وقعت شركة قطر للبترول، يوم الأحد 18 من ديسمبر 2018، اتفاقًا مع شركة “إيني” الإيطالية، تستحوذ بمقتضاه على نسبة 35% من 3 حقول نفطية بالمكسيك، وتأتي هذه الشراكة بعد أن فازت “إيني” بمناقصة في سبتمبر/أيلول 2015، للعمل في المياة الضحلة بخليج الكامبتشي، تضخ بموجبها ملياري دولار لتطوير المنطقة الأولى، وتستفيد في المقابل بـ65% من حق الامتياز والتشغيل، بعد أن نجحت قطر في الفوز بحصة 35%.
ومن المقرر أن يبدأ الإنتاج الأولي في حقول:Teocoalli, Mitzton, Amoca في منتصف العام المقبل، بمعدل 8 آلاف برميل يوميًا، على أن يصل إلى 90 ألف برميل مع العمل بالإنتاج الكامل بحلول مطلع 2021، ويُعد هذا هو الاستثمار النفطي “الثاني” لقطر في المكسيك، بعد أن وقعت مطلع العام الحاليّ عقدًا مع “شل” و”إيني” لإنتاج النفط من موقع آخر في نفس المنطقة، تحصل بموجبه على حصة 40% من التنقيب في 5 مواقع نفطية.
في الآونة الأخيرة، توجهت قطر بكل قوتها إلى إفريقيا، الأمر الذي تجلى بوضوح في حجم ونوع الزيارات الرئاسية البينية منها وإليها
ومع تنامي الدور القطري خارجيًا، الذي لا يعجب كثيرًا من جيرانها، تواجه الدوحة تحديات اقتصادية نوعية تتطلب إستراتيجيات غير تقليدية لتنويع مصادر الدخل، خاصة بعد إطباق أشقائها الحصار عليها بدءًا من يونيو 2017، وخروجِها من عباءة “أوبك” التي تسيطر عليها دولةٌ واحدة، على حد وصف وزير شؤون الطاقة القطري، وفي ظل امتلاكها ورقة الغاز.. فكيف يفكر صانع القرار القطري؟
شراكات غير تقليدية
– أمريكا اللاتينية
لم يكن حصول قطر على حصص في 8 مواقع نفطية بالمكسيك وليدًا للصدفة، فمنذ 25 من نوفمبر 2015، عندما زار الأمير تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، العاصمة المكسيكية “نيو ميكسيكو”، والعلاقات بين البلدين آخذة في النمو على نحو غير مسبوق، فقد افتتحت البلدان سفارتين مقيمتين لتعميق التعاون الدبلوماسي لأول مرة، وتخطى حجم التبادل التجاري بينهما في 2017 حاجز ملياري ريال قطري، تستفيد قطر من خلاله بخبرة المكسيك في صناعتيْ الشاحنات والغذاء، وتحصل المكسيك من قطر على الغاز المسال والألمونيوم، كما تحرص المكسيك على الاستفادة من تجربة قطر في تنظيم كأس العالم 2022، عبر عمل شركاتها في المشروعات الإنشائية للبطولة ومعاينة تفاصيل التنظيم، نظرًا لمشاركة الأولى في تنظيم نسخة 2026، بالشراكة مع كندا والولايات المتحدة.
وفي 29 من سبتمبر 2018 كانت قطر على موعد مع “ثالث” عقد نفطي في البرازيل، بالشراكة مع “إكسون موبيل”، لاستخراج النفط من المياه العميقة في حوض “تيتا” البحري، قبالة سواحل البرازيل، لتحصل من خلاله قطر على حصة 36% من المشروع؛ حيث كان النجاح الأول في أكتوبر 2017، بالتعاون مع “شيل” و”شركة النفط البحرية الصينية”، والثاني في مارس 2018، للعمل في 4 مواقع نفطية بحرية.
– إفريقيا
في الآونة الأخيرة، توجهت قطر بكل قوتها إلى إفريقيا، الأمر الذي تجلى بوضوح في حجم ونوع الزيارات الرئاسية البينية منها وإليها، فقد استقبلت الدوحة، التي قام أميرها بجولتين موسعتين في عام واحد إلى إفريقيا شملتا إثيوبيا وكينيا وجنوب إفريقيا، ومالي وغانا وغينيا وكوتيفوار والسنغال، رئيسا: غانا ورواندا، نانا أوكوفو وبول كاغامي، في 18 من نوفمبر 2018، وكان رئيسا تنزانيا وزيمباوي قد سبقاهما أيضًا في زيارة قطر، وقد كان ملف النفط حاضرًا دائمًا على أجندة المباحثات بين القارة الغنية والبلد الطموح.
استغلت الدوحة سياسات مسقط غير التقليدية في المنطقة، التي تتقاطع كثيرًا مع خطوط السياسة القطرية وثوابتها، بالاستفادة من تطلعات الأخيرة لاكتشافات نفطية جديدة، عبر المساهمة بحصة 30%، من اكتشاف النفط في المنطقة البحرية رقم 52 قبالة سواحل عمان
ولعل أثر هذه الزيارات والتقاربات قد تبدى بصورة واضحة في 5 من فبراير 2018، حينما فازت قطر بحصة 25% من مشروع للتنقيب عن النفط قبالة سواحل “جنوب إفريقيا”، بالشراكة مع “توتال” و”سي إن أر إنترشيونال” و”مين ستريت”، وقد بلغ مجموع استثمارات قطر في قطاع الطاقة الجنوب إفريقي نحو 9 مليارات دولار.
