خرج باحثا عن لقمة عيش له ولأهله، إلا أنه لم يعد إلى البيت حاملا ما أراد، فروحه صعدت إلى خالقها بينما جسده ظلّ تحت التراب، إنه “عياش محجوبي” الشاب الجزائري الثلاثيني الذي وافته المنية داخل أنبوب تحت الأرض علق فيه لستّة أيام. قصّة شاب أثارت الجدل في البلاد وأعادت إلى الأذهان تنكّر الدولة لذويها.
وفاة “عياش”
مساء أمس الأحد، أعلنت السلطات الجزائرية، وفاة الشاب عياش محجوبي (26 سنة)، الذي سقط في بئر ارتوازية بمدينة المسيلة شرقي العاصمة، بعد نحو 6 أيام من محاولات الإنقاذ. وقال مدير الحماية المدنية بمحافظة المسيلة العقيد فؤاد لعلاوي، إن عناصر الحماية المدنية بذلوا جهودا منذ الشروع في عملية الإنقاذ الثلاثاء الماضي، من خلال حفر عميق على محيط الأنبوب رغبة في الوصول إلى الضحية.
وكشف المسؤول بالحماية المدنية الجزائرية أن أسباب وفاة الشاب عياش ترجع إلى تدفق المياه الجوفية التي غطته داخل البئر إضافة إلى الأتربة، وأوضحت الحماية المدنية أن “عياش” لقي مصرعه قبل يومين من الإعلان الرسمي عن وفاته، بعد أن غمرت المياه أنبوب البئر الارتوازي الذي توفي فيه.
ويواصل إلى حد الساعة، عناصر الحماية المدنية عمليات الحفر من أجل اخراج “عياش” من الأنبوب الذي سقط فيه، ويرجع المسؤولون المحليون سبب التأخر في انتشال الجثة إلى صعوبة وقساوة الأرضية وتدفق المياه الجوفية على محيط الأنبوب بغزارة.
وفاقت عمليات الحفر والبحث 100 ساعة من دون انقطاع، على أمل الوصول إلى الضحية الذي كانت تشير كل المؤشرات بأنه قد فارق الحياة، في أطول عملية إنقاذ شهدتها البلاد كما تعد من بين الأطول على المستوى الدولي.
تفاصيل القصة
بداية قصة “عياش”، كانت يوم الثلاثاء الماضي، حيث يقول شقيقه “باديس”، إنه كان برفقة شقيقه يوم الحادث بعد إخراجهما للغنم للرعي، وعادا سوية إلى البيت، مضيفا أنه لدى سؤاله عن عياش لم يجده، قبل أن يعود أدراجه إلى مكان الرعي للبحث عنه.
يحمّل العديد من الجزائريين، الدولة مسؤولية وفات الشاب عياش محجوبي
هناك وجد باديس أحد الأطفال الصغار الذي أكّد له أنه سمع صراخ أخيه داخل بئر ارتوازية قديمة في هذه المنطقة الزراعية الخالية، يصل عمقه إلى 100 متر وعرضه نحو 35 سنتمتر، ليتم بعد ذلك اخبار أعوان الدفاع المدني.
بعد فترة طويلة نسبيا، وصلت فرق الحماية المدنية والدرك، وطوّقوا المكان، وسارعوا إلى رمي حبل من أجل أن يمسكها عياش، إلا أن المحاولة باءت بالفشل، فبدأت الجرافات وآلات الحفر في الحفر من أجل الوصول لعياش وإنقاذه، لكن بعد حفر بضع أمتار بدأت المعيقات من التربة الصلبة وتسرب الماء وغيرها، ما حال دونهم ودون الضحية.
ساعات قليلة، حتى انتشر الخبر، وغصّت منطقة “أم الشمل” بالناس والآلات الثقيلة للمساعدة في عملية الإنقاذ، وفي اليوم الرابع تقرّر إدخال عون من أجل إخراج عياش لكن الخطة لم تنجح ليستمر مسلسل الحفر، ثم تمّ قطع الحاجز الحديدي حتى يصلوا إلى الجزء الذي علق فيه عياش.
في اليوم السادس، تعلن الحماية المدنية رسميا خبر وفاة الشاب عياش محجوبي الذي ظل يصارع الموت والجوع ونقص الهواء والماء لأكثر من ستّة أيام في بئر قديمة مهجورة، رغم المجهودات الكبيرة لإنقاذه وفقا للحماية المدنية.
غياب الدولة وتجهيزاتها
“ستة أيام وليالي، عياش في بئر خالي والدولة لا تبالي، أيتها الدولة العظمى أين الشفقة والرحمة..” يقول أحد الأطفال الجزائريين منتقدا عدم تجاوب السلطات مع ما حصل للشاب عياش الذي توفي، وترك خلفه قصّة كشفت تخاذل الدولة مع أبناءها.
وطوال الأيام الستة الماضية، قام العديد من الجزائريين بنصب خيم بجانب البئر الذي سقط فيه الشاب عياش بالمسيلة، معبرين بهذا عن تضامنهم مع عياش وأهله، منتظرين خروجه، فيما تكفّل أخرون بتحضير الطعام للمرابطين هناك.
