فصل جديد من فصول المعاناة المستمرة يعيشه اللاجئون الفلسطينيون في دول الجوار لكن هذه المرة في مخيماتهم في لبنان التي لم تسلم من آثار الحرب الدائرة هناك، حيث طالتها آلة الدمار الإسرائيلية فكان لها حصة من القصف والاغتيالات، ما أدى إلى موجات جديدة من التهجير.
لطالما شكلت المخيمات الفلسطينية مصدر قلق لـ “إسرائيل”، فعملت على مدى عقود على زرع الفتنة بين الفصائل الفلسطينية نفسها داخل هذه المخيمات وبين الفصائل والمجتمع اللبناني بهدف ضرب النسيج الاجتماعي، إلى جانب محاولاتها الحثيثة بدفع لبنان لإعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين كخطوة لإلغاء حق العودة وطمس القضية الفلسطينية.
تاريخ التأسيس
تعود نشأة المخيمات الفلسطينية في لبنان إلى أحداث عام 1948، عندما اندلعت الحرب بين دول عربية و”إسرائيل” في أعقاب إعلان دولة الاحتلال على الأراضي الفلسطينية، ومع تصاعد الصراع، تعرض مئات الآلاف من الفلسطينيين للتهجير القسري من ديارهم، ما دفع الكثير منهم للجوء إلى البلدان المجاورة، وخاصة سوريا ولبنان.
في لبنان، أقيمت المخيمات للفلسطينين المهجرين في مختلف المناطق كحل مؤقت لإيواء العائلات في خيام ضمن مساحات محدودة، لكن مع مرور الوقت وعدم تحقق آمال العودة، بدأت هذه المخيمات تتحول من خيام إلى مساكن أكثر استقرارًا، من خلال بناء المنازل البسيطة وتحسين البنية التحتية بالموارد المتاحة.
ومع تطور مراحل الصراع في المنطقة عامة وفي لبنان بشكل خاص، مرت هذه المخيمات في محطات بارزة فيما يتعلق بتطور إنشائها، المحطة الأول كانت بين عامي 1948-1950 عندما وصل الفلسطينيون الذين هجروا من القسم الشمالي من فلسطين وتحديدا قرى الجليل ومدن الساحل مثل يافا وحيفا وعكا ووصل عددهم إلى أكثر من 100 ألف شخص إلى لبنان.
بدأت جهود محلية لإنشاء المخيمات بمساعدة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، التي لعبت دورًا أساسيًا في إدارة شؤون المخيمات وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية والإغاثية
المحطة الثانية خلال الحرب الأهلية اللبنانية بين 1975-1990 حيث زج الفلسطينيون أنفسهم في المعارك ما أدى إلى تعرض المخيمات الفلسطينية لأضرار جسيمة وخاصة مخيم تل الزعتر الذي شهد مجزرة عام 1976 راح ضحيتها أكثر من أربعة آلاف قتيل بعد حصار المخيم لمدة 52 يومًا من قبل قوات نظام الأسد والقوات المارونية المسيحية اللبنانية التي كانت تتكون من “حزب الكتائب بزعامة بيير الجميل، وميليشيا النمور التابعة لحزب الوطنيين الأحرار بزعامة كميل شمعون، وميليشيا جيش تحرير زغرتا بزعامة طوني فرنجية، وميليشيا حراس الأرز”.
في نوفمبر/ تشرين الثاني 1969 تم توقيع اتفاقية في القاهرة بين ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية وقائد الجيش اللبناني إميل البستاني، منحت بموجبها الفلسطينيين الحق في إدارة مخيماتهم.
المحطة الثالثة كان الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 فقد شهدت المخيمات الفلسطينية هجمات واسعة خاصة في الجنوب ومخيمات بيروت التي شهدت مجازر كان أبرزها مجزرة صبرا وشاتيلا.
كما شهدت المخيمات الفلسطينية في لبنان بين الحين والآخر اشتباكات داخلية وصراعات معقدة، نتيجة تداخل العوامل السياسية والأمنية والتوترات الاجتماعية، من أبرزها اشتباكات مخيم نهر البارد عام 2007 بين الجيش اللبناني وتنظيم “فتح الإسلام”، كما شهد مخيم عين الحلوة في 2023 اشتباكات بين عناصر من حركة فتح ومجموعة مسلحة تطلق على نفسها اسم “الشباب المسلم”، أسفرت عن مقتل 14 شخصًا.
