ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما تُقلع إحدى الطائرات الحربية السعودية من طراز إف 15 من قاعدة الملك خالد الجوية في جنوب المملكة العربية السعودية بهدف قصف الأراضي اليمنية، يمكننا القول إن ضلوع الأمريكيين في هذا القصف وحجم مساهمتهم يتجاوز صنع الطائرات والقنابل فقط. ويضطلع المهندسون الميكانيكيون الأمريكيون بمهام صيانة الطائرات والقيام بالإصلاحات على الأرض، كما يقوم التقنيون الأمريكيون بتحديث البرنامج الحاسوبي الذي يعمل على تحديد الأهداف المراد قصفها، فضلا عن العديد من التكنولوجيات المصنفة التي لا يُسمح للسعوديين بلمسها. ومن المحتمل أن يكون الطيار قد درب من قبل القوات الجوية الأمريكية.
في إحدى غرف عمليات الطيران في العاصمة الرياض، يجلس القادة السعوديون بالقرب من المسؤولين العسكريين الأمريكيين الذين يقدمون معلومات استخباراتية ونصائح تكتيكية تهدف بالأساس إلى منع السعوديين من قتل المدنيين في اليمن. ومن هذا المنطلق، يمكن لنا إيجاد البصمات الأمريكية في جميع أرجاء الحرب الجوية في اليمن. ووفقا لمجموعة مكلفة بالمراقبة، قتلت الهجمات العشوائية التي قامت بها قوات التحالف الذي تقوده السعودية أكثر من 4600 مواطن يمني.
في واشنطن، أثارت حصيلة القتلى المرتفعة في صفوف المواطنين اليمنيين الكثير من الجدل حول مخاطر تحالف الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية بقيادة ولي عهدها محمد بن سلمان. وتجدر الإشارة إلى أن الأمير السعودي يعتمد على الدعم الأمريكي لتشغيل طائراته الحربية وإبقائها في الهواء.
بالنسبة للمسؤولين الأمريكيين، أضحت الحرب المتوقفة حاليا مستنقعاً استراتيجياً وأخلاقياً
على الرغم من تحالف السعودية مع الإمارات ومجموعة من الفصائل اليمنية والتدخل في اليمن سنة 2015 بهدف الإطاحة بالحوثيين المدعومين من إيران والمتمركزين في شمال البلاد، إلا أنهم لم يحرزوا تقدما كبيرا حتى الآن. وعلى الرغم من شح الإنجازات العسكرية، فإن اليمن بات على حافة مجاعة كارثية، فضلا عن موت ما لا يقل عن 60 ألف من مواطنيه.
بالنسبة للمسؤولين الأمريكيين، أضحت الحرب المتوقفة حاليا مستنقعاً استراتيجياً وأخلاقياً، حيث ساهمت في تغيير الافتراضات المتعلقة بالسياسة التي انتهجتها الولايات المتحدة لعقود، والتي تقضي ببيع الأسلحة للحلفاء الأثرياء فقط، والذين نادرا ما يستخدمون هذه الأسلحة. وأثار هذا الأمر عدة تساؤلات حول تواطئ الأمريكيين في جرائم حرب محتملة، في حين طرحت الخسائر الفادحة في صفوف المدنيين معضلة مثيرة للقلق لدى المدنيين، والتي تتمحور حول كيفية دعم الأمريكيين لحلفائهم السعوديين مع الإبقاء على مسافة فاصلة بينهم وبين جرائم الحرب.
خلال المقابلات التي أجرتها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية مع مسؤولين حاليين وسابقين في الولايات المتحدة، ظهر جليا أن الأمريكيين لطالما استجابوا بطريقة مقلقة ومضطربة فيما يتعلق بالتقارير المدنية التي تفيد بتعرض المدنيين للقتل بسبب الغارات الجوية التي شنتها قوات التحالف. ومن جهتها، نفت وزارة الدفاع الأمريكية ووزارة الخارجية الأمريكية درايتها حول ما إذا كانت قوات التحالف قد استخدمت قنابل أمريكية الصنع خلال ضرباتها الجوية الشرسة على حفلات الزفاف والجنازات والمساجد في اليمن.
