية والعسكرية لإخراج الإيرانيين من بين الأحياء السكنية بالمنطقة، إلا أن تلك اللجنة لم تتخذ أية إجراءات، موضحًا أن الفصائل الإيرانية لا تخرج من المنطقة إلا عندما تُضطر لذلك بفعل الضربات التي تتعرّض لها.
وفي عدة أحياء بالعاصمة دمشق تتكرر الحالة نفسها من رفض تأجير المنازل لأشخاص يُشتبه بتبعيتهم لإيران، خوفًا من حالات القصف الأخيرة في المزة وكفرسوسة.
ويقول “مازن سليمان” (اسم مستعار لرجل من سكان حي المزة، طلب حجب هويته خوفًا من الاعتقال)، إن غالبية السكان باتوا يُجمعون على رفض تأجير منازلهم لأي شخص غريب مهما كانت المبالغ المدفوعة، خوفًا من إمكانية ارتباطه بفصائل تابعة لإيران أو “حزب الله”.
ويضيف لموقع “نون بوست”، أنه في حال تعرّض صاحب الشقة لضغوطات أمنية فإنه يفضّل بيع المنزل وليس تأجيره، مع مغادرة تلك المنطقة بشكل كلّي، وتنبيه الجوار لإمكانية تعرّضهم لخطر الاستهداف في أي وقت.