مخيمات اللجوء
تقدر أعداد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حسب إحصائيات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” بـ483 ألفًا و375 نسمة، بيد أن الأعداد في انخفاض، نتيجة الهجرة الدائمة لأبناء المخيمات.
ويقيم 280 ألف نسمة في 12 مخيمًا مسجلًا رسميًا، أما بقية اللاجئين يقطنون في عدة تجمعات سكنية وأخرى هامشية قاموا بإنشائها، وفي السطور التالية سنسلط الضوء على أبرز هذه المخيمات، تاريخ تأسيسها، والتحديات التي واجهتها وتواجهها حتى اليوم.
مخيمات صور
تقع مدينة صور على مسافة نحو 80 كيلومتراً من جنوب العاصمة اللبنانية بيروت، وتتعرض لسلسلة غارات جوية من “إسرائيل”، فالمدينة الساحلية الصغيرة لم يسبق لها أن تغيرت ملامحها حتى في حرب يوليو/تموز 2006.
تضم صور ثلاثة مخيمات فلسطينية هي: مخيم البص والراشيدية وبرج الشمالي، وتكاد صور اليوم شبه فارغة بعد أن أصدرت “إسرائيل” أمرًا بإخلاء وسط المدينة والسواحل.
تأسس مخيم برج الشمالي عام 1948، ويقع على بعد 3 كيلومترات إلى الشرق من مدينة صور، على مساحة 135000 متر مربع، بعدد سكان يصل لأكثر من 19 ألف شخص، نحو 3000 منهم يحملون الجنسية اللبنانية بموجب قرار التجنيس الصادر عام 1994 بعد مؤتمر الطائف.
ويعتبر مخيم البرج الشمالي من أفقر مخيمات اللاجئين في لبنان والاكتظاظ السكاني فيه، حيث تشكل البطالة فيه نسبة عالية، ما دفع بالكثير من شبابه إلى المغادرة باتجاه البلدان الإسكندنافية وألمانيا، في حين يعمل العديد من أبنائه في الأعمال الزراعية.
مخيم الراشيدية تأسس عام 1936 ويبلغ عدد سكانه 27.500 شخص، ويقع على شاطئ مدينة صور من جهة الجنوب ويبعد عنها نحو 7 كيلومترات، أنشأته الحكومة الفرنسية لاستيعاب اللاجئين الأرمن الذين فروا إلى لبنان.
وفي عام 1963 قامت الأونروا ببناء القسم الجديد لإيواء اللاجئين الفلسطينيين الذين تم إجلاؤهم من مخيم غورواد في منطقة بعلبك في لبنان، ومعظم سكان مخيم الرشيدية ينحدرون أصلا من دير القاسي وألما النهر والقرى الأخرى في شمال فلسطين.
يشكو أهالي المخيم من تقصير وكالة “أونروا” بتلبية الأمور الملحة، والتلكؤ في إعادة بناء المنازل التي أصيبت أو تهدمت في مراحل مختلفة من اعتداءات الاحتلال الصهيوني، أما في هذه الحرب الأخيرة تفاقمت أوضاع اللاجئين الفلسطينيين المتبقين في مخيم الرشيدية، جراء انقطاع التيار الكهربائي، نتيجة تضرر أعمدة التوتر العالي.
أما مخيم البص تأسس عام 1939 ويقطنه اللاجئون الفلسطينيون منذ عام 1948، ويبلغ عدد سكانه نحو 9 آلاف و500 لاجئ، ويقع عند المدخل الشرقي لمدينة صور، وتنتشر المحال التجارية الفلسطينية على طول مدخله بعد حاجز الجيش اللبناني، ويعمل معظم أبناء المخيم بالبناء والزراعة والتجارة، بينما يعتمد البعض على تحويلات المغتربين من أبنائهم إليهم.
واستهدف المخيم بشكل مباشر في غارة من سلاح الجو الإسرائيلي لأول مرة أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، ما أدى إلى مقتل فتح شريف أبو الأمين، قائد حركة حماس في لبنان، وعضو قيادة الحركة في الخارج، إلى جانب نجله أمين وزوجته وابنته.
ونزح نحو 50% من سكان مخيمات صور، فيما تقطعت السبل بمئات العائلات الأخرى التي لم تجد أماكن آمنة وسط انقطاع المواصلات، فيما تعاني أوضاعا إنسانية مزرية جراء وقف وكالة “أونروا” خدماتها الصحية والبيئية، فيما يشهد المخيم تراكمًا للنفايات، وتوقف محطات ضخ المياه.
