تلاحق نظرات المارة والركاب ممدوح، الموظف الحكومي البالغ من العمر40 عامًا، من بداية خروجه من المنزل، وتتبعته الهمسات والألفاظ المسيئة في طريقه للعمل، وفي كثير من الأحيان يطلب منه السائق أن يدفع ثمن كرسيين في الميكروباص، بسبب وزنه الزائد الذي يؤثر على ممارسته الحياة بشكل طبيعي، وفي كل مرة يتعرض لهذه السخرية، يقرر أن يتخلص من معاناته لكنه لا يكمل مسيرته.
وكما يفعل الكثيرون مع ممدوح – الذي يتخطى وزنه 120 كليو غرامًا- كل يوم، ينتقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي السمنة عند المصريين ويتهكم على المصابين بها، فخلال افتتاحه عدد من المشروعات القومية، يوم السبت الماضي، تطرّق السيسي إلى مسألة السمنة والكسل وقلة الحركة لدى المصريين، قال السيسي إن 25% من أوزان المصريين لديهم أوزان طبيعية والباقي يعاني من السمنة وزيادة الوزن، مضيفًا: “كل واحد عايز يعرف هو فين، يشوف بطنه أد إيه”.
وقبل نحو شهر، انتقد السيسي أوزان طلاب الجامعات خلال فعاليات النسخة الثانية من منتدى شباب العالم الذي أقيم مطلع نوفمبر الماضي بمدينة شرم الشيخ، مطالبًا المجتمع ككل ومؤسسات الدولة بالعمل لحل مشكلة البدانة، وقال: “أنا شايف الأولاد والبنات في الجامعة وزنهم زيادة”، مطالبًا الطلاب أن يظهروا كأنهم مرسومين ليشير إليهم الناس بالبنان”.
متلازمة السيسي والسمنة
خلال الجلسة الافتتاحية لنتائج المسح الطبي للمرحلة الأولى لمبادرة “100 مليون صحة” لعلاج “فيروس سي” والأمراض غير السارية، عرضت وزيرة الصحة ملخص ما توصلت إليه الدولة في المبادرة من نتائج المسح الطبي، وكان حوالي 7 مليون نسمة مصابين بالسمنة من بين 17 مليون مواطن شملهم المسح، ما دعا السيسي للإمساك بالميكرفون والخروج عن النص كعادته.
الكوليسترول والسكر والتليف الكبدي والروماتيزم وعدم القدرة على الحركة ليست أمراض أكل فقط، لكنها أيضًا “أمراض جوع وفقر
مع كل حديث أو ظهور للسيسي، يندلع جدل بين المصريين حول خطب الرئيس وأسلوبه في الحوار، وقد توقف كثيرون عند تصريحات السيسي التي تحدث فيها عن السمنة وأوزان الشباب والمصريين بطريقة عابرة، من دون التطرق إلى أسباب تلك السمنة وعلاقتها بالأمراض المجتمعية والاقتصادية في إطار المنظومة الصحية والسياسية عمومًا، وهو الأمر الذي يستوجب التوقف عنده.
تلقف السيسي تقرير وزيرة الصحة بمعنى سطحي، وفسر وجود السمنة بكثرة الأكل وتوفره وسهولة الحصول عليه، كما يقول الدكتور محمود زكريا أستاذ جراحات السمنة والسكر بجامعة عين شمس، مضيفًا: “السمنة مرض الفقراء، حيث يضطرون لأكل ما يسد جوعهم، وهو كل زاد حجمه وقل ثمنه، دون النظر إلى قيمته الغذائية”.
#السيسي والمهرجانات اقصد المؤتمرات؛كل يوم مؤتمر
خلص اللف بره البلد واشتغل مؤتمرات ؛بيتعب!!
المهم اي كلام يشغل به الناس ؛هذا ثاني مؤتمر يذكر فيه السمنة المفرطة!
