قد يكون عام 2018 هو العام الذي لم تُواجه فيه التحديات الكبيرة، إذ يلوح في الأفق نزاع محتمل في الشرق الأوسط بسبب قرار الولايات المتحدة الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، في حين تواصل كل من روسيا والصين الخروج من المدار الغربي، ومما يثير القلق الشديد بالنسبة لكوكبنا، أن التنبؤات الخاصة بتغير المناخ قد ازدادت سوءًا، وفي مرحلة ما لن ينجح فقط دفع جميع المشاكل تحت الطاولة، بل ستكون الحاجة ملحَّة لمواجهتها.
ولسوء الحظ، لن يُذكر عام 2018 كعام لا يُنسى في لفت الأنظار إلى القضايا الكبرى في عصرنا، ومن حق ترامب أن يدَّعي الفضل في بدء حوار مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، ولكن حتى ذلك يواجه اختبارات – كما سنوضح – في العام المقبل.
خطر تحقيقات مولر على ترامب
يدخل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عامه الجديد في رئاسة الولايات المتحدة جارًا خلفه جملة من المشاكل والمتاعب التي قد تهدد مستقبله السياسي، وتجعل من عام 2019 نهاية لإدارته المثيرة للجدل.
ولعل أكثر ما يقلق ترامب خشيته من تطور التحقيقات التي يقوم بها المحقق روبرت مولر، بحيث تفضي إلى توجيه اتهام رسمي له ومقاضاته، بعد أن فقد فريقه الرئاسي العديد من كبار الموظفين، منهم من شغل مناصب تنفيذية واستشارية ودبلوماسية وعسكرية
في حال فشلت الهدنة الحاليّة مع الصين، سترفع إدارة ترامب الرسوم الجمركية إلى 25%
وفي ظل تزايد نفوذ الديمقراطيين الذين يتخذون موقفًا سلبيًا من طريقة إدراة ترامب للسياسات الداخلية والخارجية، تتزايد احتمالية اتهام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل كبير، لا سيما إذا كانت تهم المستشار الخاص روبرت مولر مقنعة وترتبط بالتواطؤ بين فريق ترامب وروسيا خلال حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2016.
ويمكن أن يؤدي وجود دليل واضح على التواطؤ واسع الانتشار إلى إحداث انقسام في صفوف الجمهوريين، كما يمكن أن يؤدي اتهام ترامب إلى أزمة داخلية حيث يخوض العديد من مؤيديه معركة ضد ما يعتبرونه نظامًا مزورًا.
استمرار حروب ترامب الجمركية
التوتر بين الولايات المتحدة والصين أكثر حدة من أي وقت مضى، مدفوعًا جزئيًا بالإدراك المتزايد بأن الصين أكثر تقدمًا من الناحية التكنولوجية وأكثر ذكاءً مما كان مفترضًا، وتشعر الصين بالاستياء من الولايات المتحدة التي تحاول وضع قواعد خاصة يسير عليها الآخرون، في حين أن هناك إدراك متزايد بأن الصين قد لا تتناسب مع مفهوم النظام الليبرالي.
قد تصمد الهدنة التجارية الحاليّة بين الولايات المتحدة والصين، ويتم التوصل إلى اتفاق نهائي، لكن الخوف يتزايد من امتداد الحرب التجارية أكثر من ذلك، وفي حال فشلت الهدنة الحاليّة مع الصين، سترفع إدارة ترامب الرسوم الجمركية إلى 25%، وتشمل جميع الصادرات إلى الولايات المتحدة، وسيضر ذلك بالصناعة الصينية، مما يؤدي إلى تفاقم التباطؤ الاقتصادي في الصين، الذي سيؤدي بدوره إلى أزمة اقتصادية ومالية عالمية.
التكلفة طويلة الأجل لكل هذا ستشكل تراجعًا آخر في النظام القائم على القواعد، بما في ذلك الإخفاق في إصلاح آلية تسوية المنازعات التابعة لمنظمة التجارة العالمية – وهي جوهرة التاج للمنظمة – أو إصلاح منظمة التجارة العالمية على نحو ملائم، وستواصل التجارة العالمية انجرافها نحو “فخ هوبز”، وهي نظرية تشرح سبب حدوث ضربات وقائية بين مجموعتين خوفًا من هجوم ثنائي وشيك.
لا خروج من “البريكست”
أضر الخروج من الاتحاد الأوروبي بالفعل بالأداء الاقتصادي للمملكة المتحدة، ويمكن أن يسبب عدم التوصل إلى اتفاق للخروج “البريكست” في حالة من الذعر بين الشركات والمستهلكين بالإضافة إلى إسقاط حكومة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي.
