في عام 1998، وأثناء عمليات التنقيب الأثري في مدينة “زيوجما” الأثرية، التابعة لولاية غازي عنتاب بجنوب تركيا، وبمحض الصدفة، اكتشف فريق التنقيب الأثري، برئاسة الأكاديمي التركي رفعت أرجيتش، لوحة فسيفساء من العهد الروماني، بعد إزالة بعض الأعمدة المتراكمة عليها، وسُمّيت بـ”الفتاة الغجرية”.
أطلق علماء الآثار هذا الاسم على اللوحة، لاعتقادهم أنها تمثل الغجر، بضفائر شعرها وملامح وجهها ونظرتها، وقد أطلق عليها بعضهم “الموناليزا التركية”. تابع الإعلام التركي خبر اكتشافها بكثير من الاهتمام، ويرجع ذلك إلى أن تاريخ اللوحة يمتد إلى القرن الثاني والثالث قبل الميلاد، لكن الفرحة التركية لم تكتمل آنذاك، بعدما اكتشفوا أن عددا غير قليل من أجزاء اللوحة مفقود.
وبعد تحريات عديدة أجرتها السلطات التركية، توصلوا إلى أن 12 قطعة من لوحة الفتاة الغجرية، سُرقت وتم تهريبها إلى الولايات المتحدة في بداية ستينيات القرن الماضي، أثناء عمليات التنقيب والتهريب غير الشرعية آنذاك.
اللوحة قبل مرحلة أكمالها
استمرت الأبحاث والتحريات بحق “الفتاة الغجرية” حتى توصلوا إلى أن القطع الـ12 تم بيعها إلى جامعة “بولينغ غرين” بولاية أوهايو الأمريكية، وأن القطع هي نفسها المفقودة من لوحة الفتاة الغجرية. وقالت الجامعة وقتها إنها حصلت على هذه القطع عام 1965، لكنها لم تكن تعلم مصدرها قبل الحصول عليها.
في الـ27 من نوفمبر/ تشرين الثاني، وصلت القطع الـ12 بالفعل إلى اسطنبول، وأُرسلت في اليوم التالي إلى غازي عنتاب، ووضعت في متحف “زيوجما” للفسيفساء، ويطلق زوار المتحف على لوحة الفتاة الغجرية لقب “أميرة المتحف”.
وبحسب جريدة “خبر ترك” فإن تاجر الآثار بيتر ماكس قد باعها بقيمة 35 ألف دولار إلى الجامعة. فقامت وزارة الثقافة والسياحة التركية، بتكليف رئيس فريق التنقيب في مدينة “زيوجما” الأثرية، بإجراء تدقيق حول الأمر وإعداد تقرير حوله.
وبناء على التقرير الذي تم إعداده، ونظرا للتأكد من أن الأجزاء المفقودة من اللوحة تتطابق مع القطع الأثرية التي لدى الجامعة، تقدمت وزارة الثقافة والسياحة التركية بطلب رسمي إلى الولايات المتحدة لإعادة القطع المفقودة. وبعد مباحثات طويلة بين أنقرة والولايات المتحدة، تم توقيع اتفاقية في منتصف شهر مايو/ أيار الماضي، تنص على إعادة القطع المفقودة إلى تركيا.
وفي الـ27 من نوفمبر/ تشرين الثاني، وصلت القطع الـ12 بالفعل إلى اسطنبول، وأُرسلت في اليوم التالي إلى غازي عنتاب، ووضعت في متحف “زيوجما” للفسيفساء، ويطلق زوار المتحف على لوحة الفتاة الغجرية لقب “أميرة المتحف”.
تاريخ مدينة “زيوجما”
من المعلوم أن منطقة الأناضول واحدة من أغنى المناطق التي تعاقبت عليها الحضارات المختلفة، وبحسب ما ذكرت مجلة متحف “زويجما” عن التاريخ القديم للمدينة، فإن واحدا من جنود جيش الإسكندر الأكبر، قام بتشييد مدينتين صغيرتين باسمه واسم زوجته، على ضفاف نهر الفرات، وربط بينهما بجسر كبير.
أصبحا فيما بعد مدينة واحدة، وصارت تابعة للإمبراطورية الرومانية، وأثناء حروبها مع الإمبراطورية الساسانية تم احتلال المدينة ونهبها ثم حرقها، وبقي جزء كبير من المدينة تحت الماء.
ومنذ عام 1987 أمرت الحكومة التركية، ببدء عمليات التنقيب عن الآثار في مدينة “زويجما”، تحت إشراف مدير المتاحف التركية، وعُثر بالفعل على قطع أثرية لمنازل وقصور زُيّنت جدرانها وأرضها بالفسيفساء، بالإضافة إلى عدد كبير من قطع الفسيفساء الأثرية. وفي عام 2011 تم افتتاح أحد أكبر متاحف الفسيفساء حول العالم في مدينة زويجما الأثرية. وقد انتزع متحف “زويجما” لقب “أكبر متحف فسيفساء في العالم” من متحف باردو في تونس عام 2013، ونال جائزة “رئاسة الجمهورية للثقافة والفن”.
لم يكن للدولة العثمانية حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أيّة قوانين تخص الآثار
وإلى جانب اللوحات الفسيفسائية التي تتجاوز مساحتها 2700 متر مربع، يضم المتحف أيضا جدارية أخرى بطول 150 مترا مربعا، وتمثالا لإله الحرب عند الرومان، وحوالي 140 مترا مربعا من التصاوير الحصيّة، والعديد من تماثيل الحجر الكلسي، ونوافير ماء وقبور تعود إلى العهد الروماني، و20 عمودا أثريا. وتبلغ مساحة صالات العرض نحو 7 آلاف متر مربع، موزعة على ثلاثة طوابق. وقد أصبح متحف فسيفساء زيوجما، بعد ثلاث سنوات من افتتاحه، رمزا لولاية غازي عنتاب.
قانون “الآثار العتيقة” العثماني
لم يكن للدولة العثمانية حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أيّة قوانين تخص الآثار، ووفق المؤرخة التركية نعمات باركوك، تم إصدار أول قانون يتعلق بالآثار عام 1874، باسم “الآثار العتيقة” وتتضمن 36 مادة، لكن هذا القانون لم يحسم مسائل عديدة من شأنها الحفاظ على الآثار داخل الإمبراطورية العثمانية، وعلى رأسها مسألة نقل هذه الآثار خارج الإمبراطورية.
بعد عودة الرسّام وعالم الآثار العثماني الشهير عثمان حمدي بيك من دراسته في باريس بمنتصف سبعينيات القرن التاسع عشر، أُسندت إليه مناصب إدارية عديدة، من بينها الإشراف على تطوير نصوص قانون القديم، إلى جانب تأسيسه متحف اسطنبول الأثري. وقد وضع محاربة سرقة وتهريب الآثار على رأس أولوياته. وفي عام 1883 بدأ في العمل على قانون جديد لحماية الآثار، وتم تصديقه في العام التالي، وهو القانون الذي يُعمل به في تركيا حتى الآن.