قرر، أول أمس الإثنين 24 من ديسمبر، الائتلاف الحكومي الحاكم في “إسرائيل” بقيادة بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي حل الكنيست ودعوة القوى السياسية لانتخابات برلمانية مبكرة تجرى في أبريل/نيسان 2019، بدلاً من نوفمبر/تشرين الثاني 2019.
ووفقًا لنتنياهو، فإن قرار الدعوة لانتخابات برلمانية مبكرة وحل الكنيست، كان من المفترض أن يكون في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الحاليّ 2018، ولكن “المستجدات الأمنية على الساحة”، التي على رأسها إطلاق عملية #درع_الشمال التي تستهدف تقويض سلاح الأنفاق لدى حزب الله اللبناني، حالت دون اتخاذ هذا القرار.
وبحسب المعلن، فإن نتنياهو اضطر إلى الدعوة لانتخابات مبكرة وحل الكنيست، بعد تعثر نقاشات قانون تجنيد “الحريديم” – طائفة يهودية أصولية تطبق تعاليم التوراة بحرفية، وتحرم كثيرًا من مظاهر الحياة الحديثة، وترفض المشاركة في الحياة العامة كالتجنيد في الجيش – في البرلمان لمدة طويلة دون حسم.
رحبت قيادات المعارضة الإسرائيلية مثل آفي غباي رئيس المعسكر الصهيوني وتسيبي ليفني زعيمة المعارضة، بهذا القرار الذي جاء تزامنًا مع فترة صعبة تعيشها البلاد تحت قيادة نتنياهو، داخليًا وخارجيًا
ويدخل نتنياهو هذه الانتخابات وفي يديه حقيبتا الأمن والخارجية لأول مرة بعد إيهود باراك 2010، وبأغلبية مقعد واحد للائتلاف الحكومي الحاكم في الكنيست، 61 مقعدًا من أصل 120، طامعًا في ولاية خامسة جديدة، بعد أن قضى 10 سنوات رئيسًا لوزراء “إسرائيل”.
وقد رحبت قيادات المعارضة الإسرائيلية مثل آفي غباي رئيس المعسكر الصهيوني وتسيبي ليفني زعيمة المعارضة، بهذا القرار الذي جاء تزامنًا مع فترة صعبة تعيشها البلاد تحت قيادة “نتنياهو”، داخليًا وخارجيًا، حيث ترى المعارضة أن الفرصة سانحة أمامها للإطاحة بنتنياهو.
نتنياهو في مواجهة القضاء
فمن جهة، فإن نتنياهو وعائلته يواجهان اتهامات بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة والقبول بأمور غير مشروعة، في 3 قضايا بدأت مطلع العام الحاليّ، منهم القضية رقم 4000 التي أحيلت أوراقها ووثائقها الـ800 إلى مكتب المستشار القضائي للحكومة مندلبليت، على خلفية تقديمه تسهيلات إدارية لشركة “بيزك” للاتصالات، نظير حصوله على دعم سياسي من أدوات إعلامية تابعة لها مثل موقع “وللا” وجريدة “إسرائيل هيوم”، الأكثر انتشارًا وتوزيعًا في “إسرائيل”.
من غزة إلى الضفة.. انهيار قوة الردع
وعلى الصعيد الفلسطيني، فإن “إسرائيل” ليست على ما يرام أبدًا، خاصة بعد فشلها الاستخباري والأمني مجددًا أمام حركة حماس التي كشف جناحها العسكري “كتائب القسام” وحدةً خاصة تابعة للجيش الإسرائيلي كانت تقوم بمهام معلوماتية في خان يونس جنوب قطاع غزة، وقامت كتائب القسام لاحقًا ببث صور أفرادها الذين استخدموا هويات مزيفة للتسلل إلى قطاع غزة، وكشف المنازل التي قطنوها والسيارات التي استقلوها، والإعلان عن مقتل ضابط في الوحدة والاستيلاء على مسدس مزود بكاتم صوت، وهو الأمر الذي اعتبره المحلل السياسي بن كاسبيت في تحليل لـ”المونتور” “كارثة” تشبه كارثة كشف هوية أفراد وحدة “كيدون” التي نفذت عملية اغتيال المبحوح في دبي 2010.