هذا الوضع يمكن أن يستغلة اليمين المتطرف في الانتخابات البرلمانية القادمة للاتحاد الأوروبي للظهور القوي، خاصة في أعقاب حركة “السترات الصفراء” الجريئة والمنتشرة في فرنسا، التي من المرجح أن تشكل ضربة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وقادة الاتحاد الأوروبي الآخرين الذين حاولوا أن يضعوا الزخم وراء الاتحاد الأوروبي الأقوى.
تصعيد عسكري مع كوريا الشمالية
على الرغم من القمة الثانية المقرر عقدها بين ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في شهر يناير/كانون الثاني أو فبراير/شباط القادم، فإن كوريا الشمالية لن تتخذ أي خطوات لنزع سلاحها النووي أو الإعلان عن تفتيش لمرافقها النووية والمواد الانشطارية التي بحوزتها، وهذا سيعوق المفاوضات مع الولايات المتحدة.
حتى إن كوريا الشمالية حددت حتى الآن مسألة نزع الأسلحة النووية على أنها “لا تحالف بين الولايات المتحدة وجمهورية كوريا أو المظلة النووية الأمريكية كشرط لتخليها عن أسلحتها النووية، وليس هناك ما يشير إلى أن بيونغ يانع قد تغير موقفها.
وفي الكونغرس الأمريكي، سيضغط الديمقراطيون على إدارة ترامب للحصول على دليل على وجود تقدم في المفاوضات مع كوريا الشمالية، وسيدرك ترامب في النهاية أنه قد تم التلاعب به بواسطة كيم، وسيعود إلى خطاب “النار والغضب” ضد الزعيم الكوري.
قد تؤدي أزمة جديدة في ليبيا إلى إطلاق موجة جديدة من الهجرة إلى أوروبا
ومن المتوقع أن يجبر ترامب كوريا الجنوبية على مضاعفة دعم الدولة المضيفة (تدفع سيول 50% من تكلفة القوات الأمريكية في شبه الجزيرة الكورية)، وهو ما يثير غضبًا في كوريا الجنوبية التي سيرفض برلمانها التكاليف المتزايدة، وبعد ذلك، ستقوم إدارة الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن، بدعم من الصين وروسيا، بالمضي قدمًا في تحقيق المصالحة والتعاون الاقتصادي بين الشمال والجنوب، مما سيتسبب في حدوث شرخ كبير في التحالف بين الولايات المتحدة وجمهورية كوريا.
سيهدد ترامب بمعاقبة البنوك الصينية بعد أن تواصل بكين تخفيف تطبيق العقوبات على كوريا الشمالية، كما سيهدد ترامب البنوك والشركات الكورية الجنوبية، كما سيخفض رسوم السيارات بنسبة 25% على صادرات السيارات الكورية.
النمو العالمي في تراجع
يتوقع صندوق النقد الدولي تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، ومع تراجع الحوافز الضريبية والمالية التي تقدمها الإدارة الأمريكية، من المتوقع أيضًا أن يتراجع النمو الذي حققته الولايات المتحدة، وبحسب كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي موريس أوبستفلد، من المرجح أن ينعكس تباطؤ النمو الاقتصادي المسجل في عدّة دول على الولايات المتحدة.
وفي مقابلة أجرتها معها شبكة “سي بي إس” التليفزيونية الأمريكية جددت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، إبداء مخاوفها من أن تؤدي التوترات التجارية إلى فرض مزيد من الضرائب والرسوم الجمركية.
المواجهة العسكرية بين المملكة العربية السعودية و”إسرائيل” والولايات المتحدة من جهة وإيران وحلفائها من ناحية أخرى تبدو محتملة بشكل متزايد على المدى المتوسط
وفي الصين، قد يحدث سقوط أكثر شدة إذا انفجر وضع الديون هناك، مما سيتسبب في تراجع حاد في النمو الصيني، ويرى العديد من الاقتصاديين أن مستويات الدين في الصين (الإجمالي والشركات والوطنية والإقليمية والمحلية) لا يمكن تحملها بالنظر إلى تجارة الصين واحتمال انفصال الاستثمار عن الولايات المتحدة، وقد يؤدي التدهور الاقتصادي إلى عدم الاستقرار السياسي وهروب أموال الطبقة المتوسطة والصينيين ذوي المهارات العالية.
مزيد من الصراعات في الشرق الأوسط
من المحتمل أن تفشل الجهود الأوروبية لإنقاذ الصفقة النووية الإيرانية (خطة العمل المشتركة الشاملة) في ظل تخوف الشركات الأوروبية من العقوبات الأمريكية للقيام بأعمال في إيران، كما أن انهيار الصفقة من شأنه أن يعزز المتشددين الإيرانيين.