مع ذلك، قال مسؤول بارز سابق في وزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة تمتلك حق الوصول إلى سجلات كل غارة جوية على اليمن منذ الأيام الأولى للحرب، بما في ذلك رقم الطائرة الحربية المستخدمة والذخيرة المستخدمة.
في الوقت ذاته، لطالما كانت المجهودات الأمريكية لنصح السعوديين حول الطرق المثلى لحماية المدنيين دون فائدة، وكثيرا ما عمد المسؤولون السعوديون إلى تقويض المبادرات الأمريكية للتحقيق في الضربات الجوية الخاطئة، ناهيك عن تجاهلهم للائحة الأماكن التي يُمنع قصفها، والتي تضمنت على العديد من الأماكن.
في الوقت الذي احتج خلاله الأمريكيون على وفيات المدنيين في الأماكن العامة في اليمن، وقف الرئيس الأمريكي السابق ونظيره الحالي إلى جانب السعوديين
حيال هذا الشأن، صرح مساعد وزير الخارجية السابق والعضو الجديد في الكونغرس عن ولاية نيوجيرسي، توم مالينوسكي، أنه: “في نهاية المطاف، استنتجنا أن السعوديين غير مستعدين للاستماع إلينا، فلقد مُنحوا إحداثيات محددة لأهداف لا يجب عليهم استهدافها لكنهم استمروا في قصفها. لقد فاجئني قيامهم بهذا الأمر نظرا لكونه تجاهلا متعمدا للمشورة التي كانوا يتلقونها”. وعلى الرغم من ذلك، استمر الأمريكيون في دعم الضربات الجوية السعودية.
في الوقت الذي احتج خلاله الأمريكيون على وفيات المدنيين في الأماكن العامة في اليمن، وقف الرئيس الأمريكي السابق ونظيره الحالي إلى جانب السعوديين. ومن جهته، أعطى باراك أوباما السعوديين موافقته لشن الحرب على اليمن لتخفيف غضبهم إزاء الاتفاق النووي مع إيران، في حين احتضن دونالد ترامب الأمير محمد بن سلمان وتفاخر بعقده صفقات أسلحة بمئات مليارات الدولارات مع السعوديين.
بالتزامن مع سقوط القنابل على الأراضي اليمنية، استمرت الولايات المتحدة في تدريب القوات الجوية الملكية السعودية. وفي سنة 2017، أعلن الجيش الأمريكي عن برنامج بقيمة 750 مليون دولار ويهدف إلى التركيز على كيفية تنفيذ الضربات الجوية، ليشمل بذلك تلقين القوات الجوية السعودية كيفية تجنب التسبب في إصابات وخسائر في صفوف اليمنيين. وفي وقت لاحق من السنة ذاتها، أجاز الكونغرس بيع ذخائر موجهة بدقة تبلغ قيمتها 510 مليون دولار إلى المملكة، إلا أن أوباما منع هذه الصفقة احتجاجًا على سقوط ضحايا من المدنيين.
في الوقت الحالي، يضطلع حوالي 100 مسؤول عسكري أمريكي بتقديم المشورة والمساعدة لمهام قوات التحالف الحربية، لكن 35 منهم فقط يتواجدون في المملكة العربية السعودية. وتجدر الإشارة إلى أن الدعم الأمريكي للحرب قد تراجع منذ بضعة أشهر، وذلك عقب موجة الغضب في الكونغرس إزاء اغتيال الصحفي المعارض جمال خاشقجي، فضلا عن المخاوف المتعلقة بمقتل المدنيين في اليمن.
