في عصر الانفتاح والتقدم الذي نعيشه، ومع رداءة وقلة ما يتم إنتاجه من أعمال أدبية في أغلب البلدان العربية خاصةُ المصرية منها، نجد أن المسرح قد بهت حضوره وتلاشى كنوع أدبي مهم بين الكُتاب الشبان، لهذا أرغب في لفت الأنظار من جديد إلى المسرح وأهميته، فقد كان المسرح نوعًا أدبيًا مهمًا لا يقل عن الرواية والقصة القصيرة، بجانب أن المسرحيات التي كانت تلاقي نجاحًا كبيرًا كان يتم تمثيلها على المسارح.
لا أتحدث فقط عن عصر ما قبل التليفزيون، ولكن حتى أواخر قرننا الماضي كانت تحظى كتابة المسرحية باهتمام حقيقي بجانب كونها نوعًا فنيًا خاصًا، ولكن هنا أنا لن أتطرق إلى أسباب اختفاء المسرح، بل سأشير إلى بعض المسرحيات الكلاسيكية التي كان لها أثر كبير على الحياة في الماضي، ورغم نجاحها وتقديمها رسالة معينة وصلت للجمهور وأدت غرضها، فإن هذه المسرحيات ما زالت تُمتعنا وتلقي فينا الحكمة من جديد.
المفتش
مسرحية “المفتش أو المفتش العام”
المفتش أو المفتش العام، هي مسرحية شهيرة، لم تحرز مكانًا بين الأدب الروسي فحسب، بل هي درة من درر المسرح العالمي، تتحدث المسرحية عن أن المفتش العام قادم لزيارة إحدى القرى الروسية، التي كالعادة يشوبها الفساد المحلي والنهب من حاكم القرية “العمدة”، فيصل شاب أبله بعض الشيء وربما محتال إلى هذه القرية، وعن طريق الخطأ يظن العمدة أنه هو المفتش، ويظل طوال المسرحية يعامله بكل تبجيل ويغير كل صغيرة وكبيرة لأجله، وقد كان الشاب نفسه خائفًا إلى أن تقمص الدور وبدأ بدوره يستغل الفرصة التي لن تتكرر إلى أن تأتي النهاية ويصل المفتش الحقيقي.
قام الكاتب المصري محمود تيمور بتأليف عمل مسرحي “المخبأ رقم 13” مُدهش يجمع بين عمق الفكرة وبساطة التعبير
المسرحية ذات طابع كوميدي ولكنها واقعية تعكس الحياة بشكلها الحقيقي والفساد القابع في كل مكان حتى القرى، ليست روسيا وحدها المليئة بالفساد وليست المؤسسات الكبرى، لهذا كانت هذه المسرحية واقعًا يُعبر عن الفساد في كل مكان وماذا يفعل الحكام لينالوا رضى من أعلى منهم منصبًا، وكيف يعاملون المواطنين تحت الخوف وتحت القمع.
ذاع صيت المسرحية بشكل كبير وتم تمصيرها في عدد من الأفلام منها فيلم بطولة عملاق السينما المصرية القديمة محمود المليجي.
جلسة سرية
مسرحية “جلسة سرية “
ألف الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر هذه المسرحة ليؤكد لنا فكره الوجودي، وشرح لنا فكرة الماهية والوجودية التي جسدها في كل رواياته، ولكن بجانب ذلك كان هناك فكرة أخرى يريد إيصالها للجمهور.
تتحدث مسرحية جلسة سرية لسارتر عن ثلاثة أشخاص لا يعرفون بعضهم البعض يدخلون غرفة من غرف جهنم المتخيلة، ويفاجئنا سارتر هنا بفكرته المجنونة بشكل غير متوقع لجهنم ونوع مختلف من الجحيم، ألا وهو الآخرون، فيعكس سارتر فكرة المسرحية بآخر جملة فيها وهي “الجحيم هو الآخرون”.
