الكثير منّا بكلّ تأكيد قد مرّوا بلحظات وجدوا فيها أنفسهم عالقين عند سؤالٍ قد يبدو للوهلة الأولى تافهًا أو عديم الجدوى، “هل أستخدم علامة التعجّب في نهاية جملتي أم لا؟”. وسواء كانت جملتك ضمن مقالٍ مهنيّ، أو في بريدٍ إلكترونيّ لزميلك أو مديرك بالعمل، أو في محادثتك مع صديقك على فيسبوك، أو في تغريداتك في تويتر، فقد تجد نفسك بالفعل متسائلًا عن الطريقة التي عليك أنْ تنهي بها جملتك.
لكن لو نظرنا للموضوع من زاويةٍ أخرى، فمنذ اختراع الكتابة لم يبتكر البشر سوى ثلاث طرقٍ لإنهاء جملهم، النقطة أو علامة الاستفهام أو التعجّب. ولعلّ علامة الاستفهام استطاعت أنْ تسحب نفسها من النقاش الدائر حول جدوى استخدامها من عدمه، فهي تُستخدم في موضعٍ واحدٍ فقط؛ السؤال.
يرى علماء اللسانيّات أنّ علامات التعجّب باتت تشّكل الطرق الأساسية التي يلجأ إليها الناس للتعبير عن حماستهم أو دهشتهم أو انفعالاتهم وغضبهم واشمئزازهم أو حتى خوفهم في حيّز وسائل التواصل الاجتماعيّ.
أمّا حين يأتي الأمر لكلٍ من النقطة وعلامة التعجّب، فقد يجد الشخص نفسه محصورًا بين العديد من الخيارات التي تكون متناقضة في كثيرٍ من الأحيان. فهل يستخدم النقطة ليبدو جادًّا ومهنيًّا، أم يستخدم علامة التعجّب ليبدو أكثر ودًّا وحميميةً؟ هل يترك نهاية الجملة دون علامة فيبدو وكأنه لا يكترث أم يضع علامة التعجّب ليخبر الشخص الآخر باندهاشه أو تحمّسه أو استغرابه؟
تاريخٌ قديم وقبولٌ غير كامل
يعتقد المؤرّخون أنّ التمثيل البياني الحديث لعلامة التعجّب قد ولد في العصور الوسطى. حيث عكف الناسخون في القرون الوسطى على استخدام الكلمة اللاتينية “io ” في نهاية جملهم للإشارة إلى الفرح أو الابتهاج الذي يحمله معنى الكلمة. وبمرور الوقت وعبر سنين طويلة، تحوّلت العلامة شيئًا فشيئًا لتصبح ما هي عليه اليوم؛ نقطةً يعلوها خطٌ عموديّ (!).
كتب الروائي والقاصّ الأمريكي فرنسيس سكوت فيتسجيرالد مرةً أنّ استخدام الشخص لعلامات التعجّب في الكتابة أشبه بضحكه على نكاته الخاصّة.
أُدخلت علامة التعجب لأول مرة في الطباعة الإنجليزية في القرن الخامس عشر لإظهار التركيز أو التشديد على نبرة الجملة، وكان يطلق عليها آنذاك علامة الإعجاب أو التعجّب. ولكن على الرغم من قدم استخدامها، إلا أنّ الكثير من الأدباء والروائيين لم يتصالحوا مع فكرة وجودها في كتاباتهم وبين أسطر رواياتهم، فقد كتب الروائي والقاصّ الأمريكي فرنسيس سكوت فيتسجيرالد مرةً أنّ استخدام الشخص لعلامات التعجّب في الكتابة أشبه بضحكه على نكاته الخاصّة.
وسبق فيتسجيرالد من قبل أيضًا الكاتب الساخر مارك توين الذي تبنّى وجهة النظر نفسها. أمّا الكاتب الأمريكي إلمور ليونارد، فقد كتب في قواعده العشر للكتابة عن علامات التعجب: ” مسموحٌ لك بين كل مئة ألف كلمة من السّرد أن ترمي بعلامتيْ تعجّب أو ثلاثة”. ممّا يعني، في المتوسط وبشكلٍ تقريبيّ، علامة تعجب كل كتاب ونصف يكتبه الناثر.
الإنترنت: العصر الذهبي لعلامة التعجّب!
ليس غريبًا أبدًا أنّ علامة التعجّب قد أخذت مجدها ووصلت أوج استخدامها مع بدايات الاستخدام الهائل للإنترنت، لا سيّما مع ظهور مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعيّ العديدة والمختلفة. حتى أنّنا لم نعد نراها بشكلٍ فرديّ في الكثير من تلك المنصّات، فالكثير من الأشخاص لا يكتفون بواحدة أو اثنتين أو ثلاث أو ربّما أربع علامات تعجّب لينهوا جملهم بها.
