وصل معدل جرائم القتل في البلدات العربية داخل فلسطين المحتلة عام 1948، لأرقام جنونية لم تُسجل من قبل، باتت تهدد بشكل مباشر حياة مواطني الداخل المحتل، وتفتح عليهم بابًا مُخيفاً وأسودًا تقف خلفه أصابع إسرائيلية تُحرك تفاصيل المشهد الدامي الحاصل.
67 فلسطينيًا قتلوا خلال العام الماضي 2017، فيما شهد العام الحالي 2018 مقتل 58 شخصًا بينهم 13 امرأة، فيما تعرض 7 أشخاص آخرين للقتل خلال الأسبوع الماضي فقط، كانت هذه أخر إحصائية سُجلت للأحداث الدامية المتصاعدة التي تعيشها البلدات العربية في الداخل المحتل.
ألغاز جرائم القتل دائماً ما كانت تُحل من قبل الشرطة وجهات التحقيق المختصة التي تبحث في كل مكان عن دليل وطرف خيط لحل أكبر القضايا المعلقة والغامضة، لكن الأمر داخل المدن العربية في الداخل المحتل لا تعيش هذا الوضع، فما يسجل فقط أرقام وأسماء القتلى، وتبقى القضايا مفتوحة دون متابعة أو محاكمة.
من يقف خلف ارتفاع معدل جرائم القتل بالداخل المحتل؟، وما علاقة “إسرائيل” بتغذية الجريمة؟” وأين هم منفذي تلك الجرائم؟ وما دور القضاء؟،، ومن التالي الذي سيُسجل اسمه في القائمة الطويلة؟ أسئلة باتت تُطرح بقوة في الوسط العربي بالداخل المحتل، تبحث عن إجابات واقعية وواضحة للوضع القائم المتردي، وتحاول تفسير خبايا القادم الذي تغلفه مخططات “إسرائيل” العنصرية.
“إسرائيل” المسئولة
النائب العربي في “الكنيست” الإسرائيلي، ورئيس الكتلة البرلمانية للقائمة العربية المشتركة، جمال زحالقة، حمل حكومة وشرطة الاحتلال مسؤولية تزايد حالات القتل في مدن وأحياء الداخل الفلسطيني المحتل.
وأوضح زحالقة أن أعداد جرائم القتل بالداخل المحتل تتزايد بسبب ممارسة “إسرائيل” التمييز بين المواطنين العرب و “الإسرائيليين” في كل مجالات الحياة، بما في ذلك مجال مكافحة الجرائم، لافتًا إلى أن معدلات جرائم القتل بالمدن العربية بالداخل هي الأعلى مقارنة بمعدلات القتل بالضفة والقدس وغزة و “المجتمع الإسرائيلي”.
قرار حكومة الاحتلال الأخير، والمتعلق بتقليص مبلغ 400 مليون شيكل من ميزانية خطة محاربة الجريمة في المجتمع العربي للعام 2018، قال زحالقة إنه وحتى “قبل تقليص هذا المبلغ كانت إسرائيل تمارس التمييز وتترك المجرمين دون عقاب”
وبيّن زحالقة، أنه تم توثيق مقتل 67 فلسطينيًا بالداخل المحتل خلال العام الماضي، فيما شهد العام الحالي مقتل 58 شخصًا بينهم 13 امرأة، فيما تعرض 7 أشخاص عرب للقتل خلال الأسبوع الماضي.
ولفت عضو الكنيست إلى، أن شرطة الاحتلال لا تقوم باعتقال المجرمين وتتركهم طلقاء، وأن ذلك من شأنه أن يشجع على الجريمة بالمجتمعات العربية، مضيفًا ” دائمًا نطالب الشرطة بالقبض على المجرمين ولكن الحكومة الإسرائيلية تقوم بالتمييز ضدنا في هذا المجال كما تميز ضدنا في كل المجالات”.