قدم يوسف إديس مسرحية “البلهوان” شديدة الواقعية، ليعكس لنا جزءًا من واقع المجتمع المصري وهو عالم الصحافة
فكرة المسرحية تكمن في تعذيب ثلاثة أشخاص كل منهم اقترف ذنبًا في حياته استحق أن يُعاقب بسببه، ولكن في الرواية نجد أن هناك رجلاً وفتاتين، بمرور الوقت وانعدام القدرة على إيجاد مخرج نجد أن الفتاة تميل إلى الرجل وتبدأ في الاستعداد لإقامة علاقة معه، ولكن هذا لن يحدث بالطبع لأننا سنكتشف أن الفتاة الأخرى سحاقية وترغب بها كذلك ولن تتركها تتمتع بحبه في سلام.
المخبأ رقم 13
مسرحية “المخبأ رقم 13”
قام الكاتب المصري محمود تيمور بتأليف عمل مسرحي مُدهش يجمع بين عمق الفكرة وبساطة التعبير، تتحدث فكرة المسرحية عن عدد من الأشخاص وقعوا في مأزق ما وتمكنوا من التخفي في المخبأ رقم 13، لا يجمعهم أي شيء سوى الهرب من الموت، كلهم من طبقات اجتماعية مختلفة وظروف مادية متفاوتة، جمعهم وقت الحرب والهرب من إطلاق الرصاص، وبمرور أحداث الرواية نجد أن الجميع في وقت الحرب يتعرى من حقيقته، فنجد منهم الشجاع والأصيل ومنهم الصعلوك الوضيع، تُعري المسرحية حقيقة فئة من البشر ونجدها صادقة وواقعية، نجح محمود تيمور في رسمها واستطاع إيصال الرسالة بمنتهى البساطة، ومن الناحية اللغوية كتب تيمور هذه المسرحية في نسختين واحدة عامية وواحدة بالفصحى ليرضي جميع الأطراف.
بيت الدمية
مسرحية “بيت الدمية”
بيت الدمية هي واحدة من روائع الأدب الإنجليزي الكلاسيكي التي هزت العالم كله، تحدث فيها هنريك إبسن عن المرأة باعتبارها كائنًا كاملاً له الحق في الاختيار والقرار وحرية التصرف.
المسرح نوع مهم من الأدب يجب أن نحييه مرة أخرى فيما بيننا ونظل نقرأ ونتعرف على الرسائل المسرحية العميقة ونتعلم منها
تتحدث المسرحية عن نورا الزوجة المطيعة الهشة التي لا يمكنها تحمل المسؤولية أو عمل أي شيء كامل في حياتها، فهي دائمًا مدللة أحلامها تافهة ولا تستطيع السيطرة أو الحكم على شيء، مثل أغلب فتيات جيلها، كانت أشبه بالدمية التي يحركها زوجها ويقولبها المجتمع في نظام معين، مع تراكم المواقف والأحداث ترغب نورا في أن يكون لها دور وكيان وتقرر أن تفعل ذلك في نهاية المسرحية التي صدمت العالم كله، حيث تثور نورا على ما يفعله بها زوجها وتخلع ثوبها الذي عرفها به العالم، لتقول أنا لي مكان في هذا العالم ولست مجرد دمية يحركها المجتمع فحسب.
البهلوان
قدم يوسف إديس هذه المسرحية شديدة الواقعية، ليعكس لنا جزءًا من واقع المجتمع المصري وهو عالم الصحافة، ربط إدريس بين الصحافة والسيرك وشبه رئيس تحرير إحدى الصحف وبطل الرواية في الآن نفسه بالبهلوان، فهو يلعب ويكتب ويذهب ويجيء وفق تعليمات وتحركات رئيس السيرك وصاحب المصلحة العليا، لا يشغله إلا كل كبيرة وصغيرة في البلاد وكيف يخدم المصالح العليا دائمًا حتى لو اضطر إلى تغيير المانشيت في اللحظات الأخيرة، وسيغير بعض الكلمات ليناسب الدولة التي يُحقر من شأنها، فهو بهلوان وكل ما يقوله يليق على أغلب الدول المعادية أو المناصرة.
المسرح نوع مهم من الأدب يجب أن نحييه مرة أخرى فيما بيننا ونظل نقرأ ونتعرف على الرسائل المسرحية العميقة ونتعلم منها.