في واقع الأمر، لا تزال الخسائر في صفوف المدنيين تتزايد في اليمن، ووفقا لموقع النزاع المسلح ومشروع بيانات الأحداث
للرد على هذه الجرائم، قررت إدارة ترامب إنهاء دعمها للقوات الجوية السعودية من خلال تعليق عمليات تزويد طائرات التحالف بالوقود في الجو في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. وخلال الشهر الحالي، صوت مجلس الشيوخ الأمريكي على إنهاء الدعم العسكري للحرب على اليمن بشكل كامل لتوبيخ إدارة ترامب بشكل حاد. لكن، ألغي مشروع هذا القانون عندما رفض مجلس النواب النظر فيه.
في واقع الأمر، لا تزال الخسائر في صفوف المدنيين تتزايد في اليمن، ووفقا لموقع النزاع المسلح ومشروع بيانات الأحداث، كان شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي أكثر أشهر الحرب اليمنية عنفا منذ بدأت المنظمة في إحصاء الإصابات مطلع سنة 2016. ووفق ما ورد في تقرير المنظمة الأمريكية، سجل في الشهر الماضي 3058 حالة وفاة مرتبطة بالحرب، بما في ذلك 80 شخصا توفوا بسبب الغارات الجوية.
ثقالة ورق باهظة الثمن
مصنع متضرر جراء الضربات الجوية والقتال في اليمن، حيث قتل التحالف الذي تقوده السعودية الآلاف من المدنيين في إطار حملتهم ضد المقاتلين الحوثيين.
على مدى عقود من الزمن، باعت الولايات المتحدة أسلحة تقدر قيمتها بعشرات مليارات الدولارات إلى المملكة العربية السعودية بتعلة أن السعوديين نادرا ما يستخدمونها. ونتيجة لذلك، حشدت المملكة ثالث أكبر أسطول طائرات من طراز إف 15 في العالم بعد الولايات المتحدة و”إسرائيل”. لكن، لم يشهد طياروها أي أحداث دامية أو حروب تقريبا، حيث اقتصرت إنجازاتهم على إسقاط طائرتين نفاثين إيرانيتين فوق الخليج العربي سنة 1984، وطائرتين عراقيتين خلال حرب الخليج سنة 1991، فضلا عن شن بضعة غارات جوية على الحدود مع اليمن سنة 2009.
في الواقع، كانت الولايات المتحدة تمتلك توقعات مماثلة لمبيعاتها من الأسلحة إلى دول الخليج العربي الأخرى. ومن جهته، قال المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأمريكية، والذي يعمل حاليا لصالح منظمة مشروع ديمقراطية الشرق الأوسط، أندرو ميلر، إنه: “كان هناك اعتقاد بأن هذه الدول لن ينتهي بها المطاف باستخدام هذه المعدات، كما أننا كنا نبيعهم أسلحة غير مدمرة وباهظة الثمن”. في المقابل، تغير هذا الواقع فور قرار اضطلاع محمد بن سلمان بمناصب بارزة في كنف الحكومة السعودية.
قال مسؤولان أمريكيان سابقان إنه عندما قرر بن سلمان، الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع السعودي، إرسال مقاتلات جوية لقصف اليمن في أذار/ مارس من سنة 2015، شعر المسؤولون داخل البنتاغون بالذعر نظير تلقيهم إشعارا بقصف المقاتلين الحوثيين قبل 48 ساعة من إجراء هذه الضربات. وفي ذلك الوقت، اقتنع الأمريكيون بتأكيدات السعوديين بأن حملتهم العسكرية سوف تنتهي في غضون أسابيع.