والناس أصلاً مش لاقية تأكل ، يظهر ان قعدته في وسط احفاده وأصحابهم الهموه بهذة الفكرة..#سترة_خضرة_لمصر #سمية_الجنايني— سمية الجناينى (@somayyaganainy) December 15, 2018
وفي حديثه لنون بوست، يقول زكريا إن الكوليسترول والسكر والتليف الكبدي والروماتيزم وعدم القدرة على الحركة ليست أمراض أكل فقط، لكنها أيضًا “أمراض جوع وفقر”، فمعدلات السمنة تتزايد في المجتمعات الفقيرة لاضطرار الفقراء لسد الجوع بالأطعمة الرديئة ونقص الألياف والفاكهة.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، يشير سوء التغذية إلى النقص أو الزيادة أو عدم التوازن في مدخول الطاقة أو المغذيات لدى الشخص، ويشمل مصطلح سوء التغذية 3 مجموعات واسعة النطاق من الحالات الصحي، وهي: نقص التغذية، وسوء التغذية المتعلق بالمغذيات الدقيقة، وفرط الوزن والسمنة والأمراض غير السارية المرتبطة بالنظام الغذائي (مثل أمراض القلب والسكتة الدماغية وداء السكري وبعض السرطانات(.
وفضلاً عن الربط بين السمنة والجينات الموروثة من العائلة، يحصر البعض أمراض السمنة في الفئة فوق المتوسطة والقادرة على إلى شراء الوجبات السريعة بصفة مستمرة مما يؤدي مع استمرار الوقت إلى السمنة، فضلاً عن عدم الحركة وعدم ممارسة الرياضة بصفة دورية.
لكن ليس هذا هو السبب الكافي في رأي الدكتورة مي كامل مطر رئيس قسم التغذية بالمعهد القومي للتغذية، والتي قالت لـ”نون بوست” إن الفقراء لا يستطيعون الحصول على هذه الوجبات، مضيفةً أن مصدر السمنة عند المصريين هي الأكل غير الصحي مثل النشويات التي لا تزيد عن مجرد “حشو بطن”.
خبيرة التغذية الدكتور إيمان الجابري ترجع ارتفاع نسب البدانة المفرطة لسوء التغذية وليس دائمًا كثرة الغذاء الذي يتناوله الفرد
وتدفع المشاكل التي يواجهها مرضى السمنة المفرطة لاتخاذ قرار إنقاص الوزن عشرات المرات سواء عن طريق اتباع حمية غذائية أو ممارسة الرياضة، وأخيرًا إجراء عمليات جراحية لتكميم أو تقليص المعدة، لكن مثل هذه الممارسات عالية التكلفة بالنسبة لكثير ممن يعانون من السمنة المفرطة.
“الأغنياء فقط هم من يستطيعون ضبط جسمهم بطريقة صحية لأن النظام الغذائي “الريجيم” مكلف جدًا”، تقول إسراء، وهي طالبة جامعية، في حديثها لـ”نون بوست”، فقد “حاولت اتباع أنواعًا مختلفة من الأنظمة الغذائية التي وصفها لها أكثر من دكتور أو حصلت عليها من الإنترنت، لكنها في كل مرة تتوقف عن إكمال طريق التخلص من البدانة بسبب التكلفة العالية للأغذية المطلوبة”.
ماذا عن سوء التغذية؟
بالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية المتردية وغلاء أسعار الغذاء في مصر، تبدو مؤشرات ارتفاع نسب السمنة بين المصريين غير مفهومة، لكن خبيرة التغذية الدكتور إيمان الجابري، في حديثها لـ”نون بوست” ترجع ارتفاع نسب البدانة المفرطة لسوء التغذية وليس دائمًا كثرة الغذاء الذي يتناوله الفرد.
يمكن ملاحظة “العبء المزدوج لسوء التغذية” في ظل حالات نقص التغذية إلى جانب زيادة الوزن والسمنة أو العيوب المرتبطة بالنظام الغذائي لدى الأفراد
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن فرط الوزن والسمنة والأمراض غير السارية المرتبطة بالنظام الغذائي، واحدة من مسببات سوء التغذية، حيث ترتبط نسبة 45% تقريبًا من وفيات الأطفال دون سن الخامسة بنقص التغذية، ويحدث معظم هذه الوفيات في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وفي الوقت ذاته، تتزايد نسبة فرط الوزن والسمنة بين الأطفال في هذه البلدان نفسها.