مخيما صيدا
أما في صيدا، التي تعتبر آخر معاقل الجنوب اللبناني، تضم مخيمان: الأول مخيم عين الحلوة الذي يوصف بأنها عاصمة الشتات، والثاني مخيم المية المية.
يقع مخيم عين الحلوة إلى جنوب مدينة صيدا، وتبلغ مساحته رسميًا كيلومترًا مربعًا واحدًا، ويقطن فيه نحو 100 ألف شخص، وشهد نزوح للعائلات الفلسطينية السورية بعد2011 حيث وصل عددهما إلى نحو 860 عائلة.
ترتفع نسبة البطالة بين صفوف سكان المخيم، وخاصة الشباب، ويعمل أبناؤه بالتفرغ في المنظمات الفلسطينية والقوى الإسلامية الموجودة في المخيم، إضافة إلى العمل غير الدائم في قطاعات الزراعة والبناء.
وشهد المخيم قصفا إسرائيليا مطلع الشهر الجاري عندما حاولت اغتيال منزل اللواء منير المقدح مسؤول فرع لبنان بكتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح).
وأسفر القصف عن مقتل 6 أشخاص، بينهم حسن نجل منير المقدح وزوجته نظمية رائف حمودي، والفلسطينية إسراء عباس وطفلها عبد الرحيم الصياح، والطفلتان عبير وفاطمة شحادة.
من جانبها، أكدت كتائب شهداء الأقصى، في بيان، مقتل القيادي فيها حسن المقدح وزوجته وهذه هي المرة الأولى التي يستهدف فيها الجيش الإسرائيلي مخيم عين الحلوة منذ بدء المواجهات مع حزب الله.
وعلى عكس مخيمات صور، يعاني هذا المخيم اليوم من اكتظاظ كبير بسبب تدفق النازحين والفارين، سواء كانوا فلسطينيين أو لبنانيين، ومما فاقم الأزمة الإنسانية فيه تراجع خدمات الأونروا بشكل ملحوظ، ما أدى إلى تقاعسها عن تلبية احتياجات سكان المخيم بشكل كامل، وهو ما زاد من ضيق الأوضاع المعيشية.
أما مخيم المية ومية يقع على بعد حوالي 4 كيلومترات شرق مدينة صيدا، وتأسس عام 1954، ويعود اسمه إلى قرية المية ومية اللبنانية المجاورة له، وتعرض خلال الحرب الأهلية إلى دمار كبير.
ويبلغ عدد سكان المخيم أكثر من ستة آلاف لاجئ فلسطيني، ويمتد على مساحة حوالي 54 ألف متر مربع مما يجعله واحداً من أصغر المخيمات الفلسطينية في لبنان.
يعيش سكان المخيمات في صيدا، حالهم كحال بقية سكان المدينة، في حالة من القلق والترقب المستمر، خوفًا من استهدافات إسرائيل المتكررة.
مخيمات بيروت والشمال
تضم العاصمة اللبنانية بيروت خمسة مخيمات فلسطينية، بعضها لا يزال قائماً، بينما دُمر البعض الآخر نتيجة الصراعات والأحداث، وهي برج البراجنة، شاتيلا، مارالياس، ضبية، تل الزعتر.
تأسس مخيم برج البراجنة عام 1948 و يقع في الضاحية الجنوبية لبيروت بالقرب من مطارها الدولي، وأُنشىء من قبل الصليب الأحمر الدولي، ويقطنه نحو 16 ألف نسمة، بالإضافة إلى ستة آلاف نسمة يقيمون في محيط المخيم.
ومع ارتفاع نسبة البطالة في المخيم يعيش أكثر من 60% من أبنائه تحت خط الفقر، بينما يعمل العاملون فيه بشكل رئيسي في قطاع البناء، بالإضافة الى أصحاب الدكاكين والبسطات والعربات، وكذلك العاملون في الأونروا، والمتفرغون في صفوف الفصائل الفلسطينية.
أجبر القصف الإسرائيلي العنيف على المخيم خلال الأسابيع الماضية 80% من سكان المخيم على النزوح منذ بدايته، بينما بقي 20% منهم داخل المخيم رغم انعدام الأمان الشامل، إذ يضطر الأهالي لمغادرة المخيم ليلًا إلى المناطق المفتوحة عند اشتداد القصف، دون أن تتوفر لديهم مستلزمات الحماية من البرد أو أي دعم من الجهات المعنية خاصة من قبل وكالة أونروا.