أخطأ مخططو عمليات قوات التحالف في تحديد الأهداف، كما أن طياريها قصفوا هذه الأهداف في أوقات غير مناسبة
مع تحول الأسابيع إلى سنوات وتراجع احتمالات تحقيق الانتصار، وجد الأمريكيون أنفسهم يدعمون حملة عسكرية أدت إلى التسبب في حصيلة وفيات ضخمة، لاسيما بسبب الغارات الجوية السعودية والإماراتية. وفي شأن ذي صلة، ذكر مسؤولون عسكريون أمريكيون أن القادة الذين أرسلتهم الولايات المتحدة إلى غرفة العمليات في الرياض أوردوا أن الطيارين السعوديين قليلي الخبرة كانوا يطيرون على ارتفاعات شاهقة حتى يتسنى لهم تجنب نيران العدو. وأدت هذه الاستراتيجية إلى تقليل الخطر على الطيارين، لكن هذا الخطر انتقل إلى المدنيين الذين أمسوا عرضة لعمليات قصف أقل دقة.
علاوة على ذلك، أخطأ مخططو عمليات قوات التحالف في تحديد الأهداف، كما أن طياريها قصفوا هذه الأهداف في أوقات غير مناسبة. وعلى سبيل المثال، قصفت هذه القوات سيارة أثناء مرورها في أحد الأسواق المزدحمة عوضا عن الانتظار حتى سيرها في طريق مفتوح، ناهيك عن تجاهل قوات التحالف للائحة الأماكن التي لا يجوز قصفها بشكل روتيني، والتي سبق للقيادة المركزية الأمريكية والأمم المتحدة تحديدها، والتي تتضمن المستشفيات والمدارس وغيرها من الأماكن التي تشهد تجمعات للمدنيين.
في بعض الأحيان، كان ضباط قوات التحالف يخلون بالتنظيم القيادي الخاص بهم. ووفقا لإفادة مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية، أمر مسؤول ذو رتبة متدنية في إحدى الغارات بإجراء قصف مدمر أودى بحياة 155 شخص كانوا متجمعين في قاعة كانت تحتضن جنازة، وذلك عقب تجاهله لأمر صادر عن مسؤول عسكري يفوقه رتبة.
ومن جهتهم، قدم الأمريكيون المساعدة، كما مولت وزارة الخارجية هيئة تحقيق للنظر في الغارات الجوية الخاطئة واقتراح إجراءَات لتصحيح هذا الخطأ، كما قام محامو البنتاغون بتدريب الضباط السعوديين فيما يتعلق بقوانين الحرب. واقترح بعض الضباط العسكريين وضع كاميرات على الطائرات الحربية السعودية والإماراتية لمعرفة الطرق التي تجري من خلالها الضربات، وهو ما قابلته قوات التحالف بالرفض.
خلال شهر حزيران/ يونيو سنة 2017، انتزع المسؤولون الأمريكيون وعودا جديدة بالضمانات، بما في ذلك قواعد اشتباك أكثر صرامة وتوسيعا لقائمة المواقع التي يجدر بهم عدم قصفها إلى حوالي 33 ألف هدف؛ وهي المهام التي سمحت لوزير الخارجية السابق، ريكس تيلرسون، بكسب التأييد في الكونغرس لبيع ذخائر بقيمة 510 مليون دولار موجهة بدقة للمملكة.
قال اللواء جوزيف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأمريكية، أمام جلسة استماع لمجلس الشيوخ خلال شهر آذار/ مارس الماضي، “إن الدور الذي كانت تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب “ضروريا للغاية” لحماية المدنيين”
لكن، يبدو أن تلك الإجراءات لم تحدث سوى فرق بسيط. بعد أكثر من سنة، وخلال شهر آب/ أغسطس 2018، تسببت غارة جوية للتحالف في مقتل ما لا يقل عن 40 طفلا كانوا يركبون حافلة مدرسية شمال اليمن. ومع ذلك، أصر القادة الأمريكيون أنهم بحاجة إلى الاستمرار في مساعدة التحالف السعودي.
في هذا السياق، قال اللواء جوزيف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأمريكية، أمام جلسة استماع لمجلس الشيوخ خلال شهر آذار/ مارس الماضي، “إن الدور الذي كانت تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب “ضروريا للغاية” لحماية المدنيين”. وأضاف “أعتقد أن هذا يمنحنا أفضل فرصة لمعالجة هذه المخاوف”.