وزاد ” الشرطة الإسرائيلية تتحرك بسرعة فقط حينما يقتل يهودي ، بينما حينما يكون الضحايا من العرب فهي لا تفعل شيئًا”، لافتًا إلى أن شرطة الاحتلال تمكنت من قمع العائلات والعصابات التي تتسبب بالجرائم داخل” المجتمع الإسرائيلي” إلا أنها تتجاهل القيام بذلك داخل المناطق العربية ،”وهذا ما زاد من قوة عصابات الإجرام داخل البلدات العربية”.
وحول قرار حكومة الاحتلال الأخير، والمتعلق بتقليص مبلغ 400 مليون شيكل من ميزانية خطة محاربة الجريمة في المجتمع العربي للعام 2018، قال زحالقة إنه وحتى “قبل تقليص هذا المبلغ كانت إسرائيل تمارس التمييز وتترك المجرمين دون عقاب”.
ضحايا جرائم القتل في الداخل المحتل
والأسبوع الأخير تفاقمت أعمال العنف والجريمة في المجتمع العربي، حيث قُتل فيها 7 أشخاص وهم: إيمان عوض (27 عاما) من عكا، رامي أبو جابر (32 عاما) من كفر قاسم، أشرف أبو قاعود (43 عاما) من يافا، جدوع الزبارقة (38 عاما) وزوجته آمنة (37 عاما) من اللد، علي الأعسم أبو ريحان (42 عاما) من الرملة، محمد أبو دياك (22 عاما) من يافة الناصرة.
وشكلت هذه الجرائم تجاوزا آخر للخطوط الحمر من قبل القتلة المجرمين، دون أن تقوم الجهات المخوّلة بتوفير الأمن والأمان وحماية المواطنين وخصوصا الشرطة الإسرائيلية، التي كررت قيادات المجتمع العربي مطالباتها لها بالعمل بجدية من أجل محاربة العنف والجريمة واجتثاثها من البلدات العربية.
“جرائم القتل المخيفة التي تعصف بالمجتمع الفلسطيني في الداخل الأخضر تتحمل مسؤوليتها الشرطة الإسرائيلية وكذلك الوسط الفلسطيني بكل مستوياته”، الحديث هنا لرئيس اللجنة القطرية للسلطات المحلية داخل الخط الأخضر، مازن غنايم.
4 أشخاص قتلوا داخل الخط الأخضر خلال الساعة 48 الماضية، بينهم 3 من مدينة اللد، ما يرفع عدد جرائم القتل في البلدات العربية منذ مطلع العام الجاري 2018 ولغاية اليوم إلى 58 قتيلا بينهم 13 امرأة
غنايم دعا إلى عزل اجتماعي لكل المتورطين بجرائم القتل، مضيفا:” ما يحدث في اللد ويافا مؤلم ومخجل أن يحدث في المجتمع العربي الذي يملك تاريخ وعادات وتقاليد..ما يحدث هو إرهاب منظم ولا يمكن إعفاء الشرطة الإسرائيلية من مسؤوليتها، ولكن نحن يجب أن نهتم بتربية أبنائنا”.
ويضيف “لطالما حذرت كافة الجهات في الداخل من خطورة تقاعس الشرطة الإسرائيلية، من محاسبة مخالفي القانون وتجار السلاح والمخدرات داخل المجتمع العربي”، داعياً في الوقت نفسه لأن يكون هناك وعي لدى المجتمع لحماية نفسه”.
يشار أن 4 أشخاص قتلوا داخل الخط الأخضر خلال الساعة 48 الماضية، بينهم 3 من مدينة اللد، ما يرفع عدد جرائم القتل في البلدات العربية منذ مطلع العام الجاري 2018 ولغاية اليوم إلى 58 قتيلا بينهم 13 امرأة.
