أثار زعيم حزب “الحركة القومية” التركي دولت بهشتلي، الحليف الأكبر للرئيس رجب طيب أردوغان، زوبعة سياسية كبيرة خلال خطاب له أمام البرلمان التركي، بعد دعوة وجهها لزعيم ومؤسس تنظيم حزب العمال الكردستاني “PKK”.
وفي كلمته قال بهشتلي: “ليس إلى قنديل ولا إلى أدرنة، ليتجه الاهتمام من إيمرالي إلى البرلمان، ولتُزَل مشكلة الإرهاب بشكل كامل من جدول أعمال البلاد”.
دولت بهجلي:
لا إلى قنديل ( PKK ) ولا إلى أدرنة (دميرتاش)؛ ليتجه العنوان من إيمرالي( أوجلان ) إلى البرلمان، ولتُزال مشكلة الإرهاب بشكل كامل من جدول أعمال البلاد .
هذا هو التحدي، نحن على استعداد لذلك.
و طالب بهجلي عبدالله أوجلان بالحضور الى البرلمان و اعلان السلام . pic.twitter.com/W8XDoQVRF2
— Dilshad khalaf (@DilshadKhalaf) October 22, 2024
وتشير الأماكن الثلاث التي ذكرها بهشتلي إلى المعضلة الأمنية والسياسية الكبرى التي تواجهها تركيا منذ عقود، وهي ملف حزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابيًا في تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فـ”قنديل” هي المعقل الرئيسي لمسلحي الحزب في الجبال الحدودية بين تركيا وشمال العراق، أما أدرنة فهي الولاية التي يُمضي في أحد سجونها، زعيم “حزب الشعوب” الكردي المعارض صلاح الدين ديمرتاش، حكمًا قضائيًا بالسجن 42 عامًا، وأما “إيمرالي” التي أراد بهشتلي توجيه الاهتمام إليها، فهي جزيرة صغيرة في بحر مرمرة جنوب إسطنبول، يقبع في سجنها عبد الله أوجلان.
موقف صادم لبهشتلي
ورغم أن الأماكن الثلاث تشير بالمُجمل إلى قضية واحدة، فإن حليف الرئيس التركي وجه حديثه إلى مؤسس حزب العمال الكردستاني، داعيًا إياه للوقوف أمام البرلمان، وإعلان حل تنظيمه بشكل نهائي لتحقيق السلام في البلاد، مع احتمال منحه “حق الأمل” في حال قام بذلك، ويشير “حق الأمل” لحكم أصدرته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عام 2014، نص على إمكانية منح حرية التنقل للشخص المحكوم بالمؤبد.
واعتقلت تركيا عبد الله أوجلان في عملية أمنية بالعاصمة الكينية نيروبي عام 1999، وأُحضر إلى تركيا وصدر عليه حكم الإعدام بتهمة الخيانة والانفصالية، ثم خُفف الحكم للمؤبد بعد إلغاء تركيا عقوبة الإعدام عام 2002.
ويُعد رئيس الحركة القومية دولت بهشتلي من أشد السياسيين المناهضين لحزب العمال الكردستاني وزعيمه المسجون، وجميع الأحزاب الكردية الموالية لأوجلان، بل كان بهشتلي من أشد المطالبين بتطبيق حكم الإعدام ضد أوجلان المعروف عند أكراد تركيا بلقب “آبو”، حتى إنه قام بإلقاء حبل على تجمع حاشد في عام 2007، وطالب أردوغان بإعدام فوري لأوجلان.
وفي الجلسة البرلمانية الأخيرة خاطب بهشتلي نواب الحزب الديمقراطي الذي يمثل الأكراد في البرلمان: “إذا سُمح له بالخروج من السجن، فليأتي ويتحدث… دَعوه يعلن أن الإرهاب قد انتهى تمامًا وأن الجماعة تفككت”، وأضاف: “بينما نحارب الإرهاب بلا هوادة من ناحية، فإن الخيار الأكثر منطقية يتلخص في تنفيذ الإصلاحات الديمقراطية والأنظمة الاجتماعية والاقتصادية من ناحية أخرى. لا يوجد شيء مشترك بين إخواننا الأكراد والمنظمة الإرهابية”.