سمحت “إسرائيل” لحماس مؤخرًا باستلام الدفعة الثانية من الأموال القطرية المقدرة بـ15 مليون دولار، وسط اتهامات من المعارضة بأنها تشجع حماس على المضي قدمًا في مخططاتها
وبجانب هذه الضربة الأمنية، فإن “إسرائيل” فشلت أيضًا في تحقيق أي نصر يذكر في جولة القصف التي تلت كشف وحدتها الخاصة، فقد قتل من جانبها اثنان من المستوطنين، وأصيب أكثر من 60 مستوطنًا، وتعرض منزلان للقصف المباشر في عسقلان ونتيفوت، واستهدف حافلة ومركبة تابعتان للجيش على الحدود مع غزة، وتخطى عدد الصواريخ التي أطلقت من القطاع تجاه جنوب “إسرائيل” أكثر من 400 صاروخ في 3 أيام.
وخلال 9 أشهر، لم تستطع “إسرائيل” إنهاء الاشتباكات الأسبوعية العنيفة التي تحدث على السياج الفاصل بينها وبين القطاع، المعروفة باسم “مسيرات العودة” التي تطالب برفع الحصار عن القطاع وإيقاف صفقة القرن التي تحوي بنودًا مجحفة، منها إنهاء حق العودة، وفقًا لقيادات حماس.
وسمحت “إسرائيل” لحماس مؤخرًا باستلام الدفعة الثانية من الأموال القطرية المقدرة بـ15 مليون دولار، وسط اتهامات من المعارضة بأنها تشجع حماس على المضي قدمًا في مخططاتها، وتبريرات حكومية تراها ثمنًا لتثبيت الهدنة ومنع تفجر الأوضاع أكثر من ذلك.
الكنيست “الإسرائيلي”
كما أفشلتْ السلطة الفلسطينية في 7 من ديسمبر 2018 مساعي إسرائيلية لتمرير قرار دولي بالجمعية العامة للأمم المتحدة يدين إطلاق حماس صواريخ من غزة صوب “إسرائيل”، إذ لم تتمكن الأخيرة من الحصول على أغلبية الثلثين اللازمة لمرور القرار، رغم تصويت أكثر 87 دولة لصالح القرار.
وفي الضفة الغربية، فإن سياسات نتنياهو في التنسيق الأمني وزيادة الاستيطان كمًا ونوعًا وهدم بيوت المقاومين وتشريد عوائلهم، لم تفلح في إيقاف عمليات الفلسطينيين ضد مستوطني الاحتلال وجنوده، فقد تجاوز عدد القتلى من المستوطنين والجنود حاجز الـ13 في 2018، كان آخرها عمليتا: عوفرا وجفعات أساف منذ أيام قليلة، وقضت “إسرائيل” شهورًا تبحث عن أحمد جرار وأشرف نعالوة قبل أن تقتلهم في اشتباكات مسلحة.
لقيت حكومة نتنياهو اليمينية صدمةً سياسيةً كبيرةً بعد إعلان نتائج التجديد النصفي للكونغرس في 6 من نوفمبر/تشرين الثاني 2018، التي أسفرت عن أغلبية “ديمقراطية” في مجلس النواب، ضمت أقليات عرقية، كونت كتلة تصل لـ32 نائبًا، تعرف بـ”الديمقراطيين الجدد
ووفقًا لأمير بوحبوط المعلق العسكري في موقع “وللا”، فإن 2727 فلسطينيًا اعتقلوا في الفترة بين مطلع يناير/كانون الثاني، ونهاية نوفمبر/تشرين الثاني لعام 2018، بتهم التخطيط لتنفيذ عمليات ضد إسرائيليين في الضفة، كما صادرت أجهزة الأمن الإسرائيلية أكثر من 390 قطعة سلاح و250 سكينًا ومليوني شيكل لنفس الأغراض.
عزلة خارجية وهزيمة إستراتيجية
باستثناء الحلفاء العرب وبعض التوسعات الخارجية هنا وهناك، فإن حكومة نتنياهو تعاني من توترات في علاقاتها مع حلفائها الإستراتيجيين:
– أمريكا
لقيت حكومة نتنياهو اليمينية صدمةً سياسيةً كبيرةً بعد إعلان نتائج التجديد النصفي للكونغرس في 6 من نوفمبر/تشرين الثاني 2018، التي أسفرت عن أغلبية “ديمقراطية” في مجلس النواب، ضمت أقليات عرقية، كونت كتلة تصل لـ32 نائبًا، تعرف بـ”الديمقراطيين الجدد”، يرجح أن تسبب متاعب دبلوماسية لـ”إسرائيل”، خاصة مع وجود أسماء مثل: إلهان عمر وأوكازيو كورتيز وإيانا بريسلي ورشيدة طليب، المعلومٌ عداؤهن لتل أبيب ورفضهن دعمها عسكريًا، ودعمهن لحركة مقاطعة “إسرائيل” المعروفة بـBDS، ووفقًا لاستطلاعات رأي فإن 79% من يهود أمريكا قد منحوا أصواتهم للديمقراطيين الذين عارضوا انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع طهران.
