في تصريح غير مسبوق، تطرق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للدور العسكري الإسرائيلي في سيناء المصرية، مؤكدا أنه لولا هذا الدور لأقام تنظيم “داعش” دولة جديدة له بسيناء.
تصريحات نتنياهو كشفها “عامي روحكس دومبا” الخبير العسكري الإسرائيلي بالموقع الإلكتروني لمجلة “يسرائيل ديفينس” العبرية، المتخصصة في الشؤون الأمنية والدفاعية، الاثنين 17 ديسمبر/كانون الأول 2018.
بحسب “دومبا” أدلى نتنياهو بتلك التصريحات قبل أيام خلال مؤتمر السفراء الإسرائيليين في دول أمريكا اللاتينية وقارتي إفريقيا وآسيا بمقر وزارة الخارجية الإسرائيلية بالقدس المحتلة.
قال الخبير الإسرائيلي :”أحد الموضوعات التي كشفها نتنياهو للمرة الأولى علانية كانت النشاطات الإسرائيلية لمنع ترسيخ وجود داعش بسيناء. يدور الحديث عن سر مكشوف، ليس جديدا، لكنهم لا يتحدثون عنه في “إسرائيل” “.
وأضاف “خلال وصفه الحرب الإسرائيلية على داعش، قال نتنياهو إن داعش والسُنة المتطرفين الذين جرى القضاء عليهم بشكل كبير في سوريا والعراق حاولوا ترسيخ وجودهم هنا في مصر”.
تصريحات نتنياهو، وهي الأولى من نوعها، جاءت لتؤكد صحة ما سبق وأوردته تقارير غربية حول قيام” إسرائيل” بعمليات قصف جوي بالتنسيق مع الجيش المصري بسيناء
وبحسب “دومبا” تابع نتنياهو قائلاً :”نحن نمنع داعش بسيناء على طريقتنا، لن أذكر تفاصيل عن ذلك. لولا أن “إسرائيل” كانت هناك، لكان تهديد داعش بإقامة دولة جديدة له بصحراء سيناء يهدد المنطقة بأسرها”.
تقارير غربية
تصريحات نتنياهو، وهي الأولى من نوعها، جاءت لتؤكد صحة ما سبق وأوردته تقارير غربية حول قيام “إسرائيل” بعمليات قصف جوي بالتنسيق مع الجيش المصري بسيناء لاستهداف مسلحين، محسوبين على تنظيم “ولاية سيناء”، الجناح المحلي لـ “داعش”.
أبرز هذه التقارير ما أوردته “نيويورك تايمز” الأمريكية، في فبراير/شباط الماضي، وقتها أكدت نقلا عن سبعة مسؤولين كبار أمريكيين وبريطانيين لم تشكف هوياتهم أن الطيران الإسرائيلي نفذ أكثر من مائة عملية قصف جوي في سيناء خلال عامين، استهدف خلالها ما وصفتهم الصحيفة بـ “الجهاديين”.
وقالت الصحيفة أن العمليات الإسرائيلية بسيناء انطلقت بموافقة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وشملت استخدام مقاتلات ومروحيات وطائرات بدون طيار، مع الحرص على عدم كشف هوياتها الإسرائيلية.
وأوضحت أن العمليات الإسرائيلية بسيناء، تزايدت في أعقاب نجاح “داعش” في قتل ما يزيد عن مائة جندي وضابط مصري، و”احتلال” مدينة الشيخ زويد في يوليو/تموز 2015، وبعد إسقاط التنظيم طائرة الركاب الروسية التي لقي ركابها الـ224 مصرعهم بعد أقل من نصف ساعة على إقلاعها من مطار شرم الشيخ في أكتوبر/تشرين أول من نفس العام.
اتخذت الطائرات الإسرائيلية مساراً التفافياً لخلق انطباع بأن قواعدها تتواجد داخل الأراضي المصرية، بحسب “نيويورك تايمز”، التي لفتت إلى أن القاهرة وتل أبيب عمدتا إلى إخفاء المشاركة الإسرائيلية في القصف الجوي على سيناء، خوفاً من ردود أفعال داخل مصر.
