ترجمة وتحرير: نون بوست
إذا طلبت من أي أمريكي أن يغلق عينيه ويتخيل شخصا تربى في الولايات المتحدة وتم استقطابه من قبل تنظيم الدولة في العراق وسوريا، فإن الصورة النمطية التي ستخطر بباله تتمثل في رجل نحيف وبني البشرة، ينحدر من عائلة مهاجرة، من المحتمل أنها من الشرق الأوسط، جنوب آسيا أو شمال إفريقيا. ولكن هذه الصورة المعتادة للأشخاص المتهمين بالإرهاب، قد تكون عفى عنها الزمن، وذلك بحسب دراسة جديدة نشرتها مؤسسة الأبحاث والتطوير الأمريكية راند.
في هذه الدراسة التي حملت عنوان “أنماط التحاق الأمريكيين بالمنظمات الإرهابية الأجنبية منذ هجمات 9/11 إلى اليوم”، عمل الباحثون على استكشاف العوامل التي مكنت تنظيم الدولة من النجاح في تجنيد الأمريكيين، وقد توصل هؤلاء إلى أنه خلال السنوات الأخيرة، أصبحت الصورة الديمغرافية الأكثر انتشارا بين المتهمين بممارسة الإرهاب بدوافع إسلامية متطرفة، هي لأمريكيين ولدوا في الأراضي الأمريكية، إما من البيض أو من الأمريكيين الأفارقة.
بينما تتغير طبيعة الإرهاب في العالم، سواء من الناحية الإيديولوجية أو تحت تأثير التكنولوجيات الجديدة مثل شبكات التواصل الاجتماعي، يبدو أن المتطرف الاعتيادي في الولايات المتحدة، بدأ يظهر مختلفا أكثر فأكثر عن نوعية الأشخاص الذين يريد الرئيس دونالد ترامب منعهم من دخول البلاد، إذ أن نتائج هذه الدراسة لها علاقة بسياسات الهجرة المعتمدة، على غرار ما يسمى قرار حظر دخول المسلمين، والذي ينبني على افتراض أن الإرهاب هو أمر ينبع بشكل طبيعي من المجتمعات المهاجرة، وخاصة منها التي تنحدر من الشرق الأوسط.
يبدو أن العامل الأساسي الذي أدى لهذا التغيير هو صعود تنظيم الدولة، إذ أنه خلال الأعوام بين 2014 و2016، وهي السنوات التي شهدت أوج أنشطة التجنيد التي قام بها التنظيم في الأراضي الأمريكية
قامت الدراسة التي أجرتها مؤسسة راند بدراسة ملفات 476 شخصا متورطين في قضايا متعلقة بالإرهاب المرتبط بالتطرف الإسلامي في الولايات المتحدة، خلال 16 عاما التي تلت هجمات 11 أيلول/سبتمبر. ومن بين هؤلاء الذين شملتهم الدراسة، هنالك 206 ينحدرون من أصول من الشرق الأوسط، شمال إفريقيا، وجنوب وسط آسيا، ما يعني نسبة 43 بالمائة من العدد الكلي للحالات.
في المقابل، أوضحت هذه الدراسة سمة مفاجئة ومهمة، وهي أن هذا العدد يتجه نحو الانخفاض بمرور الوقت، بمعنى أن نسبة وأعداد الأشخاص الذين ينحدرون من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب ووسط آسيا، شهد انخفاضا خلال السنوات الأخيرة مقارنة ببقية الفئات السكانية.
يبدو أن العامل الأساسي الذي أدى لهذا التغيير هو صعود تنظيم الدولة، إذ أنه خلال الأعوام بين 2014 و2016، وهي السنوات التي شهدت أوج أنشطة التجنيد التي قام بها التنظيم في الأراضي الأمريكية، لاحظت الدراسة أن أغلب من تم تجنيدهم للقيام بعمليات إرهابية في البلاد كانوا ينتمون للعرق القوقازي أو من الأمريكيين الأفارقة، وهما الفئتان السكانيتان اللتين عادة ما لا يتم اعتبارهما من المهاجرين. وخلال هذه السنوات الثلاث، تبين أن 79 في المائة، ثم 57 في المائة، ثم 62 في المائة من “الإرهابيين الجهاديين” ينحدرون من هاتين الفئتين من السكان.
تظهر هذه الاكتشافات أن الصورة النمطية السائدة حول الأشخاص الذين يتحولون لإرهابيين محليين في الولايات المتحدة في فترة تنظيم الدولة، هي في الواقع مختلفة عن الواقع والأرقام الرسمية. ويقول كل من هيذر وليامز، نايثن تشاندلر، وإيريك روبنسون، الباحثون الثلاثة الذين أشرفوا على إنجاز الدراسة: “ربما يكون الأمر الأكثر لفتا للانتباه هو أن الأفراد الذين تمكن تنظيم الدولة في العراق والشام من التأثير عليهم وجرهم للتطرف، لم يكونوا ينحدرون من عرقيات وإثنيات من الشرق الأوسط، شمال إفريقيا أو جنوب وسط آسيا، إذ أن 26 بالمائة فقط من المتهمين تنطبق عليهم هذه المواصفات، التي تنطبق على حوالي 53 في المائة من مجندي وأنصار تنظيم القاعدة”.