بعد قيام “إسرائيل” بإسقاط طائرة نقل عسكرية روسية طراز “إليوشن – 20” التي قتل على إثرها 15 من الجيش الروسي في محيط اللاذقية في 18/9/2018 فإن العلاقات بين البلدين تشهدحالةً كبيرةً من الفتور والجمود
وعلى الرغم من طلب نتنياهو الصريح من ترامب بألا يسحب القوات الأمريكية من سوريا إلا بخروج قوات إيران في اجتماعهما على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة 27/9/2018، فإن ترامب قرر سحب قواته تدريجيًا، وتفكيك قاعدة “النتف” المقامة على المثلث الحدودي بين سوريا والأردن و”إسرائيل”؛ ليترك نتنياهو “يقلع شوكه بيده”، على حد تعبير عبد الباري عطوان، وهو القرار الذي اعتبرته جميع أوساط المحللين في “إسرائيل” ضربةً إستراتيجية، بينما تحاول الحكومة الإسرائيلية بث تطميناتها للرأي العام، مؤكدةً أنها لن تسمح لإيران بالتموضع عسكريًا في سوريا.
– روسيا
بعد قيام “إسرائيل” بإسقاط طائرة نقل عسكرية روسية طراز “إليوشن – 20” التي قتل على إثرها 15 من الجيش الروسي في محيط اللاذقية في 18/9/2018، فإن العلاقات بين البلدين تشهد حالةً كبيرةً من الفتور والجمود، تمثلت في تسليم الروس السوريين وحدات الدفاع الجوي “إس 300″، التي طالما كانت تضغط “إسرائيل” على موسكو من أجل تعطيلها منذ 2013، على حد قول وزير الدفاع الروسي. وتقوم طواقم فنية روسية بتشغيل المنظومة في سوريا، تحسبًا لأي نوايا إسرائيلية لاستهدافها.
وقد رفض الأسبوع الماضي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف احتجاج سفير تل أبيب في بلاده غاري كوين على دعوة موسكو نائب المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية لزيارة البلاد، قائلاً: “أنتم أيضًا تتفاوضون مع حماس بشأن الأسرى والتهدئة”، ويرفض بوتين دعوات نتنياهو للقائه منذ أزمة الطائرة، متعللاً بامتلاء جدول أعماله، وهو ما أكده كوين في احتجاجه لدى لافروف.
وفقًا لـ”ألوف بن” رئيس تحرير صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فإن نتنياهو اختار هذا الوقت للدعوة للانتخابات تحديدًا؛ تجنبًا لمواجهة قضائية مع مندلبليت، البطيء، الذي سيتجنب هو الآخر إعلان نتيجة التحقيقات، حتى لا يتهم بالانحياز السياسي
– تركيا
تجددت في اليومين الأخيرين الأزمة الدبلوماسية بين “إسرائيل” وتركيا التي اعتاد رئيسها أردوغان مهاجمة “إسرائيل” من الحين للآخر على جرائمها في حق الفلسطنيين وتآمرها ضد بلاده، ليرد عليه نتنياهو واصفًا إياه بـ”الطاغية، المهووس، الداعم لإيران، وقاتل النساء والأطفال من الأكراد”؛ ليستمر التوتر المعهود بين الدولتين على الصعيد الرسمي.
إنجازات نتنياهو.. ادعاءات يكذبها الواقع
وفقًا لـ”ألوف بن” رئيس تحرير صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فإن نتنياهو اختار هذا الوقت للدعوة للانتخابات تحديدًا؛ تجنبًا لمواجهة قضائية مع مندلبليت، البطيء، الذي سيتجنب هو الآخر إعلان نتيجة التحقيقات، حتى لا يتهم بالانحياز السياسي، إذ كان مقررًا إعلان نتائج التحقيقات في تهم الفساد الموجهة لنتنياهو خلال شهرين.
ومن ناحية أخرى، فإن مظاهرات يومي 14و23 التي نظمت خلال هذا الشهر، وشارك فيها رؤساء أحزاب وأعضاء بالكنيست، واعتقل خلالها العشرات، وشهدت اشتباكات مع الأمن، احتجاجًا على زيادة أسعار الخدمات الحكومية، تكذب ادعاءات نتنياهو عن تحسن الاقتصاد وتحقيق العدالة الاجتماعية وتقليص الهوة بين الأغنياء والفقراء.. فإلى أي مدى سيمكن للمعارضة توظيف هذا المناخ السيء لصالحها؟