بإجمالي 1.1 تريليون ريال (295 مليار دولار)، بزيادة 13% عن تقديرات 2018، البالغة 978 مليار ريال (260.8 مليار دولار) أعلنت السعودية عن ميزانية 2019 التي تعد الأكبر في تاريخها، وفقًا للبيان الصادر عن وزارة المالية السعودية أمس الثلاثاء.
البيان كشف عن زيادة مخصصات المبالغ المخصصة لمبادرات برامج تحقيق رؤية المملكة 2030 والمقدرة بمبلغ36.66 مليار ريال، فيما قدرت الحكومة إيرادات 2019 بقيمة 975 مليار ريال (260 مليار دولار)، بزيادة 25% عن تقديرات العام الجاري البالغة 783 مليار ريال (208.8 مليار دولار).
يأتي الإعلان عن ميزانية بهذا الحجم الهائل في وقت تعاني فيه المملكة من ضغوط داخلية وخارجية، جرًاء الفشل في إدارة بعض الملفات على رأسها مقتل الصحفي جمال خاشقجي والانتهاكات الممارسة في حرب اليمن، وهو التزامن الذي دفع البعض إلى الربط بينهما.
تضمنت الميزانية الجديدة وفق الأرقام المعلنة بعض التفاصيل التي أثارت الكثير من التساؤلات لاسيما حول قدرتها على سد العجز المستمر طيلة الأعوام الأربع الأخيرة، إضافة إلى ما تحمله من مؤشرات لمغازلة السعوديين في أعقاب حزمة الإجراءات التقشفية التي تم اتخاذها مؤخرًا والتي أثرت بشكل كبير على الحياة المعيشية للكثير منهم.
الأعلى في تاريخ السعودية
تميزت ميزانية هذا العام بتعزيز مخصصات البنية التحتية، والتي احتلت مرتبة متقدمة في قائمة الإنفاقات ، حيث ذكر البيان تنفيذ طرق رئيسة وثانوية وفرعية واستكمال للطرق القائمة والبدء في تنفيذ بعض الطرق المحورية ليبلغ إجمالي أطوال الطرق التي سيتم استكمالها خال العام 2019 م ما يقارب 3000 كيلو متر ليبلغ إجمالي أطوال الطرق الداخلة في الخدمة نحو 68261 كيلو متر.
يليها قطاع الموارد الاقتصادية والذي شهد هو الآخر ارتفاعا بنسبة 24% ليبلغ إجمالي المخصص له 131 مليار ريال، خلال 2019، مقابل 106 مليار ريال في الميزانية المتوقعة لعام 2018، إذ تضمنت المبالغ المخصصة للمشاريع الكبرى ومشاريع ومبادرات برامج تحقيق رؤية المملكة 2030 والمقدرة بمبلغ 71.0 مليار ريال.
أظهرت وثيقة صادرة عن وزارة المالية، بلوغ العجز في ميزانية العام الحالي نحو 131 مليار ريال (35 مليار دولار)
كما خُصص لقطاع التعليم النصيب الأكبر من إجمالي الإنفاق على القطاعات بقيمة 193 مليار ريال، بما نسبته 17% من إجمالي الميزانية، فيما جاء القطاع العسكري في المرتبة الثانية بقيمة 191مليار ريال بنسبة 16.9% من إجمالي الميزانية، لتصل نسبة التعليم والقطاع العسكري وحدهما قرابة 35% من الميزانية وهو رقم لم تشهده المملكة قبل ذلك.
أما قطاعي الصحة والتنمية الاجتماعية فقد استحوذا على 172 مليار ريال، وتضمنت المبالغ المخصصة لمبادرات برامج تحقيق رؤية المملكة2030 ، والمقدرة بمبلغ 47.7 مليار ريال، وتضمنت الميزانية استكمال إنشاء وتجهيز مستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية بجميع مناطق المملكة.
الإيرادات والمصروفات والعجز للسنة المالية 1440 / 1441هـ.#ميزانية_السعودية_2019#واس pic.twitter.com/IMngiye62U
— واس الأخبار الملكية (@spagov) December 18, 2018
35 مليار دولار عجز
للعام الخامس على التوالي، أظهرت وثيقة صادرة عن وزارة المالية، بلوغ العجز في ميزانية العام الحالي نحو 131 مليار ريال (35 مليار دولار)، بنسبة أقل 41% عن 2017، ويمثل 4.6% من الناتج المحلي، وإن تراجع عن تقديرات 2018 البالغة 195 مليار ريال (52 مليار دولار).
وكانت الوزارة قد كشفت عن وصول العجز في الموازنة العامة في الربع الأول من 2018 قرابة 34.3 مليار ريال (9.15 مليار دولار) بما يعادل نحو 18% من إجمالي عجز الميزانية المتوقع هذا العام بما قيمته 7.3% من الناتج المحلي الإجمالي، هذا في الوقت الذي تشير فيه التقديرات الدولية إلى ترجيح انكماش الاقتصاد السعودي هذا العام، للمرة الأولى في ثماني سنوات، متأثرًا بتأرجح أسعار النفط وسياسات التقشف التي تضر بنمو القطاع الخاص
الحكومة قدرت إيرادات 2019 بقيمة 975 مليار ريال (260 مليار دولار)، بزيادة 25% عن تقديرات العام الجاري البالغة 783 مليار ريال (208.8 مليار دولار)، فيما توقعت ارتفاع الدين العام بنهاية 2018 إلى 560 مليار ريال (149.3 مليار دولار)، بما نسبته 19.1% من الناتج المحلي، مقابل 443 مليار ريال (118.13 مليار دولار) تشكل 17.2% من ناتج 2017.