تقول الدراسة: “إن التركيبة الشخصية التي أظهرتها تحليلاتنا تشير إلى أن الفكرة النمطية التاريخية حول الرجل المسلم العربي المهاجر الذي يكون أكثر استعدادا للانخراط في الإرهاب، هي لا تمثل الكثير من المجندين للإرهاب في يومنا هذا.
في هذه الدراسة، التي تم فيها استخدام الدولة الإسلامية في العراق والشام عوضا عن الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، يقول الباحثون: “إن 65 في المائة من الأمريكيين الذين التحقوا بهذا التنظيم منذ 2013 كانوا ينحدرون من فئة الأمريكيين الأفارقة/ السود، أو القوقاز/ البيض.”
ومن المؤكد أن هذا لا يعني القول بأن الأمريكيين من أصول إفريقية أو قوقازية هم الأكثر ميلا لدعم تنظيم الدولة. حيث أن عدد الأشخاص من هاتين الفئتين، الذين انضموا لهذا التنظيم المسلح، يبقى منخفضا، خاصة في صفوف الأمريكيين الأفارقة الذين يعيشون في مجتمعات مسلمة في الولايات المتحدة بأعداد كبيرة ومنذ وقت طويل. ولكن ما تعنيه هذه النتائج هو أن الإرهاب في الولايات المتحدة اليوم هو مشكلة أمريكية أكثر من كونه مشكلة هجرة. إذ أن الأشخاص المورطين في مخططات إرهابية في الأراضي الأمريكية في السنوات الأخيرة لا تكون لديهم في الأغلب أي ارتباطات سابقة بالدول ذات الأغلبية المسلمة.
في الواقع، تقول الدراسة: “إن التركيبة الشخصية التي أظهرتها تحليلاتنا تشير إلى أن الفكرة النمطية التاريخية حول الرجل المسلم العربي المهاجر الذي يكون أكثر استعدادا للانخراط في الإرهاب، هي لا تمثل الكثير من المجندين للإرهاب في يومنا هذا. وعوضا عن ذلك، فإن هؤلاء المجندين باتوا ينتمون بشكل متزايد للعرق الأبيض القوقازي والعرق الأسود للأمريكيين الأفارقة، الذين غالبا ما يكونون قد ولدوا في الأراضي الأمريكية، واعتنقوا الإسلام في إطار مسار التطرف الذي دخلوا فيه”.
ويقول الخبراء إن هذه النتائج تزيد من إضعاف حجج دونالد ترامب، التي تذرع بها لإصدار قرار حظر دخول المهاجرين من عدة دول إسلامية للولايات المتحدة، مدعيا أن هذا يساعد على تعزيز الأمن القومي، حيث يقول أمرناث أمراسينغام، الخبير في مكافحة الإرهاب والباحث في معهد الحوار الاستراتيجي: “إن هذه الدراسة تدعم ما كان يقوله أغلب الباحثين في شؤون الإرهاب منذ وقت طويل، إذ أنه لا يوجد حل موحد لهذا التهديد الذي تشكله جماعات مثل تنظيم الدولة”.
وأضاف أمراسينغام قائلا إن “شيطنة اللاجئين والمهاجرين، سواء فيما يتعلق بقرار حظر دخول المسلمين، أو ما أثير مؤخرا من مزاعم حول وجود أشخاص مجهولين من الشرق الأوسط يتحركون من أمريكا اللاتينية نحو الأراضي الأمريكية، كله يساعد على نزع صفة الإنسانية من هذه الفئات المهمشة أصلا، وهذا الأمر لا علاقة له بتعزيز الأمن القومي”.
فإن الأشخاص المتورطين في مخططات الإرهاب المحلي خلال السنوات الأخيرة، والذين يرتبط معظمهم بتنظيم الدولة، يكونون أصغر سنا وأقل تعليما، وعلى ما يبدو تحركهم اختلالات شخصية إلى جانب القناعات السياسية.
كما تظهر هذه الدراسة وجود اختلافات بين الأجيال في طبيعة هذا النوع من التطرف العنيف. إذ أن تنظيم القاعدة الأصلي الذي دخل في صراع مع الولايات المتحدة في أواخر تسعينات القرن الماضي، كان في معظمه مكونا من أشخاص ينحدرون من الشرق الأوسط وجنوب آسيا، إضافة إلى آخرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء. وكان هؤلاء الأفراد غالبا متعلمين، مع وجود نسبة كبيرة من الذين حصلوا على تدريب في تخصصات هندسية.
في المقابل، فإن الأشخاص المتورطين في مخططات الإرهاب المحلي خلال السنوات الأخيرة، والذين يرتبط معظمهم بتنظيم الدولة، يكونون أصغر سنا وأقل تعليما، وعلى ما يبدو تحركهم اختلالات شخصية إلى جانب القناعات السياسية.
