عن عمر ناهز الـ87 عامًا، وبعد معاناة مع المرض استمرت لسنوات غادر الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود، شقيق العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وأحد أكبر وأهم أمراء الأسرة الحاكمة، الحياة، تاركًا خلفه إرثا سياسيًا تميّز بالمعارضة لمنهجية الأسرة الحاكمة، وتخلّلها صراع مع أشقائه الملوك، فضلاً عن مسيرة اقتصادية حافلة بالنجاحات.
عُرف عن الأمير الذي يعد النجل الـ18 للملك عبد العزيز اهتمامه بأعمال الخير حتى أطلق عليه “عرّاب الأنشطة الإنسانية والإنمائية”، فضلاً عن رؤيته الإصلاحية للنظام الحاكم في المملكة، إذ أسس مع أربعة من إخوته حركة “الأمراء الأحرار” على خلفية التوترات الحاصلة بين الملك سعود والأمير فيصل.
تلك الحركة التي نادت حينها بإنشاء حكم دستوري برلماني وإبعاد أسرة آل سعود عن شؤون الحكم، وهو ما لم يتحقق ليدفع الرجل ثمن مواقفه فيما بعد، تجريدًا لصلاحياته وحرمانًا من جوازه الدبلوماسي فضلاً عن عدم قدرته على العودة لبلاده متنقلاً بين بيروت والقاهرة.
على مدار 67 عامًا قضاها الأمير الراحل بين جنبات السياسة والاقتصاد منذ تعيينه وزيرًا للمواصلات في سن الواحدة والعشرين، تخللها موجات من المد والجذر مع أشقائه وأبناء عمومته، سطّر خلالها مسيرة حافلة من المواقف الشجاعة رغم ما أثير حوله من علامات استفهام إبان فترة توليه حقيبة المالية، ليغادر الحياة في صمت بعدما استحق عن جدارة لقب زعيم “الأمراء الأحرار” بالسعودية.
أول وزير للمواصلات بالمملكة
ولد الأمير طلال في مدينة الطائف غربي السعودية، في الـ15 من أغسطس عام 1931، عُين كأول وزير للمواصلات في المملكة عام 1952، وبعد عامين في هذا المنصب عيّن نائبًا لوزير المالية ثم وزيرًا للمالية عام 1960، ولم يقض بها سوى عام واحد فقط ليتولى الحقيبة الدبلوماسية للسعودية كسفير لبلاده في فرنسا عام 1961.
حفلت سيرته بتقلد العديد من المناصب المحلية والعربية والإقليمية، فترأس برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية (الرياض)، والمجلس العربي للطفولة والتنمية (القاهرة)، ومجلس أمناء الشبكة العربية للمنظمات الأهلية (القاهرة)، ومجلس أمناء مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث (تونس)، ومجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة (الكويت).
عُرف عن الأمير طلال شغفه بأعمال الخير والإنماء وتعزيز دوره الإنساني في المنطقة، فبعد مناوشاته مع أشقائه وإجباره على مغادرة بلاده وحرمانه من العمل السياسي، اتجه للعمل الخيري، فنجح في تحقيق خطوات ملموسة سطرت اسمه في سجلات هذا المضمار الواسع
كما كان الرئيس الفخري للجمعية السعودية للتربية والتأهيل (الرياض)، والرئيس الفخري للجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع ورئيس الأعضاء الشرفيين (الخبر)، والرئيس الشرفي لمعهد أمين الريحاني (واشنطن)، والرئيس الشرفي لمركز إبصار لرعاية المكفوفين (جدة)، والرئيس الفخري لوحدة منظمة التجارة العالمية، مركز التمييز بالإدارة – جامعة الكويت (الكويت).
هذا بخلاف عضوية عدد من المؤسسات والهيئات على رأسها مجلس أمناء مؤسسة منتور (جنيف)، ومؤسس في اللجنة المستقلة للقضايا الإنسانية الدولية (جنيف)، ورابطة معهد باستور (باريس)، ومنتدى الفكر العربي (عمان – الأردن)، كما عمل مبعوثًا خاصًا لـ”اليونيسكو” للمياه، والمبعوث الخاص لـ”اليونيسيف”.