كما دخلت قطر لأول مرة قطاع النفط الموزمبيقي هذا العام (8 من ديسمبر 2018)، عندما اشترت حصة 10% من التنقيب على النفط في 3 مناطق بحرية، بالشراكة مع “إكسون موبيل” الأمريكية، لتثبت قطر أقدامها بقوة في قطاع النفط الواعد بإفريقيا، مرتكزةً على تاريخ يناهز العقد في الوساطة لحل مشاكل الفرقاء بالقارة.
– عُمان
استغلت الدوحة سياسات مسقط غير التقليدية في المنطقة، التي تتقاطع كثيرًا مع خطوط السياسة القطرية وثوابتها، بالاستفادة من تطلعات الأخيرة لاكتشافات نفطية جديدة، عبر المساهمة بحصة 30%، من اكتشاف النفط في المنطقة البحرية رقم 52 قبالة سواحل عمان، بالشراكة مع “إيني” و”شركة النفط العمانية”، نوفمبر 2017، وتشارك “قطر للبترول” في معارض الطاقة بعُمان بشكل دائم.
حصص في شركات النفط العالمية
يبدو أن الدوحة التي تخطط لمضاعفة إنتاجها من النفط عشر مرات تقريبًا، ليصل إلى 6 ملايين برميل بحلول عام 2022، تزامنًا مع رفع إنتاجها من الغاز المسال إلى 110 ملايين طن سنويًا، وبناء واحد من أكبر مصانع تكسير الإيثان في العالم، لا تريد تضييع أي فرصة لتأمين فوائض نفطية، تمكنها من الشراكة بقوة في سوق النفط العالمية، إذ عملت مؤخرًا على الحصول على أسهم في شركات النفط العالمية، منها:
– استحواذ صندوق قطر السيادي على 3% من رأسمال شركة توتال الفرنسية، صيف عام 2011.
يُفسر يونس بلفلاح أستاذ العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي النهج القطري في قطاع الطاقة، بأنها تخفف من عبء المنظمة المنغمسة في السياسة إلى علاقات ثنائية أكثر مرونة “وربحًا”، وفق نظرية “التكلفة البديلة”
– وفي مايو 2012، استحوذ نفس الصندوق على نفس الحصة السابقة تقريبًا، ولكن في نظيرتها البريطانية “رويال داتش شل” هذه المرة.
– في مايو 2018، استحوذ الصندوق على 19% من أسهم عملاق النفط الروسي “روس نفط”، بقيمة تصل إلى 3.7 مليار يورو.
– وكان آخر الاستحواذات في يونيو من العام الحاليّ، حينما استحوذت “قطر للبترول” على 30% من أسهم شركتين تابعتين “لإكسون موبيل” الأمريكية، تعملان بالتعاون مع شركات محلية لاستكشاف النفط في 7 مناطق بالأرجنتين، لتصبح قطر شريكًا في كبريات شركات النفط العالمية كلها تقريبًا.
ويُفسر يونس بلفلاح أستاذ العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي النهج القطري في قطاع الطاقة، بأنها تخفف من عبء المنظمة المنغمسة في السياسة إلى علاقات ثنائية أكثر مرونة “وربحًا”، وفق نظرية “التكلفة البديلة”، إذ يمكن لقطر، في رأيه، أن تجني أرباحًا أكثر من خلال سياستها الجديدة، بدلاً من التقيد بسياسات المنظمة التي تراجعت حصتها العالمية بمقدار 10% في الفترة من 1975: 2017، وتعاني من ضغوط سياسية بعد إخراج الإدارة الأمريكية قانونًا يرفع الحصانة عن أعضائها ويتيح مقاضاتهم، مع تقديرات بزيادة الطلب على الغاز المسال بنسبة 5% حتى عام 2030.
“صندوق قطر السيادي”: ذراع الدوحة الطولى عالميًا
ومن جهته، يرى مناف قومان الباحث في الاقتصاد السياسي أن قطر تميل لاستثمار فوائض العائدات المالية من بيع الغاز عبر صندوقها السيادي، الذي تتجاوز أصوله 300 مليار دولار، ويعد واحدًا من أكبر عشرة صناديق سيادية في العالم، في “مشاريع قائمة فعلاً”، في اقتصادات عظمى، لتدر أرباحًا سريعة ومضمونة، من قطاعات متنوعة كالعقارات الإدارية والمصارف المالية والتجارة والتجزئة والمطارات والدواجن والرياضة والنفط، بغية كسر الاعتماد على الغاز كمصدر واحد للدخل، والإنفاق على خطة التحول للطاقات المتجددة كالرياح والشمس والهيدروجين والماء، ضمن “إستراتيجية قطر 2030”.
ويمتلك الصندوق الذي أُسس عام 2005 حصة 25% من أسهم الشركة المشغلة لمطار بولكوفو في سان بطرسبرج الروسية، و20% من شركة BAA التي تدير عددًا من المطارات، على رأسهم مطار هيثرو، و10% من سلسلة متاجر “كورتو إنجليس” أكبر سلسلة سوبر ماركت في إسبانيا، و10% من شركة “إمباير ستايت” في نيويورك، ويستحوذ على شركة “سونغبيرد” العقارية البريطانية، و3 فنادق عالمية في بريطانيا وأمريكا، كانت تتبع شركة “صحاري” الهندية، وأكبر برج مالي في سنغافورة، وبيت الأزياء الإيطالي الشهير” فالنتينو” ونادي “باريس سان جيرمان” الفرنسي، بالإضافة إلى استثمارات وأصول في تركيا والهند والصين وهونج كونج وبيلاروسيا.