رغم المساعدات العسكرية الإسرائيلية لمصر، بدت مؤخرا حالة من التململ والاستياء على الجانب الإسرائيلي من أداء الجيش المصري في مواجهة “داعش” بسيناء
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين أن السيسي باح بحقيقة الهجمات الإسرائيلية لدائرة صغيرة للغاية من قادة الجيش والمخابرات في مصر، مؤكدين أن الطيران الإسرائيلي لعب دوراً “حاسماً”، سمح للجيش المصري باستعادة مواقعه التي سيطر عليها مقاتلو التنظيم.
“داعش” يؤكد
في مايو/آيار الماضي، قدم تنظيم “ولاية سيناء” ما اعتبره دليلاً على تنفيذ “إسرائيل” هجمات في سيناء، وتناقلت وسائل إعلام إسرائيلية مقطع فيديو بثته وكالة “أعماق” التابعة للتنظيم يظهر أحد مقاتليه وهو يعرض بقايا صاروخ قال إن “إسرائيل” أطلقته على سيارة ظهرت خلفه محترقة تماماً.
وقالت القناة السابعة في التلفزيون الإسرائيلي “عاروتس شيفع” آنذاك :”فيديو نادر لأحد مخربي التنظيم (داعش)، يعرض بقايا صاروخ قال إنه أطلق على يد طائرة تابعة لسلاح الطيران الإسرائيلي”.
وأضافت “يزعم (المقاتل التابع لداعش) أيضا أن “إسرائيل” تقصف باستمرار وبشكل يومي سيناء، بناء على طلب الرئيس المصري السيسي”.
“فشل” مصري واستياء إسرائيلي
مع ذلك ورغم المساعدات العسكرية الإسرائيلية لمصر، بدت مؤخرا حالة من التململ والاستياء على الجانب الإسرائيلي من أداء الجيش المصري في مواجهة “داعش” بسيناء.
هذا الاستياء عبر عنه المحلل العسكري لصحيفة “معاريف” العبرية “يوسي ميلمان” في تحليل له بتاريخ 1 ديسمبر/كانون أول 2018 تحت عنوان “الفشل المصري: خيبة أمل في الجيش والمخابرات الإسرائيلية من أداء الجيش المصري بسيناء”.
قال المحلل العسكري لصحيفة “معاريف” العبرية “يوسي ميلمان” “أن الهجمات التي نفذها الإرهابيون تراجعت بشكل كبير، وفي بداية الصيف الماضي، بدا أن تقديرات المسؤولين بالمخابرات الإسرائيلية سوف تتحقق”
يقول “ميلمان” القريب من الدوائر الأمنية في تل أبيب :”في منظومة الأمن الإسرائيلية، وخاصة بجهاز المخابرات، هناك حالة من خيبة الأمل من عدم قدرة الجيش المصري على هزيمة داعش بشبه جزيرة سيناء”.
ويمضي موضحاً :”خيبة الأمل مردها في الأساس حقيقة أنه وبالرغم من أن الجيش وأجهزة المخابرات المصرية تحظى في السنوات الأخيرة بمساعدات كبيرة من عناصر مخابرات غربية، وإسرائيلية أيضا، وفقا لتقارير أجنبية، فإنهم غير قادرين على تنفيذ المهمة”.
ويتابع “ميلمان”:مطلع العام الجاري سمعت من عدد من قادة المخابرات الإسرائيلية تقديرات مفادها أن مصر سوف تبيد في نهاية 2018 وباء الإرهاب بسيناء. لكن هذا لن يحدث على ما يبدو. حقق نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي هذا العام إنجازات كبيرة في الحرب على خلايا داعش، التي تتمركز تحديدا بشمال سيناء، في المنطقة الواقعة بين رفح والشيخ زويد والعريش”.
“تراجعت الهجمات التي نفذها الإرهابيون بشكل كبير، وفي بداية الصيف الماضي، بدا أن تقديرات المسؤولين بالمخابرات الإسرائيلية سوف تتحقق”، يواصل “ميلمان”.
ويزيد المحلل الإسرائيلي :”تعزز هذا الشعور، بعدما اعتقلت قوات الجنرال خليفة حفتر، حاكم الشرق الليبي، وسلمت لمصر هشام العشماوي، الذي يعتبر أحد أخطر الإرهابيين الذين نشطوا خلال السنوات الأخيرة في البلاد”.
