ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية يوم الأربعاء عن قرار بدء سحبها لقواتها من شمال شرق سوريا، تفاجأت حليفتها تركيا بذلك شأنها شأن بقية العالم. في الواقع، تفكر أنقرة حاليا في العديد من المسائل غير الواضحة، بما في ذلك الإطار الزماني للانسحاب الأمريكي من سوريا ومصير الدعم الأمريكي لوحدات حماية الشعب الموالية للأكراد، وما إذا كانت الولايات المتحدة ستستعيد، مثلما وعدت، الأسلحة الثقيلة التي سبق وأن سلمتها لوحدات حماية الشعب.
لطالما ادعت الولايات المتحدة أن وحدات حماية الشعب، التي تعمل كجزء من قوات سوريا الديمقراطية متعددة الأعراق، بمثابة حليف أساسي في الحرب التي تقودها ضد تنظيم الدولة في سوريا. لكن، ترى تركيا في هذه القوات امتدادا لحزب العمال الكردستاني غير الشرعي، الذي تصنّفه كمجموعة إرهابية إلى جانب كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. تجدر الإشارة إلى أن تركيا قد سبق لها وأن حذرت منذ منتصف شهر أيلول/سبتمبر من “التهديد القادم من شرق الفرات”.
خلال سنة 2012، سيطرت وحدات حماية الشعب على العديد من المناطق شرق الفرات عندما انسحبت قوات النظام السوري من هناك لمحاربة المتمردين غرب البلاد. وفي تلك الأثناء، نشرت الولايات المتحدة حوالي ألفي ضابط عسكري ومستشار في المنطقة الشمالية الشرقية التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب وقدمت لهم الأسلحة والذخائر. من جهتها، أعلنت تركيا مرارا وتكرارا منطقة غرب الفرات خطا أحمر لا يُسمح لوحدات حماية الشعب بعبورها، لكنها أكدت في الآن ذاته أنها لن تستهدف الوجود الأمريكي هناك.
قال أويتون أورهان، خبير الشأن السوري بمركز الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث الاستراتيجية في أنقرة، إن هذا القرار الأمريكي قد يكون فرصة لتحسين العلاقات بين واشنطن وأنقرة
في هذا السياق، أخبر نهاد علي أوزكان، قيادي سابق في الجيش التركي ويعمل محللا سياسيا في مركز أبحاث تيباف في مدينة أنقرة، موقع “ميدل إيست آي” أن “السؤال الأهم، الذي لا بد من الإجابة عليه، يتمثل في المكانة التي تعنيها منطقة شرق الفرات بالنسبة للولايات المتحدة ومن سيكون حليفها لتحقيق أهدافها هناك”. وأشار أوزكان إلى أن إدارة ترامب أكدت أن تواجد القوات الأمريكية في سوريا كان لسببين، وهما القتال ضد تنظيم الدولة والحد من نفوذ إيران في المنطقة.
كما أضاف المحلل أن “علينا الانتظار لنعرف ما إذا كانت أهداف الولايات المتحدة في سوريا ستظل نفسها. وفي حال ظلت كذلك، فمن سيكون شريكها هناك لتحقيقها؟ وهل ستحافظ على وحدات حماية الشعب أم ستستعين بقوات أخرى غيرها؟ وهل ستقول الولايات المتحدة “إنني انسحب من سوريا لكن حليفي على الأرض سيظل هناك لتحقيق أهدافي، وفي حال أراد أحد منعه سأقف ضده؟”.
أعضاء سوريون أكراد من وحدات حماية الشعب يحضرون جنازة قائد كردي ذُبح شمال شرق مدينة القامشلي.
تساءل أوزكان أيضا حول إمكانية بحث الولايات المتحدة عن شريك جديد في المنطقة. وفي خطاب ألقاه يوم 27 تشرين الثاني/ نوفمبر، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إنه لم يعد هناك مقاتلون تابعون لتنظيم الدولة في سوريا باستثناء عدة عصابات صغيرة لا تزال موجودة لمواصلة زعزعة استقرار البلاد والمنطقة. وأكد أردوغان أن المعركة الحقيقية الوحيدة ضد جماعات تنظيم الدولة قادتها تركيا.
في الخطاب ذاته، انتقد أردوغان الدعم العسكري الأمريكي لوحدات حماية الشعب بحجة محاربة “تنظيم الدولة”، قائلا إنه سيعترف بأن “أولئك الذين يدعون أنهم حلفاء” كانوا مع الجانب التركي “عندما يتوقفون عن مساندة الجماعات الإرهابية”. ووفقا لأوزكان، قد يكون قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من سوريا بسبب وعود تركيا المتكررة بشن عملية عسكرية ضد وحدات حماية الشعب، على الرغم من تفاجئ أنقرة من أخبار الانسحاب.
فرصة
في سياق متصل، قال أويتون أورهان، خبير الشأن السوري بمركز الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث الاستراتيجية في أنقرة، إن هذا القرار الأمريكي قد يكون فرصة لتحسين العلاقات بين واشنطن وأنقرة. وأضاف أورهان أن “الضغوط التي تمارسها تركيا في منطقة شرق الفرات تخلق مخاطر أمنية بالنسبة للجنود الأمريكيين في حين لا يوجد سبب يدفعهم لتحمل مثل هذه المخاطر، خاصة في أجواء يكتسب فيها الحل السياسي للقضية السورية زخما”.
هناك الكثير من الالتباس حول النوايا الحقيقية لهذا القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة، حيث أعربت العديد من المؤسسات الحكومية عن مواقف مختلفة تجاه هذا الانسحاب
كما أشار أورهان إلى أن انسحاب الولايات المتحدة العسكري لا يعني أنها ستنسحب أيضا من المشهد السياسي السوري، مع ذلك، سيخلق قرارها هذا فراغا في المنطقة. وسيشجع هذا الفراغ الذي ستتركه الولايات المتحدة أيضا الأطراف الفاعلة التي تستهدف وجود وحدات حماية الشعب في المنطقة. في هذا الصدد، قال أورهان: “مع ذلك، أعتقد أن تركيا ستنتظر حتى تسحب الولايات المتحدة الأمريكية قواتها من الأراضي السورية لشن عملية عسكرية ضد هذه القوات الكردية”.
بالإضافة إلى ذلك، هناك الكثير من الالتباس حول النوايا الحقيقية لهذا القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة، حيث أعربت العديد من المؤسسات الحكومية عن مواقف مختلفة تجاه هذا الانسحاب. وخلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، وقبل الاجتماع الذي عُقد بين أردوغان وترامب، قال مصدر تابع للرئاسة التركية لموقع “ميدل إيست آي” إن “العلاقة التي تجمع تركيا بالإدارة الأمريكية غير جيدة. لقد كان يجمع بين زعيمي البلدين تفاهم متبادل، وكان كلاهما ملتزمان بتحسين العلاقات. لكن، كلما اتخذ الرئيسان قرارا لا يلتزم الجانب الأمريكي به. وقد سُمعت أصوات مناهضة لهذه القرارات المتخذة من قبل البنتاغون ووزارة الخارجية ومختلف المؤسسات الأمريكية الأخرى”.
المصدر: ميدل إيست آي