واستنكر أهالي المنطقة، عدم توفير الدولة لأليات الإنقاذ حتى تساعد في العملية، خاصة وأن معظم الأليات التي جاءت لمكان الحادثة تتبع مقاولين وأشخاص عاديين وليس الدولة، ما زاد من سخطهم على المسؤولين التابعين لها الذين حلّوا بينهم.
وأدى تبطئ تجاوب السلطات الجهوية وعدم تحركهم، إلى استنجاد أعوان الحماية المدنية بآليات وعتاد الخواص الذين هرعوا من كل ربوع المحافظة ومن خارجها بعتادهم وإمكانياتهم من أجل المساهمة في إخراج عياش من البئر.
ويحمّل العديد من الجزائريين، الدولة مسؤولية وفات الشاب عياش محجوبي، ذلك أنه لو توفّرت تجهيزات حديثة لتم إخراجه حيا، خاصة وأنه رغم مرور نحو 24 ساعة كان عياش يبعث بإشارات تدل على بقائه على قيد الحياة، رغم الوضعية الحرجة التي كان عليها.
قصة الشاب عياش محجوبي، مثال حي لألاف الشباب الجزائريين مثله، الذين تخلت عنهم الدولة وتركتهم ومصيرهم المظلم
تعرض محافظ المسيلة لانتقادات من قبل الأهالي، وذكرت بعض المواقع والصحف المحلية أنهم هاجموا سيارته وحطموا زجاجها للتعبير عن الغضب، كما أظهر فيديو متداول شقيق الشاب المتوفى وهو يعاتب المحافظ لأنه لم يتفاعل مع القضية إلا في اليوم الرابع.
فضلا عن غياب التجهيزات الحديثة للمساعدة في استخراج الضحية، غاب أيضا ممثلي السلطات المحلية عن مكان المأساة، فقد غاب المحافظ ورئيس البلدية ورئيس الدائرة عن المكان الذي علق فيه عياش طيلة الثلاثة أيام الأولى للواقعة.
مواقع التواصل تشتعل
مع بداية انشار قصة ” عياش محجوبي”، سادت حالة من الغضب والاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث نشر شاب جزائري يدعى بختي بلال، في توتير صورة للضحية وهو يؤدّي واجبه العسكري في إحدى الثكنات العسكرية في البلاد، وكتب فوقها، “عياش أدى واجبه تجاه الوطن لكن الوطن لم يؤدي واجبه تجاهه”
https://twitter.com/BilalBakhti/status/1076805975267557376
وتحت وسم “أنقذوا عياش“، كتب فضيل عمارة تغريدة جاء فيها، “ينجح في التعريف الحقيقي بالجزائر العميقة الموحشة عمق تلك الحفرة ووحشة تلك الجعبة … ينجح وهو ميت حيث فشل منتخبوها الاحياء الذين يعتبرون سكان هاته الحفر وعائهم الانتخابي ….. اعتبروا يا سكان الحفر.”
#انقذوا_عياش#عياش
ينجح في التعريف الحقيقي بالجزائر العميقة الموحشة عمق تلك الحفرة ووحشة تلك الجعبة … ينجح وهو ميت حيث فشل منتخبوها الاحياء الذين يعتبرون سكان هاته الحفر وعائهم الانتخابي …..اعتبروا يا سكان الحفر pic.twitter.com/EKJbQj9Wn4
— lamara fethi (@fethilamara) December 24, 2018
بدورها كتبت فتاة تضع اسم رانيا وعلم الجزائر للتعريف بها، تغريدة على حسابها الخاص في موقع توتير، تنتقد فيها تعامل السلطات مع قصة عياش، وجاء في التغريدة، ” اشهد أن السلطة الجزائرية صرفت الملايير من أجل صنم (تمثال عين الفوارة) ولم تستطيع توفير الإمكانيات اللازمة لإنقاذ روح بشرية.”
https://twitter.com/Rania_DZ25/status/1076819933412147200
من جهته نشر محمد الرحموني، صورة تظهر مصير الجزائريين برا، ووضع مثال عياش، وبحرا ووضع مثال المهاجرين الغارقين في البحر، ومصيرهم جوا أيضا ووضع مثال لذلك الطائرة المنكوبة التي راح ضحيتها العشرات من عناصر وقيادات الجيش الجزائري.
#انقذوا_عياش
ربي يرحمهم😢😧 pic.twitter.com/ky4wTBLOhe
— MOHAMED RAHMOUNI (@MOHAMED53547241) December 24, 2018
يرى عديد الجزائريين أن قصة الشاب عياش محجوبي، مثال حي لألاف الشباب الجزائريين مثله، الذين تخلت عنهم الدولة وتركتهم ومصيرهم المظلم، فيما فتحت ذراعيها للمسؤولين حتى يستنزفوا مدخراتها وثرواتها التي يسمع عنها الشعب ولا يراها.