من أبرز الأمثلة الحديثة على هذا الأمر، هنالك الشاب ديمون جوزيف، البالغ من العمر 21 عاما، والمنحدر من مدينة توليدو في ولاية أوهايو الأمريكية، والذي اعتقله مكتب التحقيقات الفيدرالي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد أن عبر عن دعمه لتنظيم الدولة على شبكة الإنترنت، وكان يخطط لهجوم بإطلاق النار على كنيس يهودي محلي.
خلال حوارات دارت بينه وبين أحد عملاء “الإف بي آي” المتخفين، قال جوزيف ديمون الذي ينتمي للعرق الأبيض، إنه يتعاطف مع تنظيم الدولة، وكرر البعض من نظريات المؤامرة والشعارات الدعائية المعروفة عن هذا التنظيم. إضافة إلى ذلك، فقد عبر جوزيف عن إعجابه بروبرت باورز، العنصري الأبيض الذي قتل 11 شخصا في كنيس يهودي في بيتسبرغ في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والذي يبدو أن جريمته ألهمت جوزيف ديمون ليختار هو أيضا نفس الهدف.
من المؤكد أنه يصعب دوما تمييز الدوافع الكامنة وراء كل شخص، إلا أن الشهادات التي تضمنتها الدعوى القضائية الجنائية ضد جوزيف ديمون، تخلق انطباعا بأن هذا الشاب كان منذ وقت طويل غارقا في خليط خطير من الكراهية ونظريات المؤامرة. إذ أنه خلال حواراته مع العميل المتخفي، قال جوزيف: “أنا بالتأكيد أكره اليهود، كنت دائما كذلك، حتى قبل أن أصبح مسلما”.
بفضل التكنولوجيات الجديدة على غرار مواقع التواصل الاجتماعي، التي تقضي تماما على حدود الاتصال بين الناس، فإن الإرهاب في الولايات المتحدة أصبح في نفس الوقت أقل تعقيدا وأكثر توزعا بين مختلف الفئات الديمغرافية
في مناسبة أخرى أثناء هذا التحقيق، سئل جوزيف حول ما إذا كان يشعر بالكراهية تجاه أي فئات أخرى في الولايات المتحدة، فقال: “نعم بالتأكيد، أكره الشواذ والمسيحيين والكاثوليك واليهود، أكره الكثير من الفئات”. وقد أصبحت القضايا من هذا النوع منتشرة خلال السنوات الأخيرة. ومن بين أشياء أخرى، يبدو أنها تظهر تغييرا في دوافع المخططات الإرهابية، من الاستياء السياسي الخارجي إلى المشاكل والاختلالات الشخصية، إذ أن عددا لا يستهان به من أولئك المورطين في مخططات إرهابية محلية في السنوات الأخيرة، والذين ينتمي معظمهم إلى تنظيم الدولة، كان لديهم سجل حافل بالجرائم الصغيرة، استهلاك المخدرات والأمراض العقلية، وهي كلها عوامل تعد من أقوى المؤشرات على أن الشخص سينتهي به الأمر في السجن.
ويقول كُتّاب هذه الدراسة في مؤسسة راند: “إن تحليل الخصائص الديمغرافية للمواطنين الأمريكيين الذين انجذبوا للتطرف المرتبط بالإسلام منذ صعود تنظيم الدولة، قد لا يطابق الصورة الذهنية السائدة لدى الأجهزة الأمنية والسياسيين والرأي العام في الولايات المتحدة. إذ أن التغييرات التي تشهدها السمات العرقية والديمغرافية لمجندي التنظيمات الإرهابية، تشير إلى أن الانجذاب للتطرف ليس بالضرورة أمرا يقتصر على المسلمين والمجتمعات الشرق أوسطية”.
بفضل التكنولوجيات الجديدة على غرار مواقع التواصل الاجتماعي، التي تقضي تماما على حدود الاتصال بين الناس، فإن الإرهاب في الولايات المتحدة أصبح في نفس الوقت أقل تعقيدا وأكثر توزعا بين مختلف الفئات الديمغرافية. وتماما كما تشهد الظاهرة الإرهابية تغييرات في طبيعتها، فإن المجموعات الإرهابية بدأت تحصل على المزيد من الدعم من الفقراء والفئات المهمشة من المواطنين الأمريكيين غير المهاجرين.
من جهته، صرّح أماراسينغام قائلا: “المشكلة التي نواجهها اليوم هي بالأساس محلية، حيث أن أبنائنا وموطنينا بدؤوا يتجهون نحو هذه المنظمات العنيفة. وبالتالي فإن الحل أيضا يجب أن يأتي من داخل الولايات المتحدة، من خلال العمل مع مختلف الجاليات والفئات عوضا عن النظر إليها على أنها متهمة، إلى جانب مساعدة الشباب على تخطي التحديات عوضا عن اعتبارهم مضطربين ومسببين للمتاعب”. وأضاف أمراسينغام قائلا “إن توجيه الأنظار نحو خارج البلاد كما لو أن الإرهابيين بصدد إطلاق غزو سري على الأراضي الأمريكية، سوف يؤدي بالتأكيد إلى إهدار الوقت والموارد، من خلال البحث عن الخطر في المكان الخطأ”.
المصدر: الإنترسبت