في حين أن عام 2019 قد لا يكون العام الذي يشهد طي صفحة الخلافات، فالمواجهة العسكرية بين المملكة العربية السعودية و”إسرائيل” والولايات المتحدة من جهة وإيران وحلفائها من ناحية أخرى تبدو محتملة بشكل متزايد على المدى المتوسط، مثل هذه المواجهة، التي لن تكون قابلة للاحتواء، ستدفع أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة.
موجات هجرة جديدة تغزو أوروبا
مع استمرار الحروب والنزاعات في الكثير من دول العالم، تزداد موجات اللجوء إلى دول أوروبا، الأمر الذي يدفعها لإجراء تغييرات في قوانين اللجوء، كما قد تؤدي أزمة جديدة في ليبيا إلى إطلاق موجة جديدة من الهجرة إلى أوروبا.
وفي أمريكا اللاتينية، بدأ الاقتصاد والبنية التحتية المنهارة في فنزويلا بالفعل في موجة من الهجرة إلى كولومبيا والبرازيل وسورينام وترينيداد وتوباغو وسانت فنسنت وجزر غرينادين، وعطلت أزمة المهاجرين هذه الاقتصادات والنظام الاجتماعي في البرازيل وكولومبيا.
توصلت المملكة العربية السعودية إلى اتفاق سري مع باكستان لنشر لواء نووي باكستاني في السعودية
ومع تزايد التبعات، يمكن لمنظمة الدول الأمريكية أن تطلب من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تعديل الفصل السابع للقيام بعمل عسكري، في حال الإعلان عن أن العاصمة الفنزويلية كاراكاس تشكل تهديدًا للسلام ما لم يتخلى الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو عن السلطة.
وتشير الوقائع الأخيرة التي أدت إلى إغلاق الحكومة الأمريكية إلى أن ترامب سوف يفشل مرة أخرى في بناء جداره على طول الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، لكن – في أحسن الأحوال – الديمقراطيين سيوافقون على تعزيز الحدود بمزيد من القوات والمراقبة التكنولوجية.
اليابان في مرمى أهداف ترامب
يطالب ترامب اليابان بزيادة دعم الدفاع العسكري للدولة المضيفة وتحسين قطاع الزراعة وغيرها من التنازلات للحفاظ على اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة واليابان، وفي حال رفضت طوكيو شروط واشنطن للحصول على اتفاقية تجارة حرة قد تفرض الولايات المتحدة رسومًا جمركية على السيارات المستوردة بنسبة 25%.
هذه الرسوم على السيارات من شأنها أن تثير مقاومة سياسية في اليابان (تنتج الشركات اليابانية أكثر من أربعة ملايين سيارة سنويًا في الولايات المتحدة، والعديد منها للتصدير) إلى جانب تباطؤ النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة واليابان، وهو ما يؤدي إلى خسائر في الوظائف في كلا البلدين.
يمكن أن يتبع قرار إدارة ترامب بالانسحاب من “معاهدة القوات النووية المتوسطة” قرارًا آخر يقضي بعدم تجديد معاهدة ستارت “START” الجديدة
وتظهر استطلاعات الرأي انخفاضًا غير مسبوق في الدعم الياباني للتحالف بينها وبين الولايات المتحدة وزيادة في الدعم لتحسين علاقات اليابان مع الصين إلى جانب دعم جديد لدعوة القوميين اليمينيين لليابان لتطوير أسلحة نووية.
نحو مزيد من سباق التسلح النووي
يمكن أن يتبع قرار إدارة ترامب بالانسحاب من معاهدة الحد من الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى “معاهدة القوات النووية المتوسطة” قرارًا آخر يقضي بعدم تجديد معاهدة ستارت “START” الجديدة، التي تنتهي في فبراير/شباط 2021، وهو ما يطلق سباق تسلح، كما قال الرئيس الروسي فلادمير بوتين.
خلاف ذلك، ستبدأ الولايات المتحدة ببناء أسلحة نووية تكتيكية منخفضة المدى وتحديث أو توسيع ترسانتها في الوقت الذي تدعم فيه الصين ترسانتها بالصواريخ الباليستية العابرة للقارات والمحمولة (ICBM)، في حين تتسابق الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند في بناء ونشر سيارات تفوق سرعة الصوت تهدد قدرات الضربة الثانية.
وتواجه معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية ضغوطًا متزايدة في مواجهة الدول الأخرى غير النووية الموقعة على قرار عدم الامتثال مثل الولايات المتحدة وغيرها من الدول النووية لالتزامها بالمادة السادسة للتحرك نحو نزع السلاح.
توصلت المملكة العربية السعودية إلى اتفاق سري مع باكستان لنشر لواء نووي باكستاني في السعودية في سرية تامة لإجراء سيطرة رئيسية مزدوجة، التي ستكون مفيدة في الوقت الذي تنمو فيه المواجهة بين المملكة وإيران.