أعلنت البحرين مساء أمس الخميس، استمرار العمل في سفارة المملكة لدى سوريا، بعد ساعات قليلة من إعادة فتح الإمارات سفارتها في دمشق، ووصول أول رحلة جوية قادمة من مطار دمشق الدولي إلى مطار الحبيب بورقيبة الدولي في مدينة المنستير الساحلية بتونس بعد توقف دام لأكثر من ثماني سنوات.
وقبل ذلك، أدى الرئيس السوداني عمر حسن البشير زيارة مفاجئة منتصف الشهر الجاري إلى العاصمة دمشق، حيث كان في استقباله الرئيس السوري بشار الأسد، وهي أول زيارة لزعيم عربي إلى سوريا منذ اندلاع الثورة عام 2011.
خطوات علنية متسارعة بعد تفاهمات سرية، في انتظار أخرى مماثلة في قادم الأيام، تؤكّد حجم التحول العربي من نظام بشار الأسد الذي قتل وشرد الملايين من مواطنيه، تزامنا مع اعلان الولايات المتحدة الأمريكية الخروج من سوريا، فما الذي تحمله هذه التحولات من الدلالات ومن المستهدف منها؟
البحرين تسارع الخطى
الخارجية البحرينية أعلنت استمرار العمل في سفارة المملكة لدى سوريا، مشيرة إلى أن السفارة السورية بالمنامة تقوم بعملها، وأن الرحلات الجوية بين البلدين قائمة دون انقطاع، وكانت الإمارات أعلنت أمس الخميس عودة علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا.
وذكرت الخارجية البحرينية أن المنامة حريصة على استمرار العلاقات مع سوريا، وعلى أهمية تعزيز ما سمته الدور العربي وتفعيله، مشيرة إلى أن ذلك يهدف إلى الحفاظ على استقلال سوريا وسيادتها ووحدة أراضيها، ومنع مخاطر التدخلات الإقليمية في شؤونها.
MOFA: Work at #Bahrain Embassy in the Syrian Arab Republic going on https://t.co/xDF43FMvpk pic.twitter.com/Z6iq0ff2HF
— وزارة الخارجية 🇧🇭 (@bahdiplomatic) December 28, 2018
وكانت هذه الخطوة مرتقبة، خاصة بعد العناق النادر و”الحميمي” بين وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة ووزير خارجية النظام السوري وليد المعلم، على هامش الدورة الأخيرة لجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، وخروج آل خليفة بعد يوم واحد على قناة “العربية” السعودية كاشفا أنه التقى “أخاه” المعلم، كما وصفه مرات عدة خلال الدقائق القليلة لحديثه، أكثر من مرة منذ اندلاع الثورة السورية سنة 2011، مستدركا أن هذا اللقاء مختلف لأن “العالم العربي يشهد تحولات إيجابية” باتجاه “دور عربي فاعل” في سوريا “العربية التي تخص العرب أكثر من أي أمة في العالم”.
وأعقب هذا العناق والخروج الإعلامي لآل خليفة، زيارة رئيس مكتب الأمن الوطني السوري علي مملوك، بهدف وضع اللمسات الأخيرة على خطط إعادة افتتاح السفارة السورية في المنامة وعودة الموظفين السوريين إليها.
الإمارات تتصدّر “المطبعين“ رسميا
قبل الاعلان البحريني، أعلنت الإمارات -حيث تقيم شقيقة الأسد ووالدته- إعادة فتح سفارتها في سوريا، وقالت أبو ظبي إن هذه الخطوة تؤكد حرص الحكومة الإماراتية على “إعادة العلاقات بين البلدين الشقيقين إلى مسارها الطبيعي بما يعزز ويفعل الدور العربي في دعم استقلال وسيادة الجمهورية العربية السورية ووحدة أراضيها وسلامتها الإقليمية، ودرء مخاطر التدخلات الإقليمية في الشأن العربي السوري“.
وزارة الخارجية والتعاون الدولي تعلن عودة العمل في سفارة الدولة بدمشق. https://t.co/63TGA0Y982
— MoFA وزارة الخارجية (@mofauae) December 27, 2018
وأعلنت الخارجية الإماراتية أمس عن عودة العمل في سفارة الإمارات بدمشق، حيث باشر القائم بالأعمال بالنيابة عبد الحكيم النعيمي مهام عمله من مقر السفارة، وصرح لوكالة الأنباء الرسمية السورية بأن افتتاح سفارة بلاده في دمشق “دعوة لعودة العلاقات وفتح سفارات الدول العربية الأخرى“.