ما تعلمه الولايات المتحدة الأمريكية
تباهي الرئيس ترامب، الذي اجتمع مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال شهر آذار/ مارس، بمبيعات الأسلحة الأمريكية إلى المملكة.
خلال شهر آذار/ مارس الماضي، أدى الأمير محمد بن سلمان زيارة إلى واشنطن، حيث كرِّم من قبل الرئيس ترامب. وبينما كان المسؤولان يجلسان في البيت الأبيض، كان الرئيس الأمريكي يحمل لافتة عاليا تتضمن صورا فوتوغرافية لصفقات الطائرات الحربية والأسلحة الأخرى وقيمتها. وقال السيد ترامب مشيرا إلى اللافتة: “إذا نظرت من حيث الحجم المبيعات بالدولار: ثلاثة مليارات دولار و533 مليون دولار و525 مليون دولار. إن هذه الأرقام مجرد فول سوداني بالنسبة لكم”. وهو ما أثار ضحك بن سلمان.
لكن الوضع في الكونغرس كان مريبا. وخلال جلسة استماع عقدت خلال شهر آذار/مارس الماضي، اتهم أعضاء مجلس الشيوخ البنتاغون بالتواطؤ في الهجمات التي تقوم بها قوات التحالف، وضغطوا على قادته لمعرفة مدى ارتباط الولايات المتحدة المباشر بالفظائع التي ترتكب في اليمن.
في هذا الصدد، قال الجنرال فوتيل إن الجيش لم يكن يعلم الكثير عن ذلك. وأضاف أن الولايات المتحدة لم تبحث في موضوع شن طائرات التحالف، التي قامت بتزويدها بالوقود، للغارات الجوية التي قتلت مدنيين، ولم تكن على علم بتاريخ استخدامهم لقنابل أمريكية الصنع. وفي مؤتمر صحفي عقد في القاهرة خلال شهر آب/أغسطس الماضي، قدم مسؤول رفيع المستوى في الولايات المتحدة نفس هذا التقييم.
أفاد المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته نظرا لمناقشته لعلاقات دبلوماسية حساسة، بأنه “يفترض امتلاك السعوديين نظام جرد يتتبع تلك المعلومات، إلا أن هذه المعلومات غير متاحة بالنسبة للولايات المتحدة”. ومن جهة أخرى، قال لاري لويس، مستشار في وزارة الخارجية حول الشؤون المتعلقة بالأضرار المدنية الذي عمل مع التحالف الذي تقوده السعودية في الفترة الممتدة بين 2015 و2017، إن المعلومات كانت متوفرة بسهولة منذ المراحل الأولى من بداية الحرب”.
لم ينكر الكابتن بيل أوربان، المتحدث باسم القيادة الأمريكية المركزية، وجود قاعدة بيانات
في نفس السياق، أضاف أنه في مقر التحالف الذي يقع في مدينة الرياض، يمكن لضباط الاتصال الأمريكيين الوصول إلى قاعدة بيانات تقدم لهم تفاصيل عن كل غارة جوية وطائرة حربية وهدف وذخائر مستخدمة في العمليات العسكرية ووصف موجز للهجوم. وأفاد لويس بأن مسؤولين أمريكيين قد أرسلوا إليه نسخا من جدول البيانات الخاصة بعمله مرارا وتكرارا عبر البريد الإلكتروني. كما أشار إلى أنه يمكن استخدام هذه البيانات بسهولة لتحديد دور الطائرات الحربية والقنابل الأمريكية في أي هجوم يحدث في اليمن. وفي هذا السياق، قال “إذا كان السؤال يتمحور حول إمكانية استخدام ذخائر أمريكية لشن هذه الهجومات، ستعرفون أنه وقع استخدامها حتما”.
