انفرجت أخطر أزمة تضرب عالم البيزنس والأعمال حاليًّا، وأصبح هناك بصيص من الأمل، في الإفراج عن كارلوس غصن اللبناني الأصل، البرازيلي الجنسية، وإمبراطور صناعة السيارات في العالم، والرئيس السابق لمجس إدارة شركة نيسان والرئيس الحاليّ لمجلس إدارة شركة رينو، بعد رفض محكمة في طوكيو، طلب الادعاء العام، بتمديد فترة توقيف الرجل المحبوس منذ شهر كامل في اليابان ومد حبسه حتى نهاية الشهر الحاليّ.
وتأمل عائلة أشهر وأغنى رؤساء الشركات في العالم، مغادرته زنزانته الصغيرة المحتجز فيها، بمركز اعتقال شمال طوكيو، بعد شكاوى نقلتها الصحافة عن محاميه، لاستيائه من البرد القارس والطعام الرديء الذي يقدم له، وهو الذي كان يتنقل في جولاته بطائرته الخاصة، ويتحدث العالم شرقه وغربه عن مفردات ممتلكاته، كأحد أثرياء المعمورة.
اقتحم عالم السيارات عن طريق شركة ميشلان المعروفة بتصنيع الإطارات المطاطية، وسريعًا عرف طريقه للترقي، وشغل أرفع المناصب القيادية بالشركة
يعيش عالم المال والأعمال، حالة من الذهول والقلق، منذ كشف تلابيب القضية وإعلان احتجاز غصن إثر اتهامه بارتكاب مخالفات والتلاعب في أصول مالية لـ”نيسان” بين أعوام 2015 و2018، بحسب تحقيقات داخلية أطاحت بالرجل من منصبه في رئاسة مجلس إدارة الشركة، كما عُزل من المنصب ذاته الذي يتولاه في ميتسوبيشي موتورز، في حين أبقته رينو في منصبه، ما عرض التحالف القائم بين الشركتين، منذ عام 1999 لعاصفة قد تهدد ببقائه.
من كارلوس؟ وماذا حدث معه؟
غصن رجل أعمال من أصل لبناني، يحمل جنسيتين، إحداهما برازيلية والأخرى فرنسية، ولد في البرازيل، وقبل أن يتم عامه السابع، انتقل مع عائلته من جديد إلى مسقط رأسه في بيروت بلبنان، وانتقل مرة أخرى إلى باريس، ليتخرج في كلية الهندسة عام 1974، ما مكنه من خبرات كبيرة، جعلته يجيد العربية والإنجليزية والبرتغالية والفرنسية بطلاقة تحدثًا وكتابة.
رجل الأعمال كارلوس غصن
اقتحم عالم السيارات عن طريق شركة ميشلان المعروفة بتصنيع الإطارات المطاطية، وسريعًا ما عرف طريقه للترقي، وشغل أرفع المناصب القيادية بالشركة، وتولى رئاسة فروعها في فرنسا وألمانيا، وبسبب نجاحاته ترأس قطاع البحوث والتطوير، ومنه إلى رئاسة قطاع العمليات بأمريكا الشمالية عام 1989، واستطاع بعلاقاته أن يصبح حليفًا لأقوى 3 شركات عالمية رائدة في المجال، وحاز ثقتهم الكاملة وهم نيسان وميتسوبيشي ورينو.
مهارات الرجل التفاوضية وإنجازاته المستحيلة في ميشلان، جعلت منه صيدًا ثمينًا لشركة رينو الفرنسية، فنجحت عام 1996 في استقطابه للعمل لديها بمنصب نائب الرئيس التنفيذي، وأسندت إليه نفس الملف الذي حول فيه مسار ميشلان، وهو تطوير عمل الشركة وفتح أسواق جديدة لها، لينشأ تحالف جديد بين شركتي رينو ونيسان عام 1999، واختياره في 2001 رئيسًا تنفيذيًا للمجموعة العالمية الجديدة.