وكانت أبو ظبي -التي جمدت علاقاتها مع دمشق منذ بداية الحرب في سوريا عام 2011 استجابة لضغوط سعودية- كانت قد أعلنت في وقت سابق من هذه السنة أنها تتفاوض على إعادة فتح سفارتها في دمشق، وإعادة العلاقات الكاملة مع نظام بشار الأسد.
عمر البشير أول زعيم عربي يزور سوريا منذ اندلاع الثورة في آذار/مارس 2011
وسبق أن زار نائب رئيس المجلس الأعلى للأمن الوطني في الإمارات علي محمد بن حماد الشامسي، دمشق مطلع يوليو/تموز الماضي، وفق ما نقلت صحيفة الأخبار اللبنانية. وأكدت الصحيفة أن السلطات الإماراتية أرسلت في الأشهر الأخيرة أكثر من فريق صيانة للكشف على سفارتها في دمشق، في مؤشر إلى إمكان استئناف “نشاط ما“.
وكان وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، قد أكد في مقابلة صحفية في يونيو/حزيران الماضي أنه كان من الخطأ إقصاء سوريا من الجامعة العربية، وأن العالم العربي “يجب أن يعمل مع دمشق على الفور”.
تونس تستقبل أول رحلة جوية من سوريا
في نفس اليوم، استقبل مطار الحبيب بورقيبة الدولي في مدينة المنستير الساحلية بتونس أول رحلة جوية قادمة من مطار دمشق الدولي بعد توقف دام لأكثر من ثماني سنوات، إثر قرار الرئيس السابق المنصف المرزوقي حينها قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري.
وأقلت الطائرة 150 سائحا سوريا من دبلوماسيين سابقين وإعلاميين ومحامين ومهندسين وأطباء، سيقيمون لمدة أسبوع في تونس للاحتفال برأس السنة الميلادية والقيام برحلات إلى عدد من المواقع السياحية التونسية، ورفع السوريون القادمون صور الرئيس السوري بشار الأسد والعلمين السوري والتونسي احتفالا بإعادة فتح الخط الجوي بين البلدين.
السودان يبدأ فتح الطريق
هذه الخطوات، سبقتها خطوة سودانية تمثّلت في زيارة الرئيس السوداني عمر البشير في منتصف الشهر الحالي دمشق، حيث التقى نظيره السوري بشار الأسد ليكون أول زعيم عربي يزور سوريا منذ اندلاع الثورة في آذار/مارس 2011.
وذكرت الرئاسة السورية أن الرئيسين أجرا محادثات تناولت العلاقات الثنائية وتطورات الأوضاع في سوريا والمنطقة. وقال الأسد إن زيارة البشير من شأنها أن تشكل دفعة قوية لعودة العلاقات بين البلدين كما كانت قبل الحرب على سوريا.
زيارة البشير لدمشق مهّدت الطريق أمام باقي الدول
وأكد الأسد والبشير خلال المحادثات أن “الظروف والأزمات التي تمر بها العديد من الدول العربية تستلزم إيجاد مقاربات جديدة للعمل العربي تقوم على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وهذا بدوره كفيل بتحسين العلاقات العربية العربية بما يخدم مصلحة الشعب العربي”، وفق ما ذكرت وكالة سانا.
وأوضح البشير كما نقلت سانا، أن “سوريا هي دولة مواجهة وإضعافها هو إضعاف للقضايا العربية وما حدث فيها خلال السنوات الماضية لا يمكن فصله عن هذا الواقع، وبالرغم من الحرب بقيت متمسكة بثوابت الأمة العربية”، معربا عن أمله في أن “تستعيد سوريا عافيتها ودورها في المنطقة في أسرع وقت ممكن وأن يتمكن شعبها من تقرير مستقبل بلده بنفسه بعيدا عن أي تدخلات خارجية“.
الأردن تستعدّ لرفع التمثيل
الأردن من جهتها تستعدّ لإعلان عودة علاقاتها مع النظام السوري قريبا، ودعا القائم بالأعمال في السفارة السورية في العاصمة الأردنية عمّان، أيمن علوش، لإكمال الأردن طاقم سفارته في العاصمة السورية دمشق.