مظاهرة أمام مقر الشرطة الإسرائيلية في مدينة يافا احتجاجا على ارتفاع جرائم القتل
ماهو الحل؟
المختص في علم الجريمة والعدالة الجنائية، بروفيسور سهيل حسنين، أوضح أنه في ظل استشراس العنف والجريمة فإن “المجتمع يمر في فترة تتميز بفقدان القيم وليست أزمة القيم. والفرق بين الأمرين شاسع، فأزمة القيم تعني أن الإنسان أمام خيارين وقد يختار الإمكانية المنطقية والإيجابية. أما فقدان القيم فتعني أنه لمجرد سبب بسيط وسخيف يفقد الإنسان إنسانيته، ويُصبح مجرد آلة تضبطها الغرائز الجياشة”.
وقال بروفيسور حسنين، “نستطيع الجزم بشأن هذه الظاهرة المتفاقمة أنها عامة ومنتشرة في مجتمعات أخرى، وحتى في المجتمعات الأكثر تقدما في العالم. العنف والجريمة ظاهرة موجودة في كل مكان، لأن مجرد وجود مجتمعات متفاوتة الظروف والفرص يخلق نوعا من التعامل مع القضايا بطرق غير شرعية. وبطبيعة الحال هذا الأمر لا يعني القول إن هذه الأمور طبيعية”.
وأكد أن “هناك مسؤولية تقع على مجالسنا وبلدياتنا المحلية. هنالك خدمات غائبة في أحياء عربية مثل خدمات لتطوير الأحداث في ضائقة. من المسئول عن توفيرها؟ هل ندعي دائما أن السياسات العنصرية والتمييزية عامة وسياسات الشرطة هي السبب؟ أو أيضا غياب الوعي لأهمية هذه الخدمات ولماهية سلم الأفضليات في النطاق المحلي التي يضعها الرئيس و’زمرته’ الضيقة، بعيدا عن احتياجات الجمهور وفئاته المختلفة.
واصلت الحكومة الإسرائيلية سياسة التمييز والإهمال تجاه المجتمع العربي إذ قررت، مؤخرا، تقليص مبلغ 400 مليون شيكل من ميزانية خطة محاربة الجريمة في المجتمع العربي للعام 2018، رغم تفاقم جرائم القتل بصورة مقلقة
وتابع حديثه “الحلول تبدأ من عمليات تقوية الأخلاق والقيم، والتي يجب أن تحصل في النطاق الأكثر أهمية وهو الأسرة، ثم المدرسة وثم أطر الخدمات المكملة. في حالة غياب هذه العمليات، لا تتوقع من الشرطة أو المحاكم أو أي جهاز خارجي توفير الردع الخاص والعام”.
الجدير ذكره أن سكان المدن والبلدات العربية بالداخل الفلسطيني المحتلة تعاني من التمييز الذي تمارسه حكومة الاحتلال بين العرب والإسرائيليين في كافة الأصعدة، وأهمها مجال مكافحة الجريمة، الأمر الذي زاد من حالات القتل في الأوساط العربية.
ويستدل من تقرير نشرته “دائرة الإحصاء المركزية” الإسرائيلية، الأربعاء الماضي، أن نسبة ضحايا جرائم القتل العرب إلى مجمل عدد المتوفين العرب، تزيد بـ 5.5 مرة عن نسبة ضحايا القتل اليهود إلى مجمل عدد الوفيات في وسطهم، في العام 2016.
وأشار تقرير صدر عن مراقب الدولة، نشر في آب/ أغسطس الماضي، أن عدد قتلى جرائم إطلاق النار في المجتمع العربي قد وصل إلى أكثر من 1236 قتيلا منذ العام 2000، وتبين من المعطيات والإحصائيات المتوفرة أن 69 عربيا بينهم 10 نساء سقطوا ضحايا جرائم قتل في العام الماضي 2017.
وواصلت الحكومة الإسرائيلية سياسة التمييز والإهمال تجاه المجتمع العربي إذ قررت، مؤخرا، تقليص مبلغ 400 مليون شيكل من ميزانية خطة محاربة الجريمة في المجتمع العربي للعام 2018، رغم تفاقم جرائم القتل بصورة مقلقة.