مرة أخرى تتلقى أمريكا محاضرة من دولة عميلة لها في الشرق الأوسط، ومحاضرة هذا الأسبوع هي من الرئيس المنتظر لمصر، والذي ينبغي أن يمثل أمام محكمة في لاهاي ليحاكم على أسوأ قمع تتعرض له مصر في تاريخها الحديث.
في معركة التنافس بين القيم ذات الوزن الخفيف والمصالح الإستراتيجية ذات الوزن الثقيل، من المسلم به أن التزامات الولايات المتحدة الأمريكية تجاه إسرائيل واتفاقية كامب ديفيد وقناة السويس ستتغلب بلا ريب. ولكن حتى لو كانت تلك المصالح وحدها تشكل معاً الموجه لمسار علاقة وتعامل الولايات المتحدة مع مصر، فيتحتم على نواقيس الخطر أن تقرع الآن في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون).
لا يكتفي عبد الفتاح السيسي، القائد العسكري الذي أطاح بأول رئيس لمصر تم انتخابه ديمقراطياً، فقط بمطالبة الولايات المتحدة بإعادة دعمها العسكري لبلاده إلى سابق عهده حتى يتمكن من محاربة التمرد المتصاعد في شبه جزيرة سيناء، والذي تغذيه بشكل يومي وتفاقمه تكتيكات الأرض المحروقة التي ينتهجها الجيش المصري. بل ها هو الآن يطالب إضافة إلى ذلك بما لا يقل عن تدخل عسكري غربي ثان في الدولة المجاورة له – ليبيا.
فالفريق أول الذي منح نفسه ترقية رفعته إلى رتبة مشير أخبر موقع “فوكس نيوز” للأخبار أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو، وبسبب رفضهم نشر قوات للمساعدة في تحقيق الاستقرار في ليبيا بعد الإطاحة بالعقيد القذافي في أواخر عام 2011، تسببوا في خلق فراغ ترك ليبيا تحت رحمة المتطرفين والقتلة المأجورين والمجرمين، معلناً: “سيحاكمكم التاريخ بقسوة”.
وقال إن عدم رغبة الأمريكان في مساعدة مصر في حربها ضد أضخم تمرد إسلامي في تاريخ البلاد، وفي المساعدة على احتواء الحرب الأهلية في العراق وليبيا وسوريا، أوجد التربة الخصبة لنمو التطرف الديني والذي سيكون كارثة على الولايات المتحدة وعلى العرب معا، وعلى حد سواء.
رسالة السيسي ومفادها أن شرق ليبيا بات يؤوي “معسكرات تدريب للجهاديين” الذين يعملون بالتنسيق مع الإخوان المسلمين، لم تكن مفاجئة، فوسائل الإعلام المصرية تفيض بالتقارير التي تتحدث عما يسمى “الجيش المصري الحر”.
لقد غدت درنة، في الشرق الليبي، حصنا للجهاديين الدوليين، يقودهم، حسبما تخبرنا به هذه التقارير، أمير اسمه شريف الرضواني، الذي يأتمر بأمر قائده إسماعيل الصلابي، أحد أعضاء القيادة العليا في القاعدة، والذي كان مسؤولاً عن التنسيق مع الداعمين الأجانب ومع أجهزة المخابرات الدولية.
ما إن انطلقت صفارات الإنذار محذرة من تجمع الجهاديين على الحدود المصرية مع ليبيا حتى بادر وزير الدفاع الليبي خالد الشريف إلى نفي الخبر جملة وتفصيلاً، قائلاً إن “القصة غير صحيحة، فلم نر ما يثبت ذلك، فكلمة “جيش” تعني وجود أعداد كبيرة من الأفراد لا يمكن اخفاؤهم بسهولة”.
كما أنه استبعد نعمان بن عثمان رئيس مؤسسة قويليم التي تعمل في مكافحة التطرف (في بريطانيا) أن تكون القصة صحيحة.
بالفعل، هناك مزاعم بأن درنة باتت معسكراً لتدريب مجموعات مثل “أنصار الشريعة” التي تحملها واشنطن المسؤولية عن الهجوم على القنصلية الأمريكية في بنغازي، ومثل مجموعة تسمي نفسها “جيش الإسلام”. لا خلاف على وجود الجهاديين في درنة، وإنما الخلاف على الأعداد، ولا يوجد أي دليل على تجمع الجهاديين في كتائب وألوية على الحدود تمهيدا للهجوم على مصر. وبحسب ما صرح به بن عثمان فإن أعدادهم تعد على أصابع اليد الواحدة.
لا ينبغي الاستخفاف بدوافع الجيش المصري للتدخل في ليبيا، وبالذات لا ينبغي ذلك لوزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل الذي يسود الانطباع لديه أن طائرات الأباتشي العشر التي وافق الآن على تزويد مصر بها ستستخدم في سيناء وليس على الحدود الليبية. لقد قال بأن من مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة المساهمة في بناء قدرات شركاء الولايات المتحدة في المنطقة لمواجهة التهديدات الإرهابية.
إضافة إلى طائرات الأباتشي، تشتمل مبادرة هيغل على الإفراج عن جزء من المساعدة العسكرية السنوية التي تقدر بـ 3ر1 مليار دولار، بحيث يتم تفصيله على مقاس المشكلة الأمنية في سيناء.
لقد عبر السيسي بوضوح عن نواياه تجاه ليبيا، فقد صرح القائد العسكري الليبي السابق خليفة حفتر بأن السيسي عرض التدخل لدعم الانقلاب الذي حاول حفتر تنفيذه، ولكن كان مآله الفشل. وأخبر حفتر وكالة الأنباء الليبية “عين ليبيا” بأن الجيش المصري عرض نشر قواته للسيطرة على حقول النفط. وبعد فشل الانقلاب أنكرت مصر أية صلة لها به.
لعله تحصيل حاصل القول بأن دكتاتورا عسكريا يدفع بمصر نحو الجحيم لهو سيئ بما فيه الكفاية، إلا أن السيسي بجره دولاً أخرى فاشلة مثل ليبيا – والتي تزخر بالسلاح – في نفس الاتجاه، يصبح هو ذاته مصدراً رئيسا لإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة، وما يسعى لعمله في شرق ليبيا إنما يهدد أمن جميع الأطراف بلا استثناء. ولقد رأينا كيف ساهم السلاح الذي فاضت به الساحة الليبية في تغذية التمرد في مالي والحرب الأهلية في سوريا. فهل يريد هيغل ضم مصر إلى تلك القائمة؟ وهل يصب ذلك في المصلحة القومية للولايات المتحدة الأمريكية؟
ترجمة : عربي 21