وقال علوش في تصريح لوكالة “سبوتنيك” الروسية: “نتمنى أن تكون السفارة الأردنية في سوريا موجودة في كامل طاقمها، حتى الآن الموظفون الموجودون، موظفون إداريون تم إعطاؤهم لقب دبلوماسي أثناء العمل“.
ودعا على هامش افتتاح المعبر الحدودي “جابر نصيب” بين البلدين، إلى “أن تبادر الخارجية الأردنية برفع مستوى التمثيل، أن يكون هنالك من هو أكثر من إداري” مبينا أن “الإداري هي أدنى مرحلة، مع احترامنا لكل من يمثل الأردن بغض النظر عن مرتبته في سوريا، لكن مرتبة إداري هي صغيرة“.
أوقفت الجامعة العربية عضوية سوريا في نوفمبر/ تشرين الثاني العام 2011
وكان العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، قد أعرب عن أمنياته بتحسن الأوضاع في سوريا والعراق، خلال لقائه مجموعة من الصحفيين الأردنيين، يوم الأحد. وقال الملك “علاقاتنا ستعود مع سوريا كما كانت من قبل، نتمنى لسوريا كل الخير إن شاء الله، الشغل سيرجع كما كان من قبل.” ولا يوجد سفير لسوريا في الأردن والعكس منذ 2014.
وبدأت مسيرة الأردن التي استضافت عاصمتها، عمّان، مقر غرفة العمليات الدولية لتنسيق الجهود العسكرية الإقليمية والدولية ضد نظام الأسد، نحو التقارب مع النظام السوري منتصف سنة 2017 الماضية، في صورة لقاءات بين رئيس مكتب الأمن الوطني السوري علي مملوك ورئيس دائرة المخابرات العامة الأردنية عدنان الجندي، في قناة أمنية تم افتتاحها بداية العام نفسه بوساطة روسية.
ماذا عن السعودية؟
التحركات العربية الأخيرة تجاه سوريا، لم تكن لتكون لولا موافقة السعودية عليها، حيث تفيد عديد المؤشرات أن الرياض هي من دفعت باقي العواصم العربية إلى تغيير موقفها من النظام السوري بشار الأسد بعد أن كانت الطرف الأبرز الداعي لقطع العلاقات مع هذا النظام إبان الثورة السورية.
ومطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، سرب موقع “المصدر” الإخباري المقرب من النظام السوري، معلومات تفيد أن المملكة العربية السعودية وسوريا تعملان “من خلال قنوات خلفية” عبر الإمارات العربية المتحدة للتوصل إلى مصالحة سياسية.
الملك السعودي عبد الله بن عيد العزيز مع الرئيس السوري بشار الأسد سنة 2009
ونهاية مارس/آذار الماضي، أكّد ولي العهد السعودي ورجلها القوي محمد بن سلمان، في تصريح لمجلة “التايم” الأميركية، أن “الأسد باقٍ”، وهو تصريح تزامن مع تصريح لبشار الأسد لصحيفة “الشاهد” الكويتية، وهو التصريح الأول للأسد لصحيفة عربية منذ بدء الأزمة، والذي يزعم خلاله أنه “وصل لتفاهمات كبرى مع دول عربية”.
وكانت الجامعة العربية أوقفت عضوية سوريا في نوفمبر/ تشرين الثاني العام 2011، نتيجة لضغوط عدة مارستها دول عربية، ولا سيما الدول الخليجية، على خلفية الموقف من الصراع الدائر في هذا البلد، بعدما حملت حكومة الرئيس بشار الأسد المسؤولية عن مقتل مدنيين.
مصر تتبع الخطى
لا يمكن لمصر في عهد عبد الفتاح السيسي أن تخطوا خطوة بعيدا عن السعودية والإمارات، لذلك انخرط القاهرة مؤخرا في مساعي كسب ود النظام السوري والسعي لجعل سوريا “قضية عربية”. وكشفت مواقع إخبارية مؤخرا أن مصر كثفت في الفترة الأخيرة اتصالاتها مع ممثلين رسميين في نظام دمشق.
وفي 22 ديسمبر/كانون الأول الحالي، زار رئيس الأمن الوطني في سوريا، علي مملوك، مصر، بعد دعوة وجهها له رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، عباس كامل، وتم بحث القضايا ذات الاهتمام المشترك خلال هذه الزيارة من ضمنها محاربة الإرهاب، وفقا لوكالة الأنباء السورية سانا.
