لم يعلن نجل الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، سيف الإسلام، رسميًا حتى اللحظة ترشحه لمنصب الرئاسة أو لأي منصب سياسي آخر في ليبيا، غير أن أنصاره في الداخل بمساندة جهات خارجية بدأوا حملة مبكرة تُرشحه للانتخابات الرئاسية المنتظرة ربيع 2019، تزامنًا مع ارتفاع أصوات تنادي برفع الحظر السياسي المفروض عليه.
أنصار القذافي يتحركون
مطلع هذا الشهر، شهدت ليبيا إعلان انطلاق حملة بهدف دعم سيف الإسلام القذافي للترشح للانتخابات الرئاسية المرتقبة، ويقود الحملة التي اتخذت عنوان “رشحناك”، مجموعة من أنصار القذافي تأمل في عودة العائلة الحاكمة سابقًا إلى سُدة السلطة بعد ثماني سنوات من الثورة عليها، ويرفعون شعار “من أجل ليبيا اخترناك”.
يقول محمد الرميح مؤسس “حراك مانديلا” الداعم لسيف الإسلام القذافي، في بيان، إن الحملة التي تضم العديد من الأعضاء من مختلف مكونات المجتمع الليبي، تتزامن مع الاستعدادات التي تجري الآن مع أطراف الأزمة لإجراء الانتخابات الرئاسية التي تمثل الأمل الوحيد لإنقاذ الوطن والمواطن واسترجاع هيبة وسيادة وكرامة الدولة الليبية، وفق قوله.
وأضاف الرميح أنهم يستعدون لإطلاق الموقع الرسمي وجملة من البرامج سيتم إعلانها لاحقًا، داعيًا الليبيين إلى الانضمام للحملة وترشيح سيف الإسلام القذافي في الانتخابات، من أجل إعادة بناء الدولة من جديد والانتقال بها من مرحلة الدمار إلى الإعمار.
وكان أنصار القذافي قد عادوا إلى العمل السياسي علنًا وشكلوا “الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا” نهاية عام 2016، مطالبين بدور سياسي لسيف الإسلام في مستقبل ليبيا، واختاره المجلس الأعلى للقبائل وهو إطار يجمع عشرات القبائل، عام 2015، ممثلاً شرعيًا لليبيا.
تسعى موسكو لمزيد من التحكم في الوضع الليبي، مستغلة الغياب شبه الكامل لواشنطن عن الساحة الليبية
سيف الإسلام – 46 سنة – هو الابن الثاني للعقيد القذافي من زوجته الثانية الممرضة صفية فركاش، وأبرز أبنائه وأكثرهم جدلًا، ورغم عدم شغله منصبًا رسميًا فإنه مثّل ليبيا مرارًا في مفاوضات دولية، أهمها تلك المتعلقة باتفاقات تعويض عائلات ضحايا اعتداء لوكربي وضحايا اعتداء 10 من سبتمبر/أيلول 1989.
وما زال سيف الإسلام القذافي يتمتع بشعبية في ليبيا ويحظى بمكانة كبيرة خاصة من أنصار ومؤيدي نظام والده الذين عادوا في الفترة الأخيرة إلى الواجهة والنشاط، ويرى أنصار القذافي أن سيف يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا في إحلال السلام ولم شمل الليبيين، كما أنهم يرون فيه منقذ ليبيا من المخاطر التي أصابتها والمطامع وحالة الانهيار والضياع التي وصلت إليها.
في يونيو/حزيران الماضي، أفرجت كتيبة ليبية مسلحة تطلق على نفسها اسم “كتيبة أبو بكر الصديق” عن سيف الإسلام الذي كان محتجزًا في مدينة الزنتان غرب ليبيا منذ نوفمبر/تشرين الثاني عام 2011، بناءً على قانون العفو العام رقم 6 الصادر عام 2015 عن برلمان طبرق، رغم حكم الإعدام الصادر ضده.
