بتغريدة كما هو الحال في فترة رئاسته أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب الأمريكي من سوريا أو أشار إلى ذلك حيث قال ترامب لقد هزمنا تنظيم الدولة في سوريا وكان ذلك السبب الوحيد لوجود قواتنا هناك خلال فترة رئاستي. وكانت وسائل إخبارية أمريكية قد نشرت أخبارا عن مصادر من وزارة الدفاع تؤكد نية واشنطن الانسحاب خلال فترة تترواح من شهرين إلى 3 أشهر.
وبالرغم من أن عدد الجنود الأمريكيين المتواجدين في سوريا هم قرابة 2000 عسكري وهو عدد ليس بالكبير لكن المناطق التي كانوا يتواجدون فيها في شمال شرق سوريا كانت تعتبر خطا أحمر يصعب تجاوزه من بقية الفاعلين كروسيا وتركيا وإيران.
أكثر المتضايقين من هذا الأمر هي تركيا التي ترى في حماية واشنطن لوحدات الحماية الكردية الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني هي تهديد مباشر وصريح لأمنها القومي
قبل أسابيع قليلة أعلنت واشنطن عن نيتها تدريب قوة من 30 ألف مقاتل من قوات وحدات حماية الشعب للاعتماد عليها في شمال سوريا لكن هذه الخطوة أثارت استياء تركيا وروسيا وبدت تركيا وروسيا أقرب إلى بعضهما أكثر من أي وقت مضى وهددت تركيا مباشرة بكامل جاهزيتها لتنفيذ عملية شرق الفرات كما أبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استيائه الشديد من حالة الالهاء التي تمارسها واشنطن مع تركيا بكل برود في منبج.
وكان أكثر المتضايقين من هذا الأمر هي تركيا التي ترى في حماية واشنطن لوحدات الحماية الكردية الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني هي تهديد مباشر وصريح لأمنها القومي ولكن وجود قوة عظمى و”حليف” لتركيا كان يشكل عقبة كبيرة جدا لتركيا التي بدت في آخر الأيام مستعدة بالرغم من الوجود الأمريكي إلى تنفيذ ضربة للقوات الكردية هناك مع التأكيد على عدم الرغبة في المواجهة مع أي قوات أمريكية وقد أكد الخطاب التركي على هذا الأمر.
وبالفعل نقلت وكالة الأناضول أن الجيش التركي بدأ تعزيزات عسكرية تضم ناقلات جنود مدرعة ومركبات عسكرية في منطقة هاتاي لتعزيز الوحدات المنتشرة على الحدود مع سوريا ومن العلم أن هناك قوات تركية ما زالت موجودة داخل سوريا بعد العمليتين العسكريتين درع الفرات وغصن الزيتون.
السؤال المطروح حاليا بشدة من الذي سيسيطر على هذه المناطق بعد خروج واشنطن هل ستقبل روسيا والنظام وإيران بسيطرة تركيا عليها ومن جهة أخرى هل ستقبل تركيا بسيطرة النظام عليها بدون ضمانات بعدم تكرار سيناريو الحكم الذاتي
لقد كان هناك إشارة مهمة في الصحافة الأمريكية وهي أن الإعلان الأمريكي جاء بعد اتصال هاتفي بين أردوغان وترامب وبعد جولة قام بها المبعوث الأمريكي جيفري إلى أنقرة ومن المؤكد أن ثمة تفاهمات ما قد جرت سوف تتبين بشكل واضح في الأيام والأسابيع القادمة وربما من أهمها أن تركيا ستتكفل بمنع ظهور داعش من جديد في شمال سوريا. وهي الشماعة التي علقت واشنطن تواجدها عليها في السنة الماضية بالرغم من هزيمة داعش وتراجعها إلى حالة ضعيفة جدا.
ولكن السؤال المطروح حاليا بشدة من الذي سيسيطر على هذه المناطق بعد خروج واشنطن هل ستقبل روسيا والنظام وإيران بسيطرة تركيا عليها ومن جهة أخرى هل ستقبل تركيا بسيطرة النظام عليها بدون ضمانات بعدم تكرار سيناريو الحكم الذاتي ما هي حقيقة انسحاب واشنطن في هذا التوقيت هل فقط لمنع تركيا من الخروج من المدار الأمريكي فحسب أم أنها خطوة لإجبار الجميع على الدخول في مسار حل بقيادتها وفرض حالة جديدة على مسار آستانة.