وينتظر أن تعلن القاهرة في قادم الأيام عن فتح سفارتها بدمشق، وكان الرئيس المصري المعزول محمد مرسي قرّر في 15 يونيو/حزيران 2013 قطع جميع الروابط الدبلوماسية مع نظام الأسد، وإغلاق السفارة السورية في القاهرة وسحب القائم بالأعمال المصري من دمشق.
الخوف من المدّ الإيراني
تحرك الدول العربية الأخير، على رأسها الخليجية، يبدو أنه مدفوع بالخوف المتزايد من الصعود الإيراني في المنطقة، وخشيتها من تمكّن النظام الإيراني من السيطرة الكلية على سوريا، خاصة بعد القرار الأمريكي المفاجئ الانسحاب من سوريا.
وكان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قد أعلن الأربعاء 19 ديسمبر/ كانون الأول، عزمه سحب قوات بلاده من سوريا. وهو القرار الذي أدى إلى ردود فعل منددة داخل حكومته، كان أبرزها تقديم وزير الدفاع الامريكي، جيمس ماتيس، استقالته من مهام منصبه.
تخشى دول الخليج من وجود صفقة بين ترامب وأردوغان تتعلق بالقرار الأمريكي الأخير
وأثار قرار الانسحاب الأمريكي مخاوف الخليجيين من أن تأخذ إيران محلّ الأمريكان في تلك المناطق الحدودية مع الأردن والعراق وتركيا. ويصل عدد القوات الأمريكية في سوريا إلى نحو ألفي جندي يتمركزون بشكل أساسي في مناطق شرق وشمال البلاد، وهي مناطق غنية بالنفط وتتمركز فيها قوات سوريا الديمقراطية (يمثل الأكراد العنصر الرئيسي فيها) وتخوض صراعاً ضد تنظيم “داعش“.
وترغب السعودية ومن وراءها باقي دول الخليج، في احتواء سوريا، أقرب حلفاء إيران، داخل “الصف العربي”، وهي رغبة وجدت في مقابلها رغبة سوريا في إيجاد الأموال الكافية لإنقاذ اقتصاد بلاده المتعثّر نتيجة تواصل الصراع هناك منذ أكثر من 8 سنوات.
وتؤكّد عديد المؤشرات أن التحول في الموقف العربي يأتي نتيجة رغبة هذه الدول في ضم سوريا إلى المحيط العربي بدل الارتماء في أحضان إيران، وذلك لقطع الطريق أمام طهران في مساعيها للتدخّل في المنطقة من خلال فرض الوصاية عليها.
السهام موجّهة إلى تركيا أيضا
ليست إيران وحدها المستهدف من هذه الخطوات العربية، بل تركيا أيضا. وتخشى العواصم الخليجية من تنامي نفوذ أنقرة في المنطقة، لذلك فهي تسعى إلى غلق الأبواب وقطع الطريق أمامها. وترغب كلّ من السعودية والإمارات بتطوير تحالفاتهما داخل سوريا من أجل صد النفوذ التركي.
وتخشى دول الخليج من وجود صفقة بين ترامب وأردوغان تتعلق بالقرار الأمريكي الأخير، فقد جاء القرار عقب مكالمة هاتفية للرئيس ترامب مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، حيث تم الاتفاق خلالها على بيع صفقة صواريخ “باتريوت” بقيمة 5.3 مليار دولار لتركيا، في مؤشر هام جدا لتحسن في علاقات الحليفين الأطلسيين، ما يعني أن الأجواء مواتية بالفعل لعقد صفقات استراتيجية بينهما.
خشية خليجية من تنامي النفوذ التركي في سوريا
وترى دول الخليج أن واشنطن أعطت الضوء الأخضر لأنقرة لبدء عملية عسكرية تركية تعقب انهاء الانسحاب الأمريكي مباشرة، وشغل مكانها هناك، وتعتقد هذه الدول أن في القرار الأمريكي احتمالية عالية لتبادل الأدوار بين الولايات المتحدة وتركيا، خاصة في ظلّ تصاعد اللهجة التركية بشأن شن حرب ضد القوات الكردية.
يتبين مما قلنا إن الأنظمة العربية على رأسها الخليجية، تأكّدت بعد قرابة الثماني سنوات من اندلاع الثورة السورية من فشل سياسته في سوريا، في مقابل تحقيق كل من طهران وأنقرة مكاسب ونفوذا أقوى في هذا البلد العربي، فما الذي سيعقب الخطوات التي اتخذها العرب أخيرا؟