حركة “الأمراء الأحرار”
الأمير الأحمر
عام 1958 وبسبب التوترات بين الملك سعود بن عبد العزيز والأمير فيصل، تلك التوترات التي هزت عرش آل سعود في المملكة، أسس الأمير طلال مع 4 من إخوته (الأمير مشاري والأمير بدر والأمير تركي الثاني والأمير فواز) حركة أطلق عليها “الأمراء الأحرار” على غرار حركة “الضباط الأحرار ” في مصر.
تلك الحركة نادت حينها بإنشاء حكم دستوري برلماني وإبعاد أسرة آل سعود عن شؤون الحكم، بينما لقب طلال بـ”الأمير الأحمر” لما يعتنقه من أفكار اشتراكية وقتها، وهو ما أزعج الملك سعود حينها حيث ضيق الخناق عليهم بصورة كبيرة دفعتهم إلى مغادرة المملكة.
وفي عام 1962 غادر أعضاء الحركة إلى بيروت ومنها إلى القاهرة حيث استقبلهم الرئيس المصري جمال عبد الناصر، ليبدأ الأمير طلال حينها بشن حملاته ضد الأسرة الحاكمة وأشقائه في الرياض، وذلك عبر إصدار البيانات التي تطالب بإسقاطهم من الحكم، ما دفع السلطات السعودية بسحب جوزاه الدبلوماسي وتجميد ثروته، إضافة إلى وضعه على قوائم المطلوبين ما دفعه للبقاء خارج بلاده طيلة حكم سعود.
رغم توجهاته الإصلاحية لم يتمتع طلال بالشعبية الكبيرة بين القبائل السعودية، بخلاف عدم وجود الدعم الكاف للحركة، وهو ما أجهضها بصورة كاملة وأصاب تحركاتها بالشلل التام، ليطوي طلال ورفاقه صفحتها للأبد، معلنين عودتهم إلى بلادهم بعد أن سمح لهم الملك فيصل إثر توليه العرش لكن بشروط محددة على رأسها تخليهم عن العمل السياسي والكف عن التدخل في شؤون الحكم، ليتجه بعدها الزعيم الأحمر إلى التجارة والأعمال.
عام 2011، أعلن الأمير طلال استقالته من منصبه في هيئة البيعة (الهيئة التي أنشأها الملك عبد الله بن عبد العزيز لترتيب اختيار الملك وولي العهد في السعودية فيما بعد) بعد أسابيع قليلة من تعيين الهيئة لأخيه غير الشقيق الأمير نايف وليًا للعهد، رغم أنّه أكبر منه سنًا.
تغريداته وإن قل عددها إلا أنها تكشف توجهاته الحقيقية حيال العاهل السعودي الحاليّ، الملك سلمان ونجله ولي العهد، حيث أطلق بعض التدوينات التي انتقد فيها بشكل مباشر وغير مباشر سياسة أخيه الذي يصغره بخمسة أعوام
عرّاب النشاطات الإنسانية
عُرف عن الأمير طلال شغفه بأعمال الخير والإنماء وتعزيز دوره الإنساني في المنطقة، فبعد مناوشاته مع أشقائه وإجباره على مغادرة بلاده وحرمانه من العمل السياسي، اتجه للعمل الخيري، فنجح في تحقيق خطوات ملموسة سطرت اسمه في سجلات هذا المضمار الواسع.
البداية حين تبنى إرسال الطلاب السعوديين للابتعاث للخارج على نفقته الخاصة، كما أسس أول مدرسة للتدريب المهني في السعودية عام 1954، وأخرى لتعليم البنات في الرياض عام 1975، وفي نفس العام أهدى “قصر الزهراء” في مكة المكرمة للحكومة في 1957 ليصبح أول كلية للبنين.
كما أسس أول مستشفى خاص في العاصمة السعودية حملت اسمه وخصص 70% من العلاج المقدم بها بالمجان لغير القادرين و10% للأطفال، وبعد ذلك أهدى المستشفى للحكومة التي غيرت اسمها فيما بعد لتصبح “مستشفى الملك عبد العزيز الجامعي” علاوة على ذلك فقد بنى عشرات المستوصفات والمراكز الطبية للعلاج بالمجان.