لعل أكثر الأطراف توجسا من هذا القرار هي اسرائيل وبعض الدول الخليجية خاصة أن التواجد الأمريكي كان بمثابة رسالة تهديد لإيران وحالة دعم للمعسكر الذي يقف ضدها وقد عبر الاسرائيليون صراحة عن استيائهم وقد نشر إيهود باراك، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، تغريدة له على صفحته الرسمية على “تويتر”، مساء اليوم، الأربعاء، تعليقا على إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، سحب القوات الأمريكية من سوريا، وجاء فيها، أن إسرائيل وحدها المسؤولة عن مستقبلها ومصيرها وأضاف أن: “ترامب تخلى عن سوريا، والإيرانيون يحتفلون، وترامب لا يعمل لدى بيبي، وكذلك بوتين. فإسرائيل وحدها المسؤولة عن مستقبلها ومصيرها فحسب، وسيأتي الدعم الحقيقي لنا عندما نكون أقوياء”.
الأتراك لا يرديون انسحابا أمريكيا سريعا يترك الأوراق مبعثرة بل يريدون انسحابا منسقا معهم ولعل الاتصال وجولة المباحثات الأخيرة تشير إلى وجود حالة من هذا النوع مع وجود دلائل ومؤشرات أخرى يمكن أن تغير مسار العلاقات
كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي تحدث أيضا بلهجة يبدو عليها بشكل واضح محاولة استجماع الثقة ورباطة الجأش وإشعار جمهوره أنه لم يترك وهناك وسائل أخرى حيث قال “هذا بطبيعة الحال قرار أمريكي. سندرس الجدول الزمني لهذا القرار، وأسلوب تطبيقه وبطبيعة الحال سندرس أيضا التداعيات بالنسبة لنا”. وربما هناك تساؤل آخر حول المحور المناهض لإيران والذي تقع السعودية في قلبه ويتعلق التساؤل بمدى ارتباط قرار الانسحاب بوضع السعودية بعد مسألة خاشقجي واليمن وغيرها؟
وبالعودة إلى تركيا فإن الأتراك لا يرديون انسحابا أمريكيا سريعا يترك الأوراق مبعثرة بل يريدون انسحابا منسقا معهم ولعل الاتصال وجولة المباحثات الأخيرة تشير إلى وجود حالة من هذا النوع مع وجود دلائل ومؤشرات أخرى يمكن أن تغير مسار العلاقات الذي كنا نتحدث عنه قبل أيام فلدينا عدة خطوات أمريكية تنسجم مع المطالب التركية مثل:
-بدء حملة على تنظيم غولن في داخل الولايات المتحدة الأمريكية
-الحديث عن تقدم في ملف تسليم فتح الله غولن. (قالت سارة ساندرز المتحدثة باسم البيت الأبيض في تصريحات صحيفة إن ترامب أبلغ الرئيس أردوغان بأنه “سينظر في إمكانية تسليم غولن”.)
-موافقة وزارة الخارجية الأمريكية على بيع منظومة صواريخ باتريوت محتملة لتركيا
-ستؤكد عملية عسكرية تركية محتملة على مدى وجود التنسيق وقوته ولكن بالتأكيد ستكون تركيا أمام عقبات مع الطرف الآخر ( روسيا – النظام- إيران)
ووفقا لوكالة سبوتنيك الروسية فقد نقلت عن مصدر عسكري تركي تأكيده وجود التنسيق حيث قال المصدر للوكالة: “ستسحب الولايات المتحدة الأمريكية قواتها من المناطق الحدودية التي ستكون مسرحا للعمليات في المرحلة الحالية، وذلك وفقا للاتفاق الذي تم التوصل إليه بين تركيا وأمريكا، وهذا الانسحاب سيكون جزئيا”.
يدعو الاتراك واشنطن إلى التعامل مع تركيا كما يتعامل معها الروس ويدعون للقاءات مع ترامب على منوال لقاءات أردوغان بوتين أردوغان ويرون أن التوافق على عملية شمال سوريا قد يكون بوابة للتوافق بشأن المسألة السورية كلها
وأضاف المصدر: “تملك الولايات المتحدة نحو 15 قاعدة عسكرية في الضفة الشرقية لنهر الفرات، لذلك فإن انسحابها بشكل كامل من المنطقة أمر غير وارد حيث ستقوم بتقليص عدد جنودها فقط في هذه المرحلة وذلك قبيل بدء الجيش التركي عمليته العسكرية في شرق الفرات”. و”أن الجيش التركي يخطط لزيادة وجوده العسكري في المناطق التي سينفذ فيها العمليات العسكرية ضد ميليشيات وحدات حماية الشعب وسيقوم بالسيطرة عليها مع فصائل الجيش السوري الحر وفق الاتفاق بين تركيا والولايات المتحدة”.
يدعو الاتراك واشنطن إلى التعامل مع تركيا كما يتعامل معها الروس ويدعون للقاءات مع ترامب على منوال لقاءات أردوغان بوتين أردوغان ويرون أن التوافق على عملية شمال سوريا قد يكون بوابة للتوافق بشأن المسألة السورية كلها. من شأن تحسين العلاقات مع واشنطن أن يعزز موقف تركيا من جديد لكنها ستحتاج للاستعداد للتوازن مع روسيا وإيران أيضا.