ثم بعد انتهاء خطابه بادر زعيم القوميين الأتراك إلى مصافحة النواب الأكراد، في مشهد وصف بأنه “تحول تاريخي” بالبلاد، التي تواجه حزب العمال الكردستاني كأكبر تهديد داخلي منذ صيف العام 1984، حين بدأ بشن هجمات إرهابية أسفرت عن مقتل أكثر من 40 ألف شخص، وتدمير مئات القرى في ولايات الجنوب الشرقي من تركيا.
وذكرت وكالة “رويترز” أن وسائل إعلام تركية أثارت في الأسابيع القليلة الماضية تكهنات بشأن جهود جديدة لإنهاء الصراع المستعر مع التنظيم منذ 40 عامًا، وهذا ما أكده كذلك موقع “المونيتور“، في تقرير صدر بوقت سابق من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، أفاد فيه بوجود محادثات استكشافية لاستئناف مُحتمل لمفاوضات السلام بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني.
وكانت تركيا أجرت أول محادثات سلام مع أوجلان وحزب العمال في العام 2012، توقفت بموجبها هجمات التنظيم، لكن العملية انهارت بعد تفجير دموي في منطقة “سروتش” قرب الحدود مع سوريا في يوليو/تموز 2015، التي عادت بعدها المعارك أشد احتدامًا في جنوب شرق البلاد.
الردود الأولية
عقب خطاب بهشتلي كتب نائبه فيتي يلديز على حسابه الشخصي في منصة “إكس”: “أصبح الثاني والعشرون من أكتوبر حدثًا بارزًا في السياسة التركية. ومن هذا اليوم فصاعدًا، ستُجرى جميع التقييمات السياسية على أساس ما قبل الثاني والعشرين من أكتوبر، وما بعد الثاني والعشرين من أكتوبر”.
Türk siyasetinde
22 Ekim bir milattır. Bugünden sonra siyasi değerlendirmeler
22 Ekim’den önce,
22 Ekim’den sonra diye yapılacaktır.
— Feti Yıldız (@YildizFeti) October 22, 2024
ويشير ذلك إلى مسار جديد بدأ بالفعل في تركيا، لإغلاق ملف استنزف البلاد خلال 4 عقود عسكريًا وأمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا، فيما جاءت أول الردود على هذا الخطاب من تولاي حاتم أجولاري، الزعيمة المشتركة للحزب الديمقراطي، الممثل السياسي للأكراد، في كلمة ألقتها أمام نواب الحزب بالبرلمان.
وقالت أجولاري: “السلام الحقيقي هو البداية، ويجب رفع العزلة (عن أوجلان)، والبوصلة في حل المشكلة هي التفاوض الديمقراطي والسلام المشرف”، وأضافت: “نحن لا نطلب الحل من أحد.. نحن مستعدون لأخذ زمام المبادرة من أجل سلام مشرف”، وهو ما يشير إلى قبول مبدئي بالتفاوض بشأن “السلام”، بما يشمل عبد الله أوجلان، والسياسي الكردي صلاح الدين ديمرتاش كذلك.
وفي معرض تعليقه على دعوة حليفه القومي، وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تصريحات بهشتلي بأنها “فرصة تاريخية”، وقال في الاجتماع الموسع لرؤساء المقاطعات في مقر حزبه: “لا مكان للإرهاب وجانبه المظلم في مستقبل تركيا. نريد أن نبني تركيا خالية من الإرهاب والعنف معًا. ولا ينبغي التضحية بنافذة الفرصة التاريخية التي فتحناها كتحالف الشعب من أجل الجشع”، وأضاف: “كمؤسسة سياسية، والبرلمان، والمجتمع المدني، والصحافة، والأكاديمية، والمجتمع، دعونا نبني تركيا خالية من الإرهاب”.
وربط أردوغان المساعي لتحقيق السلام في تركيا بالأزمات والتوترات الكبيرة في الشرق الأوسط، ووصفها بأنها خطوة نحو “تعزيز الجبهة الداخلية” بينما “تُرسم الخرائط بالدم مرة أخرى، وتقترب حرب إسرائيل من غزة إلى لبنان من حدودنا”.
أما زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل، فعبر عن موقف إيجابي بشأن دعوة السلام، وقال: “إذا لم يكن هناك المزيد من الشهداء في تركيا، إذا توقفت دموع الأمهات، إذا كان هذا البلد متحدًا، فإن كل كلمة تُقال من أجل هذا مهمة وقيمة”.