وبداية من العام 1980 بدأ الأمير الراحل في نقل بوصلة مشروعاته الإنسانية خارج المملكة، فبادر بتأسيس برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية، بغرض دعم جهود التنمية البشرية المستدامة في دول العالم النامية، كذلك ساهم في إنشاء عدد من المؤسسات التنموية، الخليجية والعربية، على رأسها المجلس العربي للطفولة والتنمية ومركز المرأة العربية للتدريب والبحوث (كوتر) والشبكة العربية للمنظمات الأهلية وبنك الفقراء والجامعة العربية المفتوحة.
العاهل السعودي يقبل يد شقيقه الأكبر
انتقاده لسياسات سلمان
رغم تركه للعمل السياسي وتفرغه للمال والأعمال حتى صار ابنه الوليد أحد أبرز أباطرة المال في السعودية والعالم، فإن طلال ظل مصنفًا كواحد من الأمراء المعارضين لسياسات العائلة الحاكمة، ومن ثم لم يكن من النوعية المرضي عنها داخليًا، فتاريخه ومواقفه إبان الملك سعود لم تمحى بعد من ذاكرة أشقائه وأبناء عمومته.
إعادة الهيكلة التي حدثت بالبيت الداخلي السعودي، من خلال قرارات العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، حيث أعفى ولي العهد من منصبه “مقرن بن عبدالعزيز” الذي عينه الملك الراحل عبد الله وليًا لولي العهد، كما عين سلمان الأمير “محمد بن نايف” في منصب ولي العهد، ووضع ابنه الثلاثيني “محمد بن سلمان” وليًا لولي العهد بجانب كونه وزيرًا للدفاع، بالإضافة لإعفاء سعود الفصيل وزير الخارجية التاريخي للمملكة، وبعض التعديلات الوزارية الأخرى، لم ترق بالشكل المناسب للأمير طلال.
الرجل الذي اختلف مع إخوته أبناء عبد العزيز لسنوات عدة، رأى أن هذه القرارات أتت مخالفة لما اتفق عليه في اجتماعات مكة بين أبناء عبد العزيز، داعيًا إلى اجتماع عاجل لهيئة البيعة مع أبناء عبد العزيز وأعضاء مجلس الشورى وهيئة كبار العلماء للنظر في هذه القرارات.
“لا سمع ولا طاعة لأي شخص يأتي في هذه المناصب العليا مخالفًا لمبادئ الشريعة ونصوصها وأنظمة الدولة التي أقسمنا على الطاعة لها” طلال بن عبد العزيز
تغريداته وإن قل عددها إلا أنها تكشف توجهاته الحقيقية حيال العاهل السعودي الحاليّ، الملك سلمان ونجله ولي العهد، حيث أطلق بعض التدوينات التي انتقد فيها بشكل مباشر وغير مباشر سياسة أخيه الذي يصغره بخمسة أعوام، ولعلها بشكل أو بآخر كانت أحد الأسباب وراء الموقف من الوليد وأخيه خالد الذي تتناقل بعض الأنباء خبر الإفراج عنه فيما تؤكد مصادر أخرى بقاءه قيد الاعتقال حتى الآن.
في أبريل 2015، اتهم الأمير طلال السلطات الحاكمة في المملكة بالبُعد عن الشريعة الإسلامية في بعض القرارات المتخذة، ومن ثم فلا سمع ولا طاعة لأي شخص يخالف تلك الأحكام، ففي تغريدة له كتب يقول: “فوجئت عند نهاية العهد ما قبل الحاليّ وهذا العهد بقرارات ارتجالية، أعتقد بعد التوكل على الله أنها لا تتفق مع شريعتنا الإسلامية ولا أنظمة الدولة، وسبق لي أن ذكرت في هذا الموقع أنه لا سمع ولا طاعة، وبالتالي لا بيعة لمن خالف هذا وذاك”.