ونشط سيف الإسلام بشكل كبير في فبراير/شباط 2011 خلال اندلاع الثورة في ليبيا وحاول جاهدًا إنقاذ النظام الديكتاتوري الذي أنشأه والده، وفي يونيو/حزيران 2011 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف في حقه بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، متهمة إياه بتأدية دور رئيسي في تنفيذ خطة وضعها والده تستهدف قمع الانتفاضة الشعبية بكل الوسائل.
سيف الإسلام.. طريق روسيا المعبد نحو ليبيا
فضلاً عن الدعم الداخلي يجد سيف الإسلام القذافي دعمًا خارجيًا كبيرًا من بعض القوى الإقليمية والدولية، فأمس الإثنين قال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، في تصريحات لوسائل إعلام روسية: “من حق نجل القذافي أن يكون جزءًا من العملية السياسية الشاملة”، وقال بوغدانوف الموفد الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إن بلاده تدعم جميع المشاركين في العملية السياسية في ليبيا، وفقًا ما نقلته قناة روسيا اليوم.
وتابع “من الناحية التاريخية، المجتمع (في ليبيا) يتسم بالطابع القبلي، أي أن موقف القبائل المختلفة له أهمية كبيرة، لذلك أعتقد أن الدكتور سيف الإسلام وأولئك الذين يدعمونه، يمثلون قبائل معينة في مناطق محددة من البلاد، وكل هذا يجب أن يكون جزءًا لا يتجزأ من العملية السياسية العامة، بمشاركة الأطراف السياسية الأخرى الموجودة في طبرق وطرابلس ومصراتة”.
وتتمتع المؤسسات القبلية في ليبيا بثقل اجتماعي كبير، وبغض النظر عما إذا كان هذا الثقل رسميًا أو غير رسمي، فهو يكتسي أهمية، كما أنه عامل فاعل في استقرار البلاد، وتعد العشيرة عنصرًا أساسيًا من مكونات المجتمع الليبي والنظام السياسي المرتكز على التحالفات القبلية أكثر من النخب الحضرية، وكثيرًا ما ساهمت التحالفات القبلية في تركيز النظام الليبي لسيادته وقوته، رغم أن ولاء العشائر يبقى ظرفيًا ومتقلبًا.
يرتبط النظام الروسي بعلاقات قوية مع عائلة القذافي
تسعى موسكو لمزيد من التحكم في الوضع الليبي، مستغلة الغياب شبه الكامل لواشنطن عن الساحة الليبية، وترى روسيا أن أمامها فرصة لكي تصبح الفاعل الأبرز في البلد الذي يعاني الانقسام منذ سنة 2014، حيث تحكمه العديد من المؤسسات المتناحرة التي تفتقد معظمها إلى الشرعية رغم ادعاء امتلاكها.
وتستغل السلطات الروسية حاجة الأطراف الليبية لها، للدفع بمكانتها هناك، ويعتبر عودة نجل القذافي للحكم أبرز سيناريو تسعى له موسكو، ذلك أن الطرفين يعرفان بعضهما البعض جيدًا، وهو من سيكفل ضمان مصالح روسيا في ليبيا الغنية بمصادر الطاقة.
ومن شأن نجاح أحد حلفاء الكرملين في ليبيا أن يفتح الطريق أمام حصول الشركات الروسية على عقود بمليارات الدولارات لإعادة الإعمار هناك، مع احتمال إقامة قاعدة بحرية روسية جديدة في البحر الأبيض المتوسط.
دعم إيطالي للإطاحة بحفتر
الدعم الخارجي لنجل القذافي لم يأت من روسيا فقط، فإيطاليا أيضا لم تخف دعمها له، حيث أعلنت روما أمس أنها لا تعارض مبدئيًا عودة محتملة لسيف الإسلام، للعمل السياسي وقيادة ليبيا في إطار المصالحة والعملية السياسية التي تدعمها إيطاليا بقوة، وذلك بعد يوم واحد على إنهاء رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي، زيارة مفاجئة إلى ليبيا.