استخدم ترامب العلامة 2251 مرةً في تغريداته في عام 2016 فقط، ما يعني أنّ 68% مّما يكتبه على حسابه ينتهي بعلامة تعجّب!
يرى علماء اللسانيّات أنّ علامات التعجّب والأحرف المكرّرة أو الأحرف الكبيرة في الحروف اللاتينية، جميعها باتت تشّكل الطرق الأساسية التي يلجأ إليها الناس للتعبير عن حماستهم أو دهشتهم أو انفعالاتهم وغضبهم واشمئزازهم أو حتى خوفهم في حيّز وسائل التواصل الاجتماعيّ.
ولا يتوقّف الأمر على المستخدمين العاديين وحسب، بل أصبح الكثير من السياسيّين وأصحاب السلطات يلجأون إليها في منشوراتهم وتغريداتهم. فجولة سريعة في حساب دونالد ترامب على موقع تويتر، تخبرك كم أنّ الرئيس الأمريكي بالفعل مهووسٌ باستخدام علامة التعجّب. ووفقًا لموقع “بي بي سي“، فقد استخدم ترامب العلامة 2251 مرةً في تغريداته في عام 2016 فقط، ما يعني أنّ 68% مّما يكتبه على حسابه ينتهي بعلامة تعجّب تعبيرًا عن فرط اندهاشه واستغرابه.
سؤالٌ مهمُّ في الدراسات الجندرية
ومع الاستخدام المتضخّم لعلامة التعجب في البريد الإلكتروني ومواقع التواصل وغرف الدردشة، أصبح عددٌ من علماء اللسانيات وعلم النفس والجندر مهتمّلإ بدراسة استخدام هذه العلامات من جوانب عديدة بعيدًا عن الجانب اللغوي أو النحوي لها فقط. فعلى سبيل المثال، تظهر إحدى الدراسات الحديثة والتي نُشرت عام 2006، أنّ النساء أكثر عرضة لاستخدام علامات التعجب في كتاباتهنّ أو رسائلهنّ أو منشوراتهنّ في مواقع التواصل الاجتماعيّ ليس لهدف الاندهاش أو التعبير عن الحماسة وحسب، بل كعلامةٍ للودّ والتعبير عن الحميمية أيضًا.
النساء يفضّلنَ استخدام الرموز كبديلٍ عن السياق العاطفي والاجتماعي الذي يستطيع التواصل اللفظي تلبيته
دراسة لاحقة أجرتها جامعة رايس ونُشرت عام 2012 أشارت إلى أن النساء أكثر عرضة مرتين لاستخدام الرموز التعبيرية في الرسائل النصية مقارنةً بالرجال. وقد تتبّعت الدراسة هواتف المشاركين فيها على مدى ستة أشهر راقبت خلالها أكثر من 124 ألف رسالة نصية في هواتفهم الذكية.
تظهر دراسة حديثة أنّ النساء أكثر عرضة لاستخدام علامات التعجب في كتاباتهنّ أو رسائلهنّ أو منشوراتهنّ في مواقع التواصل الاجتماعيّ ليس لهدف الاندهاش أو التعبير عن الحماسة وحسب، بل كعلامةٍ للودّ والتعبير عن الحميمية أيضًا.
وخلصت الدراسة نفسها إلى أنّ النساء يفضّلنَ استخدام الرموز كبديلٍ عن السياق العاطفي والاجتماعي الذي يستطيع التواصل اللفظي تلبيته. فالنساء كما هو معروفٌ وفقًا لدراسات سابقة أكثر ميلًا لإظهار انفعالاتهنّ والتعبير عن عاطفتهنّ من الرجال. ولا يعود ذلك للسبب الذي يفترض أنّ النساء أكثر “انفعالية” من الرجال، ولكن لأنهنّ يملنَ إلى التعبير عن إعجابهنّ وعاطفتهنّ أكثر من الجنس الآخر.
عوضًا عن ذلك، هناك الكثير من الكتابات والأصوات في السنوات الأخيرة التي تدور حول إذا ما كان على المرأة أنْ تتخلّى عن استخدام علامات التعجب في الحيّز المكتبي أو الوظيفيّ بدعوى المهنيّة والالتزام بقواعد العمل الجادة. فيما يستنكر الكثيرون هذه الأصوات مستغربين من كيف أصبحت “علامة التعجّب” أداةً للنقاش وقاعدة في العمل ينبغي على المرأة اتباعها لجعل الآخرين يشعرون براحةٍ أكبر!