فوجئت عند نهاية العهد ما قبل الحالي وهذا العهد بقرارات ارتجالية أعتقد بعد التوكل على الله أنها لا تتفق مع (cont) http://t.co/dzheCz5NS2
— طلال بن عبدالعزيز (@TalalAbdulaziz) April 29, 2015
وأضاف: “أؤكد على موقفي هذا، وأدعو الجميع إلى التروي، وأخذ الأمور بالهدوء تحت مظلة نظام البيعة، الذي ورغم مخالفته لما اتفق عليه في اجتماعات مكة بين أبناء عبد العزيز، لا يزال هو أفضل المتاح، رغم أن الأمر الذي اتفق عليه في مكة أن ينظر في تعديل بعض المواد – إذا وجد ذلك ضروريًا – بعد سنة من إقراره، الأمر الذي لم يتم وللأسف”، مشددًا على أنه “لا سمع ولا طاعة لأي شخص يأتي في هذه المناصب العليا مخالفًا لمبادئ الشريعة ونصوصها وأنظمة الدولة التي أقسمنا على الطاعة لها”.
وفي يونيو من نفس العام غرد يقول: “طفح الكيل من عراقيل جهات سيادية ممثلة في الديوان الملكي ووزارة الخارجية ووزارة المالية”، وتابع: “إنه لمما يُرثى له من أوضاع أن نصل للدرجة التي تضع فيها بعض الجهات الحكومية الرسمية العراقيل أمامنا في أمور بديهية بسيطة، وقد دعانا ذلك إلى اللجوء بعد الله عز وجل إلى الإعلام، تلميحًا على أساس أن اللبيب بالإشارة يفهم، وليكن التصريح لو تعقدت الأمور أكثر، وقد أردنا من ذلك أن يعرف الجميع مثل هذه الأمور التي هي في بداياتها، ونرجو مخلصين ألا تستفحل وتصل لأبعادٍ طالما تجنبناها”.
طفح الكيل من عراقيل جهات سيادية ممثلة في الديوان الملكي ووزارة الخارجية ووزارة المالية إنه لمما يُرثى له من (cont) http://t.co/kqpLlpXckX
— طلال بن عبدالعزيز (@TalalAbdulaziz) June 3, 2015
جوائز وأوسمة
طيلة سيرته الحافلة بالإنجازات في ميادين العمل الخيري والمجتمعي، السعودي والعربي والإقليمي والدولي، حصل طلال على عدد من الأوسمة والجوائز تقديرًا لإسهاماته، منها وشاح الملك عبد العزيز من السعودية عام 1976، ووسام من الحكومة اللبنانية في أوائل الستينيات، ووسام الدولة من حكومة البرازيل عام 1982، ووشاح وشهادة تقدير من حكومة هايتي في 1982، ووسام القلب الذهبي من حكومة الفلبين عام 1983.
علاوة على حصوله على وسام ضابط عظيم من حكومة فرنسا في 1983، ووسام شخصية العام من اللجنة الدولية المستقلة عام 1985، ووسام الاستقلال (الصنف الأول) في تونس عام 1985 من الرئيس الحبيب بورقيبة، ووسام النصف الأكبر من الجمهورية التونسية من الرئيس زين العابدين بن علي عام 1993، والدرع الذهبية من جمعية المغتربين الدولية – جنيف في عام 1983، وميدالية السلام من هيئة الأمم المتحدة – نيويورك عام 1983، والميدالية الذهبية الكبرى من المنظمات العربية للتربية والثقافة والعلوم – تونس عام 1985.
وقد تلقى العاهل السعودي برقيات عزاء في وفاة شقيقه من عدد من القيادات العربية، منها الشيخ نواف الأحمد الصباح ولي العهد الكويتي، والشيخ جابر مبارك الصباح رئيس مجلس الوزراء في دولة الكويت، والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات، هذا فضلاً عن عدد من الفنانيين الذين نعوه عبر تغريدات على حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي
خالص العزاء والمواساة إلى خادم الحرمين الشريفين والعزاء موصول إلى أصحاب السمو أبناء وبنات الفقيد الأمير #طلال_بن_عبدالعزيز .
تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته pic.twitter.com/S6MxTgOh9l
— نوال الكويتية (@NAWALalq8iya) December 22, 2018
تعازيّي من قلبي لعيلة سموّ الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود
انشالله تكون نفسو بالسما 🙏🏼#وفاه_الامير_طلال_بن_عبدالعزيز
— Najwa Karam (@najwakaram) December 22, 2018