من جهته، لم ينكر الكابتن بيل أوربان، المتحدث باسم القيادة الأمريكية المركزية، وجود قاعدة بيانات. لكنه قال إن الضباط الأمريكيين استخدموا بيانات قوات التحالف فقط لتنفيذ مهمتهم الأساسية، التي تتمثل في تقديم المشورة حول الخسائر التي تسجل في صفوف المدنيين، وتبادل المعلومات الاستخبارية حول تهديدات الحوثية فضلا عن تنسيق عمليات التزود بالوقود جوا التي انتهت خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
في بيان له، قال أوربان “لن أقدم تكهنات حول كيفية قدرة الولايات المتحدة على استخدام أو تجميع المعلومات التي تقدمها قوات التحالف، بقيادة السعودية، والمتعلقة بمهام أخرى. لم تكن هذه هي المهمة التي دعي هؤلاء المستشارين إلى الرياض لأدائها. هذه ليست الطريقة التي تعمل بها التحالفات”. وقال مسؤولون آخرون إن جمع المعلومات حول استخدام الذخائر الأمريكية في اليمن سيكون عملا مرهقا ودون معنى”. وأورد مسؤول أمريكي بارز في القاهرة حول هذا الموضوع متسائلا: “ما الفرق الذي ستحدثه هذه المعلومات؟”.
لكن الخبراء القانونيين يقولون إن هذه المعلومات يمكن أن تكون مهمة. وداخل وزارة الخارجية، كانت هناك مخاوف طويلة الأمد بشأن المسؤولية القانونية المحتملة عن الدور الأمريكي في الحرب. وخلال شهر آب/ أغسطس الماضي، وصف مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعض الغارات الجوية للتحالف بأنها كانت على الأرجح جرائم حرب.
يقول المسؤولون إن التعتيم والإفلات من العقاب لا يزالان يميزان حملة الغارات الجوية التي تشنها قوات التحالف
في الأثناء، يقول ريان غودمان، محام سابق في وزارة الدفاع الأمريكية، الذي يدرس القانون في جامعة نيويورك: “بموجب القانون الأمريكي، يجب على عملاء الأسلحة الأمريكية اتباع قوانين النزاع المسلح أو قد تحظر مبيعات الأسلحة المستقبلية إليهم. ومن جهته، قال لويس، الذي غادر وزارة الخارجية سنة 2017، “إنه خلال خبرته في الخدمة، غالبا ما كان الضباط السعوديون يشعرون بالقلق أو الانزعاج من الغارات الجوية التي تسببت في مقتل المدنيين. لكن، لم يكن هناك أي جهود مؤسسية تذكر لإصلاح النظام المتبع”.
كان الفريق المشترك لتقييم الحوادث، الهيئة التي أنشئت للتحقيق في الهجمات التي تقع في اليمن، يعمل بجد في البداية. لكن عندما أعلن عن النتائج التي توصل إليها الفريق، قامت وزارة الخارجية السعودية بحذف أي معلومات كانت تنتقد ممارسات قوات التحالف. وعند توجيه السؤال الذي يتعلق بصحة حدوث هذا الأمر حقا، قال السفير السعودي في اليمن، محمد الجابر “إن الفريق المشترك لتقييم الحوادث هو فريق مستقل”.
تطبيق النفوذ
حمل المشيعون نعش رئيس بلدية صنعاء، العاصمة اليمنية، الذي قتل سنة 2016 في غارة جوية ضربت جنازة أخرى.
كما يقول المسؤولون إن التعتيم والإفلات من العقاب لا يزالان يميزان حملة الغارات الجوية التي تشنها قوات التحالف. ونادرا ما تقوم هذه القوات بتحديد الدولة التي تنفذ الغارة الجوية،على الرغم من أن الغالبية العظمى من هذه الهجمات تكون إما سعودية أو إماراتية. وخلال شهر تموز/ يوليو الماضي، أصدر الملك سلمان أمرا برفع “جميع العقوبات العسكرية والتأديبية” على القوات السعودية التي تقاتل في اليمن، وهو ما يبدو أنه عفو عن جرائم حرب محتملة.