لكن هذا لا ينفي ارتباط السمنة في بعض الحالات بالمستوى المعيشي، فبحسب محمد أبو الغيط، سكرتير الجمعية الطبية المصرية لدراسة السمنة، يحدد دخل الفرد مستوى ونسبة الطعام الذي يقوم بتناوله، فكلما زاد الدخل زادت كمية الغذاء مما يؤدى إلى السمنة المفرطة، حيث يقوم الفرد بإدخال مجموعة من العناصر غير الصحية والضارة لجسمه من خلال تناول الوجبات السريعة.
السيسي قال حاجة مفيدة عن انتشار السمنة
بين المواطنين
الناس لازم تخس
وقال لابد من جعل الرياضة مادة أساسية وتضاف للمجموع
كويس وكلام ممتاز
بس السمنة دي سوء تغذية مش كتر اكل— ولد شيخ الغفر_جادلله (@SindBad55100648) December 15, 2018
ويؤكد تقرير منظمة منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” لعام 2013 على العلاقة بين السمنة وسوء التغذية، وبحسب التقرير الذي تحدث عن السمنة بين الأطفال، تعد مصر الدولة رقم 36 في العالم من بين الدول التي تعاني من السمنة، ويتعلق 90% منها بعدم القدرة على الحصول على الغذاء الصحي السليم.
ويمكن ملاحظة “العبء المزدوج لسوء التغذية” في ظل حالات نقص التغذية إلى جانب زيادة الوزن والسمنة أو العيوب المرتبطة بالنظام الغذائي لدى الأفراد، وترجع أسبابها مباشرة إلى عدم كفاية المدخلات الغذائية، وهو ما يظهر في الممارسات الغذائية الضارة المعتمدة مع الرضّع والأطفال الصغار.
بناءً على دراسة أُعدّت في عام 2016 من قبل مجلة “وورلد جورنال أوف ديابيتس” الطبية المتخصصة بداء السكري، فإنّ مصر تحتل المركز السادس بين دول العالم العربي في نسبة السمنة
ومن أسباب سوء التغذية في مصر كذلك، وفق التقرير، ضعف الحصول على نظام غذائي متوازن لدى الشرائح الأكثر فقراً من المجتمع، أو بعبارة أخرى “انعدام الأمن الغذائي”، بالإضافة إلى العادات الغذائية ونمط الحياة السيئ ونقص الوعي الغذائي بين السكان حول الغذاء المتاح.
وتكشف دراسة طبية نشرها باحثون متخصصون بمجلة “نيو إنجلاند” الطبية في يوليو/تموز 2017، وكشفوا عنها خلال منتدى استوكهولم للأغذية، أن 19 مليون مصري يعانون من السمنة المفرطة، مما يشكل نسبة 35% من السكان البالغين، وهي أعلى نسبة في العالم في نسبة البدانة لدى البالغين ، كذلك يعاني 3.6 ملايين من الأطفال المصريين من الوزن الزائد، وفق نتائج الدراسة.
وبحسب تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية في عام 2018، بناءً على دراسة أُعدّت في عام 2016 من قبل مجلة “وورلد جورنال أوف ديابيتس” الطبية المتخصصة بداء السكري، فإنّ مصر تحتل المركز السادس بين دول العالم العربي في نسبة السمنة.
ترويج إعلامي وحكومي
دون الالتفات لهذه الاحصائيات والأرقام، يسعى السيسي لتصدير صورة الرئيس الملَّهم، ورب الأسرة المسؤول عن أفراد العائلة، فهو ليس من مسؤوليته الحديث عن مسألة السمنة والجري والرياضة، وبحسب معارضين، صرنا الآن أمام رئيس مؤهلاً أكثر من أي وقت مضى لكتابة الفضل الأخير في الكتاب الأخضر للعقيد الرحل معمر القذافي، والذي ألفه عام 1975.
كما أن لغة الخطاب التجهيلي للآخر هي وسيلة للتهرب من تحمل المسؤولية في مواجهة الانتقادات التي توجَّه له من خبراء متخصصين في مجال الاقتصاد، ويعكس خطابه نمط التحيز الاجتماعي، وعبَّر عنه في أكثر من مناسبة، ففي وقت سابق قال: “أنسوا خالص إن يكون في خدمة ببلاش”.