“كان العشماوي”، والحديث لميلمان “ضابطاً كبيراً بالقوات الخاصة بالجيش المصري، حتى انشق عنه في 2012 وانضم لـ “أنصار بيت المقدس”، الذي نشط بسيناء. كان التنظيم ذو الطابع الجهادي، مسؤولا عن معظم الهجمات بسيناء، كما نفذ عدة هجمات داخل مصر نفسها”.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، وعندما كان تنظيم “الدولة الإسلامية” في ذروة قوته، وسيطر على مناطق واسعة في سوريا والعراق، بايع قادة “أنصار بيت المقدس”، زعيمه “الخليفة” أبو بكر البغدادي، وغير التنظيم اسمه ليصبح “ولاية سيناء”.
يقول المحلل العسكري الإسرائيلي “يوسي ميلمان” :”في أعقاب الهجوم، أعلن الرئيس السيسي (مرة أخرى) عن حرب شاملة ضد التنظيم الإرهابي. ووجه الرئيس أجهزة المخابرات المصرية بأن تفعل كل ما هو ممكن للقضاء على مجموعة ولاية سيناء.
“إلى أن تم اعتقاله وتسليمه إلى مصر، كان العشماوي يعتبر المخطط الأكثر جرأة لهجمات سيناء الإرهابية، الموجه ضد قوات الأمن المصرية والمدنيين. لقد تُرجمت تجربته العسكرية الواسعة إلى عمليات إرهابية شديدة التعقيد. كان التنظيم على وشك اغتيال وزير الدفاع المصري خلال زيارة لسيناء. أصاب الصاروخ طائرته المروحية التي كانت على الأرض، بعد هبوطها بقليل. كانت أكثر الهجمات المروعة التي خطط لها العشماوي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، عندما قتل الإرهابيون حوالي 300 مصلي في صلاة الجمعة بمسجد بئر العبد في شمال سيناء”، يواصل “ميلمان”.
ويقول المحلل العسكري الإسرائيلي :”في أعقاب الهجوم، أعلن الرئيس السيسي (مرة أخرى) عن حرب شاملة ضد التنظيم الإرهابي. ووجه الرئيس أجهزة المخابرات المصرية بأن تفعل كل ما هو ممكن للقضاء على مجموعة ولاية سيناء. كلف السيسي جهازي مخابرات بهذه المهمة: المخابرات العامة برئاسة اللواء عباس كامل، الذي التقى بنظرائه في “إسرائيل”، والمخابرات العسكرية بقيادة اللواء محمد الشحات، وكلا الرجلين معروفان جيدا لقادة الجيش الإسرائيلي وأجهزة المخابرات الإسرائيلية”.
ويمضي “ميلمان” قائلاً :” (عباس) كامل أيضا كان ضالعاً وبشدة في مساعدة “إسرائيل” للتوصل إلى هدنة والترتيب لاتفاق طويل المدى مع حماس. كما يعمل على التوصل إلى اتفاق مصالحة بين حماس والسلطة الفلسطينية، والذي سيؤدي بالتأكيد إلى اتفاق مع “إسرائيل” ويؤمن لها بضع سنوات من الهدوء في الجنوب”.
“عقب توجيهات الرئيس شمر جهازا الاستخبارات عن سواعدهم، وكان معهما الجيش أكثر تصميما بل قسوة. وكان واضحاً أن قوات الأمن المصرية تحقق إنجازات جيدة في الحرب. فقد قاموا بتحسين قدراتهم على جمع المعلومات الاستخبارية، وتمكنوا من غرس عملاء داخل الشبكات الإرهابية، وبموافقة “إسرائيل” أدخلوا المزيد من قوات التعزيز لسيناء”.