في هذا الصدد، قال أحد كبار الضباط العسكريين الأمريكيين ومسؤول آخر رفيع المستوى من دولة غربية، إنه “خلال الصيف وعندما قصفت الطائرات الحربية الإماراتية ميناء الحديدة الواقع على سواحل البحر الأحمر، قام الجنرال فوتيل ووزير الدفاع آنذاك، جيمس ماتيس، بإجراء ما لا يقل عن 10 مكالمات هاتفية وعقد اجتماعات عبر الفيديو مع قادة إماراتيين وسعوديين وحثهم على التحلي بضبط النفس. وقد شارك محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي والرئيس الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، في واحدة، على الأقل، من هذه الاجتماعات.
علاوة على ذلك، قال الجنرال تشارلز براون، قائد سابق في العملياتِ الجوية الأمريكية في الشرق الأوسط، في مقابلة، إن “السعوديون شركاء محترمون، إلا أن شركاءنا يقومون أحيانا بأمور لا نتوقعها”. بعيدا عن وقف مبيعات الأسلحة، يؤكد النقاد أن الولايات المتحدة باستطاعتها الضغط على السعوديين من خلال تقليص مساعداتها الجوية.
قال دانيال بيمان، الأستاذ في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورجتاون، إن اتباع سياسة صارمة تجاه الغارات الجوية التي تشنها السعودية لن تكون مفيدة للمدنيين اليمنيين فحسب، بل ستساعد السعوديين أيضا
بموجب عقود من وزارة الدفاع الأمريكية، يساعد مئات من المختصين الأمريكيين في مجال صيانة الطائرات وغيرهم من المختصين الآخرين على تعزيز تمركز الأسطول السعودي الجوي المتألف من طائرات إف 16 إيغل في الأجواء اليمنية. وخلال سنة 2017، وقعت شركة بوينغ عقدا لتقديم خدمات صيانة للأسطول الجوي للتحالف بقيمة 480 مليون دولار. لكن بعد رحيل ماتيس، الذي استقال الأسبوع الماضي من منصبه، سيقود باتريك شاناهان، وهو أحد المطلعين على حيثيات صناعة السلاح، وزارة الدفاع.
لقد عمل شاناهان، الذي عين قائما بأعمال وزير الدفاع ابتداء من كانون الثاني / يناير 2019، أكثر من ثلاثة عقود في بوينغ، الشركة المصنعة لطائرات إف 15 إيغل التي انتفعت بمليارات الدولارات من عقود الخدمات المربحة التي أبرمتها مع المملكة العربية السعودية. وقال مسؤولو البنتاغون إنه وأثناء تأدية مهامه في منصبه الحالي كنائب وزير للدفاع، تراجع السيد شاناهان عن اتخاذ قرارات متعلقة بشركة بوينغ.
من جهته، قال دانيال بيمان، الأستاذ في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورجتاون، إن اتباع سياسة صارمة تجاه الغارات الجوية التي تشنها السعودية لن تكون مفيدة للمدنيين اليمنيين فحسب، بل ستساعد السعوديين أيضا. وفي هذا الصدد أورد بيمان، أن “هذه الحرب كانت كارثة إستراتيجية بالنسبة للسعوديين”. كما لم تساهم هذه الغارات الجوية في هزيمة الحوثيين وحلفيتهم، إيران التي استفادت من جرائم الحرب الخرقاء التي قامت بها المملكة العربية السعودية في اليمن. وصرح بيمان، أنه “يجب على الولايات المتحدة استخدام قوتها لتعزيز السلام والاستقرار في اليمن كما تحتاج إلى حماية حلفائها من أنفسهم”.
المصدر: نيويورك تايمز