لكنه طالب بأن تكون عملية السلام وفق جدول تجمع عليه كل الأطراف، وألا يكون بقيادة التحالف الحاكم فقط، وأضاف: “يجب مناقشة هذه القضية من قبل جميع الأطراف الذين يجلسون حول طاولة مستديرة، مع إعطاء الأولوية لتركيا، وليس لمصالحهم الخاصة”.
فيما كان الموقف الأكثر رفضًا لدعوة بهشتلي صادرًا من حزب “الجيد” المعارض، المنشق عن حزب الحركة القومية، إذ عبر رئيسه مساوات درويش أوغلو عن رفض حزبه قطعيًا هذه الدعوة، قائلًا: “لا يمكنه (أوجلان) الدخول لهذا البرلمان دون أن يدوس على جثثنا”.
قراءة في التوقيت
تتزامن دعوة بهشتلي مع حدثين مهمين في السياق التركي، الأول يتعلق بوفاة زعيم تنظيم غولن المصنف إرهابيًا، فتح الله غولن، بمقر إقامته في بنسلفانيا بالولايات المتحدة، الذي يُتهم بأنه المخطط لمحاولة الانقلاب الفاشلة صيف العام 2016، وتُعد وفاته إغلاقًا لصفحة استمرت عقودًا، أنشأ فيها غولن ما يُعرف بـ”التنظيم الموازي” في تركيا.
أما الحدث الثاني فيأتي في سياق الحرب الحالية في غزة ولبنان، ويرتبط بتصريحات للرئيس التركي في وقت سابق من الشهر الحالي، تحدث عن خلفياتها تقرير سابق لموقع “نون بوست”، أشار فيها أردوغان إلى مخطط إسرائيلي لغزو دمشق ومن بعدها محاولة غزو الأناضول أيضًا، فيما أشار وزير دفاعه يشار غولر إلى سعي “إسرائيل” لجر الجنوب التركي نحو الفوضى.
وضمن تصريحاته أوضح أردوغان أن حكومته بصدد “ترتيب الجبهة الداخلية” لمواجهة مخططات “إسرائيل” الرامية لإنشاء “هياكل صغيرة تابعة لها في شمال العراق وسوريا، باستخدام المنظمة الانفصالية كأداة”، قاصدًا حزب العمال الكردستاني، وذراعه السورية قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
وهذا ما ذهب إليه بوضوح، الصحفي التركي عبد القادر سلفي المقرب من الحزب الحاكم، إذ تحدث في مقالة بصحيفة “حرييت” عن اجتماع ضم أردوغان وبهشتلي في 3 أكتوبر/تشرين الأول أكتوبر الجاري، وتم فيه الاتفاق على ترك صراع المعارضة جانبًا والالتفاف حول المحور التركي وتعزيز الجبهة الداخلية، من خلال إبطال المخططات الرامية لبث الفوضى وعدم الاستقرار من خلال حزب العمال الكردستاني وذراعه السورية “قسد”، التي تسعى الولايات المتحدة لتعزيز جهودها الانفصالية من خلال إجراء انتخابات محلية.
يقول سلفي: “وجود هيكل تابع لحزب العمال الكردستاني في الأراضي السورية يمثل مشكلة بقاء بالنسبة لتركيا. لقد اتخذت تركيا كل ما هو ضروري لمنع ذلك. ولكن، في هذه الفترة الصعبة، جبهتنا الداخلية تحتاج أيضًا إلى تعزيز.. أعتقد أن تحركات أردوغان وبهشتلي تهدف جزئيًا إلى تحقيق ذلك”.
ومن جانب آخر، قد يتعلق الأمر بحسابات انتخابية، وفق ما ذكره الصحفي التركي أمين كولاسان، الذي كتب في موقع “سوزجو” المقرب من المعارضة التركية، بأن زعيم حزب الشعب الجمهوري أوغور أوزيل سيقوم الأسبوع القادم بجولة في ولايات الجنوب والجنوب الشرقي في تركيا، وهي الولايات التي ابتعدت عن التصويت لحزب العدالة والتنمية الحاكم في انتخابات الرئاسة والبلدية الأخيرة.
ويرى كولاسان أن دعوة بهشتلي هي محاولة من تحالف العدالة والتنمية والحركة القومية، لكسب أصوات هذه الولايات ذات الغالبية الكردية من جهة، وأن هذه التسوية التاريخية يمكن أن تؤدي لإفساح الطريق أمام الرئيس التركي للترشح لولاية رئاسية ثالثة، من جهة ثانية.