يقول “ميلمان” إن لدى “إسرائيل” الكثير من الأسباب “الوجيهة” لمساعدة مصر في إبادة الإرهاب بسيناء، أولها أن “مصر حليف استراتيجي ومحور مهم فيما يسميه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو “التحالف السني”
ويرى “ميلمان” أن الجهد العسكري المصري بسيناء جاء في هذه المرحلة مدعوما بأجهزة المخابرات الأمريكية (CIA و NSA)، والفرنسية والـ MI6 البريطانية، وBND الألمانية، وكذلك وفق تقارير أجنبية، الإسرائيلية، ممثلة في المخابرات العسكرية “أمان” وجهاز الأمن العام “الشاباك”، الذي قال إنه يدير فرقة خاصة بسيناء، فضلا عن الموساد والطيران الإسرائيلي.
وأشار المحلل الإسرائيلي إلى تقرير لـ “إنتلجنس أونلاين”، وهي مجلة دورية فرنسية معنية بشؤون الاستخبارات، صدر في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 تحت عنوان “رغم المساعدات الإسرائيلية الهائلة، لا تزال مصر تجد صعوبة بسيناء”، والذي قال إن هناك ما لا يقل عن ألفي جهادي لا زالوا ينشطون بسيناء.
وجاء في التقرير الفرنسي :”على مدى ثلاث سنوات، عملت أجهزة المخابرات الإسرائيلية بأسرها بما فيها الموساد والوحدة 8200 التابعة لـ “أمان”، جاهدةً من أجل مساعدة نظرائهم المصريين”.
وقال المصدر ذاته “وفرت 8200 جزءاً كبيراً من اعتراض الرسائل بسيناء. وطلبت مصر بقوة من الطيران الإسرائيلي، بما في ذلك الطائرات بدون طيار، ضرب أهداف تابعة للجهاديين بشماء سيناء”.
ويعلق “ميلمان” قائلاً “لكن وخلال الشهور الأخيرة طغى الواقع على الجهد المصري، الذي جاء متبوعاً بمحاولات توفير العمل للبدو وتقليص الإغراءات المادية التي يتعرضون لها من أجل الانضمام لدائرة الإرهاب. لكن على ما يبدو لم يتم القيام بما يكفي، ما زالت سيناء تعج بالإرهاب”.
لماذا تساعد “إسرائيل” مصر بسيناء؟
يقول “ميلمان” إن لدى “إسرائيل” الكثير من الأسباب “الوجيهة” لمساعدة مصر في إبادة الإرهاب بسيناء، أولها أن “مصر حليف استراتيجي ومحور مهم فيما يسميه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو “التحالف السني”، والذي يهدف لإيجاد مجموعة دول تحاول الحد من نفوذ إيران في الشرق الأوسط وإضعافه”.
يقول المحلل العسكري أن السبب الثاني يكمن في مساعدة “إسرائيل” مصر بسيناء في “رغبة “إسرائيل” في الحفاظ على الهدوء على طول حدودها الطويلة مع مصر، وإقامة علاقات جوار جيدة
ويتابع “في إطار التحالف السني، تجرى اتصالات، معظمها سرية، لكن القليل منها علني، مع دول عربية أخرى بما فيها الأردن، وبحسب تقارير أجنبية، أيضا مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين والسودان. ووفقا للتقارير ذاتها، تُمكن هذه الاتصالات شركات التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية (هاي تك) وشركات الحرب الالكترونية والأسلحة من بيع أجهزتها إلى بعض البلدان، مثل برامج التتبع الاستخباراتية والطائرات بدون طيار وغيرها”.
ويكمن السبب الثاني في مساعدة “إسرائيل” مصر بسيناء في “رغبة “إسرائيل” في الحفاظ على الهدوء على طول حدودها الطويلة مع مصر، وإقامة علاقات جوار جيدة. قبل بضعة سنوات كانت الحدود مخترقة من خلال هجمات إرهابيين من حماس أو جهاديين جاءوا من سيناء، ومن خلال تهريب المخدرات (لا تزال مستمرة من وقت إلى آخر) والاتجار بالبشر: النساء، والمهاجرين الباحثين عن عمل وطالبي اللجوء من إفريقيا”.
فيما يزعم “ميلمان” أن السبب الثالث يتمثل في وقف تزويد التنظيمات الجهادية بسيناء لحركة حماس بالسلاح في قطاع غزة عبر الأنفاق، التي دمر الجيش المصري معظمها لاحقاً.