وبالنظر إلى مجموعة السياسات والقرارات التي اتخذها منذ تولي الحكم، فأنها تصب في مصلحة الأغنياء ورجال المال والأعمال، سواء بإغداق المزايا أو الاعفاءات الضريبية والجمركية أو الأراضي على المستثمرين.
رأى كثيرون في تلك التصريحات رسالة مبطنة تمهد إلى تدابير وإجراءات جديدة تجاه المصريين
ولإظهار نفسه كخبير بكل تفاصيل الدولة، اتخذ السيسي محافظ القاهرة اللواء خالد عبد العال كمنصة لاستعراض “حنكته”، وأثناء المؤتمر وجّه له ثلاثة أسئلة عجز عن إجابتها، رغم ان الوزير تولى منصبه نهاية شهر أغسطس الماضي، ضمن حركة تغييرات المحافظين الأخيرة، وبالتالي ملفات المحافظة سواء مشكلاتها أو نفقاتها وإيرادتها تحتاج لبعض الوقت، كما أن المحافظين من اختيار رئيس الجهورية، وجميعهم جاءوا من المؤسسة العسكرية والأمنية، وليسوا من مجال الخبرة الساسية والاقتصادية.
ناس كتير مستغربين ازاي السيسي يهزأ المحافظ ،وازاي المحافظ قبل على نفسه المهانه
أحب أقولكم أن ده عادي جدا في عرف العسكر دائما صاحب السلطة يهزأ الأدنى منه وده مش بيسبب لهم أي حرج أو كسوف
وأظن كلكم عارفين من الضابط النتن اللي حط الدبوس في الأستيكه .— Waleed Sharaby (@waleedsharaby) December 16, 2018
وتجنبًا لما حدث مع المحافظ، أخذ وزراء السيسي يعزفون على وتر السمنة على أنها عائق التنمية في مصر، فقد طالب وزير التعليم طارق شوقي المواطنيين بالمشي بدلاً من الركوب للتخلص من الوزن الزائد، ودعا الوزير خلال مؤتمر لطلاب المدارس إلى ركوب 8 محطات مترو بدلًا من 10 والمشي محطتين من أجل الصحة.
وتنفيذًا لرغبة السيسي، قال وزير التعليم العالي خالد عبدالغفار إنه اتفق مع وزير الرياضة على تقديم دورات تدريبية رياضية بكل الجامعات لوقاية الطلاب من السمنة والوزن الزائد، كما أطلقت وزارتا التربية والتعليم والصحة مبادرة الكشف المبكر عن السمنة والأنيميا، لدى طلاب المدارس طلبًا لتصريحات السيسي.
كتر كلام السيسي على السمنة و الأجسام ليه محسسني إن دا تمهيد لقرار بتطبيق ضريبة رباعية “و ممكن خماسية” على السمن،الزيت،الزبدة،الرز،المكرونة،العيش”لو مش بني”،الأجبان “لو مش لايت”،الألبان”لو مش خالية الدسم”،السكر،القشطة،المربى،الحلاوة..و اهو كل في صالح المواطن الهيلثى المصري lol
— Random! (@sh244Random) December 17, 2018
تصريحات السيسي سرعان ما تحولت إلى برامج وتصريحات وحوارات في الفضائيات المصرية، وكأنة كتالوج إعلامي تم تمريره على الإعلاميين تنفيذًا لتوجيها الرئيس، فبرامج “التوك شو” وصفحات الصحف المصرية عَّدلت من أجندتها لتصبح برامج الرشاقة والتخسيس ومخاطر السمنة هي الغالبة عليها، كما احتفت مواقع الإنترنت ببرامج الحمية والتخلص من الوزن الزائد، وكما أبرزت وسائل إعلام دعوى “خلع” بسبب إسراف الزوج في أكل اللحوم.
ووسط احتفاء بتصرحات السيسي وسخرية واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، رأى كثيرون في تلك التصريحات رسالة مبطنة تمهد إلى تدابير وإجراءات جديدة تجاه المصريين، واستذكروا تصريحات السيسي في يوليو/ تموز الماضي، التي حث خلالها المواطنين على الصبر، مبديًا استعداده لتناول وجبة واحدة يوميًا من أجل بناء مصر، فإن فعلها الرئيس، هل يفعلها المصريون؟