البعض ذهب إلى أن هناك نوع من مغازلة السعوديين عبر الأرقام المعلنة، خاصة بعد تردي الأوضاع الداخلية جرًاء السياسة الإصلاحية المتبعة
مغازلة السعوديين
الملفت للنظر في ميزانية العام القادم زيادة الإنفاق الحكومي بما يزيد على 7% العام القادم في مسعى قالت وزارة المالية عنه إنه لتحفيز النمو الاقتصادي المتضرر بفعل انخفاض أسعار النفط، خاصة وأن الكثير من القطاعات الداخلية تعرضت لهزات عنيفة دفعت بعضها إلى تكبد خسائر فادحة.
وبحسب بيانات الحكومة السعودية فإن النفقات التشغيلية للعام 2019 قدرت بـنحو 860 مليــار ريــال أي 77.8% من إجمالي النفقات، مرتفعة بنحو 4.2% عن النفقات التشغيلية في العام الحالي، وذلك بزيادة الإنفاق على برنامج حساب المواطن المخصص لحمايــة الأســر الســعودية المســتحقة للدعــم مــن الأثــر المباشــر وغيــر المباشــر المتوقــع مــن الإصلاحــات الاقتصاديــة المختلفــة، والتــي قــد تتســبب بعــبء إضافــي علــى بعــض فئــات المجتمــع.
البعض ذهب إلى أن هناك نوع من مغازلة السعوديين عبر الأرقام المعلنة، خاصة بعد تردي الأوضاع الداخلية جرًاء السياسة الإصلاحية المتبعة، إذ تضمنت الميزانية تعزيز باب باب تعويضات العاملين في الدولة بما قيمته 53% من إجمالي النفقات التشغيلية، و41.2% من إجمالي النفقات، ليصل إلى حوالي 456 مليار ريال، بحسب الخبيرة الاقتصادية الدكتورة هدى الملاح، رئيس وحدة الاقتصاد بمركز الفارابي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة
تزامنا مع الإعلان عن الميزانية الجديدة، وتماشيًا مع منهجية المغازلة الداخلية، أصدر العاهل السعودي أمرًا ملكيًا باستمرار صرف بدل غلاء المعيشة للموظفين
أخرون أشاروا إلى أن الوضع الحرج الذي يحياه النظام السعودي الحاكم لاسيما ولي العهد في أعقاب الضغوط الدولية الممارسة بشأن ما أثير حول تورطه في مقتل جمال خاشقجي فضلا عن حرب اليمن، تسبب في تراجع شعبيته داخليًا، ومن ثم تأتي مثل هذه الإجراءات في إطار استرضاء الشعب السعودي في محاولة لاستعادة الشعبية المفقودة مؤخرًا.
تداعيات سلبية للإجراءات الإصلاحية على الأوضاع المعيشية للسعوديين
وفي سياق متصل فإن المغازلة لم تقتصر على العاملين بالقطاع الحكومي وفقط، إذ تم اعتماد خطة تحفيز للقطاع الخاص أيضًا وتخصيص 200 مليار ريال لها على المدى المتوسط، حيث تهدف الخطة إلى تحفيز الاقتصاد وتعزيز ثقة القطاع الخاص، وطمأنة العاملين به وفق عدد من الاستراتيجيات التي سيتم الإعلان عنها.
تزامنا مع الإعلان عن الميزانية الجديدة، وتماشيًا مع منهجية المغازلة الداخلية، أصدر العاهل السعودي أمرًا ملكيًا باستمرار صرف بدل غلاء المعيشة للموظفين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين والضمان الاجتماعي والطلاب والطالبات لمدة عام مالي واحد.
الأمر يشمل صرف بدل الغلاء الشهري والمقدر بنحو (1000 ) ألف ريال للمواطنين من الموظفين المدنيين والعسكريين ، وبدل غلاء المعيشة للمعاش التقاعدي الذي يصرف للمستفيدين من المؤسسة العامة للتقاعد، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية من المواطنين بمبلغ (500) خمسمائة ريال، فيما تقرر زيادة مكافأة الطلاب والطالبات من المواطنين بنسبة (10 %).
يذكر أنه وفي سبتمبر 2016 أصدر العاهل السعودي عددًا من الأوامر الملكية تضمنت حزمة من الإجراءات التقشفية منها عدم منح العلاوة السنوية في العام الهجري 1438 هـ، خفض الحد الأعلى لبدل ساعات العمل الإضافي إلى 25% من الراتب الأساسي في الأيام العادية، وإلى 50% في أيام العطلات الرسمية والأعياد، إضافة إلى خفض مكافأة عضو مجلس الشوري 15%، وخفض الإعانة السنوية التي تصرف لأعضاء المجلس لأغراض السكن بنسبة 15%، وهو ما أثار حينها حالة من الجدل داخل الشارع السعودي.
ورغم أنها الأكبر في تاريخ المملكة، وبعيدًا عن تصاعد معدلات الديون الخارجية، وترجيح التقديرات الدولية لاحتمالية زيادة انكماش الاقتصاد السعودي خلال السنوات القادمة، غير أن السؤال الذي يفرض نفسه الآن: هل تنجح ميزانية العام القادم من تقليل حجم العجز المستمر للعام الخامس على التوالي؟