صُدم العالم، قبل عدة أيام، بخبر مقتل سائحتين أوروبيتين من النرويج والدنمارك خلال تخييمهما في منطقة جبلية بجنوب مدينة المغرب، من قبل 3 رجال نصبوا خيمتهم بجانب خيمة الضحيتين، واعتدوا عليهم مرتين، الأولى بالسكين والثانية بالكاميرا. فبحسب التقارير الصادرة، قام هؤلاء الرجال الذين ينتمون إلى تنظيم داعش الإرهابي بتصوير عملية القتل والذبح بجميع تفاصيلها البشعة، ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتم فيها توثيق الجرائم إلكترونيًا بمدينة المغرب، ما دفعنا إلى التساؤل عن سبب هذه الظاهرة التي انتشرت مؤخرًا بشكل ملفت.
جرائم مصورة وموثقة إلكترونيًا في المغرب
تؤكد التقارير والأخبار المتداولة نمو معدلات الجريمة في المغرب وانتشار حالات الاعتداء والاغتصاب والسرقة المرتكبة في البلاد على أرض الواقع وفي العالم الافتراضي بشكل ملحوظ، فبحسب وزارة الداخلية أن الجرائم لم تشهد ارتفاعاً في المجتمع، بقدر ما باتت أكثر توثيقاً وترويجاً.
الجرائم لم تشهد ارتفاعاً في المجتمع المغربي، بقدر ما باتت أكثر توثيقاً وترويجاً على منصات التواصل الاجتماعي
ويمكن تتبع هذه الصيحة الإجرامية من خلال مراجعة الحوادث التي شهدتها البلاد وشاهدها الملايين على شاشات هواتفهم وحواسيبهم، مثل الصور التي وثقت محاولة سرقة شاب والاعتداء عليه طعنًا بالسكين أو الفيديو الذي سجل تعرض فتاتين مراهقتين للاغتصاب وعرض تفاصيل صادمة مثل قيام الشاب بتجريد الفتاة من ملابسها، متباهيًا بفعلته دون أن يكترث لصراخها واستغاثتها.
لا توجد إحصاءات رسمية حول الجرائم الموثقة بالصور والفيديو في المغرب، لكن كشف تقرير لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة بعنوان “الدراسة العالمية حول القتل 2013″، أن المغرب احتل المرتبة الثانية عربيًَا في ارتكاب جرائم القتل تحديدًا مع ارتفاع بـ 52% مقارنة مع عام 2012.
المغرب احتل المرتبة الثانية عربيًَا في ارتكاب جرائم القتل تحديدًا مع ارتفاع بـ 52% مقارنة مع عام 2012.
وبحسب صحيفة “التجديد”، فقد ارجع علي الشعباني، الباحث في علم الاجتماع، أسباب تفشي الظاهرة إلى عدة عوامل منها الارتباك في ضبط الأمن بمناطق معينة، وضعف الآليات القانونية والزجرية المتجلية في تساهل القضاء في أحكامه على المجرمين، إضافة إلى عوامل اجتماعية تتجلى في البطالة والفقر وما يتبعها من مخدرات، علاوة على الصراعات التي تنشب على مستوى الاقتصاد غير المهيكل، وتصفية الحسابات بين أفراد العصابات.
لماذا يسجل المجرم فعلته أمام الكاميرا؟
يقول راي سوريت، أستاذ في قسم العدالة الجنائية في جامعة سنترال بمدينة فلوريدا، “حتى السنوات الأولى من القرن الـ21، كانت الجرائم ترتكب بعيدًا عن أعين المجتمع والأغلبية، مع بث معلومات محددة عنها عبر وسائل الإعلام التقليدية ووفقًا لمعايير معينة”، ويكمل أن ظهور منصات التواصل الاجتماعي وانتشار الهواتف الذكية فتح طريقًا جديدة أمام المجرمين لإضافة بعض المهارات الأدائية لأفعالهم ومنحهم أداة مهمة لاستعراض ذاتهم.
وفي محاولة لتفسير هذا التصرف، يقول سوريت أن هذه السلوكيات تهدف إلى جذب الانتباه، فلطالما كانت السوشيال ميديا والأخبار المتداولة عليها جزء من حياة وصيت المشاهير ولذلك يُفضل البعض أن “يكون مشهورًا سيئًا بدلًا من أن يكون مجهولًا. لقد أصبح الإجرام جزءًا من عالم المعلومات والترفيه”. كما يشير سوريت إلى جانب آخر، ويقول أن الهدف من التصوير يكون أحيانًا لإهانة الضحية بشكل مضاعف، أول مرة من خلال الاعتداء الفعلي ثم بالإذلال ومشاركة الحادثة على العلن لإظهار قوته المطلقة، كما يعتقد.
الهدف من التصوير يكون أحيانًا لإهانة الضحية بشكل مضاعف، أول مرة من خلال الاعتداء الفعلي ثم بالإذلال ومشاركة الحادثة على العلن
في هذا الجانب، تعلق باميلا روتليدج، المتخصصة في علم النفس الإعلامي، قائلةً: “يمكن أن يكون هذا درسًا مؤلمًا، خاصةً أن الإنترنت متوفر بشكل دائم ومحركات البحث جاهزة دائمًا لتوفير هذا المحتوى”، وبما أن جمهور وسائل الإعلام أكبر فهو أكثر إغراءً لأولئك الذين يرتكبون أعمالًا معادية للأعراف الاجتماعية ويفضلون التباهي بها ليكونوا محور انتباه العالم. كما يمكن ملاحظة هذا السلوك بوضوح من خلال ضحكات المجرمين في الفيديوهات وإصرارهم على عرض تفاصيل جريمتهم بحضور أكبر عدد ممكن من متابعي ومستخدمي منصات التواصل الاجتماعي.
ووفقًا لدراسة جديدة، يعتقد خبراء أن التكنولوجيا أصبحت جزءًا من حياة المجتمع العصري وأنشطته الاجتماعية وفعالياته اليومية، وبالتالي فإن جميع المحتويات البصرية أصبحت متاحة بجميع أنواعها وهذا لا يشمل فقط المواد الإباحيةـ بل يشمل أيضًا صور الاعتداء وفيديوهات التعذيب والجرائم الأخرى، ولا يمكن تحليل السلوك الإجرامي واندفاع مرتبكيه في منتصف الحادثة للوصول إلى هاتفهم لتصوير فعلتهم دون أن نعي أن الكاميرا لاعبًا رئيسيًا في حلقة العنف والإذلال الإنساني.
إلى جانب ذلك، يرى المحللون أن ثقافة “التقاط الصور بشكل فوري” ومشاركة صورة الطعام والحفلات وغيرها من الأحداث اليومية يدفعنا دوماً إلى توثيق الأحداث غير العادية والتي نشعر بأنها جزءًا من حياتنا ولا شك أن هذه الثقافة تنطبق أيضًا على الأنشطة الإجرامية كجزء من “التفاعل الاجتماعي العادي”. وعلى الرغم من أن تأثير التحول الرقمي على علم الإجرام كان متوقعًا، إلا أن الأبحاث لا تخبرنا إلا قليلًا عن الأسباب والظروف التي تؤدي إلى تصوير هذه المحتويات وتسويقها إلكترونيًا كجزء من الثقافة السمعية والبصرية للمجتمع الافتراضي.