استمرت نجاحاته في انتزاع إعجاب أكبر الشركات المنافسة للتحالف الذي يرأسه، فوجه إليه رئيس شركة “تويوتا” تحية كبرى، واعتبره الكارت الرابح للصناعة حاليًّا
تمثلت أحد أهم نجاحات كارلوس غصن التي منحته منصبه الجديد دون مزاحمة، إنقاذه لـ”نيسان” من الإفلاس عام 2000، وبدلاً من الاتجاه لبيع الشركة، عادت للإنتاج خلال 3 أعوام فقط، واستطاعت سياسته الجديدة، تسديد 20 مليار دولار من ديونها وتحويلها إلى شركة رابحة بميزانية تتجاوز 100 مليار يورو.
استمرت نجاحاته في انتزاع إعجاب أكبر الشركات المنافسة للتحالف الذي يرأسه، فوجه إليه رئيس شركة “تويوتا” تحية كبرى، واعتبره الكارت الرابح للصناعة حاليًّا، والأمل في مواصلة تطويرها، مما قفز به إلى الواجهة، وضُم إلى قائمة أفضل 50 رجل أعمال في العالم.
يعتبر كارلوس أول رجل في العالم يترأس شركتين من هذا الحجم في العالم خلال وقت واحد (رينو ونيسان)، قبل أن تسيطر الأخيرة عام 2016 على 34% من شركة ميتسوبيشي العملاقة، ويصبح غصن رئيسًا للثلاث شركات الأفضل في العالم، والمثير أنه رفض تولي هيكلة شركة “فورد”، وضمها للتحالف، بسبب تمسكهم بمنصب رئيس الشركة ومديرها التنفيذي وعدم إسناد هذه المناصب إليه.
قبل عام واحد، بدأ الرجل في فقدان تميمة الانتصارات والثقة التي حازها طيلة ربع قرن، وانتهت آخر معجزاته في عقد تحالف مع شركة أفتو فاز “لادا” الروسية، التي كانت تواجه أزمات كبيرة آنذاك، وعبر خبرته في إعادة الهيكلة، نجح في إيصال هذه المجموعة إلى منافسة شركة جنرال موتورز الأمريكية العملاقة عام 2016.
أوصل إنتاج التحالف إلى 9.8 مليون ليفصله عن جنرال التي تنتج عشرة ملايين وحدة سنويًا، بـ2%، ويقترب أيضًا من فولكسفاغن الألمانية صاحبة الـ10.3 مليون سيارة، وتويوتا اليابانية 10.18 مليون، ليحصل بذلك، على أحد أعلى الأجور في العالم 17 مليون دولار سنويًا، في عام 2017 .
من القمة للزنازين.. هكذا نهايات الكبار دائمًا
في الأزمة التي وصل إليها الرجل روايتان، الأولى من بيروت حيث النهاية، بعدما اكتشفت الوحدات القانونية بالتعاون مع طاقم مديرين تولوا ملفه بتوجيه من شركة نيسان، بعد أن فاحت رائحة غير معتادة عليها، وكانت المفاجأة أن منزل كارلوس الكائن بأرقى أحياء العاصمة اللبنانية، تم شراؤه وتجديده من مال الشركة، بمبالغ وصلت إلى نحو 15 مليون دولار.
الرواية الثانية، تؤكد أن الإيقاع بكارلوس كان مدبرًا بسبب سعيه لتمكين شركة رينو الفرنسية من شريكها الياباني الأكبر، بما يضعف من وضع نيسان في التحالف الذي يقوده، وهو ما أوحى لها بتوجيه ضربة قاتلة إليه
ما حدث مع غصن جعل البعض يرى أن الالتصاق بالكرسي لمدد طويلة ـ حتى لو لم يكن المنصب سياسيًا ـ يصل بصاحبه إلى الخلط بينه وبين شخص الكيان، وهو ما حدث مع كارلوس، وليس هذا فقط، بل ينعكس على تعقد علاقاته مع الموظفين واكتساب عدائهم، حيث كشفت بعض وسائل الإعلام نقلاً عن بعض المصادر بالشركة، احتفالات كبيرة للعاملين بنيسان فور إعلان المدير التنفيذي للشركة هيروتو سايكاوا اعتقال غصن لدرجة أن القاعات ضجت بالتصفيق الحاد، لتنتهي بطريقة مزرية علاقة الرجل بشركات أنجز فيها تحديات تاريخية، بسبب الإنفاق ببذخ على حساب نيسان، حسب التحقيقات الجارية، في ظل هيمنته الطويلة على مراكز صنع القرار فيها.