ونقلت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) عن وكيل رئاسة الوزراء الإيطالية جان جورجيتي، قوله إن بلاده ليس بوسعها القول بعدم أحقية سيف الإسلام القذافي فيما وصفه بسعيه المحتمل لقيادة بلاده، أو أن تعترض عليه إذا كان يحظى بتأييد شعبي، مشددًا على أن “تلك هي الديمقراطية”.
تمتلك فرنسا حضورًا مهمًا في الجنوب الليبي، أين تتركز القبائل الليبية التي لا تزال تحتفظ بالولاء والتأييد للنظام السابق
ترى روما في نجل القذافي منافسًا حقيقيًا للعقيد المتقاعد خليفة حفتر الذي تكن له العداء، لذلك فهي تدعم سيف الإسلام حتى لا تخسر مكانتها في البلاد، فهي تسعى لضمان مصالح اقتصادية وإستراتيجية في ليبيا الغنية بالمواد الطبيعية ومكانها الجغرافي الإستراتيجي المطل على البحر المتوسط.
وتأمل إيطاليا في تثبيت مكانتها في هذا البلد العربي، حيث ما فتئ المسؤولون الإيطاليون يؤكدون أحقيتهم بمستعمرتهم السابقة، وضرورة عدم مزاحمتهم عليها، فليبيا بالنسبة إليهم مجال حيوي خاص وأرض خصبة لا يجب أن يكثر حولها الطامعون.
وتسعى إيطاليا لاستغلال الأزمة الليبية لإعادة تموضعها الجيوسياسي وتعزيز علاقاتها مع الجوار المتوسطي، فهي ترى أن الحل الرئيسي للأزمة الأمنية والاقتصادية الإيطالية يكمن في التوجه نحو الضفة الجنوبية للمتوسط.
خيار فرنسي كذلك
فرنسا من جهتها تدعم عودة سيف الإسلام القذافي، ولكن بدرجة أقل من روسيا وإيطاليا، وتأمل باريس في الحصول على النصيب الأكبر من السوق الليبية وتأمين أسواق مستقبلية لإصلاح اقتصادها المتردي، في ظل المنافسة مع العديد من القوى الإقليمية في ليبيا خاصة بمجال النفط، فليبيا تحتوي على ثروات هائلة من النفط وتقدر احتياطاتها بنحو 46.6 مليار برميل، وهي الأكبر في إفريقيا.
وتمتلك فرنسا حضورًا مهمًا في الجنوب الليبي، أين تتركز القبائل الليبية التي لا تزال تحتفظ بالولاء والتأييد للنظام السابق، وهي محتاجة لنفوذ سيف الإسلام هناك حتى تتمكن من إحكام السيطرة على الوضع هناك.
تسعى فرنسا إلى إحكام سيطرتها على الجنوب
يحتوي الجنوب الليبي بحسب دراسات المسح الجيولوجي الحديثة التي قامت بها شركات نفط أوروبية وأمريكية، على احتياطي هائل من النفط والغاز، ويوجد به حقل الشرارة للغاز والنفط فضلاً عن خزانات المياه الجوفية العميقة التي توفر المياه للنهر الصناعي العظيم، أحد إنجازات نظام القذافي القليلة.
وتستند فرنسا في محاولة بسط نفوذها على المنطقة إلى إرث تاريخي استعماري، حيث كان إقليم فزان لفترة طويلة قابعًا تحت السيطرة الفرنسية، وتستعمل فرنسا فزاعة الجماعات المتشددة كذريعة للسيطرة على جنوبي ليبيا، وتراهن السلطات الفرنسية التي تمتلك قواعد عسكرية شمال النيجر قرب الحدود الجنوبية الليبية على هذه المنطقة كأحد مصادر الثروات الباطنية من نفط وغاز ومعادن.