وأما مخيم شاتيلا، تأسس في 1949، ويبلغ عدد سكانه نحو 8,500 ، وشهد المخيم دمارًا خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 وتم استهدافه بشكل متكرر خلال الحرب الأهلية اللبنانية الأمر الذي أدى إلى تدمير الممتلكات.
كما شهد المخيم مجزرة صبرا وشاتيلا الشهيرة، التي على يد حزب القوات اللبنانية والكتائب تحت تغطية وتعاون إسرائيلي، والتي تعد واحدة من أبشع المجازر التي شكلت صدمة جماعية، لا تزال آثارها محفورة في ذاكرة اللبنانيين والفلسطينيين راح ضحيتها أكثر من 300 شخص.
وشهد المخيم غارات إسرائيلية خلال الأسابيع الماضية، استهدفت قيادين من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
أما مخيم ضبية تأسس عام 1956 بهدف إيواء اللاجئين الفلسطينيين الذين جاؤوا من منطقة الجليل في شمال فلسطين ويبلغ عدد سكانه 4292 شخصًا ويبعد مسافة 12 كيلومتر إلى الشرق من مدينة بيروت.
وبسبب موقعه الاستراتيجي، عانى المخيم من الكثير من أعمال العنف وتعرض للكثير من الدمار خلال الحرب الأهلية اللبنانية، حيث هاجمته الفصائل المسيحية (حزب الكتائب) حيث تعرضت ربع المساكن فيه للدمار أو للتلف الشديد فيما تم تهجير ما يزيد عن 100 عائلة من العائلات التي تقطن فيه، وأغلبها من اللاجئين الفلسطينيين المسيحيين. وهو مخيم اللاجئين الفلسطينيين الوحيد الباقي في الضواحي الشرقية لبيروت.
أما مخيم تل الزعتر تأسس عام 1949 ودمر بالكامل بعد مجزرة 1976 الشهيرة التي أعقبها إزالة المخيم بالجرافات.
في حين يقع مخيم مار الياس يقع المخيم إلى الجنوب الغربي من العاصمة بيروت وتأسس عام 1952 من قبل رهبانية مار الياس لإسكان اللاجئين الفلسطينيين القادمين من الجليل إبان النكبة، ويقيم فيه نحو 330عائلة أي ما يقارب 1650 نسمة.
ويتميز المخيم بالهدوء الأمني، وعدم الظهور والوجود المسلح الفلسطيني، وعدم تواجد الجيش اللبناني حوله.
يوصف مخيم مار الياس بأنه يشكل عاصمة سياسية وإعلامية للفلسطينيين، بسبب وجود مراكز ومقرات لمعظم قيادات الفصائل الفلسطينية فيه، كما يضم المخيم عددًا كبيرًا من المؤسسات الاجتماعية.
مخيم البارد
يقع مخيم نهر البارد على مسافة 16 كيلومتر من طرابلس بالقرب من الطريق الساحلي في شمال لبنان، وتأسس في الأصل من قبل جمعية الصليب الأحمر في عام 1949 لإيواء اللاجئين الفلسطينيين من منطقة بحيرة الحولة شمال فلسطين، وبدأت الأونروا بتقديم خدماتها للاجئين في عام 1950.
أدى موقع نهر البارد القريب من الحدود السورية مع لبنان، لتحويل المخيم الى مركز اقتصادي للبنانيين في منطقة عكار.
في منتصف عام 2007، ونتيجة للنزاع الذي دار بين الجيش اللبناني وبين مجموعة “فتح الإسلام” التي لجأت إلى المخيم، تمّ تدمير المخيم حيث تعرّض للقصف بالمدفعية الثقيلة والقنابل الجوية خلال حصار امتد ثلاثة أشهر.
مخيم البدوي
يقع مخيم البداوي على بُعد 5 كيلومترات من مدينة طرابلس اللبنانية، ويضم المخيم اليوم نحو 30 ألف لاجئ فلسطيني، بالإضافة إلى لاجئين مهجّرين من مخيم نهر البارد، الذي دُمّر خلال أحداث 2007، إلى جانب آلاف اللاجئين السوريين ومئات العائلات اللبنانية التي نزحت مؤخرا من جنوب لبنان عقب تصاعد العدوان الإسرائيلي.
أسسته الأونروا عام 1955 فوق تلة في شمال لبنان، واستهدفته إسرائيل أواخر العام الماضي في غارة تركّزت على شقة سكنية في حي مكتظ بالسكان داخل المخيم، مما أسفر عن استشهاد القيادي في كتائب القسام سعيد العلي، وزوجته شيماء عزام، وطفلتيهما زينب وفاطمة.