أما الرواية الثانية، فتؤكد أن الإيقاع بكارلوس كان مدبرًا بسبب سعيه لتمكين شركة رينو الفرنسية من شريكها الياباني الأكبر، بما يضعف من وضع نيسان في التحالف الذي يقوده، وهو ما أوحى لها بتوجيه ضربة قاتلة إليه.
يدلل مؤيدو هذه الرواية ومنهم رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس على اجتثاث نفوذ غصن في الشركة كاملاً، عبر توريط أكبر مساعديه غريغ كيلي، المقيم بالولايات المتحدة، حتى ينتهي أثره ورجاله تمامًا، لذا أقنعت مساعده بالتوجه إلى اليابان في اليوم نفسه الذي كان سيحضر فيه غصن، وسهلت الدعاوى للادعاء الياباني باعتقالهما بسهولة، بزعم جرائم مالية، وهو ما حدث بالفعل، وخلال ساعات قليلة كانت ممتلكاته في طوكيو يتم مداهمتها.
واضح ان الموضوع سياسى و لا يمكن ان يكون غير ذلك ! هذا الإفراط فى هذه الأفعال البوليسية لا يليق بدولة مثل اليابان ! أعطوا الرجل فرصة للدفاع ! عيب !!!! https://t.co/AohWChWIju
— Naguib Sawiris (@NaguibSawiris) December 21, 2018
نجيب ساويرس يدافع عن غصن
يدافع عن نفس الرواية، أسرة غصن، التي تؤكد أن اعتقاله على خلفيه اتهامات باستغلال موارد الشركة، خلفها أسباب شخصية وربما سياسية، وهي جزء من معركة سيطرة واسعة، ونهاية لنزاع طويل بين مؤسسي رينو ونيسان وميتسوبيشي، قد تنتهي بفض التحالف بينهما، وكان يجب أن يكون هناك كبش فداء لذلك، دون الأخذ في الاعتبار والعرفان بما قدمه كارلوس لنيسان تحديدًا، والثروات التي تحققت لها على يديه، بعد أن كانت تواجه شبح الإفلاس.
ما يدعم هذه الرؤية، شعور مسؤولي شركة “رينو” بالغبن، ومطالبتها السريعة فور القبض على كارلوس، لشريكتها اليابانية باجتماع عاجل مع حملة الأسهم، لبحث كيفية التعامل مع المخاطر الحقيقية بشأن التحالف بينهما، في الوقت الذي يدفع الفريق القانوني المصاحب لغصن ببراءته، كما تتولى الصحف المؤيدة له الضغط على اليابان، عبر نقد منظومة القوانين المسيئة التي ترهب رؤوس الأموال وتضعهم قيد الاحتجاز المهين بانتظار المحاكمة، في الوقت الذي يمكن إخلاء سبيلهم، وحضور التقاضي حتى الفصل في الأزمات.
وهي سياسة ناجحة حتى الآن، وتنبئ بالإفراج عن إمبراطور صناعة السيارات الذي تصدرت سيرته ونجاحاته كتب ريادة الأعمال، وكان يحظى بمكانة كبرى في اليابان، لدرجة أن صوره تحتل بكثافة جدران المطاعم والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، كأحد أهم الملهمين في عالم المال والأعمال، قبل أن تندثر قصته بين رحى آخر حلقات الصراع والنزاع على الانفراد بالسطوة بين التحالفات الكبرى.